إسقاط القمر! (د. مصطفى واعراب)

يلعب القمر دوراً مهماً في الكثير من الطقوس السحرية في المغرب, فهو يمارس تأثيره بشكل إما ايجابي أو سلبي، بحسب درجة نموه وموقعه وحتى حسب الشكل الذي يظهر به في السماء, وفي يومية السحرة يناسب النصف الأول من الشهر القمري القيام بأعمال السحر الدفاعي، بينما لا تنجح وصفات السحر المؤذية إلا ابتداء من اليوم 15 منه.

ومن المعتقدات القديمة لدى المغاربة، أن القمر هو حورية تولد في أول الشهر وتموت بمتامه، وفي كل شهر يولد ويموت قمر مختلف، حتى درج المغاربة على القول لبعضهم البعض ان «الشهر قد مات»,,.
ومن المعتقدات المغربية الاخرى، ان الاقمار او الحوريات التي تموت تؤنس أرواح الموتى، ,,, وانه لا يجوز للمرء أن يشير إلى القمر بسبابته، ولا أن يتبول في اتجاهه لأن من شأن ذلك ان يجلب على الفاعل عواقب وخيمة، بل ان المرأة الحامل لا ينبغي عليها ان تنظر إلى الكوكب المنير في علياء سمائه, وان هي فعلت إما تحديا أو نسيانا، فإنها ستلد توائم!
ومن طرائف المعتقدات المرتبطة بالقمر أن اليهود المغاربة كانوا يرون في وجه الكوكب الفضي وجه الملك، بينما يرى فيه المغربيون وجها ذميما لامرأة زنجية تحمل طفلها على ظهرها، وارتبط الاعتقاد لدى هؤلاء بالحكاية العجيبة التالية: «ذات يوم، قامت تلك الزنجية بتحقير نعم الله على البشر، حيث أمسكت خبزا وشطرته إلى نصفين مسحت بهما مؤخرة طفلها, وعقابا لها على فعلتها، مسخها رب العزة، تقول الحكاية العجيبة, فصورها على صفحة القمر حتى تكون عبرة لبني البشر، يعتبرون بها ويحترمون الخبز هذه النعمة المقدسة لدى المغاربة».
السحر بأسماء القمر
ولم تقف مظاهر تعظيم الكوكب الفضي عند هذه الحدود، فقد اجتهد بعض السحرة الكبار في ربطه بالقوى ما فوق الطبيعة، في محاولة منهم لتفسير خصائصه السحرية التي يمارسها على الأشياء والكائنات, وكان ابرز اجتهاداتهم وضع تلك القواعد المعقدة لوصفات السحر بأسماء القمر.
ينتمي السحر بأسماء القمر إلى مجالات السحر الرسمي، فالعامة لا تعرف عن تلك الاسماء شيئا، حتى وإن حملها أحدهم في «جدول» مغلق فوق صدره، لقد انخرط بعض افراد نخبة «الطلبة» والفقهاء منذ أمد بعيد في مجهود تنظيري، هم وضع أسس «عملية» لأوجه العلاقات القائمة- في اعتقادهم- بين كوكب القمر والقوى الخفية الأخرى, ولم يبرع احد في تلك المهمة مثلما برع المتصوف المغربي البوني.
يقول البوني «واعلم ان الأسماء السبعة وهي: لياخيم- ليالغو- ليافور- لياروث لياروغ- لياروش- لياشلش وتسمى اسماء القمر، ولها خواص عجيبة واسرار غريبة,,,», ومن خواصها يذكر انها تدخل في اعداد الجداول السحرية المستعملة لأغراض الحب وتيسير العـــلاقات بين الناس, وفي ذلك يوضح البوني ان القمر له «الوفق المتسع تصريفه فــي المحبة لكل الناس والبهجة والقبول,,,».
التأثير السحري
يرى السحر الرسمي ان «القمر له ايضا خدمات (خادم أو خدام) كثيرة موكلة بسيره» والساكن بفلكه هو (,,,) آخذ بناصية أبي مرة الأبيض، إلخ, فالقمر إذن، له خادمان واحد علوي ساكن بفلكه وآخر سفلي يأتمر بأوامر العلوي، وهو أبومرة (ملك أو ملكة الجن «ميرة» عند المغاربة), وقد ندقق أكثر في عناصر التأثير الأخرى، فنجد ان أبا مرة له سلطة على يوم الاثنين، وان القمر «له من الدخن (أي البخور) الموافق له العنبر والميعة السائلة والمرادسنج واللوبيا وبعض اللبان والطيب والمسك».
ويبدو جليا من مصنفات السحر الرسمي أن أسماء القمر هي في حقيقتها الخفية أسماء للجن (خدام القمر)، وان دعوة القمر بأسمائه السبعة أو بأحدها، لا يعدو أن يكون دعوة موجهة لأحد «خدامه» من أجل طلب قضاء غرض.
ولعلمنا بدرجة المصداقية العالية التي تحظى بها مصنفات السحر التي وضعها البوني، في أوساط السحرة ببلادنا، فإننا لن نتردد في القول بأن الطقوس الشفوية (دعوة القمر) او المكتوبة (الطلاسم والجداول)، التي تمارس لأغراض «المحبة والبهجة والقبول» هي طقوس منتشرة على نطاق واسع في المغرب، ضمن ما يمارس من اعمال السحر الابيض.
ومن نماذج الوصفات السحرية بأسماء القمر، نستقي الأمثلة التالية من أحد أشهر مؤلفات السحر الرسمي.
ومن كتب الاسماء السبعة للقمر في أثر المطلوب (الشخص المستهدف) وأوقده بزيت طيب وأطلق البخور: عود مصصك وكندر، حضر إليه مطلوبه طائش العقل هائما من شدة الوجد.
إذا أخذت صماخ أذنك اليمين وعملته في تين وقرأت عليه دعوة القمر سبع مرات واطعمته لأي شخص، انجذب اليك بالمحبة الصادقة، وتبعك فيما تريد.
ومن كتبها (الأسماء السبعة للقمر) في تمر أو تين أو لوز مقشر وأطعمة لمطلوب به حظي بقربه.
إذا أخذت من شعر إبطيك وقلامة أظفارك وحرقتها وأضفتها إلى ماء ورد وزعفران، وكتبت به الأسماء (السبعة للقمر) سبع مرات في كفك ومسست به إنسانا، تبعك.
عجين القمر
واذا كان السحر الرسمي يمنح للقمر خصائص تأثيرية ايجابية في امور «المحبة والبهجة والقبول» فإن السحر الشعبي على العكس من ذلك، يمنحه قدرات رهيبة توظف في مجالات السحر الاسود, حيث يتحدث السحرة عن «إسقاط» ثم «عجن» القمر بشكل غامض يزرع في النفوس مشاعر الرعب.

كيف تتم العملية؟
- عن هذا النوع من السحر الاسود، نقل (دوتيه) عن مصادره الشفوية ان «إسقاط القمر» يتطلب قتل طفل صغير، وان من طقوسه الاخرى، جعل الماء يغلي في قدر تنعكس عليه صورة القمر, أما الدكتور أخميس، فإنه يرى في «عجينة الكمرة» (أي عجين القمر) جزءًا من ترسانة السحر المستعمل في تفريق الازواج، وهو تخصص للفقيه السوسي, بينما كتب الطبيب موشون يقول: إن عجين القمر يستعمل في أغراض الخير والشر، التي «يحققها» السحر في المغرب.
ولكن كيف يتم صنع هذا العجين السحلاري العجيب؟
- يترك الفقيه (السوسي) قصعة من الخشب في مقبرة لمدة سبعة أيام بلياليها, يجلب الماء من سبعة آبار, وفي ليلة اكتمال البدر، يذهب إلى مقبرة، وهناك يدعو كل الأرواح أن ينزل القمر في القصعة التي وضع فيها المسك والعنبر والدقيق، ثم يقوم بعجن كل ذلك ليحصل على عجينة تصلح لأغراض شتى.
وقد سمعنا تأكيدات مشابهة لهذه الطريقة في تحضير «عجينة الكمرة» من مصادر شفوية، مع بعض الاختلافات في التفاصيل، حيث يستعمل التراب المجلوب من المقبرة المنسية (المقبرة المهجورة التي لم تعد تستقبل موتى جدد)، ضمن عناصر الوصفة ويقدم الطبيب الفرنسي موشون تنويعا اكثر غرابة للوصفة اياها، نجمله فيما يلي:
«تشتري الساحرة قطعة جديدة في النهار، تغسلها وتزور بها كل مساكن الشياطين: «المجازر والمراحيض والمقابر وأضرحة الأولياء وايضا البيعات (الكنائس اليهودية), وتأخذ الماء من سبع عيون أو سبعة آبار مغطاة، وتدعو في كل مرة الشياطين أن تساعدها في انزال القمر, تقوم الساحرة بكل هذه الاستعدادات عشية اكتمال البدر، أي عشية اليوم الخامس عشر من الشهر العربي، وتمضي الساحرة إلى المقبرة بعد ان تكون قد استحمت وتجملت بشكل غريب حيث وضعت الكحل في العين اليمنى والاحمر فوق الخد الأيمن وتمرر السواك على النصف الأيمن من فمها، فقط».
في المقبرة، ترخي الساحرة شعرها على وجهها، كما تفعل النائحات، وتتعرى بشكل كامل، ثم تشرع في الجري فوق القبور وفي كل الاتجاهات، بعد أن توقد على الأرض بعض الأبخرة المستطابة من الجن.
وهنا تبدأ كائنات الخفاء في التجمع من حولها بكثافة, وإذا كانت الساحرة فاقدة لعذريتها، فإن في وسعها أيضا أن تتحدث إلى أولذاك الجن الذين يقتربون منها ليسألوها حاجتها, وبعد ان تحصل الساحرة على ما شاءت منهم، تضع صحنا كبيرا به ماء فوق قبر حديث الدفن، وتتوجه صوب القمر مرددة:
يا كمرة، يا طالعة من مرارة
يا لابسة الدنيا كيف الغرارة
اعطيني ثلاثة يهود وثلاثة نصارى
يجيبوا لي فلان ولد فلانة
وخا يكون في بغداد,,.
ومن اللسان العامي المغربي، نستطيع نقل «دعاء القمر» هذا إلى العربي الفصيح على النحو التالي:
أيها القمر الطالع من المرارة
يا من يلبس الدنيا مثل الغرارة
اعطني ثلاثة من اليهود وثلاثة من النصارى
ليأتوني بفلان بن فلانة
ولو كان في بغداد
ملاحظة: (الغرارة، سلة بدون قعر يحفظ فيها الفلاحون القمح)
في نهاية الطقس السحري العجيب، يكون القمر قد «سقط» في صحن الماء، وانتهى إلى «الانطفاء» فيه, فتقوم الساحرة بتسخين الماء حتــى يتحول إلى رغوة كثيفة شبيـــهة برغــوة الصابون، تقوم بجمعها والاحتفاظ بها في قنيــنة، لاستعمالاتها اللاحقة,,.
وهناك وصفة مشابهة، لكن تتضمن بعض الاختلافات البسيطة في التفاصيل,,, في الليلة الموعودة بين منتصف الليل والساعة الواحدة صباحا، تكحل الساحرة عينها اليمنى فقط، بالكحل، وتضع القرمز (العكر) على خدها الايمن والسواك في الجزء الايمن من فمها ودملجا في يدها اليمنى وحلقة في رجلها اليمنى، وتفتل من شعرها صغيرة في الجهة اليمنى من رأسه، بعد كل ذلك، تذهب وحيدة لتضع قصعتها على الأرض في مكان يتوسط المقبرة بالضبط، وتتعرى الساحرة وتحمل في يدها اليمنى راية صغيرة بلون أخضر، وتذرع المقبرة من أطرافها إلى اطرافها وفي كل الاتجاهات، داعية ارواح الظلمات ان تنزل لها القمر.
وفي القصعة، تفرغ الساحرة ماء المنابع السبعة، فترى القمر يصعد نحو النقطة من السماء التي تقع فوق رأسها عموديا، ثم يهبط بطيئا نحو القصعة وفي ذلك الحين تنطلق عاصفة فيفيض الماء (في القصعة) ويتدفق منها، فتسرع الساحرة إلى جمع تلـــك الرغوة (رغوة الماء) في إناء, وأثناء ذلك تحرق الجاوي والقزبر في موقد، قريب من القصــعة، وهي تقول: «بغيتك تخدمني في الخير والشر» (أريد أن تأخذ مني في الخير وفي الشر).
وعندما يمتلئ الإناء بالرغوة، تخمد الساحرة نار البخور وتصب ماء القصعة في الأرض، فيصعد القمر المتحرر من قبضتها رويدا رويدا نحو السماء، وتعود محملة بالإناء لتضيف إلى الرغوة صمخ المصصكي والجاوي الابيض ومواد اخرى، تخلطها كلها لتحصل على «عجينة» تصلح لعمل الخير، كما تصـلح لعمل الشر.
وتباع تلك العجينة بأسعار باهظة تعكس ندرتها وأهيمتها البالغة في العمليات السحرية، وتستعمل خاصة في وصفات السحر الاسود، لبث الخلاف والتفريق بين الأزواج والاصدقاء والشركاء, ويكفي لاجل ذلك، أن يوضع القليل من «العجينة» إياها على طريق احد الطرفين، او ان تمسح بها الأصابع قبل لمس يد أحدهما لتنتهي العلاقة بين الاثنين.
ويصح العكس، بحيث، يمكن- حسب الظروف والرغبة- استعمالها لكسب ود صديق أو عشيقة، كما يستعمل المستحضر الرهيب (السمعة) لإحداث الثقاف (العنة) لدى الرجل أو للانتقام من الغريم، إلخ.

0 التعليقات:

إرسال تعليق