ربيس الروسي, والنبؤات التوراتيه, وقضاء الله!!


عصور النهضة بكل فلسفاتها اعتبرت الدين حجابا للعقل, وظلت الفلسفة الاروبية محافظة على مبدئها في الوصول للحقائق بربطها بالاكتشافات العلمية, والتي صارت معتقد بحد ذاته يلتزم به كل باحث عن المعرفة من الاروبين أو المسلمين الذين اتجهوا إلى أروبا لتلقي علومهم هناك ورجعوا لبلدانهم لنشرها وتنوير شعوبهم التي انقطعت صلاتها بالعلوم والثقافة بعد عصور من الجهل والاستعمار العثماني. وهذا ما شجع العديد من الذين اعتبروا العلم حجابا للوصول للذات الإلهية والعرفان الروحي, لربط تلك الاكتشافات العلمية بفلسفة الوجود والذات الإلهية, حيث بدأت هناك اجتهادات في السبعينات لربط النتائج العلمية بالكتب المقدسة.



الاعجاز في الكتب المقدسة والفكر المتطرف
بجانب من ذكروا سابقا, نشأت جماعات أخرى أبتدعت فلسفات عددية للوصول للحقائق الغيبية في الكتب المقدسة, كما كان الشأن لدى أحبار اليهود والانجليين الذين اجتهدوا بربط التوراة بالأحداث السياسية لتكريس فكرة الأرض المقدسة, وكذلك بعض الفقهاء المسلمين بربط تلك المنظومة العددية بالاكتشافات العلمية, والغريب أن كل هؤلاء كانوا يعتمدون على نظام عددي وإن اختلف توظيفه إلا أنه حمل نفس الآلية وهي حساب الحروف وقسمتها على الأعداد الأحادية أو ربط تلك المنظومات العددية بتفسير الآيات في القرآن الكريم, وكان معظمهم من الذين كان لديهم حضور في الساحة الأفغانية أو لهم علاقة بتنظيم الإخوان المسلمين, فرغم مجهوداتهم في تفسير تلك الآيات وربطها بنتائج علمية إلا أن تحركاتهم السياسية والتي أتبثت أكثر من مرة ارتباطهم بجماعات متطرفة, يجعلنا نطرح أكثر من تساؤل عن الغاية الحقيقية من ذلك التوجه.


كما كان الأمر عندما سقطت أبراج التجارة العالمية, تردد في أوساط الجماعات الإسلامية المتطرفة, أن ذلك العمل الإرهابي ذكر في سياق سورة التوبة التي تمثل السورة 9 في فهرس القرآن وذلك ضمن الآيات الإحدى عشر الأولى!!!!

نفس الشيء تردد على لسان المتطرفين اليهود الذين اكتشفوا هذه الآلية قبل الكل في التوراة, بشأن مقتل رئيس الوزراء الاسرائلي إسحاق رابين بيد أحد المتطرفين الذي قال حين قبض عليه أنه أطاع أمر الله, وكذلك حادثة أبراج نيويورك!!!
وذلك بربط الحدث مع أسم القاتل والمقتول وتاريخ الحادث بتطابق لنبوءة مستنبطة من تقاطع الحروف العبرية في التوراة.
أما الانجليون فقد تنبؤا بسقوط البرجين التوأمين بطائرات في عمل إرهابي بأيدي عربية!! وسيتضرر البنتاغون في تلك العملية وسيكون تاريخ العملية إذانا بنهاية العالم وحتى أنهم وجدوا تقاطع لاسم بن لادن انطلاقا بنفس المبدأ داخل التوراة!!؟!!


فقد اكتشف بعض الحاخامات أن التوراة تحمل منظومة عددية للكلمات, وأن تلك الأعداد تدل على نبوءات للمستقبل على الرغم من أن التوراة الحالية ليست بالعبرية الأصلية!!
ولعل البعض صدق ما قاله المتطرفون, والكثير ذهل بتلك الآلية داخل الكتب المقدسة, بما أن تلك الحوادث مربوطة بنصوص مقدسة, لكن القليل من رفضوا تلك الإسقاطات لأنها لا تحمل منطق ديني إنما أسلوب مهرطق يبتعد عن رؤيتنا لله الخالق الحكيم العدل, ويقترب من الأسلوب الوثني في التنبؤ للمستقبل, فكيف سيدخلنا الله في متاهة توقع الغيب التي نهى عنها أصلا, فالقاعدة الإلهية تقوم على مبدأ (وإن أصابتكم حسنة فهي من الله وإن أصابتكم سيئة فهي من أنفسكم), فنحن من نصنع الخير والشر, والغيب رحمة الله لعباده حتى لا نعجل بذلك الشر ولا أن نقرن إيماننا بذلك الخير. وهذه القاعدة ما سيكون منطلقنا في إخضاع تلك التنبؤات إلى التحليل والبحث, فماذا وجدنا؟!!


بالاطلاع على الطريقة اليهودية للبحث عن تلك التنبؤات داخل التوراة, وجدنا أنها تشبه لحد كبير لعبة الكلمات المتقاطعة (انظر إلى الصورة المصاحبة للنص), التي تعتمد على نفس المنظومة لأعداد الأحادية والتي تشكل فلسفة هرم الوجود, فيمكن بسهولة إخراج أي إسم بتلك الطريقة من أي كتاب بالعبرية, وربطها بسيناريو مجهز أو حدث سابقا. مع أن شكنا كان عاليا في كون قاتل إسحاق رابين جهز لتلك العملية على الطريقة الاثنى عشرية والحادث كان مدبرا, كما كان الحال في عملية 11 من سبتمبر..


فعند قراءة سورة التوبة التي تسرد إذن الله تعالى في محاربة المشركين قبل 14 قرنا من يومنا هذا لنقضهم معاهدة الهدنة التي وقعوها مع الرسول محمد عليه الصلاة والسلام وأتباعه.. تجد أن اختيار اليوم كان متعمدا ومقصودا, لربط ذلك العمل الإرهابي بالقضايا التي تحملها سورة التوبة, وكذلك لتحمل نوعا من القداسة التي تثير عواطف المؤمنين..

فالسؤال الذي يطرح نفسه لما لم تظهر تلك التنبؤات في القرون الماضية رغم ميل الناس في الزمن الماضي إلى ربط كل حدث أو ظاهرة برحمة الله وقدرته أو بغضبه, وقد كان هناك تفسير من أحد الصحفيين الامريكيين الذي ألف كتاب في جزئين (التوراة : الشفرة السرية - The Bible Code) عن نبوءات التوراة, وهو "ميشل دروسنين" Michael Drosnin حيث قال :( أنه كان لبد من وجود كمبيوتر لفعل ذلك!!)

ورغم أنه تناول الموضوع بكل جدية لكي يظهر عظمة الاكتشاف, إلا أنني أستغرب كيف لم يسأل نفسه, لما تلك التنبؤات لم تظهر إلا بعد 1930م؟!! لما لا يوجد نبوءات تخبر عن أحداث في زمن سابق بقياس عدد القرون و الأحداث التي مرت على الشعب اليهودي والمسيحي والإسلامي؟!!


الجواب الوحيد الذي يمكن أن نستخلصه الآن هو أن تلك الأحداث مدبرة انطلاقا من سيناريو التنبؤات, بنفس الطريقة نجد أن المتطرفين الإسلاميين استغلوا السيناريوهات السرد لوقائع تاريخية لإلباسها ثوب أحداث سياسية حالية, مع ربطها بالنظام العددي الذي يتميز به القرآن, وهذا ما رأيناه في نص واحد من تلك النصوص التي طوعت لأهداف لا تمت لشريعة الدين الإسلامي بصلة, بل بالغوص في تلك التفسيرات التي أعطيت للمنظومة العددية إن كان في القرآن أو التوراة, وجدنا أن كل الأرقام التي تم التركيز عليها لديها صلة بالثقافة الوثنية الفارسية و البابلية و السلتيّه.. وكذلك لديها تكرار في آليتها ومفاهيمها مع جماعات باطنية سابقة نجحت في فلسفة معتقدها الوثني وربطه بالدين السائد في مجتمعاتها وإقناع أتباعها بمصداقية علومها الروحانية, كجماعات إخوان الصفا, الغنوصية والماسونية.

مخترع نظام ريبس!!
مكتشف هذه الآلية هو عالم رياضيات روسي الأصل كان موقوفا لدى السلطات الروسية,و قامت من أجله حملة عالمية بقيادة منظمة علماء الرياضيات الأمريكية لفك سراحه حيث أستقر في تل أبيب سنة 1970 يدعى ربيس!! وريبس حسب "ميشل دروسنين" هو قراءة لكلمة صفيراد بالعكس باللغة العبرية وهي علامة أخرى من العلامات الإلهية حسب مؤلف الكتاب (التوراة الشفرة السرية) للدلالة على قدسية هذه الآلية لكشف التنبؤات الغيبة!!


وإذا تبعنا نظرية ربيس, هنا يمكن أن ألقب نفسي "بالملا" فقد فهمت أنا الاخرى لما يصر كل مستشار ديني متطرف أن يلقب بالملا, ففواتح السور المهمة في القرآن تبدأ ب (ألم) وبالعكس يمكن قرأتها الملا فلان أو معقوفة تعطي إسمي الشخصي!!
مع العلم أن اللغة المعلوماتية ترتكز كما نعلم على الاصفار والاحاد التي هي بالمقابل تشكل المنظومة التي تعتمد عليها الجماعات السرية في القسمة لأعداد والتواريخ المقدسة.

لاحظنا أيضا أن تلك الالية تعتمد على شكل هندسي معروف المنظومة في الفن اليهودي وكذلك في فن الارابيسك العربي وخصوصا الاندلسي والذي لازال يلتزم به الحرفيون المغاربة في النقش والارابيسك والذي وجدناه في المشغولات اليمنية القديمة والنقش القديم للقصور اليمنية بشكل ملحوظ والتي شغلت بيد الصناع اليهود ووجدنا أنها تعتمد على آلية الثمانية قطع والروابط الخمسة أو الثلاثة فيما بينها, في شكل مربع يشكل إثنى عشر قطعة بربطها بثلاثة فواصل في كل ضلع, وتكون كل مجموعة عددية مختلفة اللون عن الاخرى. وهذه الهندسة هي موروثة في الاصل من مجتمعات وثنية من عبدة الشمس والكواكب, حيث يكثر فيها تمثيل شكل الزهرة الثماني والاثنى عشري.

التنبؤات الثوراتيه وقضاء الله!!
من التوقعات التي أدرجها الجزء الاول من الكتاب الذي تم نشره في سنة 1998, أن إسرائيل سيتم إجتياحها من طرف حافظ الاسد الذي ظهر إسمه واضحا وسيتم تدميرها بمحرقة نووية على يده!! في سنة 2000 حسب السنة الميلادية.

ثم في سنة 2002 ستقوم حرب عالمية بالسيوف يجتاح فيها حافظ الاسد إسرائيل.. لكن حافظ الاسد لم يكن جاهزا لتلك الحرب لأنه توفي سنة 1999 !!

أي قبل موعد الحرب المذكورة في الثوراه كحرب مقدسة ستفتح فيها يأجوج ومأجوج وينزل الموتى من جهة جبل الزيتون في القدس, لذلك كان لبد من البحث عن خطة بديلة!!

فكانت ماجاء في أحد صفحات الثورات أن أمريكا ستضرب من الجهاديين, وضربت أمريكا من الجهاديين! المهم هنا هو تتمة النبوءة التي تقول أن أرييل شارون سيقود حربا في سنة 2006!! لكن شارون لم يكن في الموعد هو الآخر فقد سقط في غيبوبة جعلت عاجزا عن تحقيق الخطة (ب)!!

فكان لبد من أن يقود إيهود الحرب المقدسة لحماية إسرائيل من المحرقة النووية فلم يجد أحسن من حزب الله فقامت صيف حرب 2006 ليدخل سوريا في تلك الحرب , لكنها لم تحقق النبوءة النتائج التدميرية الموجودة في الجزء الثاني الذي صدر في سنة 2004 والذي ذكر سيناريوهات عن تنبؤات البرجين والحرب المقدسة لسنة 2006!!


الشيء المضحك هنا هو أن كل تلك الحروب المقدسة لم يبحث عنها العرب كما جاء في نبوءات التوراة وإنما بحثت عنها إسرائيل بكل الوسائل ويكفي الآن أن نتوقع الحروب القادمة عبر ما تقدمه صفحات الثورات في الشفرة السرية التي أبتدعها ريبس في برنامجه المعلوماتي!!

وهذا شيء طبيعي لأن فكرة الدولة الاسرائلية قامت على كذبة الأرض المقدسة كما كان الشأن لدى تنظيم القاعدة والجيش الاسلامي وغيرها من التنظيمات التي تنطلق من نفس القاعدة التوجيهية, (قاعدة : " استعدوا لحرب, الآخرون يتأمرون علينا!!! ).. ولهذا يجب أن ننتظر ما هو أسوء, لأن كل طرف يحتاج لعدو ليحمي بقائه واستمرار كذبته التي تحافظ على قوة تجمع أتباعه وتوسع رقعة انتشاره..
وهنا يجب أن نفهم لما تم اجتياح العراق بالاعتماد على تقارير كاذبة قدمتها المخابرات الأمريكية وأكدتها المخبرات البريطانية.. والتي لم تكن في الواقع إلا فخا ذكيا من المخابرات الايرانية بفضل عميلها المزدوج الكردي "تشلبي", للتخلص من نظام صدام أولا ثم استلام العراق على طبق من فضة في الاخير!! فتلك الحرب كان لبد من قيامها حتى تحمل بعدها القدسي الذي تعتمد عليها كل القوى المتطرفة لتغذية الكذبة في قدسيتها ليبرر اللامنطق في تحركات السياسة وعولمتها.

يأجوج ومأجوج اليمنية
حسب ما تقوله التفسيرات الاسرائلية فإن يأجوج ومأجوج ستفتح ما بين إسرائيل وسوريا. والشيء الذي يجب أن نذكره هنا هو أن يأجوج ومأجوج المرتبطة بالملك ذوقرنين هي يمنية, أي إذا تبعنا الهرطقة الاسرائلية فالمفروض أنها ستفتح في اليمن وليس في سوريا! ذوقرنين هو تبع يمني..


الدراسة التي وجدتها لدى الباحث اليمني اللواء الركن علي بن علي الانسي تؤكد أن أرض بني إسرائيل توجد في اليمن وليست في فلسطين, ووجود هذه الاماكن الحالية بأسمائها هو من باب إعادة تسمية الاماكن التي تحمل دلالة قدسية بعد الاجتياح البابلي لليمن وأسر الملك بخانصر لبني إسرائيل وقتله لأحبارهم الذين كانوا يحملون أسرار الثوراة والتي ظلت محفوظة لأنها درست بشكل غنائي لطلاب العلوم الدينية.

وإلى يومنا هذا لاتزال هناك قرية تسمى بمأجوج في اليمن ولتزال أسماء القرى العبرانية بقبائلها تحمل نفس الاسماء ونفس الاماكن التي ذكرتها الاسفار والثورات, زد على ذلك أنه بقياس منطق المسافة التي قطع سيدنا موسى (ع) وبني إسرائيل من الجيزة إلى البحر الاحمر نجد أنها لا تطابق منطق الاحداث في التي ذكرت في الكتب المقدسة, فحسب اللواء الركن علي بن علي الانسي فإن البحر الذي ذكر في القرآن الكريم هو وادي عميق صار جافا حاليا في أحد مناطق اليمن في الطريق إلى صحراء الربع الخالي والتي ذكرت على أنها صحراء سيناء في الكتب المقدسة والتي هي أقرب إلى المكان المنطقي لتيه بني إسرائيل بإعتبارها أكبر مساحة وأكثر تشعبا, والمعروف أن أحد جبال اليمن يدعى الهان أو همان, كما يوجد جبل النبي شعيب وجبل سيدنا أيوب وبني الجدرين التي تتعلق بحكاية السيد الخضر والجدار الذي أقامه بصحبة سيدنا موسى ما بين جبلي عطان وعيبان.

ومع أن هذا البحث لايزال في طوره إلا أن منطقية ماجاء به البحث تجعلنا من باب الامانة العلمية نتوقف لطرح أكثر من تساؤل عن سيناريوهات الحروب المقدسة والاماكن المقدسة المفقودة والتي ذكرت في التوراة ولم تجدها الحفريات الاثرية ليومنا هذا..

ولقد قمت بزيارة ميدانية برفقة اللواء الركن علي بن علي الانسي إلى بعض تلك الاثار التي تخص الفراعنة اليمنين كما ذكرها المؤرخ الطبري في كتبه, لوادي الفراعنة في منطقة بني حشيش بمحافظة صنعاء اليمنية.. وكم كانت دهشتي حين وجدت الوادي ينظق بأثار الفراعنة وآثار معابدهم البدائية ..

3 التعليقات:

غير معرف يقول...

قرأت كتاب "التوراة: الشفرة السرية", سيكون مفيدا لو نشرت الرسوم التي بالكتاب عن اكتشافهم العظيم!!

آمـال عـكيفـي يقول...

شكرا على تعليقك.. الصور التي بالكتاب تصنف في إيطار الملكية الفكرية, لهذا أكتفيت بالاشارة إلى أسم مؤلفه’ لكن يمكن أن يبحث القراء على المؤلف كاملا بطباعته بالاحرف اللاثنية عبر محرك البحث غوغل mechael drosnin
وسيتفاجأ البعض من كم الترويج الاعلامي لخزعبلاته التي أدرجها في كتابه, ومقالتي هذه فقط جزء مما يمكن الرد عليه فيه, فكل سنة تمضي يكذب الله تنبؤاتهم الشيطانية.. فالعيب ليس في الكتب المقدسة وإنما في من يقولون على الله ما لا يعلمون..
والمصيبة أن هناك من العلماء المسلمين من ينقاد إلى نفس الفخ بدرج السور القرآنية إلى نفس الالية وربط عدد أياتها أو تربيبها في القرآن بقداسة رقم معين..

غير معرف يقول...

كنت اتمنى المزيد من المعلومات حول معادلات الاخ ربيس
كمان موضوع ذو القرنين دخل فى سياق الموضوع بشكل اعتراضي وكنت اتمنى تكملى التفاصيل التى تخص الموضوع

إرسال تعليق