كتب إعجاز قرآني أم كتب فتوح علمية؟

لا يجوز ان نعوض حالة التراجع الحضاري بمحاولات للتدليل العلمي على صدق الكتب السماوية، فهي لا تحتاج الى ذلك.

ميدل ايست اونلاين
بقلم: محمود الزهيري

كأن الكتب السماوية تحتاج إلى دليل أو برهان كي يصدق بها الناس ويعتنقوا عقيدتها، وكأن الكتب السماوية يشوبها العجز والقصور في البيان وتحتاج إلى من يكمل هذا القصور ويصحح ذلك العجز.

وكأن الكتب السماوية ليست من عند الله وتحتاج إلى من يعلم الناس أنها كلام الله وكأن الكتب السماوية قد أراد الله لها أن تتصارع وتتعارك فيما بينها لينتصر كتاب سماوي مقدس على آخر مقدس وكأنه لا توجد ثمة قداسة لدى الآخر.

هذه هي الحالة الذهنية المرضية التي تنتاب عقول أدعياء الربط بين المقدس السماوي والعلمي الأرضي.. بين المطلق والنسبي.. بين المقدس والمدنس.. بين رأي البشر وحكمة الله.

مالذي يحتاجه الإنسان المؤمن في عصرنا اليوم؟ هل يحتاج إلى أدلة وبراهين على وجود الله وعلى صدق كتبه السماوية المقدسة؟
هل يحتاج الإنسان المعاصر إلى مايثبت به قلبه ويؤيد فؤاده بأن هناك إله خالق للكون والإنسان والكائنات، وأن هذا الخالق دلالة وجوده هي كتبه المقدسة التي يؤيدها العلم والحقائق العلمية التي كانت بالأمس حقيقة وإليوم صارت لا حقيقة، وفي الغد القريب أو البعيد قد تكون أكذوبة.

هناك العديد من الإبتلاءات التي صنعها أصحاب نظريات الربط بين الدين والعلم، ولم يكن الغرض من هذا الإدعاء سوى الإنتصار لدين من الأديان على حساب دين الآخر.
وهذا سببه ان الصراع في الأساس صراع أديان يريد أصحاب المصالح أن يؤججوا هذا الصراع لدرجة أن يتم لعن وسب أصحاب الأديان بعضهم بعضاً في بيوت الله ولدرجة يتبدى معها كل صاحب دين هو الوحيد الذي يتبع الحق وحده وغيره من أصحاب الأديان الأخري على الباطل المطلق، ولدرجة تم فيها احتكار الجنة والنار وما يتبعهما من أحكام دينية في التكفير والتلعين والتفسيق والتجهيل والطرد من الرحموت والملكوت.

اصحاب هذه النظريات أعتقد أن من امامهم مصلحة ومن خلفهم مجحفة وعن أيمانهم ثلة من المدفوعين لتأجيج الصراع وعن شمائلهم ثلة من مضللين ويحيط بدائرتهم الغوغاء والدهماء والسوقة من ضعيفي الإيمان.
المسألة ورائها أنظمة تدعي الإنتصار للمقدس على حساب الإنسان وهذه الأنظمة على يقين بما تفعله لتغييب عقول الناس من الدهماء والغوغاء والسوقة عن قضايا الإنسان الرئيسية، فتلهيه عن تلك القضايا بدعوى الإنتصار للمقدس وتعميق الإيمان به على حساب الواقع المأزوم والمكلوم بفسادات تلك الأنظمة.

تبدأ الحكاية من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية , وكذلك في الكتاب المقدس/الإنجيل.
قرأنا قديماً لعبد الرزاق نوفل ومصطفى محمود وعبد المجيد الزنداني وزغلول راغب النجار وأخيراً طلع علينا صمويل العشاي بكتابه الإعجاز العلمي في الكتاب المقدس.

وكأنه يريد أن يتصارع مع أصحاب النظريات الدينية للمسلمين الذين يريدون أن يدللوا على صدق القرآن والسنة بالعلم وهو كذلك أراد بكتابه الإعجاز العلمي في الكتاب المقدس أن يبرهن على صدق الإنجيل بربطه بالعلم الحديث، فكانت الحملة شعواء على صمويل العشاي.

وبدأت مع العشاي رحلة العذاب والألم من المسيحيين أنفسهم، بل واشتدت الحملة شراسة من المسلمين. وبدأت حملات التكفير والتلعين والتفسيق لا لتصيب صمويل العشاي وحده، بل لتمتد إلى غيره من المسيحييين.
وفكر البعض في طرده من الكنيسة، وكان أن نعته آخرون بأبشع النعوت وأسوأ الصفات، وهذا ما حدث للمسلمين مع أدعياء الربط بين المقدس السماوي والعلم الأرضي من الرافضين لتلك النظريات الخاطئة.

وكنت أتمنى أن يتم التراشق بالأقلام قبل السيوف وبالتفكير قبل التكفير وبالعقل بديلاً عن الهوى.
أعتقد أن الأزمة لدى المسلمين والمسيحيين فقط لأننا لم نسمع عن إليهود أنهم دللوا على كتابهم المقدس بأي دليل من الادلة العلمية الحديثة أو القديمة لأنهم في غالبيتهم أصحاب معظم المنتجات العلمية والحضارية الحديثة.

والذي اتمناه أن يتم جمع أصحاب نظريات التدليل على صدق الكتب السماوية بالعلم الحديث أن يجتمعوا معاً في مكان واحد وتجري المناظرات العلمية والدينية بين هؤلاء الأدعياء في حضور أساطين العلم الحديث من المتخصصين في الطب والهندسة والفلك والكيمياء وذلك في مناظرات علنية على شاشات الفضائيات ليوضحوا للناس أن الاستناد إلى الأكاذيب والترويج للترهات لا يفيد الأديان ولا يدلل على صدقها لأن الإيمان لا يحتاج إلى تدليل والعقائد لا تحتاج إلى تأييد من أحد أو تشكيك.

فهذه دعوة أوجهها إلى هؤلاء وهؤلاء، هؤلاء من أدعياء النظريات العلمية المرتبطة بالتصديق بالدين، وهؤلاء من أصحاب النظريات العلمية المجردة ليتضح في نهاية الأمر أن الكتب السماوية ليست كتب طب أو صيدلة أو فلك أو كيمياء او فيزياء، وإنما هي كتب عقيدة وإيمان وتنظيم علاقات البشر بينهم وبين إله البشر، وبينهم وبين الناس.

هذه الكتب السماوية المقدسة تنتصر للإنسان ولا تنتصر لذاتها لأنها من كلام الله، والله عظيم لا ينفعه الإنتصار لذاته ولايضره من كفر بذاته.
فهل يستجيب للدعوة زغلول النجار وصمويل العشاي في مناظرات تجمع أساتذه العلم والنظريات العلمية المجردة من أمثال الدكتور خالد منتصر.

أم أن الدعوة ستكون هي والعدم سواء، وسنظل في حالات مرضيّة تنتصر للمقدس على حساب الانتصار للإنسان والمشتركات الإنسانية.

محمود الزهيري
amahmoudelzohery@yahoo.com

0 التعليقات:

إرسال تعليق