الديانات السماوية : الصابئة المندائيين




المندائية أو الصابئة المندائية هم أثباع النبي يحي ابن النبي زكريا عليهما السلام. وكانوا منتشرة في الحجاز و بلاد لرافدين و فلسطين ما قبل المسيحية و لا يزال بعض من أتباعها موجودين في العراق و اقلي الأحواز في ايران إلى الآن.

و يطلق عليهم في اللهجة العراقية الصبة كما يسمون بالمندائيين أو الصابئة المندائيين حيث اشتقت كلمة المندائيين من الجذر (مندا) و الذي يعني بلغتهم المندائية المعرفة أو العلم أما كلمة الصابئة فهي مشتقة من الجذر (صبا) و الذي يعني باللغة المندائية اصطبغ, تعمد, غط أو غطس في الماء و هي من أهم شعائرهم الدينية و بذلك يكون معنى الصابئة المندائيين أي المصطبغين أو المتعمدين العارفين لدين الحق أو العارفين بوجود الخالق الأوحد الأزلي.

بعض علماء اللغة اختلف في أصل كلمة الصابئة و أرجعها إلى الجذر العربي (صبأ) و الذي يعني خرج و غير حالته في حين يدعم البعض نظرية الأصل الآرامي المندائي نظرا للعثور على آثار مندائية قديمة.

تدعو المندائية للإيمان بالله ووحدانيته و يسمى بالحي العظيم أو الحي الأزلي حيث جاء في كتاب المندائيين المقدس كنزا ربا أن الحي العظيم أنبعث من ذاته و بأمره و كلمته تكونت جميع المخلوقات و الملائكة التي تمجده و تسبحه في عالمها النوراني كذلك بأمره تم خلق آدم وحواء من الصلصال عارفين بتعاليم الدين المندائي و قد أمر الله آدم بتعليم هذا الدين لذريته لينشروه من بعده.

يؤمن المندائيون بعدد من الأنبياء و أن الله قد أوحى لهم بتعاليم المندائية وهم :
آدم ، شيت بن آدم (شيتل) ، سام بن نوح ، يحيى بن زكريا (يهيا, يوهنا).
ويدعي الصابئة أن اسمهم ارتبط بالنبي ابراهيم الخليل الذي عاش في مدينة اور السومرية ـ مدينة الهة القمر نانا ـ منتصف الالف الثالث قبل الميلاد، وكان ابراهيم عليه السلام أول من نبذ الاصنام وودعا لرب واحد عظيم القدرة حيث آمن الصابئة المندائيون بتعاليم ابراهيم واحتفظوا بصحفه ومارسوا طقوس التعميد التي سنها لهم واستمروا عليها إلى يومنا هذا.

وأنه هاجر قسم منهم مع النبي ابراهيم إلى حران والقسم الآخر بقي في العراق ، وقد عرفـوا فيما بعد بناصورايي اد كوشطا أي حراس العهد الذين أسسوا بيوت النور والحكمة وبيت مندا او (بيت المعرفة) على ضفاف الانهار في وادي الرافدين لعبادة الله، واتخذوا من الشمال القاسي قبلة لهم لوجود عالم النور ( الجنة).

كما ارتبطت طقوسهم و بخاصة طقوس التعميد ، بمياه الرافدين فاعتبروا نهريها دجلة والفرات انهارا مقدسة تطهر الارواح والاجساد فاصطبغوا في مياهها كي تنال نفوسهم النقاء والبهاء الذي يغمر عالم النور الذي اليه يعودون .

وورد مفهوم الاغتسال و التعميد في العديد من النصوص المسمـارية حيث كتب الشاعر السومري في مرثية مدينة اور: (( شعب الرؤوس السوداء ما عادوا يغتسلون من أجل اعيادك ، اناشيدك تحولت إلى أنين ، مدينة اور مثل طفل في شارع مهدم ، يفتش لنفسه عن مكان امامك)).
كتب الصابئة المقدسة
للصابئة المندائيين العديد من الكتب المقدسة وهي:
الكتاب المقدس (كنزا ربـا): ويعني الكنز العظيم و يعتقدون أنه يجمع صحف آدم وشيت وسام ويقع في 600 صفحة وهو بقسمين:
القسم الأول: ويتضمن سفر التكوين وتعاليم "الحي العظيم" والصراع الدائر بين الخير والشر والنور والظلام وكذلك هبوط "النفس" في جسد آدم ويتضمن كذلك تسبيحا للخالق وأحكام فقهية ودينية.
القسم الثاني: ويتناول قضايا "النفس" وما يلحقها من عقاب وثواب.

كتاب (دراشة أد يهيا): ويعتقدون أنه تعاليم وحكم ومواعظ يحيى بن زكريا.

كتاب (الأنفس): و يقولون أنه يضم قصة هبوط النفس في جسد آدم.
كتـاب (آدم بغرة): وهو شرح لجسد الإنسان عندهم.

كتاب (القلستا): وهو تراتيل طقوس الزواج عندهم.

كتاب (النياني): وهو كتاب الصلاة والأدعية عندهم.
و 24 ديوانا متنوعا.
أركان المندائية
ترتكز الديانة المندائية على خمسة أركان هي:
التوحيد : و هي الاعتراف بالحي العظيم خالق الكون.
حيث جاء في كتاب المندائيين المقدس كنزا ربا { لا أب لك و لا مولود كائن قبلك و لا أخ يقاسمك الملكوت و لا توأم يشاركك الملكوت و لا تمتزج و لا تتجزأ و لا انفصام في موطنك جميل و قوي العالم الذي تسكنه}

التعميد : أو الصباغة يعتبر من أهم أركان الديان المندائية و هو فرض واجب ليكون الإنسان مندائيا و يهدف للخلاص و التوبة وغسل الذنوب و الخطايا و التقرب من الله.
و يجب أن يتم في المياه الجارية والحية لأنه يرمز للحياة و النور الرباني. و للإنسان حرية تكرار التعميد متى يشاء حيث يمارس في أيام الآحاد و المناسبات الدينية و عند الولادة و الزواج أو عند تكريس رجل دين جديد.
و قد حافظ طقس التعميد على أصوله القديمة حيث يعتقد بأنه هو نفسه الذي ناله عيسى بن مريم ( المسيح) عند تعميده من قبل يحيى بن زكريا (يوحنا المعمدان).

الصلاة : و هي فرض واجب على كل فرد مؤمن يؤدى خمس مرات يوميا ( صباحا و ظهرا و عصرا وصلاتين بالليل) و غايته التقرب من الله. حيث ورد في كتابهم المقدس (و أمرناكم أن اسمعوا صوت الرب في قيامكم و قعودكم و ذهابكم و مجيئكم و في ضجعتكم و راحتكم و في جميع الأعمال التي تعملون )
و يسبق الصلاة نوع من طقوس الاغتسال يدعى (الرشما) و هو مشابه للوضوء عند المسلمين حيث يتم غسل أعضاء الجسم الرئيسية في الماء الجاري و يرافق ذلك ترتيل بعض المقاطع الدينية الصغيرة. فمثلا عند غسل الفم يتم ترتيل ( ليمتلئ فمي بالصلوات و التسبيحات) أو عند غسل الأذنين (أذناي تصغيان لأقوال الحي).

الصيام :
و له نوعان..
الصيام الكبير: و هو الامتناع عن كل الفواحش و المحرمات و كل ما يسيء إلى علاقة الإنسان بربه و يدوم طوال حياة الإنسان. حيث جاء في كتابهم { صوموا الصوم العظيم و لا تقطعوه إلى أن تغادر أجسادكم، صوما صوما كثيرا لا عن مآكل و مشرب هذه الدنيا .. صوموا صوم العقل و القلب و الضمير}.

الصيام الصغير: و هو الامتناع عن تناول لحوم الحيوانات و ذبحها خلال أيام محددة من السنة تصل إلى 36 يوما لاعتقادهم بأن أبواب الشر مفتوحة تكون عندها مفتوحة على مصراعيها فتقوى فيها الشياطين و قوى الشر لذلك يسمونها بالأيام المبطلة


الصدقة : (زدقا) و يشترط فيها السر و عدم الإعلان عنها لأن في ذلك إفساد لثوابها و هي من أخلاق المؤمن و واجباته اتجاه أخيه الإنسان.
حيث جاء في كتابهم {أعطوا الصدقات للفقراء و اشبعوا الجائعين و اسقوا الظمآن و اكسوا العراة لان من يعطي يستلم ومن يقرض يرجع له القرض} كما جاء أيضا { إن وهبتم صدقة أيها المؤمنون، فلا تجاهروا إن وهبتم بيمينكم فلا تخبروا شمالكم، و إن وهبتم بشمالكم فلا تخبروا يمينكم كل من وهبة صدقة وتحدث عنها كافر لا ثواب له}.

قبلتهم :
ويتجه الصابئة المندائيون في صلاتهم و لدى ممارستهم لشعائرهم الدينية نحو جهة الشمال لاعتقادهم بأن عالم الأنوار (الجنة) يقع في ذلك المكان المقدس من الكون الذي تعرج إليه النفوس في النهاية لتنعم بالخلود إلى جوار ربها, ويستدل على اتجاه الشمال بواسطة النجم القطبي.

المحرمات
التجديف باسم الخالق (الكفر),
عدم أداء الفروض الدينية, القتل,
الزنا من الكبائر المؤدية إلى النار,
السرقة,
الكذب،
شهادة الزور،
خيانة الأمانة والعهد،
الحسد،
النميمة،
الغيبة،
التحدث والإخبار بالصدقات المُعطاة،
القسم الباطل,
عبادة الشهوات,
الشعوذة والسحر,
الختان,
شرب الخمر,
الربا ,
البكاء على الميت ولبس السواد,
تلويث الطبيعة والأنهار,
أكل الميت والدم والحامل والجارح والكاسر من الحيوانات والذي هاجمه حيوان مفترس,
الطلاق (إلا في ظروف خاصة جدا),
الانتحار وإنهاء الحياة والإجهاض,
تعذيب النفس وإيذاء الجسد,
الرهبنة,
زواج غير الصابئة.
و قد ذكرت هذه المحرمات بشكل واضح في كتب المندائية المقدسة.

الصابئة والاسلام
والمندائيون اعتبروا من قبل الاسلام على انهم من اهل الكتاب (( الصابئين )) الذي ورد ذكرهم في القرآن الكريم، في ثلاث ايات.
ففي أحد النصوص المندائية التاريخية, يذكر أنه عندما جاء الاسلام 639 ـ 640 ميلادية, حمل وفد الصابئة المندائيون كتابهم المقدس كنزا ربا (الكنز الكبير) للقائد العربي الاسلامي سعد بن ابي وقاص، واطلعوه على ديانتهم وبأن نبيهم هو يحيى بن زكريا الذي يجله المسلمون فقبل منهم ذلك واكرمهم.
المندائية والتدوين
ربما تكون أول شخصية تذكر في تاريخ المندائيين هو امرأة اسمها ( شلاما بنت قدرا ) ، وهذه المرأة ، التي تسمى باسم امها / او معلمتها في الكهانة ، هي اقدم امرأة (مندائية ) ورد اسمها على انه ناسخة النص المعروف بالكنزا شمالا كتاب المندائيين المقدس الذي يتألف من قسمين (يمين شمال) والجزء الأيسر بشكل نصوص شعرية يتناول صعود النفس إلى عالم النور .. و[الكنزا ربا] هو اقدم نص مندائي . وتعود شلاما هذه إلى سنة 200 بعد الميلاد ، وهي بذلك تسبق بعدة اجيال الناسخ المندائي الشهير زازاي بر گـويزطه سنة 270 بعد الميلاد والذي يعودالى حقبة (ماني) .

في زمن الدولة الفارسية تمتع المندائيون تحت حكم الملك ادشير الأخير بحماية الدولة (الامبراطورية) ولكن الأمر تغير حين جاء إلى السلطة الملك الساساني بهرام الأول سنة 273 ، اذ قام باعدام ( ماني ) في بداية حكمه بتأثير من الكاهن الزرادشتي الأعظم (كاردير ) .
وامتد الاضطهاد الساساني الديني ليشمل اتباع الديانات الاخرى الغير زرادشتية مثل المندائية والمانوية واليهودية والمسيحية والهندوسية والبوذية.
اصبح المندائيون في العصر الساساني الكتبة والنساخ الرئيسيين للوثائق الرسمية بكل اللهجات السائدة ، واهتموا باللغات فاصبحوا همزة الوصل بين الاقوام العربية والارامية وبين الفرس الساسانيين ومن ثم الجيوش اليونانية التي غزت العراق في القرن الرابع قبل الميلاد واتخذت من بابل عاصمة لها تحت قيادة الاسكندر المقدوني، وقاموا بترجمة اساطير وعلوم بابل إلى لغة الأغريق .

كانت الكثرة من اهل المدائن (طيسفون) عاصمة الفرس الساسانيين الشتوية من الاراميين والمندائيين و فيها لهم معابد عديدة، وازدادت اعدادهم في الفترة الساسانية خصوصا شرق دجلة وضفاف الكرخة والكارون فاستوطنوا ديزفول (عاصمة بلاد عيلام) والاهواز والخفاجية والبسيتين والمحمرة وكان اغلب سكان شوشتر من المندائيين الصابئة، كما اصبحت الطيب (طيب ماثا) اهم حاضرة لهم. وتفوقوا في صناعة الذهب والفضة والاحجار الكريمة التي كانت تجلب من مملكة آراتا في المرتفعات الايرانية.

الموطن ومناطق تواجدهم الحالي وعددهم
موطن الصابئة هو العراق او الاصح (بلاد ما بين النهرين)، ويسميهم العراقيون بالعامية «الصبه»، ويعيشون على ضفاف الانهار وخاصة دجلة، وهم جزء من سكان العراق الاوائل عبر تاريخه الحضاري. ويشكلون أقلية دينية مازالت تمارس طقوسها ودياناتها إلى الان . لقد ذكر في كتب المؤرخين العرب القدماء بان الصابئة كانوا يسكنون بطائح العراق، وفي اماكن اخرى غير بلاد وادي الرافدين منها حران وفلسطين والشام وهم عموما يسكنون على ضفاف الانهار لما للماء والطهارة من اهمية في حياتهم الدينية والروحية .. وعند الفتح الاسلامي واقامة الدولة الاسلامية كان يوجدأعداد كبيرةمن الصابئة في بطائح العراق ، في المناطق السفلى لنهري دجلة والفرات بالذات، وفي بطائح عربستان من إيران.

اما الان فمركز الطائفة هو مدينة بغداد اضافة إلى تواجدهم في اغلبية المحافظات العراقية مثل العمارة والبصرة والناصرية والكوت و
ديالى والديوانية اضافة إلى تواجدهم في مدينة الاهواز والمحمرة في إيران وباالاحداث السياسية والاقتصادية التي المت المنطقة بالخمسة عشر سنة الاخيرة، اضطر الصابئة المندائيون إلى الهجرة إلى البلاد الاوربية وأمريكا وكندا، ولقد شكلوا بتجمعاتهم الجديدة جمعيات تعنى بشؤونهم ويحاولون جاهدين إلى الان، المحافظة على تراثهم العريق وهويتهم الاصيلة. ويبلغ تعدادهم الان تقريبا 70 الف نسمة في العالم.

ومتفق عند الباحثين الان بان المندائية كانت منتشرة في بلاد وادي الرافدين وايضا فلسطين قبل المسيحية، أي قبل أكثر من 2000 عام. وللطائفة كتاب تاريخي يسمى (حران كويثا – حران الداخلية او الجوانية)، يتحدث هذا الكتاب عن الهجرة التي قام بها المندائيون الفلسطينيون من فلسطين-اورشليم (على الاكثر حصلت في القرن الاول الميلادي عند اجتياح القائد الروماني تيطس فلسطين وتدمير هيكل اليهود سنة 70 م او قبله) بعد الاضهاد الذي حصل لهم من السلطة الدينية اليهودية والسلطة الزمنية المتمثلة بالحكم الروماني المستعمر لفلسطين انذاك. وصعد المندائيون الفلسطينيون المهاجرون إلى اعلى بلاد الشام وخاصة إلى (حران)، لان لهم اخوة في الدين.

فبقي منهم في حران، والبقية الباقية اثرت النزول إلى وادي الرافدين عن طريق النهرين، وخاصة عن طريق نهر الفرات حسب اعتقادي، ومروا ايضا ب(بصرى – حوران) عاصمة الانباط، للالتقاء والاستقرار اخيرا مع اخوتهم ايضا الصابئة الموجودين في البطائح .. وكانت هذه الهجرة تحت رعاية الملك اردوان (يعتقد بأنه الملك البارثي ارطبانوس الثالث)،حسب ما ذكره الكتاب المندائي التاريخي (حران كويث).

0 التعليقات:

إرسال تعليق