أزمة الهوية الثقافية لدى الشباب العربي


  
عندما سؤل شاب عربي يافع عن سبب وجود ثلاثة توقيعات مختلفة وعدم تمسكه بنوع أو توقيع واحد جاءت الإجابة في صورة تساؤل مفاده , كيف يكون لي توقيع واحد وأنا لم أتوصل بعد إلى من أنا ! ؟

إن الإجابة تلك على الرغم من قصرها ؛ إلا أنها جسدت بوضوح مدى مايعانيه الشباب من فراغ هائل وتخبط عشوائي , إذ أن الشباب في الوطن العربي اليوم لايعرفون من هم ! وما المطلوب منهم بالتحديد ؟ وما المسموح لهم به وما يقبل منهم ! ؟ 

وفي ظل الظروف الحالية ومن خلال النتائج السلبية للحياة المعاصرة فقد حدثت الكثير من التحولات والتغيرات في بنية المجتمع يسأل الشاب إزائها من أنا ؟ ومن أكون ؟ أي القيم أتبناها في معاشي ؟ انه صراع يستمد وقوده من معايير الأسرة التي يود الاستقلال عنها , أم الولوج في عالم الكبار المليء بالصراعات والتناحرات . 

هكذا هو حال معظم الشباب في الوطن العربي فهم يعيشون أزمة حقيقية تدعى أزمة الهوية الثقافية والتي يعدها علماء النفس والمختصين من اخطر أزمات المراهقة وبداية الشباب في الوقت الذي يعدون فيه احد مصادر قوة المجتمع وعماد ثروته وشريان الحياة المتدفق بالحيوية والنشاط , وبهم تقاس الأهرامات السكانية للمجتمعات والشعوب وتصنف الدولة في خانة الشيخوخة , أم أن المجتمع مازال في عنفوان مرحلة الفتوة . 

على أية حال يأتي اضمحلال الهوية الثقافية وأزماتها من عدم تطابق وتوحيد أفكار الشخص لما يعتقده عن نفسه وما يعتقده الآخرون عنه بحيث يكون في نهاية المشوار غير قادر على الاستمرار والتواصل بين الذات والقيم السائدة في المجتمع مما يفرز عنه تدني في مفهوم الذات .

وإذا ما استكشفنا عوامل وأسباب أزمة الهوية الثقافية لدى الشباب العربي نجدها كثيرة ومتشعبة , بل ومتعددة المصادر أيضا , ولكن في هذه العجالة نجملها في عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وتعليمية . . الخ . ولنا حديث آخر _ إن شاء الله _ نتناول فيه عوامل و أسباب أزمة الهوية الثقافية والمخارج والحلول الإجرائية للمشكلة .

وتأسيسا على ماتقدم يجد الشباب صعوبة كبرى في تحديد موقفه إزاء هذه التناقضات التي يعيش فيها وتدور حوله وسط مؤثرات وإفرازات هذا الواقع الحياتي يستلزم منه اتخاذ موقفا ملموسا إزائها أكثر شجاعة , وينتظر المجتمع منه المشاركة الفعالة والاستيعاب الواعي لرياح التغير في جوانب الحياة كافة .

وخلاصة القول نجد الشباب في الوطن العربي عموما واليمني خصوصا يتخبط مابين التمسك بقيم وعادات وتقاليد الأجداد الموغلة في القدم ؛ وبين الانجراف وراء دول العالم المتقدمة والانبهار بكل ماهو جديد يأتي إلينا من أتون الحضارة الغربية , بمعنى آخر , الصراع مابين روح الأصالة للأمة العربية الإسلامية , والمعاصرة والتقليد الأعمى للغرب المتمدن .

علي عبدالعزيز باعشن
مدرس في جامعة حضرموت


0 التعليقات:

إرسال تعليق