التوكال.. أصعب مواضيع السحر الاسود (د. مصطفى واعراب)

نصل هنا إلى أكثر من مواضيع السحر الأسود صعوبة في التناول ولذلك ستكون أقصر الحلقات, فهذا الشكل العدواني المعروف في أوساط العامة بالتوكال يستهدف الانتقام من عدو لدود من خلال تسميمه, بواسطة اعطائه مواد أومستحضرات سامة ليأكلها أو يشربها,, ولذلك سيعفي كاتب هذه السطور نفسه من الخوض في بعض التفاصيل الخطيرة، لأسباب يقدر أن القارئ يعيها جيدا.

«التوكال» كلمة تخيف العامة وتعني بالتعبير الدارج كل ما يتم دسه للانسان في الطعام أو الشراب من مواد سامة، بغية الحاق الاذى به, وحسب الاعتقاد، فان حالة التسمم التي تنتج عن التوكال، تظهر من خلال بعض الأعراض المعروفة، كانتفاخ الجسم، والتقيؤ، وظهور بعض الأمراض الجلدية، وسقوط الشعر,,,إلخ, وبحسب نوع العناصر والمقادير المستعملة، يحدد المستفيد من العملية الأثر المطلوب كصابة بمرض مزمن، قتل فوري أو قتل بطيء.
ولاحقيقة ان هذا الشكل البدائي من الانتقام الجبان (لانه يتم دون مجابهة) معروف منذ القدم وفي العديد من الحضارات، وتكفي نظرة على مصنفات الطب القديمة اليونانية والعربية لنكتشف مدى اهتمام الاطباء العرب واليونانيين بأنواع السموم وطرق معالجة التسميم, ولا تزال تستعمل حتى الوقت الراهن بعض الوصفات التي عرفت قديما لعلاج أعراض التوكال.
وصفات الموت
قسم الدكتور شارنو، وهو طبيب شرعي في دراسة له عن التوكال خلال الفترة الاستعمارية، المواد المستعملة في المغرب، في وصفات التسميم الشعبية (المعروفة تحت اسم التوكال) الى ثلاثة أنواع:

- سموم من أصل نباتي.
- سموم من أصل حيواني.
- سموم من أصل معدني.
ويندرج ضمن النوع الأول بيض بعض الزواحف وبعض الحشرات وأيضا رأس الغراب المحروقة وغيرها، وبالنسبة للصنف الثاني، ذو الأصل النباتي، يتضمن الأوراق أو الثمار السامة لبعض النباتات البرية كتفاح الجن (بيض الغول) الشديد الخطورة على صحة الانسان، (وشدق الجمل) الشديد التسميم, بحيث يكفي غرام واحد منه لقتل إنسان!
أما النوع الثالث من أنواع السموم ذات الاصل المعدني، فاشهرها الرهج (وهو حجر مستدير أصفر اللون في حجم حبة الحمص).وتباع هذه العناصر السامة لدى العطارين كأي مستحضرات عادية أخرى، رغم خطورتها الشديدة على صحة الانسان، وتستعمل أغلبها مذابة في الوجبات المحلية الشهيرة كالكسكس والحريرية (التي تخلط المادة السامة مع عناصرها «الثقيلة») وأىضا بعض المشروبات كالقهوة بدون حليب.
ويمكن ان نضيف الى تقسيم الدكتور شارنو نوعا رابعا من المواد التي يعتقد العامة انها تحتوي على عناصر سامة، وتتكون من الغالب من أجزاء من جسم الإنسان كالأظافر ودم حيض المرأة الذي يستعمل في وصفات التسميم طريا, ولأن الموت في اعتقاد المغاربة يعدي، فان كل ما يلمس جسد الميت، وكل ما يوجد في المقبرة ينتج بالضرورة الموت, ولذلك نجد من بين المواد المستعملة في وصفات التوكال أيضا:
التراب المجلوب من سبع مقابر مختلفة، واضلع الموتى وعظامهم وأظافرهم، وماء غسل الميت وما الى ذلك.
العلاج
من أطرف انواع العلاج المعروفة لشفاء المصاب بالتوكال: ان يضع الفقيه المعالج «جدولا» يحمله المريض معه، ويذهب لينام كي يرى في منامه الشخص الذي ناوله المستحضر السحري السام، فيعترف له (في المنام) بنوعه، وحين يستيقظ يخبر بدوره الفقيه ا لذي يسهل عليه العلاج، بعد ذلك.
وهناك طرق أخرى يلجأ إليها المختصون في صرع الجن، تقوم على تسخير مخلوقات الخفاء للكشف عن أصل ونوع الاصابة، ففي ضريح «بويا عمر» حيث تنعقد «محكمة الجن الكبرى»، «وينطق» الجن خلال حصص «الصريع» فيكشف عن اسم واضع التوكال ونوعيته!
وتعالج أمراض التوكال في هذا الضريح، الذي يؤمه زهاء مليون زائر في السنة، من خلال القيام بطقوس غريبة تتضمن تناول المريض لتراب الولي (المعروفة بالحنة)، محلولا في ماء تساوت (النهر الذي يخترق المنطقة)، ثلاث مرات في اليوم قبل الأكل، ويثير هذا الاسلوب العلاجي الغثيان لدى المريض فيتقيأ بكثرة كما يصاب بالاسهال.
وفي زعم المشرفين على العلاج ان القيء والاسهال يسمحان «بطرح» التوكال خارج الحسم, ومن الوصفات الشعبية المستعملة لعلاج التسميم ايضا بالتوكال تحضير محلول يشربه المصاب بهدف اثارة الغثيان, ثم القيء المطهر «للجوف» ويتكون المحلول من ماء البحر وأوراق الدفلى (فليو) و(شنتكورة) و(سرغينة),,.
والغريب انه في الوقت الذي يستعمل بيض الحرباء للتسميم، نجد أن الكثير من وصفات العلاج من التوكال تتضمن استعمال لحم الحرباء، والذي يطبخ غالبا مع بعض العناصر والمواد الأخرى ليأكزها المريض.
وحسب بعض العطارين فإن كل المصابين يطلبون منهم في الغالب الحرابى (جمع حرباء) حية مع مواد أخرى يصفها لهم الفقهاء المعالجون.
ويثيرر ذلك ملاحظة نسجلها حول نمطية أسلوب العلاج لدى المعالجين، حيث لكل واحد منهم طريقته التي يصفها لجميع أنواع الاصابات,,, بينما رأينا في سياق هذا المقال ان اسباب التسميم مختلفة!
الكركور والشجرة المقدسة
ومن أهم المعتقدات السحرية في المغرب، سنحاول امعان النظر في طرق شخصنة القوى المقدسة - السحرية، من خلال نموذجين أساسيين (لا يزالان حاضرين في المغرب اليوم)، من بين نماذج أخرى كثيرة - لكنها أقل أهمية - لرموز وطقوس مارسها أسلافنا خلال أزمنة سحيقة, وهي بالتالي بقايا وثنية (الوثنية هنا بمعنى: تعدد الآلهة)، استطاعت التكيف مع الاسلام واستمرت صامدة تطرد الشر وتمح البركة، في معتقد العامة.

الكركور
الكركور بالتعبير المحلي هو ركام الحجارة التي تتقارب في الحجم، وتثير في نفوس الناس منها، مزيجا من مشاعر الرهبة والقداسة الغامضة، لمجرد ترتيبها وفق نظام معين.
وقد عرف المغاربة منذ القدم أشكالا كثيرة من الكراكير (جمع كركور)، مختلفة من حيث أحجامها والسياقات التي شهدت نشأتها, وبشكل عام، يمكن القول ان العادة جرت - في الماضي - على ان يشيد الناس كركورا من الحجارة في المكان الذي قتل فيه شخص غدرا، مسافرا كان او مقيما، ويسمونه (الرجم), وكان الاعتقاد سائدا في كون الجن يتواجدون عند تقاطع الطرقات، وفي الطرق الموحشة واماكن سيلان الدم، وغير الآمنة فكان كل مسافر يحمل معه حجارة عند الاقتراب من مفترق الطرقات، حتى اذا وصله رمى بها المكان الذي يعتقد في وجود الجن به، وبمرور الوقت والعابرين تتشكل كراكير عند ملتقيات الطرق ما تلبث ان تكتسب صفة غامضة من القداسة.
ومثل غيرهم من شعوب الارض، عرف المغاربة طقس الكركور المعروف تحت اسم «الشعيرة», فعندما تنبث لأحدهم الحبة في العين (التي تحمل هذا الاسم)، يأخذ سبع حبات من الشعير ويضعها بين سبع حجرات أو وسط ركام حجارة وسط الطريق، حتى اذا مر أحدهم واسقط الحجارة عن قصد اومن غير ان يقصد، تخلص المصاب من «شعيرته» التي ستلتصق بمسقط الحجارة! ولا يزال هذا الطقس يمارس حتى الآن، وان بشكل محدود جدا.
لكن الكراكير التي تشيد الى جوار الأولياء وفي المقابر المنسية، هي التي لا زالت تثير اهتمام العامة في وقتنا الراهن.
ويصنف علماء الاثنوغرافيا والانتروبولوجيا هذه المعتقدات ضمن الطقوس التعبدية للحجارة المعروفة لدى أمم وشعوب أخرى, وكان دأب المغاربة ان يقيموا الكراكير المعروفة لأكثر من معنى وهدف، فكانوا كلما قتل رجل - في زمن «السيبة» - في مكان ما يقيمن فوق المكان ركام حجارة للاشارة الى ان الموقع اكتسب شكلا م القادسة، لانه «سقط فيه روح», وفي حالات أخرى كانوا يشيدون الكركور لغرض التخلص من لعنة مرض «تسلط» عليهم بفعل سحري (حالة الكركور في المقبرة المنسية) أو لمجرد التخلص من تعب الطريق, ولذلك كانت قمم الجبال العالية (في الأطلس الكبير على الخصوص) ملأى بالكراكير، حيث كان المسافرون كلما بغلوا قمة جبل رموا في مكان منها حجارة للتخلص من عناء المشي المتسلق، كما جاء في بعض الكتابات التي تعود الى بدايات القرن العشرين.
في ركن منسي من مقبرة تعلوها اليبوسة من كل مكان وتتوسطها ثلاثة أضرحة يقصدها الناس لقطع التابعة، عثرنا على كركور من الحجارة منصوبا فوق حفرة يبدو انها كانت فيما مضى قبرا، في شكل هرم صغير على بعد امتار معدودة من نخلة قصيرة يعلق الناس على سعفها ملابسهم (الشجرة المقدسة) «لقطع التابعة من أصلها»، ها هنا تتكامل الأدوار، ولكن أحد المشرفين على الضريح المجاور للكركور انكر معرفته لسر الحجارة المرصفة بعناية.
وحسب شهادات باحثين انتربولوجيين، فان الكراكير المقدسة، كانت في السابق تأخذ أحجاما كبيرة وتطلى بالجير، حتى تكون بادية للعيان عن بعد، ونذكر منها الكركور الذي كان موجودا على مشارف مدينة مولاي بوشعيب (آزمور الحالية) والذي كان يعتبر اكبر كركور (أو على الأقل من أكبر الكراكير) في المغرب، حسب شهادات بعض شيوخ المنطقة, وكانت العادة تقتضي ان يضيف اليه كل وافد أو مغادر حجرا أو هرما صغيرا من الحجارة, وأيضا الكركور الذي كان موجودا في زاوية سيدي علي بن حمدوش في مراكش.
ان أهم الوظائف الأساسية التي تنتظر العامة من الشخص أو المكان المقدس النهوض بها، هي تحمل لعنة الشر التي ليست للكائن الضعيف القدرة على تحملها, ولذلك يتحول الكركور كمكان مقدس الى ركام هائل من الشرور التي تخلص منها المحبون من وهن المرض أو الظروف الاجتماعية غير المواتية,,, حيث تقتضي الطقوس ان يلجأ كل راغب في التخلص من شر فعلي او معنوي الى اضافة حجر واحد او اكثر الى الكركور، بينما يقوم آخر بتشييد هرم جديد الى جوار القديم، لكن من حجارة أخرى، فكل حجر من حجارة الكركور القديم يتقمص شرا تخلص منه صاحبه، ولذلك فان مجرد لمسه كفيل بان ينقل العدوى!
وفي بعض الأحيان، يكون الكركور نفسه مرابطا (وليا) بمعنى مزارا مقدسا (انظر الصورة)، حينما يكون عبارة عن «حوش» أو «حويطة» (تصغير حائط) من الحجارة المرصفة في شكل جدران قصيرة بلا سقف، فتوقد في داخله الشموع والبخور وترمى النذر, ويمنح المكان المقدس هذا اسم علم لتمييزه، ما تلبث العامة ان تضيف اليه لقب «سيدي فلان» أو «للا فلانة».
شجرة البركة المقدسة
كما هو الشأن بالنسبة للكركور، تعتبر الكثير من أشجار التي توجد في محيط المقابر المحيطة بأضرحة الأولياء بدورها «شيئا» مقدسا, فالمكان المقدس يتناثر الى عدة أمكنة, صحيح انها تكتسي أهمية ثانوية، لكن لكل منها وظائفه وطقوسه الخاصة، وان كانت الأمكنة جميعها تتوحد في اشعاعها للبركة: تلك القوة السحرية العجيبة التي تطرد الشرة وتمنع البركة.
ومثل الكركور، يعتبر تقديس شجرة البركة استمرار لمعتقدات تضيع أصولها الأولى في ليل التاريخ، وهو معتقد تشترك في اعتناقه الكثير من الشعوب التي يقول علماء الاثنوغرافيا ان افرادها يمارسون تعليق النذر على أنواع مختلفة من الأشجار، كما يحصل عندنا.
ويدفع ذلك الى التساؤل، مع عالم الاجتماع الفرنسي درمنغن: «لماذا تقديس العامة شجرة البركة؟».
هل تقدس الشجر، أم المكان، أم الجني الذي يسكن الشجر او المكان، ام الانسان الذي يعتقد انه مدفون تحتها، ام تقدس قوة الكون الحيوية التي تعتبر الشجرة تعبيرا عنها,,, أم ان السبب كامن في الجمال الغامض لهذا الخشب؟
ان الشجرة المقدسة يسهل تمييزها عن غيرها، من الخرق والخيوط المتدلية من أغصانها ومن المسامير المثبتة في جدعها، حتى ان بعضها انشرخ جدعه من كثرة ما اندق فيه من مسامير وأوتاد! هي في العادة - حسب المناطق - شجرة تين هرمة تتدلى من أغضانها شبه العارية ملابس وحروز من كل الألوان، وعند قدمها يحرق الجاوي وتوقد الشموع,,, وقد تكون نخلة قصيرة أو زبوجة (الزيتون البري)، أو زيتونة أو خروبة أو سدرة.
بعــض الأ شجار تستمد قدستها من موقعها المجاور لأحد الأولياء، وفي حالات كثيرة تكون الشجرة المقدسة هي سبب ظهور الولي نفسه.
فعندما تغطى الغابة المقدسة (الحرم) مقبرة قديمة، تحظى شجرة أو اثنتان بالتقديس لدى العامة، ما تلبثان ان تحيطهما العامة بكركور بغرض الحماية من الحيوانات المرعية, ثم ما يلبث ان يتحول الكركور الى ولي مجهول الاسم يمنح من أجل تعريفه اسم نوع الشجر الذي يظلله: كسيدي بوكرمة (إذا كان تينا) أو سيدي بوسدرة، أو سيدي بوزبوجة او سيدي بونخلة، وهكذا,,, تؤسس معه ذاكرة الناس لأسطورة ولي جديد يروج انه مدفون تحت الشجرة فتصبح هذه الاخيرة مجرد ملحقة بالضريح لكنها لا تعدم من بركاته شيئا, كل خرقة معلقة على أغصان شجرة البركة المقدسة او نذر يمثل دعاء أو شكوى أو تخوفا أو أمنية معلقة على الأغصان الخفيضة, وفي جذعها تدق المسامير والأوتاد للتخلص من الأمراض (حمى، وجع الرأس، والاسنان,,,) أو تعقد أغصانها الطرية أو توضع عند ملتقى أغصانها حجارة,,,الخ, ويصبح الخيط او الخرقة المعلقة وسيلة اتصال بين الزائر والبركة التي تشعها الشجرة عند بعد، وكذلك هو مبدأ السحر الاتصالي كما سبق ان رأينا, وقبل ان يعود الزائر إلى بيته يقطع طرف غصن من الشجرة ليحتفظ به باعتباره قطعة محملة بالبركة، لكنه يحاذر ان يلمس أيا من النذر المعلقة.
كيف تقرأ الانتربولوجيا هذه الطقوس البدائية؟ بالسنبة لفرايزر، فانها طقوس للتطهر، بينما يؤكد أوبير وموس في اطروحتهما العميقة حول القربان على الطبيعة المزوجة للطقس، والمتمثلة في نفس الوقت في طرد الشر ونيل البركة؟
لقد كانت الشجرة دائما رمزا لشمولية الكون في تكونه وصيرورته, فالأماكن المقدسة الأكثر قدما في العالم كالمراكز الطوطمية الاسترالية والمعابد البدائية السامية واليونانية والهندية، كانت دوما عبارة عن شجرة او عمود من نالخشب، اي رمزا للشمولية الكونية التي يمثل الحجر فيها الاستقرار بينما الشجرة ترمز الى صيرورة الحياة المتجددة باستمرار.

إسقاط القمر! (د. مصطفى واعراب)

يلعب القمر دوراً مهماً في الكثير من الطقوس السحرية في المغرب, فهو يمارس تأثيره بشكل إما ايجابي أو سلبي، بحسب درجة نموه وموقعه وحتى حسب الشكل الذي يظهر به في السماء, وفي يومية السحرة يناسب النصف الأول من الشهر القمري القيام بأعمال السحر الدفاعي، بينما لا تنجح وصفات السحر المؤذية إلا ابتداء من اليوم 15 منه.

ومن المعتقدات القديمة لدى المغاربة، أن القمر هو حورية تولد في أول الشهر وتموت بمتامه، وفي كل شهر يولد ويموت قمر مختلف، حتى درج المغاربة على القول لبعضهم البعض ان «الشهر قد مات»,,.
ومن المعتقدات المغربية الاخرى، ان الاقمار او الحوريات التي تموت تؤنس أرواح الموتى، ,,, وانه لا يجوز للمرء أن يشير إلى القمر بسبابته، ولا أن يتبول في اتجاهه لأن من شأن ذلك ان يجلب على الفاعل عواقب وخيمة، بل ان المرأة الحامل لا ينبغي عليها ان تنظر إلى الكوكب المنير في علياء سمائه, وان هي فعلت إما تحديا أو نسيانا، فإنها ستلد توائم!
ومن طرائف المعتقدات المرتبطة بالقمر أن اليهود المغاربة كانوا يرون في وجه الكوكب الفضي وجه الملك، بينما يرى فيه المغربيون وجها ذميما لامرأة زنجية تحمل طفلها على ظهرها، وارتبط الاعتقاد لدى هؤلاء بالحكاية العجيبة التالية: «ذات يوم، قامت تلك الزنجية بتحقير نعم الله على البشر، حيث أمسكت خبزا وشطرته إلى نصفين مسحت بهما مؤخرة طفلها, وعقابا لها على فعلتها، مسخها رب العزة، تقول الحكاية العجيبة, فصورها على صفحة القمر حتى تكون عبرة لبني البشر، يعتبرون بها ويحترمون الخبز هذه النعمة المقدسة لدى المغاربة».
السحر بأسماء القمر
ولم تقف مظاهر تعظيم الكوكب الفضي عند هذه الحدود، فقد اجتهد بعض السحرة الكبار في ربطه بالقوى ما فوق الطبيعة، في محاولة منهم لتفسير خصائصه السحرية التي يمارسها على الأشياء والكائنات, وكان ابرز اجتهاداتهم وضع تلك القواعد المعقدة لوصفات السحر بأسماء القمر.
ينتمي السحر بأسماء القمر إلى مجالات السحر الرسمي، فالعامة لا تعرف عن تلك الاسماء شيئا، حتى وإن حملها أحدهم في «جدول» مغلق فوق صدره، لقد انخرط بعض افراد نخبة «الطلبة» والفقهاء منذ أمد بعيد في مجهود تنظيري، هم وضع أسس «عملية» لأوجه العلاقات القائمة- في اعتقادهم- بين كوكب القمر والقوى الخفية الأخرى, ولم يبرع احد في تلك المهمة مثلما برع المتصوف المغربي البوني.
يقول البوني «واعلم ان الأسماء السبعة وهي: لياخيم- ليالغو- ليافور- لياروث لياروغ- لياروش- لياشلش وتسمى اسماء القمر، ولها خواص عجيبة واسرار غريبة,,,», ومن خواصها يذكر انها تدخل في اعداد الجداول السحرية المستعملة لأغراض الحب وتيسير العـــلاقات بين الناس, وفي ذلك يوضح البوني ان القمر له «الوفق المتسع تصريفه فــي المحبة لكل الناس والبهجة والقبول,,,».
التأثير السحري
يرى السحر الرسمي ان «القمر له ايضا خدمات (خادم أو خدام) كثيرة موكلة بسيره» والساكن بفلكه هو (,,,) آخذ بناصية أبي مرة الأبيض، إلخ, فالقمر إذن، له خادمان واحد علوي ساكن بفلكه وآخر سفلي يأتمر بأوامر العلوي، وهو أبومرة (ملك أو ملكة الجن «ميرة» عند المغاربة), وقد ندقق أكثر في عناصر التأثير الأخرى، فنجد ان أبا مرة له سلطة على يوم الاثنين، وان القمر «له من الدخن (أي البخور) الموافق له العنبر والميعة السائلة والمرادسنج واللوبيا وبعض اللبان والطيب والمسك».
ويبدو جليا من مصنفات السحر الرسمي أن أسماء القمر هي في حقيقتها الخفية أسماء للجن (خدام القمر)، وان دعوة القمر بأسمائه السبعة أو بأحدها، لا يعدو أن يكون دعوة موجهة لأحد «خدامه» من أجل طلب قضاء غرض.
ولعلمنا بدرجة المصداقية العالية التي تحظى بها مصنفات السحر التي وضعها البوني، في أوساط السحرة ببلادنا، فإننا لن نتردد في القول بأن الطقوس الشفوية (دعوة القمر) او المكتوبة (الطلاسم والجداول)، التي تمارس لأغراض «المحبة والبهجة والقبول» هي طقوس منتشرة على نطاق واسع في المغرب، ضمن ما يمارس من اعمال السحر الابيض.
ومن نماذج الوصفات السحرية بأسماء القمر، نستقي الأمثلة التالية من أحد أشهر مؤلفات السحر الرسمي.
ومن كتب الاسماء السبعة للقمر في أثر المطلوب (الشخص المستهدف) وأوقده بزيت طيب وأطلق البخور: عود مصصك وكندر، حضر إليه مطلوبه طائش العقل هائما من شدة الوجد.
إذا أخذت صماخ أذنك اليمين وعملته في تين وقرأت عليه دعوة القمر سبع مرات واطعمته لأي شخص، انجذب اليك بالمحبة الصادقة، وتبعك فيما تريد.
ومن كتبها (الأسماء السبعة للقمر) في تمر أو تين أو لوز مقشر وأطعمة لمطلوب به حظي بقربه.
إذا أخذت من شعر إبطيك وقلامة أظفارك وحرقتها وأضفتها إلى ماء ورد وزعفران، وكتبت به الأسماء (السبعة للقمر) سبع مرات في كفك ومسست به إنسانا، تبعك.
عجين القمر
واذا كان السحر الرسمي يمنح للقمر خصائص تأثيرية ايجابية في امور «المحبة والبهجة والقبول» فإن السحر الشعبي على العكس من ذلك، يمنحه قدرات رهيبة توظف في مجالات السحر الاسود, حيث يتحدث السحرة عن «إسقاط» ثم «عجن» القمر بشكل غامض يزرع في النفوس مشاعر الرعب.

كيف تتم العملية؟
- عن هذا النوع من السحر الاسود، نقل (دوتيه) عن مصادره الشفوية ان «إسقاط القمر» يتطلب قتل طفل صغير، وان من طقوسه الاخرى، جعل الماء يغلي في قدر تنعكس عليه صورة القمر, أما الدكتور أخميس، فإنه يرى في «عجينة الكمرة» (أي عجين القمر) جزءًا من ترسانة السحر المستعمل في تفريق الازواج، وهو تخصص للفقيه السوسي, بينما كتب الطبيب موشون يقول: إن عجين القمر يستعمل في أغراض الخير والشر، التي «يحققها» السحر في المغرب.
ولكن كيف يتم صنع هذا العجين السحلاري العجيب؟
- يترك الفقيه (السوسي) قصعة من الخشب في مقبرة لمدة سبعة أيام بلياليها, يجلب الماء من سبعة آبار, وفي ليلة اكتمال البدر، يذهب إلى مقبرة، وهناك يدعو كل الأرواح أن ينزل القمر في القصعة التي وضع فيها المسك والعنبر والدقيق، ثم يقوم بعجن كل ذلك ليحصل على عجينة تصلح لأغراض شتى.
وقد سمعنا تأكيدات مشابهة لهذه الطريقة في تحضير «عجينة الكمرة» من مصادر شفوية، مع بعض الاختلافات في التفاصيل، حيث يستعمل التراب المجلوب من المقبرة المنسية (المقبرة المهجورة التي لم تعد تستقبل موتى جدد)، ضمن عناصر الوصفة ويقدم الطبيب الفرنسي موشون تنويعا اكثر غرابة للوصفة اياها، نجمله فيما يلي:
«تشتري الساحرة قطعة جديدة في النهار، تغسلها وتزور بها كل مساكن الشياطين: «المجازر والمراحيض والمقابر وأضرحة الأولياء وايضا البيعات (الكنائس اليهودية), وتأخذ الماء من سبع عيون أو سبعة آبار مغطاة، وتدعو في كل مرة الشياطين أن تساعدها في انزال القمر, تقوم الساحرة بكل هذه الاستعدادات عشية اكتمال البدر، أي عشية اليوم الخامس عشر من الشهر العربي، وتمضي الساحرة إلى المقبرة بعد ان تكون قد استحمت وتجملت بشكل غريب حيث وضعت الكحل في العين اليمنى والاحمر فوق الخد الأيمن وتمرر السواك على النصف الأيمن من فمها، فقط».
في المقبرة، ترخي الساحرة شعرها على وجهها، كما تفعل النائحات، وتتعرى بشكل كامل، ثم تشرع في الجري فوق القبور وفي كل الاتجاهات، بعد أن توقد على الأرض بعض الأبخرة المستطابة من الجن.
وهنا تبدأ كائنات الخفاء في التجمع من حولها بكثافة, وإذا كانت الساحرة فاقدة لعذريتها، فإن في وسعها أيضا أن تتحدث إلى أولذاك الجن الذين يقتربون منها ليسألوها حاجتها, وبعد ان تحصل الساحرة على ما شاءت منهم، تضع صحنا كبيرا به ماء فوق قبر حديث الدفن، وتتوجه صوب القمر مرددة:
يا كمرة، يا طالعة من مرارة
يا لابسة الدنيا كيف الغرارة
اعطيني ثلاثة يهود وثلاثة نصارى
يجيبوا لي فلان ولد فلانة
وخا يكون في بغداد,,.
ومن اللسان العامي المغربي، نستطيع نقل «دعاء القمر» هذا إلى العربي الفصيح على النحو التالي:
أيها القمر الطالع من المرارة
يا من يلبس الدنيا مثل الغرارة
اعطني ثلاثة من اليهود وثلاثة من النصارى
ليأتوني بفلان بن فلانة
ولو كان في بغداد
ملاحظة: (الغرارة، سلة بدون قعر يحفظ فيها الفلاحون القمح)
في نهاية الطقس السحري العجيب، يكون القمر قد «سقط» في صحن الماء، وانتهى إلى «الانطفاء» فيه, فتقوم الساحرة بتسخين الماء حتــى يتحول إلى رغوة كثيفة شبيـــهة برغــوة الصابون، تقوم بجمعها والاحتفاظ بها في قنيــنة، لاستعمالاتها اللاحقة,,.
وهناك وصفة مشابهة، لكن تتضمن بعض الاختلافات البسيطة في التفاصيل,,, في الليلة الموعودة بين منتصف الليل والساعة الواحدة صباحا، تكحل الساحرة عينها اليمنى فقط، بالكحل، وتضع القرمز (العكر) على خدها الايمن والسواك في الجزء الايمن من فمها ودملجا في يدها اليمنى وحلقة في رجلها اليمنى، وتفتل من شعرها صغيرة في الجهة اليمنى من رأسه، بعد كل ذلك، تذهب وحيدة لتضع قصعتها على الأرض في مكان يتوسط المقبرة بالضبط، وتتعرى الساحرة وتحمل في يدها اليمنى راية صغيرة بلون أخضر، وتذرع المقبرة من أطرافها إلى اطرافها وفي كل الاتجاهات، داعية ارواح الظلمات ان تنزل لها القمر.
وفي القصعة، تفرغ الساحرة ماء المنابع السبعة، فترى القمر يصعد نحو النقطة من السماء التي تقع فوق رأسها عموديا، ثم يهبط بطيئا نحو القصعة وفي ذلك الحين تنطلق عاصفة فيفيض الماء (في القصعة) ويتدفق منها، فتسرع الساحرة إلى جمع تلـــك الرغوة (رغوة الماء) في إناء, وأثناء ذلك تحرق الجاوي والقزبر في موقد، قريب من القصــعة، وهي تقول: «بغيتك تخدمني في الخير والشر» (أريد أن تأخذ مني في الخير وفي الشر).
وعندما يمتلئ الإناء بالرغوة، تخمد الساحرة نار البخور وتصب ماء القصعة في الأرض، فيصعد القمر المتحرر من قبضتها رويدا رويدا نحو السماء، وتعود محملة بالإناء لتضيف إلى الرغوة صمخ المصصكي والجاوي الابيض ومواد اخرى، تخلطها كلها لتحصل على «عجينة» تصلح لعمل الخير، كما تصـلح لعمل الشر.
وتباع تلك العجينة بأسعار باهظة تعكس ندرتها وأهيمتها البالغة في العمليات السحرية، وتستعمل خاصة في وصفات السحر الاسود، لبث الخلاف والتفريق بين الأزواج والاصدقاء والشركاء, ويكفي لاجل ذلك، أن يوضع القليل من «العجينة» إياها على طريق احد الطرفين، او ان تمسح بها الأصابع قبل لمس يد أحدهما لتنتهي العلاقة بين الاثنين.
ويصح العكس، بحيث، يمكن- حسب الظروف والرغبة- استعمالها لكسب ود صديق أو عشيقة، كما يستعمل المستحضر الرهيب (السمعة) لإحداث الثقاف (العنة) لدى الرجل أو للانتقام من الغريم، إلخ.

ربط الرجل وكوابيس الاحلام.. (د. مصطفى واعراب)

في اللغة المتداولة يعني «الربط» او «العقد» في معتقد المغاربة التدخل في القدرة على الاتصال الجنسي لدى الشخص، من خلال عمل سحري يستهدف توجيهها في اتجاه وحيد «حالة المرأة التي ترغب في شل قدرة زوجها على معاشرة غيرها جنسيا»، او شلها بالمرة, وتسمى هذه العملية في المغرب «الثقاف», وعكس ما هو شائع، فإن الثقاف لا يستهدف الرجل فقط، بل المرأة ايضا, وتشمل مجالات اللجوء اليه اغراضا اخرى.

ربط الرجل
الربط في لغتنا العامية تعني القيد، وهو فعل يستعمل عادة حتى للحديث عن شكل حركة دابة، من خلال ربط احد قوائمها الاربع بحبل، يشد الى شيء ثابت, والربط في قواميس السحر له معنى التحكم في قدرة الرجل على المجامعة الجنسية مع النساء, بحيث تكون ممكنة مع امرأة وحيدة هي زوجته او عشيقته ومستحيلة مع الاخريات.
وفي مجتمع يبيح تعدد الزواج، يبدو الثقاف حلا سحريا بالفعل، بالنسبة للنساء الخائفات على دوام استقرارهن الاسري من علاقات الزوج خارج اطار الزوجية, لذلك ليس نادرا ان تلجأ ربة البيت المتوجسة من ضياع زوجها في حضن امرأة اخرى، الى تطبيق واحدة من الوصفات الكثيرة التي ينتج عنها ثقاف الرجل, وهي وصفات تصلح ايضا للمرأة التي تريد ثقاف عشيق لها حتى لا يعود الى زوجته.
وتتباين وصفات ثقاف الرجل حسب درجة تعقيدها والادوات المستعملة فيها, والملاحظ ان وصفات السحر الشعبي (سحر العامة) الذي لا يحتاج لتنفيذه الى ساحر، تعتمد على وسائل غاية في البساطة، هي في العادة كل ما ينفتح وينغلق: كعلبة اعواد الثقاب «الوقيد» او القفل، او المقص او الباب وغيرها.
وهي من الكثرة والتنوع والغرابة، ولذلك سنكتفي بتقديم نماذج منها: تؤخذ الخرقة التي استعملت عقب المجامعة الجنسية، وتوضع بها الحنوط وهي المواد التي تستعمل في تحنيط الميت ثم تدفن في قبر بالمقبرة المهجورة «الروضة المنسية».
ومن الواضح ان ترابط الافكار في هذه الوصفة يقوم على مبدأ الدفن الرمزي للقدرة الجنسية للرجل بهدف قتلها، من خلال وضع بقايا الموت «الحنوط» في خرقة بها مني، ثم دفنها بقبر مجهول الصاحب!
ولاحداث العجز الجنسي لدى الرجل ايضا تفتح الزوجة علبة الثقاب وتضع كل جزء منها على جانب من الباب وحين يخرج الزوج ويجاوز الباب، تنادي عليه الزوجة باسمه، ولا تكلمه حين يرد عليها، بل تقول في نفسها «غوت عليك الوقيد، ما غوتش عليك انا» اي ان الوقيد «الثقاب» هو الذي نادى عليك، وليس انا,, ثم تغلق بعد انصرافه علبة الوقيد، مطمئنة الى أن الزوج لن يكون في مستطاعه مجامعة امرأة اخرى غيرها، لمدة عام كامل!
ومن الوصفات الاخرى التي ذكرها لنا ساحر: تحمل المرأة منديلا به اثر من مني الزوج او العشيق الى فقيه «الساحر» كي يكتب عليه بعض الطلاسم السحرية التي تتضمن اسماء ملوك الجن، المطلوب تدخلهم لربط او حل فحولة الرجل.
عقد المرأة والفتاة
إن الربط ليس ممارسة تستهدف شل النشاط الجنسي او تقييده، عند الرجل وحده حتى لا يصير ممكنا الا في اتجاه وحيد، فللأنثى ايضا حقها!
وفي هذه الحالة يسمى الثقاف عقدا, وفي مصنفات السحر نجد الكثير من الوصفات «لعقد المرأة كي لا يطأها احد غيرك» كما يقدم السحرة وصفات اخرى لثقاف البكر التي يلجأ اليها الاباء الخائفون من ضياع بكارة شرف بناتهم من طرف واحد من بني الانس او الجن!
ويبدو مرة أخرى أن تأثير الف ليلة وليلة كبير جدا في فولكلورنا الوطني، اذ نقرأ في حكايات شهرزاد عن الكثير من خيانات النساء، رغم احكام الانس والجن الاغلاق عليهن، داخل علب مظلمة او في اعماق البحار!

فكيف يمكن اذن تقييد عفة المرأة، بحسب معتقداتنا السحرية؟
بالنسبة لعقد البكر، يلجأ الفقيه الساحر كذلك الى القفل او الغربال وصنع الطلاسم المحروسة بالجن، لقطع اي امكانية في اقامة المرأة لعلاقة جنسية قبل الزواج! ومن الوصفات المنتشرة في مجتمعات النسوة المنغلقة على أسرارها، نذكر طريقة «المنسج» والمنسج هو شبكة من خيوط الصوف التي تصفف بشكل عمودي وسط هيكل خشبي، وحولها تعقد ايادي النساء قطعا صغيرة من خيوط الصوف الملونة لتصنع زربية «السجاد», وتتضمن عملية ثقاف الفتاة البكر مرورها بين تلك الخيوط المتشابكة ثم يغلق «المنسج» بعدها.
واذا كنا رأينا في ما سبق ان كتب السحر الاساسية تذكر حلولا لعلاج ربط الرجل، من دون ان تقدم وصفات لاحداثه، فإنها لا تستنكف ذلك، حين يتعلق الامر بالمرأة.

وهكذا يقدم السيوطي مثلا في كتاب «الحكمة»، وصفات عديدة بأعضاء بعض الحيوانات خصوصا المرارة.
ويقول في احداها انه ان طلي ذكر الرجل بها المرارة يقوم مجامعة امرأته يجعل من غير الممكن ان يطأها احد غيره، حيث ان «الرجل منهم اذا أتاها وهو بوطئها ولم يبق غير الايلاج، انطوى ذكره، وارخى وفترت همته ولم يقدر على وطئها».
ومن الوصفات الاخرى التي يزعم انها تحدث هذا المفعول العجيب، نذكر مسح ذكر الرجل قبل ان يجامع المرأة بدم الغراب او مرارة الضبع او مرارة الذئب، الخ.
وطبعا يقدم الققهاء السحرة وصفات اخرى، تقوم عناصرها على تخصصهم المعروف: صنع الجداول والطلاسم، باعتماد اسم المرأة واسم امها، ثم ينقع الطلسم في الماء ويمسح ذكر الرجل به قبل المجامعة.
حل «الربط»
يقسم السحر الرسمي انواع الربط الى ثلاثة:
ما يكون من ارياح الجن، وعلامته ان يسبقه الماء «المني» قبل الالتحاق بها، وهو ما يعرف طبيا بالقذف المبكر.
ما يكون من سحر بني ادم «اي الثقاف».
ما يكون عنينا بارد الهمة على أصله «العجز الجنسي».
وتختلف انماط العلاج التي يُنصح بها باختلاف الحالات، طبعا, وبحسب أقدميتها في المريض ايضا, وتتضمن في الغالب كتابة خواتم «جداول سحرية»، ونقعها في الماء، ثم يرش المربوط بها، او كتابتها على مواد غذائية ليأكلها المسحور، الخ.
لكن السحر الشعبي، في المقابل، يقدم وصفات علاجية أقل تعقيدا، تقتضي عادة ازالة اسباب الربط فقط، فالمرأة التي «ربطت» زوجها بعلبة الوقيد، يكفيها ان تخبره بالامر, اما اذا استعملت القفل او المقص او الباب، فيجب عليها ان تفتح ما اغلقته ليزول الربط.
اما اذا لم يزل المفعول، فيجب عليها التبخر بالدخان المتصاعد من حرباء بعد رميها حية في النار، او الاستحمام بماء مقروء عليه ايات من القرآن، او التبول على سمكة حية ثم ارجاعها الى البحر او النهر.
وفي بعض الحالات المستعصية يتطلب العلاج تدخل عدة اطراف، كأن يكتب الفقيه الساحر طلسما على حديدة فأس ويذهب بها المعني بالثقاف الى حداد ليضعها في النار، وحين تحمي يُرمى بها في الماء، و«المربوط» متجرد من ملابسه السفلى بشكل يسمح للبخار المتصاعد من ان يلمس جهازه التناسلي، وفي بعض الحالات الاخرى يمسح المربوط اعضاءه التناسلية بالماء الذي يطفئ فيه الحداد الحديد الحامي.
اشكال أخرى من الثقاف
ولئن ارتبط الثقاف في القاموس اليومي للمغاربة بالجانب الجنسي الحساس لديهم، ككل الشعوب العربية، لكثرة استعماله في اغراض تخريب العلاقات الحميمة بين الازواج والعشاق، فإن مجالات اخرى لا تقل اهمية يطلب السحرة لقضائها, وبشكل عام ثمة في جعبة السحرة عدد لا يحصى من الوصفات لاحداث «الثقاف» او «العقد» لاغراض اخرى.
فالتاجر الذي يضايقه نجاح منافس له مثلا يذهب الى الساحر ليصنع له جدولا سحريا لثقاف تجارة الغريم الرائجة فتبور ويفلس المحسود.

والرجل او المرأة الراغبان في الانتقام من خصم او عدو، يطلبان ايضا من الساحر ان يضع له جدولا من اجل «عقد بول الخصم»، (كذا) بحيث ينحبس البول في مثانة المطلوب، الى أن تنفجر.
والشخص الراغب في اقتناء قطعة ارض او مبان او تجارة معروضة للبيع، يصنع لدى الساحر جدولا لثقافها، فلا تباع ولا تشترى الا له، حين يريد وبالسعر الذي يريد, وهكذا الى ما لا نهاية.
المعتقدات السحرية في المغرب
الحلم والكابوس
تسمح لنا الاثنوغرافيا المقارنة بملاحظة درجة التشابه الكبيرة بين معتقدات المغاربة حول الامور المرتبطة بالنوم والمشاهدات والمسموعات الحلمية، مع معتقدات غيرهم من الشعوب المتحضرة او البدائية.
الليل والنهار
النوم بتعبير العامة هو «اخو الموت» تغادر خلاله الروح جسد الشخص النائم لتسبح في الملكوت, ولذلك فإن كل ما نسمعه او نشاهده اثناء نومنا ما هو الا مشاهدات ومسموعات حملتها الروح معها من رحلة تسكعها الليلي في عالم سرمدي لا حدود فيه بين ارواح الموتى والاحياء، أو بين الماضي والحاضر والمستقبل, ولان النائم هو «اخو الميت» بتعبير المغاربة فإنهم يحاذرون ان يوقظوا شخصا نائما بشكل فجائي، لانهم قد يخلقون للنائم اضطرابا لا تجد معه الروح متسعا من الوقت للعودة الى جسده، فيموت جراء ذلك، واذا ارادوا ايقاظ شخص (خصوصا الطفل الرضيع) يرتبون على كتفه او ظهره، برفق مرددين عبارة البسملة (بسم الله عليك، فق!).

إن الطفل الذي يضحك أثناء نومه، يفعل ذلك لأنه يرى مقامه في الدار الآخرة، بينما الذي يبكي، فبسبب علمه بقرب وفاة احد والديه وأو كليهما, اما الكبار فإن الاستيهامات الجنسية التي يعيشونها اثناء النوم ما هي الا تخييلات تقوم بها الشياطين للاستهزاء منهم, ولتفادي ان يحصل ذلك، اي لكي لا يحتلم الانسان، فما عليه سوى كتابة اسم ادم على فخذه الايمن واسم حواء على الايسر، قبل أن يخلد الى النوم، فإن طاقته الجنسية سوف تتعطل في المنام، ولن يحتلم.
إن الحلم يصبح قوة سحرية يعتقد في أن قوى خفية تخاطب النائم لتملي سلوكا ينبغي عليه اتباعه، او لاخباره بحدث وشيك الوقوع، سار أو محزن، وتختلف قيمة ومصداقية الاحلام، حسب طريقة نوم الحالم وحسب توقيت الحلم ايضا, فالاحلام التي ترى قبل منتصف الليل كاذبة، بمعنى أنها لا تتحقق، بينما احلام الصباح هي التي تصدق وتتحقق بشرط ان يكون الحالم نائما على جنبه الايمن، لان ما يحلم به النائم على جنبه الايسر او على البطن او على الظهر ما هو الا همسات الشياطين، ليس الا.
ولان النهار نقيض الليل، فإن احلام النهار تؤول عكس احلام الليل، كما يقول القسطلاني، فالذي يرى نفسه عريسا في حلم الليل، معنى ذلك انه سيموت، اما اذا رأى نفس الحلم في غفوة نهارية، فذلك يعني انه سينتظر فرحا.وقد انتبه الفقهاء مبكرا الى أهمية الاحلام في حياة الناس، فألفوا الكثير من المصنفات لتفسيرها واشهرهم ابن سيرين الذي تعرف كتبه رواجا كبيرا منذ القرن الثامن الميلادي وحتى اللحظة الراهنة على نحو واسع في المغرب.
إن تفسير الاحلام لا يستند الى أسس منطقية، فتارة يفسر حلم بعكس ما يذهب اليه (العرس في الحلم تفسيره الوفاة، مثلا) وتارة أخرى يتم الاستناد على تأويل آيات قرآنية، لكنه في كل الاحوال يلبي حاجة العامة الى فهم مغزى ما يعتبر خطابا آتيا من الغيب.
ومن أمثلة التفسيرات الاسطورية أن رؤية اللونين الابيض او الاخضر في الحلم هي بشرى، بينما اللونان الاحمر او الاسود دليل شؤم, والذي يأكل الثمر في المنام كثير الذنوب، ورؤية البحر معناها دخول معركة، واذا كان الغرق فتأويله الهزيمة، اما العرس فمعناه الجنازة، والذي يحلم انه مات، سيكون عمره طويلا بينما تعني رؤية البيض المرأة، والحناء خصومة، والافعى أو العسل او العقرب، كلها رموز للاعداء.
وفي اعتقاد المغاربة ان الذي يرى حلما صالحا يستطيع ان يردده على مسامع من يريد، بينما من يرى حلما سيئا يذهب ليحكيه في حفرة المرحاض، او لا يحكيه على مسامع اي كان عدا «اهل العلم» ومن اجل ابطال مفعوله او على الاقل التخفيف من اثاره السلبية، يقيم وليمة (صدقة) يتلى أثناءها القرآن، ويدعو الله ان يرد عنه القضاء.
أحلام خاصة
عندما يشخص الفقيه المعالج حالة مريض ويكتشف انها من عمل السحر، خصوصا حين يتعلق الامر بالتوكال وهو على نحو ما رأينا مستحضر سحري قاتل يتناوله المسحور في اكله او شرابه، يكتب الفقيه جدولا يضعه المريض تحت الوسادة وينام وفي حلمه يرى ملامح الشخص المتسبب في المرض ونوع العمل السحري، وطبعا بعد الاستيقاظ يخبر الفقيه بما رأى للقيام بما يلزم ويشخص العلاج.
ويذهب السحرة ابعد من ذلك، حيث يوهمون كل من ينتابه شك في حبيب او خصم او عدو ان في استطاعتهم جعل هذا الاخير يبوح بأعماله ونواياه اثناء النوم.
الكابوس
يطلق المغاربة على الكوابيس اسم «بوتليس» او بوغطاط بمعنى أن اعتقادهم يذهب الى تحميل مسؤولية وقوع الكابوس لجني اسمه «تليس» تارة او «غطاط» تارة أخرى, وفي فهمهم ان الجن ينقض على النائم حين يرى الكابوس, وهذا ليس معتقدا مغربيا خالصا، اذ تشاركنا الكثير من شعوب الارض الاعتقاد في كون الكوابيس هي من فعل ارواح شريرة.
ولعلاج من يرى الكوابيس كثيرا في منامه او من يتعرض لاعتداء (بوتليس) او (بوغطاط) بتعبير الفقهاء، ثمة وصفات سحرية متعددة ومتنوعة حسب اهل «الحكمة», فابن الحاج المغربي ينصح في «شموس الانوار» بأن يأخذ المعني كبد عنز ويقسمه الى سبعة اجزاء يتناول عند كل وجبة جزءا منها, اما السيوطي فينصح في كتاب الرحمة بأكل العسل والصابون بعد خلطهما, بينما يقدم السحر الشعبي وصفات لا تقل غرابة عن الوصفتين السابقتين، من قبيل: تخطي المريض ثلاث مرات لقلب رجل قتل غدرا، في الاتجاهين، او شرب الماء الذي استعمله الحداد في اطفاء الحديد الاحمر.
الاستخارة
الاستخارة هنا بمعنى النوم في بعض الاماكن الخاصة بغية الحصول على أجوبة عن اسئلة تقلق النائم, وهي ممارسة قديمة جدا، ومن القدم بحيث لا تعرف اصولها الاولى, فقد عرفها الاغريق، وسجلت كتابات متفرقة على ممارستها من قبل العديد من الامم اما كطقس سحري او ديني.
وفي المغرب تمارس الاستخارة في بعض المغارات القديمة التي تمنحها الاساطير صفة كونها مساكن للجن، كمغارة سيدي شمهاروش عند قدم جبل توبقال, وهو واحد من ملوك الجن السبعة كما سبق أن رأينا، ومغارة لالة تكنوت في حاحة (اقليم الصويرة بالجنوب المغربي).
ويعتقد دوتيه ان لالة تكنوت هي جنية ومغارة تاغية اخنيفن بوس وغيرها, وتمارس الاستخارة ايضا في اضرحة الاولياء حيث ينام فيها الزوار لفترات محددة تختلف من ولي لآخر، ويرى النائم خلالها الولي الذي يخبره بحقيقة ما يرغب في معرفته: مصدر مرضه ووسيلة علاجه، او الحظ الذي ينتظره الخ, ومن اشهر الاضرحة التي تمارس فيها الاستخارة في المغرب، والتي لفتت انتباه علماء الانتربولوجيا والفولكلور ضريح مولاي ابراهيم (طير الجبال) على بعد 80 كيلومترا من مراكش, فإليه يحج المسحورون والعاجزون جنسيا (المثقفون) ليغتسلوا بماء طاحون (الماء) الموجود قربه، ثم يستخيرون ثلاث ليال متوالية كي يروا الولي في المنام, ومن بركاته الذائعة انه يعالج المرأة العاقر حين تلجأ الى الاستخارة في ضريحه.

سحر التابعة وشرور الاخر (د. مصطفى واعراب)

«العكس» في المعتقدات الشعبية للمغاربة هو سوء حظ من عمل «التابعة», والتابعة في الأصل جنية «تتبع» الأطفال الصغار- كما رأينا- كي تلتهم, لكن المعنى المستلهم من أسطورة التابعة اتسع بمرور الوقت، ليشمل كل الشرور التي تعتقد العامة في كونها مدبرة من الآخر: «الأسرة التي تفقد اطفالها الصغار أو مصدر رزقها، والنساء اللواتي يجهضن بلا سبب واضح، كما الفتيات اللواتي لا يتمكن من الزواج، وما إلى ذلك من العشاق المهجورين والأحبة الممنوعين من الوصال، إلى رجال الأعمال الذين توشك مقاولاتهم على الإفلاس».كل هؤلاء وغيرهم ممن يلاحقهم سوء الحظ والفشل، يعانون من وجهة نظر المعتقد الشعبي من مطاردة «العكس» ولعنة «التابعة», وحيث إن الاعتقاد في التابعة والعكس يتجسد أكثر ما يتجسد في الممارسات السحرية المرتبطة بأمور الحب والزواج، فإننا سنعرض للمفهومين وللمعتقدات المرتبطة بهما، على سحر تعطيل الزواج عند الفتاة المغربية، كأحد أبرز أهداف الممارسة السحرية في بلادنا.
«العكس» عمل «التابعة»
يعتبر تأخر سن زواج الفتاة في المغرب إلى حدود سن الثلاثين أمرا معيبا، ومؤشرا على خلل ما يثير علامات الاستفهام والحيرة في محيط الأسرة والمجتمع, وفي مواجهة نظرات التشفي أو الاشفاق التي تظل تلاحقها، تتنكر الفتاة العانس لمنطق العقل الذي يرى مبرر أزمة الزواج القائمة في الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تشل دينامية المجتمع وحركيته, وتحت ضغط الوسط الأسري، وتقبل الفتاة بتفسيرات الوهم والخرافة التي تحمل مسؤولية تأخر فرص الزواج للقوى الغيبية الشريرة.

«التابعة»، يقول مزوار (محافظ) أحد الأضرحة المتخصصة في قطعها (أي علاجها)، هي بلاء يبتلى به الإنسان, يمكن أن تكون من أذى البشر المسلط بأعمال السحر».
وتحكي (فاطمة) التي التقيتها في ذلك الضريح، وهي خريجة كلية العلوم، شدت الرحال إليه أملا في «العلاج»، كيف انها تمت خطوبتها خمس مرات خلال ثلاث سنوات, وفي كل مرة يختفي طالب يدها بشكل غامض، مخلفا لها الفضيحة وتشفي الصديقات المنافقات.
«إن التابعة معروفة منذ قديم الزمان» تعلق تلك الفتاة المتعلمة في محاولة لتبرير تواجدها هناك وسط خليط من النسوة الأميات أو أشباه المتعلمات.
«والحقيقة أم مصنفات السحر الرائجة على نطاق واسع في المغرب، تتحدث عن «التابعة» كواحدة من أكثر إناث الجن الشريرات بطشا ببني البشر».
فالسيوطي مثلا، أسهب في رسم ملامح هذا المخلوق الخفي المرعب، وافرد له الباب الخامس والسبعين بعد المئة من كتاب «الرحمة» الواسع الانتشار، فخصصه للحديث عن «علاج التابعة وقطعها من أول أصلها لكن «التابعة» تحولت- فيما يبدو- من صورتها الأصلية، صورة المخلوق الخفي الذي يزحف على الأرض بين اقدام البشر ليتسلق سيقان الأمهات إلى ظهورهن كي يلتهم أطفالهن الرضع بدموية مرعبة لتتحول إلى لعنة أزلية تتنقل بين البشر وتطارد بـ «العكس» (سوء الحظ) الكبير والصغير، الرجل والمرأة.
سحر تعطيل الزواج
من أشهر وصفات تعطيل زواج المرأة بأعمال السحر المؤذي، أن يتم رشها بقطرات من الماء الذي غسل به الميت, ويعود منشأ الاعتقاد هذا إلى كون الماء الذي يستعمل في الحمام الجنائزي، يصير محملا بالموت الذي رأينا انه- في اعتقاد العامة- يعدي, ومن ثم فإن الذي نلمسه مجرد قطرة من ذلك الماء السحري أو يتناولها مع الأكل والشراب، مرشح لعدوى الموت.وبمنطق التفكير البدائي نفسه، تبدو عليه السحر واضحة في وصفة رش الفتاة بماء غسل الميت لتعطيل زواجها, فالماء المحمل بالموت يحمل اليها موتا معنويا، مادامت حياة المرأة في الزواج والإنجاب.ويحتفظ السحر الرسمي سحر الفقهاء المحترفين بالكثير من وصفات السحر الاسود التي تعطل زواج المرأة من خلال اعداد جداول سحرية لها.
وهذا النوع من السحر في معتقد العامة ذو تأثير رهيب وعلاجه معقد، إن لم يكن مستحيلا.
الجداول
ومن الجداول الكثيرة التي يقدمها البوني في مصنفه (منبع أصول الحكمة)، واحد يزعم فقهاء السحر أن له خواصا شريرة رهيبة، يقدمه كالتالي: «وإذا أردت تعطيل البنت عن الزواج، فاكتب الخاتم (يقدم مع الوصفة جدولا) ومع اذا العشار عطلت- يحسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم- تتجافى جنوبهم عن المضاجع, يا فلان، انظر ولا تعرف ولا تنظر» وقيل اقعدوا مع القاعدين» كذلك تقعد كذا عن الزواج أو عن كذا (,,,) وتقرأ القسم سبع مرات وتدفنها في محل من شئت».ويقوم السحرة المحترفون بمثل هذه الوصفة لفائدة الراغبين (أو الراغبات) في الانتقام من فتاة لسبب من الأسباب, ويزعمون ان هذا النوع من السحر لن ينفع في حلة سوى ساحر له من «العلم» والتجربة ما يعادل أو يفوق ما لدى واضع الجدول من معرفة بالسحر.
ومن الوصفات الأخرى الكثيرة التي يلجأ إليها السحرة لنفس الغرض، وصفة تعتمد تسليط جني على الفتاة المرغوب تعطيل زواجها، وتفصيلها كالآتي: «يذهب الراغب (أو الراغبة) في ذلك إلى ساحر، ويذكر له اسمها (الشخصي) واسم والدتها يقدم اليه أثرا منها (قطعة من ثيابها، شعرة من رأسها,,,)، فيسلط الساحر- بالاعتماد على هذه العناصر- جنيا على الفتاة «يدخل فيها» و«يسكنها» حين تتاح له أقرب فرصة (عندما تكون في الحمام البلدي أو في المرحاض، مثلا), فيظهر لها الجني بعد ذلك كل شخص يتقدم لخطبتها في صورة شنيعة كي ترفضه، أو يقوم بالعكس: يظهرها للراغب في خطبتها في صورة تجعله لا يرغب فيها».
وتعاني الفتاة «المسكونة» بجني «العكس»- طبعا- من الأعراض الثانوية التي يعاني منها الممسوسون بالجن ومنها سهو وصداع دائم في الرأس.
للوقاية من سوء الحظ
للوقاية من العكس والتابعة، ينصح الفقيه بحمل حرز يتكون من سبع حبات من «حبة حلاوة» وسبع حبات من الحرمل وسبع حبات من القزبر، أو يرسم على الورق الأزرق المستعمل في تلفيف السكر خاتم سليمان (عبارة عن مثلثين متقاطعين)، يحرق ويتبخر به المعني أو المعنية بدخانه.
وحسب بعض الفقهاء المعالجين، الذين طلبنا رأيهم، فإن كل أساليب الوقاية من العين الشريرة تنفع للوقاية من سوء الحظ، وإن كان علاج الأولى لا ينفع بالضرورة في شفاء الثاني,,, ومن العادات المنتشرة في المغرب حول الوقاية من العكس، ما ذكره لاوست عن قبائل التسول باقليم تازة, فقد كانت الفتاة التي ترافق العروس وتضع لها الحناء، حين تنتهي من مهمتها، تضع الإناء (الطيني) المحتوي للحناء فوق رأسها وهي ترقص وتغني, ثم في نهاية الحفل، تسقط الإناء بقوة على الأرض كي يتكسر, وكانوا يعتقدون بذلك إبعاد التأثيرات الشريرة المتربصة بعروس المستقبل.

وقد رصدنا بعض الطقوس المشابهة، التي لا تزال تمارس حتى اللحظة الراهنة من طرف الفتيات المؤهلات للزواج، في جوار بعض الأضرحة وسنأتي على ذكرها فيما بعد، مع محاولة فهم للقيمة الطقوسية لتكسير الأواني، بعد استعمالها.
ويستعرض لاوست في نفس الدراسة، عادة انقرضت اليوم- حسب معلوماتنا- وكانت حتى ماض قريب تمارس طقوسها بشاطئ الرباط: «فعند اسفل قصبة الاوداية من جهة الغرب، وسط المقبرة القديمة، يتموقع ضريح سيدي اليابوري المشهور بتخليص العوانس من «العكس» وتزويجهن، بعد التطهر الطقسي بماء البئر المجاور له, وحسب الباحث الفرنسي، فقد كانت صفوف طويلة من النساء يتجهن صوبه بعد ظهر اليوم الموالي لعاشوراء، وهن ملتحفات بالبياض، ومصحوبات بأولادهن الصغار في أبهى حلة، وبناتهن الصغيرات مثل العرائس، مرتديات الثياب حريرية ومجوهرات أمهاتهن».
وفي صمت المقبرة يجلس الموكب وسط القبور لتناول الحلويات والفواكه الجافة, وبعد ذلك، ينهض الأطفال الذكور، ويسرعون في لمس شواهد القبور بأيديهم وهم يدعون «لالة قصابة» أثناء ذلك قائلين: «اعطيني امرأة دابا دابا» (دابا: تعني الآن في الدارجة المغربية)، بينما الصغيرات يقمن بنفس الحركة الطقسية، وهن يدعين الولية (المجهولة) قائلات «اعطيني راجل، دابا دابا».
وينتهي الحفل الغريب في الأعلى، قرب مدخل القصبة، بتفاصيل لا نجد داعيا لذكرها، وهي التي جعلت لاوست يطرح احتمال أن يتعلق الامر ببقايا حفل حب كبير، كان يقام في أزمان غابرة تحت حماية «لالة قصابة» التي نجهل عنها كل شيء اليوم: «وربما كان الأقرب إلى الحقيقة أن ذلك الاعداد المبكر للعرائس والعرسان، كان حفلا طقوسيا غايته وقايتهم من أذى التأثيرات الشريرة التي قد تعرقل زواجهم مستقبلا».
ودليل اعتقادنا في ذلك، ان ضريح «سيدي اليابوري» المجاور، معروف لدى سكان العاصمة بتخصصه في قطع العكس وتزويج العوانس، كما أسلفنا.
طقوس «القطع»
من وصفات قطع سوء الحظ الأكثر بساطة وانتشارا، تقتني الفتاة المشتكية حرباء عذراء (تاتة عزبة) من عند العطار وتلقي بالحيوان المسكين حيا في لهيب مجمر، وتنتصب فوقه واقفة لتتبخر بالدخان المتصاعد الذي له خاصية فسخ كل عمل «مديور ليها» (أي معمول لها) كي لا تتزوج أو تشتغل, وينصح بعض الفقهاء بنفس الوصفة لكن بحرباء بلا شروط مع قليل من العرعار, أما أكثرهم في العلم «فيكتبون عبارات سحرية بالصمق (مداد السحرة) في آنية ويجعلون الزبونة تغسلها بالماء الذي تشربه أو ترشه على جسمها, كما يصنعون بعض التمائم لتعلقها الراغبات في الزواج من أجل التعجيل بقدوم العريس, ويقدم معلم السحرة، البوني نموذجا منها في «منبع أصول الحكمة» يستثمر سحر حرف الكاف، فيقول: «ومن الفوائد النفيسة أن حرف الكاف (,,,) له شكل مثلث يتصرف به في جذب القلوب والعقول إلى حامله فإذا كتب في كاغد بالشكل الآتي وحملته عازبة هرعت إليها الخطاب من كل مكان (,,,)».
وإذا كان ماء غسل الميت كفيلا بأن يعطل زواج فتاة ويلحق بها «نحسا» يلازمها مثل ظلها، فإن ماء آخر يستطيع تخليصها من تلك التأثيرات الشريرة، وييسر سبل الحظ السعيد أمامها بمجرد تطهرها به, لكن، ليس أي ماء.
وليس هذا الماء سوى ماء البحر حين تمنحه مجاورته لضريح ولي، خائصه السحرية, ولذلك نجد أغلب «أولياء الساحل» مشهورين بطقوس التطهر من «العكس» و«التابعة» و«النحس» وغيرها من مرادفات سوء الحظ, أما في المناطق البعيدة عن البحر، فقد تفتق الاجتهاد عن استبدال ماء الأمواج السبعة بمياه آبار سبعة مادام أمرا مستحيلا في حالة المغرب (ذي المناخ شبه الجاف)، على أي كان أن يقوم بتجميع الماء من سبعة أنهار، أو حتى سبع عيون.
الاستحمام
إن عادة الاستحمام في ماء البحر بقصد التطهر من سوء الحظ قديمة في المغرب، وتختلف طقوس التطهر حسب المناطق، لكنها تقوم في مجملها على شرطين أساسيين: «الاستحمام والتبخر، وهذان الشرطان لم يتغيرا في العادة المتأصلة، رغم ما يطال تفاصيلها الثانوية من تغييرات باختلاف المكان والزمان، والعقد مقارنة عابرة بين أسلوب ممارستها ماضيا وحاضرا، بحثنا في المراجع المتوافرة، فلم نجد سوى الوصف الذي قدمه عنها ادموند دوتيه، قبل قرن من اليوم، فمن اجل ابطال المفعول السحري الذي ينجم عن رش الفتاة بماء «غسل الميت» كانت هذه تنزل إلى شاطئ البحر وتتجرد من ملابسها بشكل كامل لتعرض نفسها لسبع موجات متتابعة، وتشرب من ماء كل واحدة رشفة, ثم تأخذ قفة استعملت أثناء حفر قبر ميت وتثقب قاعها كي تمرر منه رأسها، فتسقط القفة على ذراعيها,,.
بعد خروج الفتاة من البحر، تأخذ الخشب وتوقد فيه النار لتتبخر بالروائح «الخانزة» (الروائح الكريهة) التي يطلقها إحراقها للمواد الآتية: الكبريت، السبيب، الصوف، شوك القنفذ، قشور البيض (بيض الدجاج)، قرن (الكبش) وسبع شعيرات من رأس زنجية (امرأة بشرتها شديدة السواد).

وتمارس طقوس التطهر اليوم، كما أسلفنا القول، في الشواطئ القريبة من أغلب أضرحة أولياء الساحل الأطلسي، وسنكتفي هنا باستعراض تلك الطقوس كما تمارس في اثنين من أشهر الأضرحة المتخصصة في علاج سوء الحظ بالمغرب، وهما لالة عيشة (البحرية) بآزمور وسيدي عبدالرحمن (بوالمجامر) بالدار البيضاء, ثم سنسعى بعد ذلك إلى التقاط الدلالات والقيم الرمزية لتلك الطقوس.
لالة عيشة البحرية
ضريح صغير تحيط به الاحراش البرية عند مصب ام الربيع، على بعد كيلو مترات من مدينة آزمور بناية الضريح عبارة عن غرفة صغيرة مساحتها عن عشرة امتار، يحيط بها سور وخلفها غرفتان صغيرتان للاستحمام، واحدة خاصة بالرجال والثانية للنساء, في جوار الضريح توجد بئر يستعمل ماؤها للاغتسال ويباع للمستحمات من طرف المرأة العجوز التي تقوم بتسخينه.
لا ينقطع زوار لالة عائشة، وخصوصا زائرتها من الشابات اللواتي يقصدن ضريحها بحثا عن حظ افضل في الحياة، وعن عريس, تبدأ طقوس التطهر بعد التبرك بتقبيل ضريح الولية وتقديم القرابين (نقود، شمع، أو طائر دجاج) إلى «المقدمة»تقتني الفتاة لوازم التطهر من عين المكان: «مجمر صغير، حناء، بخور، مشط وماء الورد»، وتمزج الحناء بماء الورد لتكتب بالعجين اللزج اسمها الشخصي إلى جانب اسم فارس أحلامها المطلوب، على جدار مدخل الضريح, إن هذا الطقس الذي ينفرد به ضريح دفينة مصب أم الربيع، يحتم على المشرفين عليه أن يقوموا بإعادة طلائه بالجير مرة في السنة، من أجل اعداده لاستقبال اسماء جديدة، لكن جدار الرغبات ذاك يمتلئ دائما بالأسماء قبل حلول الموعد السنوي، وتصبح أجزاء من مساحته عبارة عن بقع من الحناء بكل الألوان، وهو ما يؤشر على كثرة الوافدات عليه.
إن طقس كتابة الأسماء بالحناء على جدار الرغبات، هو شكل من اشكال التعبير عن «القمة الطقوسية للحناء» بتعبير اميل درمنغن، التي تستمدها من الدين ومن كونها «تبدو بديلا عن الدم القرباني».بعد الاغتسال بماء البئر الساخن أو البارد، حسب القدرة على التحمل، وعلى الدفع تقتني الفتاة مجمرا صغيرا به جمر، وقليل من البخور، وبعد التبخر، تفرض متوالية الطقوس ان تكسر المعنية المجمر.
إن التبخير في معتقد المغاربة «كما في الشعائر الرومانية القديمة يبدد التأثيرات الشريرة، ويجذب الحسنة منها.
ولذلك يطلق عليه أحيانا اسم (فسوخ) و(تبطيل)، في اشارة إلى كونه يفسخ يخفض ويدمر التأثيرات الشريرة» والمجمر يصبح، تبعا لنمط التفكير السائد، رمزا مجسدا للتأثيرات الشريرة التي طردتها البخرة المطهرة، وهو ما يستوجب تدميره.
سيدي عبد الرحمن بو المجمامر
يتفرد ضريح سيدي عبدالرحمن بموقعه في أعلى مرتفع صخري، في شكل شبه جزيرة يقطعها البحر عن اليابسة عند المد, وبحكم تواجده عند الضاحية الجنوبية للدار البيضاء، كبرى المدن المغربية، لا ينقطع اقبال الوفود عليه على امتداد الأيام والفصول، وبشكل عام, يمكن ملاحظة أنه إذا كانت لالة عيشة تنفرد بطقس كتابة الأسماء بالحناء على جدار الرغبات المقدس، فإن سيدي عبدالرحمن يتميز هو الآخر بطقس «التفوسيخ باللدون» (إبطال مفعول السحر من خلال التبخر ببخار الرصاص المصهور), وهو طقس يعتبر بمثابة حصة للتشخيص تستدل خلالها الشوافة على أصل الإصابة ونوعها، لتحدد نوع العلاج الضروري بعد ذلك.
فوق نار موقدة، تضع «الشوافة» قطعة رصاص في إناء معدني، وبعد دقائق يتحول «اللدون» إلى سائل ثقيل تفرغه في إناء ماء موضوع بين رجلي الفتاة المنتصبة وقوفا فيتصاعد منه بخار، تزعم «الشوافة» انه افضل مبطل للعكس والتابعة, تتناول قطع الرصاص بعد أن تكون قد صبتها في إناء ماء لتبرد، تقرأ تبرد، لتقرأ في ثقوبها وتجاعيدها ملامح مستقبل الفتاة الذي يكون دائما سعيدا، ضمانا لعطاء جزيل.
وتشترط الشوافة على الفتاة أن تغتسل في «الخلوة» بماء موجات سبع متتابعة، أو تقديم بعض القرابين، أو التبخر والتخلص من ملابسها الداخلية,,.
بالنسبة لطقس الاغتسال، يتم في «خلوة» وهي غرفة صغيرة خلف الضريح، علقت فوق بابها عابرة (خلوة العوم ومن يتوكل على الله فهو حسبه), ويتم الاغتسال داخلها بماء تقول «المقدمة» إن بعض الشبان جبلوه من سبع موجات متتابعة, وخلال طقس الاغتسال يسيل الماء المطهر منحدرا عبر قناة صغيرة ليعود إلى البحر، محملا بـ «التابعة» و«العكس»، فتطمئن الفتاة إلى كون «التابعة داها البحر» (أخذها البحر).وبالنسبة لطقس القربان، فإن رمي طبق التمر والحليب في البحر هو حركة موجهة إلى «الجنون البحريين» الذين تعتقد العامة أن لسيدي عبدالرحمن سلطة عليهم، أما طقس الدم، المتمثل في نحر طائر دجاج أحمر أو بين اللون، فيتم على النحو التالي: تناول الفتاة «أو من ترافقها من قريباتها فيأمرها بأن تلتفت جهة الضريح وتولي ظهرها للبحر ليمر الطائر على أنحاء متفرقة من جسمها (الرأس فالكتفين ثم الإبطين والبطن فالرجلين.ينحر القربان ويلقى جانبا ثم يناول الذباح السكين الملطخ بدم القربان للفتاة ويطلب منها أن تمسح به أنحاء جسمها وفق الترتيب المذكور، وتدوسه بقدميها ثم تمضي حافية، دون أن تلتفت إلى الوراء.
إن طقس الدم هنا، يتطلب لوحده تحليلا مستفيضا لكن بشكل عام, يبدو أنه لتفسير دلالاته الرمزية، قد نجد سندا في الاشارات التي تحتلها الدراسات الانتربولوجية حول القوة السحرية لدم القربان ولسكين الذبح، وإلى أهميتها, في معتقدات شعوب شمال افريقيا, في طرد الشر وجلب البركة.
أما بالنسبة لطقس التبخر، فإنه لا يختلف عن الشكل الذي يمارس به في لالة عيشة البحرية، إلا في النهاية، فبدل كسر المجمر، كما يحدث في لالة عيشة، تنصرف المتبخرة تاركة ناره تخبو لوحدها، بعد أن ترش حواليه بماء الورد, وترمي قطعة من ملابسها الداخلية (تبان أو حاملة الصدر) إلى البحر، بين الصخور كي يخلصها (من خلال التبان أو حاملة الصدر المرمية إليه) من اللعنة التي تلحقها

السحر بالموتى.. علاج النساء المراهقات (د. مصطفى واعراب)

الشعوذة تقتل بالدار البيضاء، تحت هذا العنوان المثير، كتبت كبرى اليوميات المغربية خبرا صغيرا في صدر صفحتها الاولى، عن اعتقال مشعوذة ومستخدمة بمستودع الاموات على ذمة التحقيق في قضية مقتل مواطن بعد تناوله لوجبة تتضمن مواد سامة وضعتها له زوجته، كي تسحره.

وجاء في تفاصيل الخبر، ان المشعوذة قد طلبت من سيدة جاءت اليها ترغب في الحد من عدوانية زوجها، ان تشتري نصف كيلو غرام من اللحم، وبعد تحضيره ببعض العناصر السحرية، ثم اخذ اللحم الى مستودع الاموات بالحي الحسني (بالدار البيضاء) بالاتفاق مع احدى المستخدمات العاملات به، كي يقضي ليلة كاملة في فم رجل ميت، وفي اليوم الموالي، طبخت (السيدة) اللحم وقدمته وجبة لزوجها، بعد ان طمأنتها المشعوذة الى انه سيغير من عدوانيته لكن اللحم المسحور قضى على حياة المسكين مرة واحدة، مما دفع الزوجة الى الاسراع بابلاغ الشرطة التي اعتقلت المشاركات الثلاث في العملية.

قد لا يكون لعاب الميت المختلط باللحم هو السبب في وفاة الزوج العدواني، فلربما كانت المستحضرات المضافة اليه هي مصدر التسمم القاتل,,, لكن الذي يهمنا من اثارة هذا الخبر هو واقعة السحر بالميت نفسها، من حيث كونها تفضح واقعا قائما لا تعلن عن حضوره الخفي في المجتمع المغربي، سوى الحوادث المؤسفة التي تصل، من حين لاخر، الى العدالة ووسائل الاعلام,.
الموت
سيبقى «الموت» هو لغز الالغاز الابدي بالنسبة الى بني البشر، لازمهم منذ صدمة الوفاة الاولى، واستبد سره المحير بهم الى درجة ان كل المعتقدات السحرية ثم الدينية احاطته بهالة من الغموض والرهبة.
وفكرة الموت في المعتقدات الشعبية للمغاربة لها صور وملامح غريبة، لكنها تترجم في المجمل رعب الناس من لحظة الوفاة وما يليها، وهكذا نجد انه على الرغم من كون (الموت) كلمة مذكرة، فان اسلافنا شخصوه في صورة امرأة بلا كبد ولا رئتين، لا تشفق على العجوز كما لا ترحم الرضيع.
وحين تكون تلك المرأة المرعبة قد اتمت مهمتها بانهاء حياة البشر جميعا، سوف تحمل الى مكان يقع بين الجنة وجهنم، كي تذبح فيه ويسيل دمها كله مثل كبش ,,, هذه واحدة من الافكار الغريبة عن تصور المغاربة القدامي للموت.
حياة عابرة
الموت نهاية حتمية لحياة عابرة وقصيرة مهما طال امدها ومحطة عبور نحو حياة سرمدية، تتخلص الروح خلالها من ادران الجسد الفاني، لترحل الى حيث الخلود في عوالم الما وراء، ولم يحدث ان عاد احد من هناك ليخبر بني البشر عن اسرار ما بعد الموت، فقط نموت ونحمل معنا السر الكبير لنمضي بلا عودة صوب المجهول,,, ولكن في نمط التفكير البدائي، الموت يعدي فانتقائيته التي لا تضبطها قوانين مفهومة، تجعل الخوف من الموت ومن الموتى احساسا مشاعا بين الناس.

وفي تنقل الموت بين الناس عدوى تقتضي الحماية منها اتخاذ بعض الاجراءات الضرورية كأن لا يضع المرء نفسه في موقع التعرض لاذى عين شريرة مثلا,, ولذلك ايضا تسارع الام فور سماعها لنبأ وفاة احد ابناء الجيران الى «طلب الستر والسلامة» قائلة «الله يحفظ» مخافة انتقال عدوى الموت الى طفلها.
اما حين يحصد الموت عددا من افراد الاسرة الواحدة، فان الامر هنا يصبح لعنة مسلطة بعمل سحري، ينبغي ايقاف مفعولها المؤذي حتى لا يستمر نزيف الارواح داخل الاسرة فالمعروف لدى المهتمين والممارسين ان تسليط الموت على الاخر واحد مجالات السحر الانتقامي، يمكن تحقيقه اما بمناولة الغريم عناصر غذائية تتضمن »التوكال» او من خلال رسم احد «الجداول» السحرية الرهيبة من طرف فقيه ساحر متخصص.
وقد تعبر عدوى الموت عن نفسها ايضا من خلال رؤيا، فالذي يرى ميتا في منامه تفسيرها انها نداء ودعوة من الميت الى الحي الى موت وشيك، فهو يزوره في منامه إما ليأخذه معه الى عالم الموت، او لينذره بموت وشيك الوقوع.
وفي معتقد المغاربة انه ينبغي كتمان هذا النوع من الرؤيا وقطع الطريق على عدوى الموت من خلال تقديم الحالم لصدقة، تكون غالبا وليمة تتلى خلالها ايات قرآنية، من قبل فقهاء.
وكذلك تجلب عدوى الموت افعالا وحركات متهورة من قبيل التمدد فوق اللوح الذي يغسل فوقه الميت «المغسل» او فوق «المحمل» الذي يحمل فيه على الاكتاف الى مثواه الاخير.
اما الماء الذي يستعمل في غسل الميت، فان المغاربة يجلبونه ساخنا من الحمام البلدي العمومي ولا يقومون بتسخينه ابدا داخل منزلا لميت، لان من شأن ذلك ان يجلب وفاة فرد آخر من الاسرة، وما يبقى غير مستعمل من ذلك الماء، ينبغي ان يفرغ خارج مجاري البيت، للسبب نفسه.
وبعد غسل الميت واخراج جثته للدفن، ينظف مكان غسله بالماء الغزير والمطهرات حتى تزال «رائحة الموت» من ارجائه، ويتم التخلص من ثيابه اما ببيعها في سوق الخردة والمستعملات او التصدق بها، لابعاد عدوى الموت عن اهله.
وعملا بالقاعدة القائلة بان كل ما هو غامض هو سحري بالضرورة، تنسحب فكرة الرهبة من الموت على كل العناصر التي لها احتكاك مباشر بالموتى، لتجعل منها جزءا من ترسانة المستحضرات السحرية، التي لا اول لها ولا اخر، فيصبح بالتالي كل ما لمس جسد الميت من ماء وادوات تنظيف، كما تراب المقابر وحجارتها ونباتها او شعر الموتى واظافرهم او عظامهم، وغيرها، مواد سحرية يمكن اللجوء اليها لاحداث موت معنوي او فعلي لدى الاحياء.
«تغسال» الميت
المقصود بعبارة «تغسال» الميت هو كل الادوات او المواد التي لامست جسد الميت خلال طقوس تطهيره واعداده للدفن وتشمل خليطا غريبا من العناصر التي تدخل في اعداد وصفات السحر الاسود.
يجلب الماء الساخن من الحمام البلدي القريب، لتبدأ طقوس غسل الميت وتكفينه من طرف «الغسال» الذي يكون فقيها بالضرورة عارفا بالدين، وتتم وفق الترتيب التالي: يوضئ الغسال الميت الوضوء الاصغر، ثم الوضوء الاكبر كما لو كان يعده للصلاة، ويستعمل لذلك الماء الساخن وكيسا من الخرقة والصابون، اي نفس الادوات التي يستعملها المستحم العادي، مع فرق جوهري يتمثل في كون الغسال (او اهل الميت) ملزما بالحرص على اتلاف كل ما استعمله الميت، حتى لا تتم اعادة استغلاله في اغراض السحر المؤذية.

ومن القوة السحرية التي تكتسبها مواد «تغسال» الموتى لمجرد لمسها الاجساد الهامدة، يستمد الفقيه الغسال مكانته في المجتمع، فهو في نظر المغاربة يحظى بمكانة تختلط فيها مشاعر الخوف بالتقدير، وهو ساحر، حتى وان لم يستعمل القدرات التي تمنحها له علاقته باجساد الموتى.
ولا يحتاج الباحث عن مواد «تغسال الميت» الى ربط علاقة مودة بالغسال فلدى باعة مستلزمات السحر المتخفين خلف واجهات دكاكين العطارة المعروفة، يجد كل ما يبحث عنه، باثمان مرتفعة تبررها خصائصها السحرية المزعومة ,,, فقطعة الصابون التي استعملت لغسل الميت تباع باضعاف سعر بيع الصابون العادي، وكذلك الامر بالنسبة «للمشطة» ولشعر رأس الميت وماء غسله، كل شيء متوفر لمن يبحث عنه اذا توفرت لديه الامكانيات المالية الضرورية - طبعا - وعنصر «النية» اي الثقة في ان تلك المواد متحصلة فعلا من عملية غسل ميت.
الاستعمال
بالنسبة لاستعمالات مواد «تغسال الميت» فهي متعددة بتعدد السحرة وحالات الاستعمال ودواعيه، وهذه امثلة:
الزوجة التي تعاني من تسلط زوجها تجعله يغسل يديه بـ«الصابونة» كي لا يعود الى ضربها بعد ذلك، وقد سمعنا من احدى النساء تأكيدا على نجاعة هذه الوصفة، التي تحدث «موتا معنويا» لعنف اليدين، وكذلك تفعل «المشطة» في غيرها من الوصفات السحرية الاخرى، اما الماء المتحصل من عملية غسل الميت، فان له في معتقد المغاربة قدرات تأثيرية خطيرة جدا، لدرجة انه يكفي رش فتاة بقطرات منه ليتعطل زواجها، وتظل «تضفر الشيب بلا زواج» طول العمر.
ويدخل الكفن الذي يلف به الميت وكذا الخيط والابرة المستعملان في خياطته حول الميت، في عداد مواد الترسانة الرهيبة للسحر الاسود في المغرب، وللتأكيد على اهمية هذه العناصر في عمليات السحر المؤذية التي تقوم على المبدأ الشهير «الشبيه ينتج الشبيه» نورد الوصفة التالية المستعملة لغرض كسب ود شخص.
يأخذ الساحر رأس كبش ويذهب عند الخياط المتخصص في رتق اكفان الموتى، كي يطلب منه مده باخر ابرة استعملها مع قطعة كفن وقليل من ماء غسل الميت، ثم يحضر مزيجا من المواد السحرية يملأ به فم الكبش ليخيطه بالابرة وهو يقول «ماشي فم الحولي اللي كنخيط ولكن فم فلان، باش ما يفتحو غير باش يطييعني» (ليس فم الكبش ما اخيط لكن فم فلان، لكي لا يفتحه إلا ليطيعيني).
وبعد ذلك يغمس الساحر قطعة الكفن في محلول يتضمن ماء الميت والزعفران والجاوي والقزبر ويلف به رأس الكبس ثم يدفنه في التراب قائلا :«ماشي راس الحولي اللي كندفن، ولكن رأس فلان ولد فلانة» (ليس رأس الكبش الذي ادفن،، ولكن راس فلان بن فلانة),,.
وليست مواد «تغسال الميت» وحدها التي تحدث القتل المعنوي او الفعلي للخصم او الغريم، بل كل ما يلامس او يخرج من اجساد الموتى ينتج الموت، واذا كانت لدم المغدور خصائص سحرية اثرناها في حلقة سابقة، فان الاستدراك يقتضي منا ان نشير الى ان تلك الخصائص المزعومة لا تنحصر في دم من توفي في حادث قتل عنيف فقط، بل يمتد تأثير موت «المغدور» ليشمل ثياب الشخص المقتول والملطخة بدمه ونخاعه او مخه، بل والى زجاج السيارة المتشظي والمتناثر حول مكان الحادث (في حالة حادثة سير) او السكين الملطخ بالدم (في حالة حادث قتل).
طبق الكسكس بيد الميت
تلعب الجثة دورا رئيسيا في السحر الاسود، فالميت الذي لا يستطيع الكلام ولا الرؤية ولا السمع، يمكن له ان ينقل عجزه الى الاخرين: الزوجة الخائنة مثلا تستعمل اجزاء من الجثة او بعض المواد التي لمست الميت لكي تغلق عيني زوجها عن سلوكها، والموت باعتباره شيئا معديا، يمكنه الانتقال الى الاحياء ليجعلهم يتوفون، نصل هنا الى تلك الممارسة المطبخية الشهيرة في اوساط السحرة بالمغرب الكسكس بيد الميت.
ان هذه الوصفة المنتشرة في كل المجتمعات المغاربية، قد اصبحت لصيقة بالنساء اللواتي تدفع بهن ظروفهن الاجتماعية غير المستقرة الى اللجوء الى تقديمها لازواجهن قصد اخضاعهم لرغباتهن في السيطرة.

والحال انه لم تكن في الماضي تخصصا تنفرد به النساء بل كانت تمارس حتى في دوائر الحكم,,, فخلال تلك الازمنة المضطربة من تاريخ بلادنا، غير البعيدة عنا كثيرا حين كانت القبائل تتمرد على السلطة الحاكمة (المخزن) لتلتحق ببلاد «السيبة» كان «القايد» او «الحاكم» كلما واجه خطر قبيلة عليه، يلجأ الى خدمات ساحرة لتعد له طبق «كسكس» مفتول بيد ميت ثم يدعو حوله زعماء القبيلة ليتناولوا منه، وفي الاوراق التي خلفها الطبيب الفرنسي موشون المقتول في بداية القرن الماضي بمراكش نجد هذه الوجبة السحرية مرتبطة بغرض «اخضاع قبيلة» اولا، ثم بالمرأة التي ترغب في اخضاع زوجها او كل شخص يريد اخضاع الاخر بعد ذلك وتفاصيل الوصفة كما يلي :
الشهر القمري
خلال النصف الاول من الشهر (القمري) تجلب الساحرة قليلا من الماء من سبعة منابع مختلفة، وتشتري قطعة جديدة من السوق، تغسلها وتوقد فيها الجاوي والقزبر وتذهب لتستحم في الحمام البلدي وترتدي ملابس نظيفة وتنتظر حلول ساعة متأخرة من الليل وتمضي وحيدة من دون ان تنطق بكلمة واحدة، الى المقبرة تحفر قبر ميت تم دفنه في اليوم نفسه، ثم تخرجه من القبر وتفتح الكفن لتخرج الذراعين، تجلس الميت امامها وتضع القصعة فوق ركبتيه ثم تخلط فيها السميد والعسل والساكتة حبة صغيرة وسوداء لامعة تشبه حبيبات الحبق وثمرا نبات «عنب الثعلب» البري.وتمسك الساحرة بيدي الميت وتفتل بهما الكسكس وفي رعب الليل المخيم على المقبرة تردد سجعا دارجا معناه باللغة الفصيحة مثلما يأتي النحل من كل مكان حين يشم رائحة العسل، اريد ان تأتي القبائل من بعيد كي ترضخ لزعيمها» ثم تعيد الساحرة رتق الكفن والميت الى مرقده الابدي، وتعود من حيث اتت لتحمل الكسكس الى «القايد» ويستدعي هذا الاخير القبائل المتمردة الى ضيافته فيعد لهم طبق «كسكس» يضيف اليه قليلا من «كسكس» الميت»,,, وسينطق كل من اكل منه امام القايد بنفس الجملة «اناخاضع لك هكمذا كسكس الميت» في زمن مضى اسلوبا بدائيا من اساليب التهدئة السياسية (اخضاع القبائل لسلطة المخزن) ثم اصبح بعد ذلك وسيلة لبحث المرأة عن استقرار اجتماعي في وسط يبيح تعدد الزوجات.

سحر المحبة والتفريق (د. مصطفى واعرب)

تعتبر قضايا الحب والزواج وما يرتبط بها من مشاكل من أهم أغراض الممارسة السحرية, فحسب المعتقد السحري، يعتبر الحب الشديد أو الكراهية بين الرجل والمرأة من أعمال السحر التي لا يعالجها إلا السحر نفسه، ولذلك يقدم السحر حلولا في شكل وصفات، لكل من الفتاة أو المرأة التي تبحث عن الايقاع برجل في هواها، والرجل الذي يريد الإيقاع بامرأة في غرامه، أو الذي يرغب في الخلاص من هوى يؤرقه ويشقيه، وما إلى ذلك من الأغراض.
ونكرر مرة أخرى تحذيرنا للقارئ من مغبة تطبيق أي من الوصفات التي نقدمها هنا:

سحر التفريق
يندرج سحر التفريق ضمن وصفات السحر الاسود التي تتداول مهموسة من فم لأذن، أو في عيادات السحرة، كغيرها من وصفات الشر التي تروم إلحاق الأذى بالغير, وتلجأ اليها في الغالب نساء «أو حتى رجال» ينوون تفريق شريكين في علاقة زواج أو حب أو أعمال، بهدف الاستفراد باحدهما.

ومن الوصفات التي تستعمل لهذا الغرض، نذكر: يؤخذ التراب من تحت القدم اليمنى للزوج» في الحالة التي يتعلق فيها الأمر بزوجين، وتتلى عليه أسماء زعماء الجان الأربعة سبعمئة مرة، مع تلاوة الآية الكريمة «يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الألباب».
وإذا كان القصد الشرير هو تبغيض الرجل للمرأة، فإن الأمر ليس أسهل في زعم السحرة من أخذ شعر المرأة وتبخير إناء ماء لم يسبق أن استعمل للشرب به، ثم يملأ بالماء ويسقى منه الرجل -بعد ذلك- وهو لا يعلم من العملية شيئا؛ فإنه سيبغض تلك المرأة إلى درجة أنه لن يطيق النظر اليها بعد ذلك!
قد يكون التفريق عملا ظالما -في نظر المجتمع- حين يكون بين رجل وزوجته، ولكنه يصبح مشروع من وجهة نظر أخلاقية، حين يستهدف قطع علاقة زنا بين عشيقين، وقد يكون خلق الغيرة بينهما بداية لزرع بذور الشقاق, ولأجل ذلك يكفي أن تسقى المرأة مرارة ذئب بالعسل، وهي لا تعلم ماهيتها ولا الغرض منها، فإنها تشتعل غيرة!
سحر المحبة
في زعم السحرة أنه من أجل كسب حب امرأة يؤخذ من شعرها، ويوضع في تميمة، أي في ورقة مكتوب عليها تعزيم، ثم تعلق في غصن شجرة, وكلما داعبت الريح تلك التمــيمة، إلا وخفــق معـها قلب المطـلوبة بهــوى عاشــقها!
ومن الوصفات الاخرى المتداولة لأجل إعادة الدفء إلى علاقة امرأة بزوجها أو عشيقها: أن تفرغ المرأة العسل على رأسها بحيث يتدلى خيطا رقيقا نازلا من الجبهة إلى الذقن، وتتلقفه عند الذقن لتجمعه في ملعقة بعد ذلك، وتحك طرف لسانها بورقة من شجرة التين إلى أن يسيل منه الدم، وتأخذ منه بعد ذلك، بضع قطرات تغمس فيها سبع حبات من الملح، ثم تخلط كل ذلك بالعسل ويضيف اليها قليلا من التراب المأخوذ من اثر ثلاث خطوات خطاها الرجل المطلوب، برجله اليمنى، وتمزج كل تلك العناصر وتقدمها له في الأكل من دون أن يعلم شيئا، بالطبع، فإنه سيهيم بها حبا.
ومن الوصفات التي تنصح لكل من يخطب ود فتاة أو امرأة لا تبادله المشاعر نفسها، أن يحصل على شعرة من رأسها ويضعها في تمرة بعد أن يفرغها من نواتها, ويدفنها في مكان لا تطأه الأقدام، فإن المرأة «أو الرجل» ستشعل رغبة في لقائه!
ولإشعال نار المحبة في قلب امرأة «المرأة المسكينة دائما» بأخذ طالبها أظفار هدهد وأظفاره ويحرقها جميعا ويسقيها من رمادها مخلوطا بسائل، فإنها لن تطيق عليه صبرا, وكذلك الأمر اذا غسل الرجل قدميه وسقى امرأته من ذلك الماء, فإنها تحبه حبا شديدا!! ويأخذ الرجل منيه ويلطخ به قطعة سكر ويطعمها للمرأة, من دون أن تعلم من ذلك شيئا فإنها تحبه حبا شديدا!!
والواضح مما سلف أن المعتقدات السحرية في المغرب تعكس بأمانة النظرة الدونية التي تحظى بها المرأة في المجتمع، فهي دوما الطريدة التي تلاحقها سهام هوى الرجال وليس العكس, وإذا ما أرادت المرأة أن تثبت حب الزوج أو العشيق، فإن عليها- حسب المعتقد العامي- أن تحمل تميمة تتضمن شفة أنثى الضربان, فطالما حملتها معها فإن المطلوب سيظل مرتبطا بها!
(لاسترجاع الزوج أو العشيق
المغرب ودنات على «فلان ولد فلانة»
بالوحش والغمة
من وحشي بكى
من وحشي شكى
من وحشي طرطق السلاسل وجا)
إن هذا السجع الذي يسمى في مصنفات السحر «دعوة الشمس»، هو طقس سحري تقوم به المرأة التي غاب عنها الزوج أو الحبيب بسبب الهجر، أو لدواعي السفر، وتفصيله كما يلي: في وقت المغيب، توقد المرأة النار في مجمر وترمي فيها بعض البخور وتقف مواجهة لمطلع الشمس تلوح بمنديل استعمله سابقا أثناء الجماع «الشرويطة» وهي تتلو دعوة الشمس.
وتبدو قوة هذا الطقس متجلية في القوة السحرية للكلمات المنظومة في شكل سجع يعتقد أنه سينقل للشمس التي تغيب أمنية المرأة في أن يكسر زوجها القيود المعنوية والحقيقية التي تمنعه من وصالها، كي يلبي نداء شوقه إليها!
والحقيقة أن الكثير من طقوس دعوة «الزوج» الغائب تتضمن سجعا يُتلى بشكل طقوسي، ويكـون الكـلام الدعوة موجها إما لقوى الطبيعة التي لها قدرة على التأثير المباشر أو غير المباشر على الحبيب الغائب، أو إلى قوى فوق طبيعية كالجان، أو إلى المواد المستعملة خلال الطقس السحري (البخور، مثلا).
ونقدم فيما يلي بعض النماذج:
تأخذ المرأة البخور التي من ضمنها الشيح وترميها في مجمر ناره موقد وهي تردد:
(الشيخ يا الشيخ
الناس تقول ليك الشيخ
وأنا نقول للطالب المليح
اطلع للسما وصيح
جيب «فلان» عند فلانة بنت فلانة).
وتضع بعد ذلك مزيدا من البخور في المجمر وعلى ضوء نار شمعة تنادي الجن:
(دخلت عليكم يا موالين المكان
هاكوا التفاح باش تسكنوا أولادكم
وزيدوا لي في النار
باش يجي «فلان» عند «فلانة» بنت فلانة.
تستعمل الزوجة لاسترجاع زوجها أيضا، البخور السبعة المعروفة في نار المجمر وهي تقول:
(صيفطت لك ميات جنية وجنية
ثلاثة يهود
وثلاثة نصارى
وثلاثة من حانوت الجزارة
يكفتوك بالحبال المثنية ويجيبوك لبين يدي.
تحرق المرأة البخور السبعة دائما، عند طلوع الشمس وتردد:
(سلامي عليك يا شمس
الناس يقولوا ليك الشمس
وأنا نقول ليك لا لا زيرارة
يا اللي قاسمة السما بحرارة
ما تقسمي الفكوسة والخيارة
حتى تقسمي قلب «فلان» ولد «فلانة»
ماشي بقولي، بقول الرسول
سيدي محمد المذكور
وبجاه مكونة بنت لمكون
بنت لحمر سلطان الجنون
كل ما قالوا لساني يسجي ويكون!)
تأخذ المرأة مجموعة من المواد وترميها تباعا وهي تردد:
(بخرت بالحرمل باش يجي كيتحرمل
بخرت بالزعتر باش يجي كيتعثر
بخرت بفليو باش يجي كفيو)
(العر عار يا لعر عار
يا اللي ما كيخلي عار
الناس يقولو العر عار
وأنا نقول بالهدهد اللي يحمي ما كتبو الطلبة
جيب ليا «فلان» ولد فلانة).
كيف نفهم غاية العملية السحرية في هذه الوصفات التي تعتمد على السجع، لدعوة الحبيب الغائب؟
- إن الكلام الموزون قيمة سحرية كامنة في ايقاعته التي تناسب طبيعة الطقوس السحرية، ولذلك نجده حاضرا بكثرة في طقوس السحر لدى العديد من الشعوب المتفرقة عبر العالم, وكما يشير إلى ذلك إدموند دوتية، في مؤلفه الموسوعي حول الدين والسحر في افريقيا الشمالية، فإن الشعوب العربية القديمة كانت تمنح للكلام الموزون قدرات تأثيرية تتجاوز التأثير على الكائن البشري إلى ما سواه من عناصر وقوى الطبــيعة الأخرى، حتى أصبح الشاعر ينعت بأنه ساحر والشعر بأنه سحر.
ومنه نستنتج أن الطقوس الشفوية لدعوة الحبيب تعتمد بالأساس على القوة الحرية للكلمات، أكثر من اعتمادها على العناصر الأخرى «البخور، طلوع أو غروب الشمس، إلخ» التي تعتبر عناصر سحرية مساعدة أو مكملة، فقط.

العلاج بالسحر (د. مصطفى واعراب)

لا يمكن اختصار الحديث عن السحر العلاجي في المغرب في مقال أو حتى في كتاب فالأمر، يتعلق بأكثر أشكال السحر انتشارا وأقدمها حضورا في مجتمعنا, لقد أنتج السحر العلاجي على مدى قرون عديدة، إرثا زاخرا من المعارف والمعتقدات التي لم يدفعها تطور العلوم الطبية إلى الانحسار او الاختفاء، ولذلك تظل كل محاولة لاختصار الحديث عنها ناقصة,
سنترك هنا جانبا التطبيب الشعبي الذي يستمد قواعده وقوانينه من علوم «الطب العربي»، فهذا النوع من العلوم كان يدرس في جامعة القرويين خلال أبهى عصور مجدها، وتأثيراته العلاجية تكون إما عضوية (العلاج بالأعشاب) او نفسية (الكي) وليست في كل الأحوال «سحرية»، لنصب اهتمامنا بالأساس على اعتقاد المغاربة في مسؤولية الجن في الإصابة بالأمراض,, أي المرض باعتباره لعنة تلاحق بها كائنات الخفاء الإنسان ولا يتأتى علاجها إلا باللجوء إلى الجن نفسه، أو الحصول على «البركة» بمختلف تمظهراتها.
طبيب اشتغل في مناطق قروية منعزلة، يستنتج الدكتور مصطفى أخميس أن السكان لا يزالون متشبثين بأساليب الطب المسمى تقليدي، تلك التي لا تزال حية رغم وجود مراكز للعلاج الطبي العصري.
إن أساليب العلاج هذه هي خليط غريب من وصفات العلاج البدائية أمثال: الكي، دق المسامير,,, وأخرى تستميل الناس، باستثمار قداسة الدين أمثال:الماء المقروء عليه، أحجبة وطلاسم أو الخصائص العلاجية للأعشاب والمواد الطبيعية المجربة، وإذا كانت الوصفات العلاجية تعرف اختلافا في بعض تفاصيلها بحسب المناطق المغربية، فإن الميزة الأهم التي تؤطر تصور المغاربة لأسباب الإصابة بالمرض، كانت ولا تزال في اعتقاد العامة، تنسب إلى الجن مسؤولية كل ما يصيب نفوس و أبدان البشر من أمراض واختلالات, ولذلك تشير أسماء الأمراض التي تبدأ بأداة التصدير (بو,,,) إلى أسماء الجن الذي يعتقد في كونهم مسؤولين عن إصابة الإنسان بتلك الأمراض، وهكذا يدل مثلا اسم (بوصفير) على اسم الجني الذي يصيب الإنسان باليرقان، وبالمثل يعتبر (بوحمرون) اسم علم للجني الذي ينشر الحصبة و(بودحاس) نسبة إلى الداحس بثور تظهر بين اللحم والظفر)، و (بوخناق) نسبة إلى الجني الذي يسبب الخناق، و (بوتليس) الذي يصيب الإنسان ليلا حتى لا يبصر شيئا، و بوزلوم (عرق النسا) وبوطابك وبومزوي، الخ ,,.
ويؤكد ذلك أحد الفقهاء السحرة إذ يقول : » إن عملنا يعتمد على علوم معروفة على طرد الأرواح الشريرة التي هي أساس كل الأمراض التي تصيب بني البشر، من وجع الأضراس والحمى والإجهاض (اللاإرادي) للمرأة والعين وغيرها مما يبتلي به الإنسان الراشد أو أمراض الصغار كالصرة و البكاء المسترسل وغيرها، وكلها من عمل الجن,
المصابون
وتعرف بالعديد من النعوث التي تستعمل في وصف المصابين مثل «المشير» و «المسكون» و«الملبوس» و«المملوك» للجن، وغيرها, وتعبر هذه النعوت في الحقيقية عن درجات الخطورة الإصابة التي يعتبر «المشير» أقلها حدة حيث يكفي لعلاجه تدخل فقيه معالج لطرد الجن من خلال بعض الطقوس المكتوبة (طلاسم) ويتعرض الإنسان لخطر «التشيار» عندما يلامس جسمه ماء مستنقع أو عين أو بئر بعد مغيب الشمس، وهو وقت تحرر الجن من معاقلها، أما «الملبوس» بالجن، فهو في عرف المختصين اكثر أشكال الإصابة صعوبة في العلاج، فالجن في هذه الحالة يصبح مقيما في جسد المريض، ويغطي على شخصيته كما يغطي الملبس الجسم, وبينما يعاني «المشير» من الحمى ومن إنهاك عام، يكون «الملبوس» غائبا عن ما حوله، أي أن النوع الأول من الإصابة عضوي، بينما النوع الثاني نفساني.
ولا يعترف الفقهاء السحرة بالقدرات العلاجية للطب الحديث، ويعترف زبائنهم بأنهم يوبخون كل من يعترف لهم بزيارته للطبيب، زاعمين أن ذلك يؤجج غضب الجني المتسبب له في المرض ويجعله أكثر عصيانا وأكثر صعوبة في العلاج طبعا.
أماكن الجن
وما دام الجن مسؤولا عن إصابة البشر بالمرض، فليس ثمة علاج طبيعي أفضل من الذهاب إلى أماكن إقامة الجن نفسها لتوسل الشفاء، كما يقول عالم الاجتماع المغربي الراحل بول باسكون, ولذلك تعتبر المغارات أماكن مفضلة و معروفة للعلاج من مسافات بعيدة, وتتم الإقامة فيها لحل كل أنواع الصعوبات النفسانية والبدنية (,,,) حيث ترتبط أهم الإصابات التي تعالج فيها بالنفس أو تبدو كذلك: صرع، انفصام الشخصية، جنون بصفة عامة؛ أي الأمراض التي يقال عن المصابين بها انهم مسكونون، لكن تتم زيارتها أيضا لعلاج اختلالات الخصوبة: «عقم، إجهاض متكرر، البحث عن المولود الذكر ,,.
إن تقديس هذه المغارات أو بالأحرى تقديس الأرواح التي تسكنها هو من أقدم المعتقدات التي أعتنقها المغاربة، في مراحل تاريخية سحيقة، وسابقة على ظهور وانتشار الأديان, وقد اشتهرت الكثير من المغارات في المناطق الجبلية أو بالقرب من السواحل، بخصائصها العلاجية، التي تأسست على أسطورة، ومن أشهر تلك المغارات التي يقصدها المغاربة قصد العلاج، نذكر مغارتي جبل العلم القريبتين من ضريح مولاي عبد السلام بن مشيش في شمال المغرب الغربي,
حيث يشرب الزوار في إحداها ماء الصخرة التي «تبكي»، لشفاء العديد من الأمراض, وتقول الأسطورة إن الماء الذي كان يستعمله الولي قبل قرون للوضوء، لا يسيل من تلك الصخرة إلا حين تردد النسوة لحنا معروفا لديهن لوحدهن.

وهناك أيضا مغارة مولاي بوسلهام في اللغرب التي يشرب المرضى رشح الماء المتقاطر من هوابطها، على أساس انه حليب صوفي يعالج بعض الأمراض أهمها تلك التي تصيب الأمعاء, كما تشتهر مغارات أخرى بقدرتها على علاج الأمراض كمغارة سيدي بويندر بدمنات وسيدي شمهاروش عند قدم جبل توبقال بالاطلس الكبير ومغارة تخرداشت في برانس تازة.
«ولا تقل بعض عيون الماء شهرة من حيث خصائصها العلاجية، عن المغارات وفي مجتمع سهل التصديق كمجتمعنا، يكفي أن تروج إشاعة عن «اكتشاف» خصائص سحرية صدفة في مياه عين معروفة كي تشد إليها الوفود الرحال من كل حدب و صوب، لتنهل من مائها الشافي.
و كما أن للمغارات أساطيرها، فإن لكل عين ماء مقدسة أسطورتها الخاصة، فسيدي يحيى بن يونس في وجدة و هو من أندر الأولياء في المغرب الذين يحظون بتقديس المسلمين واليهود على السواء, تقول الأسطورة إنه كان معاصرا للسيد المسيح، و أنه دفن نفسه بنفسه,, لكن، قبل ذلك ضرب الأرض و خرجت منها عين يستعمل ماؤها لعلاج العقم عند النساء, أما عندما تكون عين الماء حارة، لاسيما إذا كانت مذابة في مياهها رواسب كبريتية، فإنها تكون بالضرورة مكانا مفضلا لتواجد الجن، فالكبريت و الحرارة و الماء كلها عناصر لها خصائص سحرية تشفي فضلا عن أمراض الجلد، مرض الزهري (أو النواربتعبير العامة، التي تعتقد في مسؤولية الجن في الإصابة به), و أكثر عيون الماء الحارة و الكبريتية شهرة بالمغرب تلك التي انشأت حولها حامة و قرية مولاي يعقوب قرب فاس.
تخرج المياء الكبريتية من عيون حارة محملة ببركة مولاي يعقوب لتعالج الأمراض الجنسية و الجلدية, فتتجمع تلك المياه شديدة الحرارة في مسبح، جرت العادة أن لا يدخله المستحم إلا و هو ينطق عبارة (بارد و سخون يا مولاي يعقوب), و هذا الاحتماء ببركة الولي حامي المكان، في اعتقاد العامة، هو الذي يحول سخونة الماء التي لا تطاق إلى برودة تحتملها الأجسام المستحمة، الباحثة عن علاج.
وعندما يجتمع بخار الماء الحار و الكبريت، فإن معنى ذلك أن المجال حيوي و مثالي لتواجد الجن كما أسلفنا, و هو في حامة مولاي يعقوب في خدمة الولي بل تذهب الأسطورة إلى أن عفريتا يدعى سيدي بلال، وكان عبدا في خدمة مولاي عبد القادر الجيلاني، هو الذي يقوم بتسخين الماء المتدفق من العيون الكبريتية، بعد أن أصابته لعنة مولاي عبد القادر.
علاج سيدي مسيمر
و من الممارسات السحرية التي مازال بعض المغاربة يلجأون إليها للعلاج، تلك المتمثلة في دق المسامير و الأوتاد في الجدران و جذوع الأشجار, و هي ممارسة لاحظ علماء الاجتماع والأنتربولوجيا وجودها لدى الكثير من الشعوب الأخرى, و يبدو أن ممارستها في المغرب هي من بقايا التأثير الحضاري الذي مارسه الرومان خلال تواجدهم ببلادنا، حيث يشير إدموند دوتيه إلى أنه من العادات التي كان يمارسها الرومان لدفع المصائب عن جمهوريتهم، في الزمن القديم، أن كبير قضاتهم كان يدق مسمارا في جدار من جدران معبد جوبيتير كابيتولان.
في جوار ولي مغمور من الأولياء المنتشرين في البوادي المغربية شاهدنا طقس التخلص من الألم بدق المسمار، على الشكل التالي : حتى قبل أن يتوقف الجحش عن السير، قفزت من فوقه قروية أخفت ملامح وجهها خلف حجاب، يبدو من طريقة ربطه فوق الجبهة أنها تشكو من صداع في رأسها , ثم أخذت حجرا صلبا و شرعت في دق مسمار, في طول أصبع من أصابع يدها في جذع شجرة التين العتيقة التي تظل بناية الضريح, و بعد لحظات مكوث قصيرة، قرب الشجرة، أخرجت من تلافيف ثيابها شمعة و دخلت إلى الضريح، كي تقدمها قربانا للولي.
إن تقنية التخلص من المرض، أو على الأقل من الألم بهذا الشكل لا تزال تمارس، على نحو جعل بعض الأضرحة المتخصصة في هذا الأسلوب «العلاجي» تحمل اسم «سيدي مسيمر» أو «سيدي مسيمر» (مسمر و مسيمير : تصغير لمسمار)، مثل ضريح سيد أحمد بن داود الذي يوجد قرب الجامع السليماني بالرباط، و هذا الضريح الذي كان مقصد العامة لعلاج الأمراض التي تصيب الأطفال، يسمى «سيدي مسيمر» لكثرة المسامير المثبثة على جدرانه وبابه.
ولا يقتصر اللجوء إلى أسلوب دق المسامير طلبا للعلاج على أضرحة الأولياء، بل يلجأ إليها الكثير من الفقهاء السحرة في «عياداتهم الخاصة»، لخلق حالة الإنبهار الضرورية لدى زبنائهم الذين يطلبون علاج أمراض عضوية، و هكذا نجد أنه لعلاج عرق النسا (المعروف لدى العامة بالسياتيك، و هو مرض مزمن ينجم عن التهاب عصب الوركي الذي يمتد من الورك إلى الكعب)، يقوم الفقيه الساحر بما يلي : «يكتب الحروف (لوزاد روافرق) على حائط و يأخذ مسامير بعدد الحروف ثم يضربها في وسط الحروف (الأحد عشر)، و في أي حرف سكن الوجع يثبت المسمار, و إذا لم يسكن الوجع، يعيد الكرة مرات حتى يحصل العلاج,,.
أما لتسكين وجع الأسنان، فيكتب بعضهم سبعة حروف بمسمار على الأرض و هي (كهف موقف)، ثم يدق المسمار على الحرف الأول و يقرأ عليه (سبح اسم ربك الأعلى) سبع مرات في السر، و هو يضع أصبعه على الضرس الذي يؤلم المريض, فإذا لم يسكن الألم، ينقل المسمار إلى الحرف الثاني و هكذا إلى أن يزول الألم.
و فيما يبدو، فإن التقنية الأخرى تعتمد على عناصر سحرية معروفة تجعل دور المسمار ثانويا، و هذه العناصر ذات القيمة السحرية هي : الحروف (التي سنرى فيما بعد خاصياتها السحرية)، و كذلك الرقم سبعة (سبعة حروف/ قراءة الآية سبع مرات).
أما إذا كان الإنسان لم يسبق له أن قلع ضرسا من فمه، فإن لبعض الفقهاء السحرة «بركة» ثقاف الأضراس, فيقومون في فم من يرغب في ذلك، ببعض الطقوس السحرية, و تكون النتيجة أن أضراسه لا يتمكن منها التسوس أبدا !
اللعنة
لا تحيد مصنفات السحر المتداولة، عن ثنائية الخير و الشر التي تؤطر مجمل الممارسات السحرية, ففي أمور المرض و العلاج، نجد الفهارس تعرض وصفات لتسليط مرض ما على الغريم، و معها وصفات لتسليط الصداع أو لتمريض الغير أو لترميد عينيه (لإصابتها بداء الرمد)، أو لتسليط الحمى أو المغص أو الدمامل و الطاعون و غيرها من الأمراض الأخرى، من دون خسائر تذكر, و هنا تكمن قوة الساحر عند العامة فهو يمنح الصحة و الحياة الرغيدة، مثلما يمكنه أن ينشر المرض و الموت على شخص أو على مجموعة من الناس, لكن عندما يلجأ إلى السحر المؤذي يلتمس سبل الحيطة، حتى لا يجد نفسه في مواجهة القانون الوضعي أو السماوي, و قد حرص واضعو مصنفات السحر على التحايل على رقابة الدين الذي يحظر السحر المؤذي تحت طائلة القتل, و لذلك نجدهم في وصفات تسليط الأمراض يضيفون إلى عناوينها ما يفيد بأنها موجهة لوقف أذى الأشرار, مثل:
لنـزيف الظالمة، لتمريض الظالم، لتسليط الحمى على ظالم، إلخ.
و المرض الذي يتسبب في حصوله ساحر، لا يمكن أن يبطل مفعوله إلا ساحر له نفس الكفاءة، أو أحد الأولياء, ففي بلد المائة ألف ولي، توجد أضرحة لكل التخصصات العلاجية، و في كل مكان,بعضها له شهرة محلية محدودة التأثير، و أخرى تحظى بصيت يتخطى حدود الوطن إلى الأفق المغاربي.
و تتخذ الكثير من الأضرحة شكل مارستانات، بغرفها و مركباتها التجارية البسيطة و أيضا بطقوسها العلاجية, و لعله من رابع المستحيلات ذكرها جميعا، أو حتى انتقاء أكثرها شهرة لدى العامة، و لذلك سنكتفي بنماذج منها تشمل التخصصات، العلاجية، الكبرى.
فالولي بويا عمر بإقليم قلعة السراغنة مشهور بعلاج الأمراض المرتبطة بالجن، و خصوصا الأمراض العقلية و العصبية.
و «الولي سيدي مكدول» بالصويرة يمنح الرجال الفحولة و النساء الخصوبة.
و «الولي مولاي بوشتى الخمار» بإقليم تاونات يعالج الجنون و الصمم و البكم و غيرها.
و«الولي مولاي إبراهيم» (طير الجبال) بإقليم مراكش متخصص في علاج عقم النساء و ما يرتبط به من مشاكل اجتماعية.
و «الولي مولاي بوشعيب» بآزمور يمنح النساء المواليد الذكور، ضمانا لاستقرارهن الأسري,,, و الحقيقة أن «التخصص الكبير للأضرحة، و ما يرتبط بتقديس الأولياء، بالانشغالات العميقة جدا للجنس البشري، هو تقديم علاج للقلق الجنسي و تسهيل الزواج و منح الخصوبة» كما يرى درمنغن، و لذلك نجد أغلب الأضرحة تضيف إلى تخصصها الرئيسي بعض تلك التخصصات الأخرى أو كلها.
على أن الولي في بعض الحالات الشهيرة لا يحتكر بركة علاج الأمراض لنفسه و لا يمنح بركته للعناصر الطبيعية في محيطه (شجرة، عين، كركور، إلخ) فحسب «بل إن تلك البركة قد تنتقل إلى أحفاده (أو من يدعون أنهم كذلك)، لتصبح وراثية بعد ذلك من الأب للإبن و من الأم لابنتها, و قد يختار الولي شخصا بعيدا عن ذريته ليمنحه بركة العلاج، فيرى ذلك الشخص الولي في منامه يخبره بالأمر.
تنتشر في مناطق المغرب المتفرقة سلالات و طوائف من «الشرفاء» تنتسب كل واحدة منها إلى نفس السلف الذي يكون دائما وليا له كرامات, و يدعي أفراد تلك الطوائف امتلاك قدرات علاجية خارقة من خلال طقوس بسيطة، و مقرفة أحيانا, و من أهم هذه الطوائف الغامضة، نذكر :
طائفة الشرفاء الرحاليين (أولاد بويا رحال) الذين يأكلون الأوراق المشوكة للصبار والزجاح و يشربون الماء الحار و يعالجون داء الكلب و لدغات الأفاعي و العقارب.
طائفة أولاد حمادي بالشمال، الذين يعالجون أمراض الأذن و الفم و اللوزتين بنفث البصاق على مواقع الألم.
طائفة الشرفاء المعاشيين (أحفاد سيدي سعيد امعاشو في إقليم الجديدة بالساحل الغربي) الذين يعالجون داء الكلب و لائحة أخرى من الأمراض بالأسلوب السابق ذكره.
طائفة الشرفاء العيساويين (أحفاد الهادي بن عيسى) الذين يمزقون عنـزا أسود اللون في ختام طقوسهم الراقصة، و يلتهمونه من دون طبخ، و يشتهرون بعلاج الأمراض العقلية.
إن الكثير من الطوائف المعروفة في المغرب هي عالم منغلق على أسراره, و الانتساب إليها يتم بالوراثة، و بعد أن يتلقى «الشريف» بركة الأسلاف من خلال طقوس غامضة، تعتمد أسلوب نفث بصاق من هم أكبر منه سنا، حيث يقوم الشيخ بالبصق في فم طالب الانتساب إلى الطائفة, و هكذا تتداول بركة الطائفة جيلا بعد جيلا,, و يسمى طقس نفث بصاق «الشريف» على موقع الألم، لنقل بركة السلف بغرض المعالجة «البخان»,

طقوس طرد الشر والخصائص السحرية للحيوانات (د. مصطفى واعراب)

تلعب الحيوانات أدواراً مهمة في الممارسات السحرية المنتشرة على أوسع نطاق في البلاد العربية، فدماؤها ولحومها تشكل سنداً ضرورياً لطقوس طرد الشر والحصول على البركة حين تقدم كقرابين, كما تدخل العناصر الأخرى ذات الأصل الحيواني ضمن المواد اللازمة لإعداد العديد من الوصفات السحرية، فتستعمل جلودها، أطرافها، أمخاخها، عظامها، مخالبها، أو أعضاءها الداخلية, بل حتى فضلات بعض الحيوانات لا تعدم فائدة سحرية، حسب الكثير من مصنفات السحر الرسمي، وهنا نتحدث عن خصائص السحر في الحيوانات:

الحيوانات والسحر
لا يخلو دكان من دكاكين الأسواق العامرة المتخصصة في بيع مستحضرات السحر من حيوانات محنطة (طيور، قوارض، زواحف، وغيرها) تتدلى ومن تحتها في السلال والأقفاص والقناني حيوانات أخرى تطلب حية (سلاحف صغيرة، قنافذ، حرابي,,, الخ), ويؤكد ذلك من دون شكل الحضور المهم للحيوانات في المعتقدات السحرية, على الرغم من أن المعروض منها لا يمثل إلا جزءاً ضئيلاً فقط من العالم الغريب الشائع للحيوانات المنذورة لأغرب الوصفات.
وحسب مصادرنا الشفوية واعتمادا على بعض مصنفات التراث السحري المكتوب، فإن من أهم العناصر ذات الأصل الحيواني المعروف، هناك مثلا: شحم القنفذ، عظام الحنش وجلد السبع والحنش والثعلب والغزال والذئب، والقنفذ والغزال، خصية الذئب وزبله، قشرة الأفعى ورأسها، عين الهدهد وريشه ودمه، دم الخفاش، دم الغراب، دم الثعلب، دم العصفور، الحرباء وبيضها، السحالي، البوم، مرارة الغراب، عش الخطاف,, الخ, هذا بالنسبة للحيوانات البرية، أما الحيوانات الأليفة، فأهمها: بعر الماعز واظلافه ومرارته، روث الحمار، بول الكبش وبول البغلة، وسخ أذن الحمار، دم الأرنب وكعبه وقلبه، بيض الدجاجة، بيض الديك (كذا) بيض النمل، مخ الديك الأبيض والأسود، مخ الحصان، مخ الحمار ولسانه، مخالب الدجاج، السمك، حوافر الدواب، البق، الذباب، الفئران وغيرها.

وان الاعتقاد في وجود خصائص سحرية لدى الحيوانات قديم جداً في المغرب، ومن المعتقدات التي مازالت شائعة حتى اليوم أن صوت البوم هو نذير شؤم، وأن ذلك الحيوان الليلي الذي يفضل العيش في الخرائب, إذا حلق أو وقف فوق ملابس الطفل الرضيع، حين تكون معروضة فوق حبل الغسيل، فإن الطفل عندما يلبسها يصاب بمرض شديد.
الكبش والدم
أما الكبش سيد القطيع الذي كان مقدساً لدى أسلافنا البربر في أزمنة غابرة وسابقة على الفتح الاسلامي، فإن نحره كأضحية في العيد الكبير، عيد الأضحى، ترافقه طقوس تحركها معتقدات سحرية، لاتزال تمارس حتى اليوم, فعند نحر أضحية العيد، تشرب «الشوفات»، وهن أولئك النسوة اللائي يمتلكن «بركة» كشف أسرار الغيب، كثيراً من دم الكبش الحار، لأنه يقوي لديهن القدرة على قراءة الغيب, كما يتم تجفيف ذلك الدم واستعماله للتبخر به أو في بعض الوصفات السحرية الأخرى التي تقوم بها المرأة لامتلاك قلب الرجل.

وتسمح القوة السحرية المضاعفة لدم أضحية العيد، لبعض العرافين بالتنبؤ بأحداث السنة المفرحة أو المفجعة وذلك بحسب شكل الدم، وبعض التفاصيل الثانوية الأخرى التي يمتلكون وحدهم أسرار استقراء مكنونها.
وليس الدم وحده، بل إن عظم كتف الكبش أيضاً يكشف لكل ذي عين بصيرة أحداث السنة التي تمتد من العيد الى العيد الموالي,,, وبعد قراءة «أسرار الكتف» كما تسمى، يتم الاحتفاظ بذلك العظم السحري الى غاية عاشوراء، حيث يتم التخلص من «سحره» بدفنه تحت اسم «بابا عيشور».
وإذا كانت هذه الطقوس السحرية لا تمارس في كل الأوساط المغربية، فإن هناك عادة ترتبط بمعتقدات سحرية لاتزال تمارس في كل البيوت, ونقصد بالطبع تعليق مرارة كبش العيد بعد نزعها من كبده على حائط بالبيت, وتبقى معلقة به الى أن يتم استبدالها بمرارة جديدة, وحسب المعتقد القديم الذي أطر هذه العادة القائمة على نحو واسع حتى اليوم، فإنه في المرارة يتم تركيز كل مرارة الحياة للتخلص منها خارج الذوات، كما أن تلك المرارة تحمي طرفي العلاقة الزوجية من الخصام، حيث تجذب اليها مرارة المشاكل الحميمة في البيوت.
حيوانات مائية
وتحظى الحيوانات المائية بقدر غير يسير من الأهمية في معتقداتنا السحرية، فنقط تواجد الماء، ولذلك يسود الاعتقاد في قدرة الجن على الحلول في بعض الأحياء المائية, ففي العيون المالحة التي تنبع من مغارة (ايمنفري) بضاحية دمنات تسبح سلاحف كانت تحظى باحترام وتقديس اليهود والمسلمين من سكان المنطقة، الذين كانوا يقدمون اليها القرابين.
أما في موقع شالة الأثري بالرباط، فعند خرائب قاعة الوضوء القديمة توجد عين ماء عذبة تعيش فيها أسماك حنكليس اليفة (تسمى محليا النون, مفردها نونة)، من بينها ملكة أصبحت منذ أمد بعيد غير مرئية، ويقال إنها سمكة حنكليس عجوز لها شعر ،وأذنان مسترخيتان, وفي كل يوم أحد، خلال ساعات الساخنة التي يكون فيها الجن أكثر حدة (شياطين الزوال)، وخطيرين لكي يسهل الوصول اليهم، كانت النسوة يعملن البخور على جنبات الصهريج وترمين قطع أحشاء الحيوانات وكريات من عجين الدقيق، مخاطبات الأسماك قائلات: «خذي عارك التي أعطيتنا، هذا العار ترمى علينا واحنا كنرميوه عليكم»، وحتى سنوات قليلة ماضية، يذكر كاتب هذه السطور أنه رأى نسوة ينثرن لأسماك الصهريج الظليل البيض المسلوق ويرمين اليها بقطع من النقود, ويحتل الدجاج موقعاً متفرداً في صدارة الحيوانات المستعملة في تحقيق أغراض سحرية, فالديك الذي يعلن عن فرار شياطين الليل في الضحى، لا شك أن له خصائص ينفرد بها عن غيره من الطيور الداجنة والبرية.
ولذلك ربما كان أكل الديكة أحسن طريقة لكي يصبح الرجل فقيها شهيرا، في تافيلالت,, بمعنى آخر فإن التغذية بهذا الطائر أو بعض أجزاء من جسمه (خصوصاً الرأس) يفترض فيها أن تمنح الإنسان الخصائص العجيبة للديكة،, وبالمثل يحظى الدجاج، بشكل أعم (ذو الريش الأبيض أو الأسود أو الأحمر، على الخصوص) بمميزات تجعله يستعمل في مالا نستطيع حصره من الوصفات ذات الأعراض المتنوعة.
وتستعمل الحرباء في وصفات ابطال مفعول السحر الأسود، بينما يستخدم بيضها في اعداد وصفات التوكال» التي تعطى «في الأكل، للغير بغرض القتل البطيء، وأيضاً لكل فتاة تشتكي من العنوسة، ينصح العشاب بالتبخر بالعرعار و«تاتة عويتقة» أي حرباء بكر كيف يميزون جنسها وعذريتها؟) ولأجل ذلك تهيئ الفتاة النار في مجمر، فترمي في لهيبها الحرباء المسكينة حية مع العرعار وتعرض نفسها للدخان المتصاعد الذي يعتقد أنه يبطل مفعول السحر المعمول لها، كما تستعمل الحرباء أيضاً لعلاج «التوكال» حيث يأخذ المصاب به، هذا الحيوان الكسول بعد أن يذبحه ويغسله، يتناول لحمه.
مخ الضبع ولسان الحمار
حسب لاوست، فإن شعوب الشرق الأوسط تقاسم المغاربة اعتقادهم في القوة السحرية للضبع، وربما كان اقتيات هذا الحيوان الجبان على جيف الحيوان والإنسان هو السبب في ما الصق به من قدرات عجيبة على التأثير في البشر بمجرد لمسهم لأي جزء من جسمه «لدرجة أنه يفقدهم عقولهم، ولذلك تخلط النساء الراغبات في الانتقام من أزواجهن، أو في ضمان خضوعهم التام، أجزاء من مخ الضبع في الأكل, ويحدث كبد الضبع نفس المفعول، كما تستعمل الأجزاء الأخرى من جسمه كالجلد واللسان وحتى البراز والبول في اعداد تمائم لحماية الخيل، وإخراس نباح الكلاب وزيادة الزبدة في «الشكوة».

وحسب بعض المصادر الشفوية، فإن وضع قليل من مخ الضبع فوق رأس الرجل يؤدي به إلى الجنون, أما إعطاؤه له مع الأكل فينتج عنه موته فوراً, ولا نملك تأكيداً من المراجع العلمية لهذا القول المخيف.
وفي الأوراق التي تركها الطبيب النفسي موشون (الذي شكل اغتياله في مراكش في بداية القرن العشرين المبرر المعلن للتدخل الفرنسي لفرض الحماية، نقرأ وصفة غريبة تجمع بين الخصائص السحرية المزعومة لكل من مخ الضبع ولسان الحمار، حيث كتب نقلا عن مصادره يقول: «لكي تهيمن المرأة على زوجها، تهيئ واحدا من الفصوص السبعة لمخ الضبع مع بعض التوابل (التي لا نرى داعيا لذكرها)، ثم تضعه في كيس صغير تحمله معها، وفي الوقت نفسه، تطعم زوجها لسان حمار تم جزه من الحيوان وهو لا يزال بعد حيا, وستصبح منذئذ سيدة البيت، اذ سيرتعد الزوج أمامها كما يرتعد الحمار في مواجهة الضبع.
ملاحظة
ونسجل هنا ملاحظة جديرة بالتأمل فعلى العكس من السحر الشعبي الذي يزعم أن من شأن لمس أي جزء من جسم الضبع أن يؤدي بالإنسان الى الجنون, لم نعثر في مصنفات السحر الرسمي (أي كتب السحر المتداولة) التي تأتى لنا الاطلاع عليها، أدنى وصفة تشير الى الاستعمالات الممكنة لأعضاء الضبع في وصفات بغرض إلحاق الأذى بالغير, وعلى نحو مفارق، جاءت كل الوصفات التي صادفناها محققة لأغراض «سلمية» نورد بعضا منها في الفقرة الموالية.
ربما كان ذلك احتراسا من رقابة الدين الذي يحرم السحر الأسود كما أسلفناه، أو ربما لكون الاعتقاد في القدرات السحرية القوية لأعضاء الضبع - وفي مقدمتها مخه - ظهرت في «المغرب في فترة متأخرة، ولاحقة على صياغة المصنفات إياها، التي وضعها بعض المتصوفة خلال العصر الوسيط.
والثابت أن خوف المغاربة من الضباع جعلهم يستهدفونها بالقتل المجاني، بهدف القضاء علىها في أماكن انتشارها في الجبال والصحارى, وكلما قتلوا ضبعا يسارعون الى قطع رأسه ودفنه في مكان آمن، بعيداً عن الأيدي الآثمة, ونتيجة لذلك، أصبح هذا الحيوان الجبان موضوعا على لائحة الحيوانات المهددة بالانقراض في المغرب، حالياً.
والثابت أيضاً أن مخ الضبع يعتبر من أندر المواد السحرية وأغلاها، إذ يصل سعر الغرام الواحد منه في الأسواق «السرية» الى مليون سنتيم، وإذا استحضرنا ذلك، فإننا سندرك دون عناء في التفكير، أن دماغ ضبع واحد يساوي ثروة حقيقية.
وبدرجة أقل، من حيث الشهرة في أوساط العامة، يشكل الحمار بديلاً مكملا في الوصفات التي تستهدف بها النسوة المقهورات كبح تسلط الأزواج, ويلح مصدر شفوي على أن جز لسان الدابة وهي على قيد الحياة هو شرط أساسي لضمان شدة المفعول السحري للسانها, بينما يتضاءل ذلك المفعول أو ينعدم حين يذبح الحمار، ليقطع لسانه بعد ذلك.
وتتطابق كل الافادات التي استقيناها حول الموضوع في حصر لسان الحمار في الاستعمالات المطبخية، عكس الاستعمالات المتعددة التي يتيحها مخ الضبع وأجزاء جسمه الأخرى.
وصفات للتأمل
هنا نقدم بعض وصفات التأمل السحرية
قلب النسر الملفوف في جلد الضبع، إذا كتبت عليه أسماء القمر ورسم يمثل كلبا يعض ذيله، فإن من يحمله لا تنبح عليه الكلاب.
عيون سرطان النهر والقط الأليف والهدهد إذا جففت في الظل وخلطت مع قدر وزنها من الكحل الأصفهاني ثم استعملت كقطرة للعين قبل طلوع الشمس، فإنها تسمح برؤية الجن.
قلب الثعلب وقلب البوم وقلب اليربوع (فأر البراري)، إذا جففت جميعها تحت الشمس ولفت في جلد أسد فإنها تحمي حاملها من الجن والإنس والحيوانات المتوحشة.
مرارة دجاجة سوداء ومرارة قط أسود ومرارة خطاف أسود ومرارة تيس أسود تجفف مع مقدار وزنها من الكحل مضافا اليها بعض المواد الأخرى، إذا تم تقطيرها في العينين «فإنها تسمح بالرؤية في ظلام الليل كما في النهار».
زبل الضبع إذا دهنت به احليلك وجامعت المرأة فإنها نجد لذة عظيمة، وكذلك إذا دهنت بلبن (حليب) الحمارة.
تأخذ مرارة كبش سمين وتطلي بها ذكرك عند الجماع، فإن المرأة تحبك حبا شديداً.
ينفع لتقوية الجماع أيضاً: «بيض الديك وقضيب الذئب ومرارته».
من أخذ شعر رأس كلب وبخر به، زال عنه الاعتراض (أي فك سحره).
لعدم الحمل: تأخذ خفاشة (أنثى الوطواط) تذبحها وارم مافيها (أي ما في جوفها) واعمله في الوسادة وهي (المرأة التي لا تريد أن تحمل) نائمة، فإنها لا تحمل أبدا ما دام الخفاش في الوسادة.
لعدم الحمل كذلك، تسقى المرأة بول بغلة كل شهر (أي تشربه) أو تشرب وسخ أذن الحمار، أو تعلق قلب الأرنب مع النعناع على جسمها، أو تتناول ثلاث أو خمس ذبابات بعد أن تفعصهم في مغرفة (ملعقة كبيرة) مع الزيت وتشربها، فإنها لا تحمل.
لرد الثيب بكرا: تأخذ مرارة ثور وتغمس فيها صوفة (أي قطعة من الصوف) وتدخلها المرأة في فرجها طويلاً، فإنها تعود كالبكر, ويضيف السيوطي مؤكدا أن هذه الوصفة مجربة (كذا).
لعلاج الحصى في الكلى: تأخذ روث الحمار (زبل الحمار طريا) وتعصره وتأخذ الماء الخارج منه وتسقيه العليل فإنه نافع له.
لكي تجعل امرأة عاقراً مدى الحياة، اجعلها تبتلع حبوب شعير سقطت من فم بغلة بعد أن تبللها بدم حيضها، أو تذبح طائرا وتحشو جسمه بقطعة ثوب مدنسة تؤخذ من الأشياء الخاصة بالمرأة المستهدفة، ويدفن الطائر في مكان مجهول، وإذا ندم الفاعل وأراد ابطال العملية السحرية، فما عليه إلا أن يخرج الطائر من قبره ويتبول عليه ثم يرميه الخ، فإن المرأة سوف تلد من جديد.

محاولة للفهم
ما وجه العلاقة بين قلب الأرنب ووريقات النعناع ومنع الحمل أو بصيغة أخرى، كيف يتشكل الاعتقاد السائد في وجود خصوصيات سحرية لدى الحيوانات؟
بالنسبة الى ادموند دوتيه، فإنه «من دون شك، نجد هنا ترابطاً بين أفكار غريبة لا نعرفها، ويمكن أن يحصل الترابط ليس بين الأحاسيس، ولكن بينها وبين الحالات العاطفية المرافقة لها، أو تلك التي رافقتها مرة واحدة (,,,,) فالشخص الذي حقق السعادة يوم حمل شيئاً معينا، نستنتج أنه كلما حمل ذلك الشيء إلا وسيحقق نفس السعادة,,»
إن الأمر لا يعدو أن يكون، برأي الباحث الفرنسي، سلسلة من المصادفات المتفرقة انتهت الى اقامة علاقة غامضة بين السبب والنتيجة.

ويشكل مبدأ التشابه المعروف لدى علماء الأنثربولوجيا، قاعدة عامة تكاد تقوم عليها أغلب الوصفات التي قدمنا نماذج منها, فإذا كان ترابط الأفكار التي انتجت لنا في نهاية المطاف الوصفات الغريبة، غير واضح المعالم، فإن اللجوء الى نظرية السحر التشاكلي، أو سحر المحاكاة، التي يقوم عليها المبدأ القائل بأن «الشبيبة ينتج الشبيبه» يسعف في تلمس بعض عناصر الفهم بخصوص موضوع الاعتقاد في وجود خصائص سحرية لدى الحيوانات.
فنقول بالنسبة للوصفة القاضية بأن يطلي الباحث عن إثارة الجماع عند المرأة، قضيبه بمرارة كبش سمين إن الكبش السمين يحيل على معاني القوة والفحولة, ونستنتج من ذلك أن استعمال عضو من أعضاء الحيوان القوي من شأنه أن ينقل الفحولة الى الشخص الذي يطلبها من خلال العملية السحرية.
أما الوصفة الأخرى التي أوردها الطبيب موشون والمتعلقة بجعل المرأة الولود عاقراً مدى الحياة من خلال جعلها تبتلع حبوب شعير سقطت من فم بغلة,, فمن المعروف أن هذا الحيوان ارتبط في ذهن المغاربة بعدم الانجاب، اذ تنفرد البغلة من دون باقي اناث الحيوانات الدواب بالعقم، حتى درجوا على القول بأنه «يوم تلد البغلة، ستفنى الدنيا في إشارة مجازية الى استحالة أن تنجب البغلة» وكذلك الأمر حين تدعي الوصفة الأخرى أن المرأة التي تسقى (تشرب) بول البغلة لن تحمل,,, فالفكرة المضمرة في كلتا الوصفتين أن المرأة التي تقسم البغلة شعيرها أو تشرب بولها، ستصبح شبيهة بها في عدم الانجاب, وقياساً على هذا المثال، تبدو الوصفات الأخرى قابلة لكشف ترابط الأفكار التي نسجت منها.