[نظام المجتمعات الافقية
كل التنظيمات الأفقية قامت على العدل والمساواة والشورى, ويمكن أن نسميها أيضا بالمجتمعات الناجحة أو ما يطلق عليها اليوم بالمجتمعات الديموقراطية. فالديموقراطية كنظام وليس كإصطلاح ليست جديدة على المجتمع البشري وإن اختلفت في شكل ممارستها في هذا المجتمع أو ذاك. وقد تكررت بشكل ملفت في المجتمعات القبلية أكثر منها في مجتمع المدينة إلا أن الأطماع السياسية الذاخلية والغزوات الخارجية كانت تنجح في تحويلها إلى مجتمعات هرمية تحت سلطة السيف والقهر ولو أن تلك الأطماع لا تنجح في الكامل في تغيير سلوكها الذي يطبع بصماته في حياتهم ومعيشتهم اليومية, ويمكن إعتبار أشكال العمارة التي استخدمتها تلك الشعوب وشكل معابدها أكبر دليل على ذلك, حيث تعبر بطريقة غير مباشرة رغبتهم في التعايش الجماعي والإلتزام بقانون يساوي اجميع و يهدف إلى المصلحة الجماعية, واعتزازهم بانتمائهم ومعتقداتهم. فالمجتمعات القبلية تكون في الأساس مجتمعات عشائرية تجمعها رابطة الدم والنسب أوالهوية, فلا تتسع فيها الهوة الطبقية إلا حين تتكون بها طبقة جديدة من العبيد الذين يكونون في الغالب من أسرى الحرب.
فالمجتمعات الأفقية يمكنها أن تتخذ شكل القبيلة والمدينة والدولة وحتى الإمبراطورية, فهي دائما تحتاج في إستمرارها لعوامل أساسية من بينها الحوار المكفول وقانون عادل وفكر سياسي يلتزم به الجميع وقائد حكيم يستوعب أكثر من غيره شكل وعقلية الرعية التي يقودها, وكيف يمكن أن يحكمها ويمسك بلجام تقلباتها.
ومن ضمن تلك المجتمعات كان هناك :
1- - المجتمع الطبقي والمدينة
المجتمع الأثيني الذي اقترن مصطلح الديموقراطية به, أوجد نظاما جديدا في الحكم تمثل في الإنتخاب وتمثيل الشعب بمختلف طبقاته عن طريق مجالس تساهم في صنع القرار الجماعي, وعلى الرغم من أن النطام الآثني لم يرق لفلاسفته كسقراط وأفلاطون وأورسطو لتوقعهم ما يمكن أن يأتي به ذلك النظام من نتائج عكسية, حيث اعترضوا على آليته التي مكنت لطبقات تنقصها المعرفة بأحكام السياسة وشروط القرار السليم من أن تكون جزءا من القرار السياسي لمدينة آثينا, ففي نظرهم كان ينقص هؤولاء التخصص والتجربة والتفرغ دون شغل المتخصصين في الصنائع والاشغال العامة بعبئ مسؤولية عامة تتطلب تفرغه التام لضمان الانتاج المتوازن في المجتمع, وحتى لا تتحول السياسة إلى تجارة للكلام والبحث عن مصالح شخصية. إلا أنه يبقى نظاما يمثل شكل متطور تشارك فيه كل فئات المجتمع في قرارات الدولة في تلك المرحلة التاريخية من تطور الفكر الانساني.
-2- المجتمع القبلي
كذلك المجتمع السبئي الذي جسدت قمة حكمته ملكة سبأ "بلقيس" التي كانت إلى وقت قريب في نظر البعض مجرد أسطورة, لكنها لم تكن كذلك فكل يوم يتم الكشف عن أجزاء تحت رمال مأرب اليمنية من مملكتها التي لم تنسى ككل الدول المنظمة في تدوين سيرتها على مكتبة حائطية لمعبدها ومجلس حكمها. لم تكن بلقيس ملكة متسلطة, ولا كان السبئيون شعبا ضعيفا وخاضع لجبروتها, بل كانت سيدة حكيمة تحكم قبيلة حيث ألتزمت بعرف قبيلتها وأوجدت به نظام لدولة ترتكز على عدل سبق زمانها فكانت أول من شرع قانون لحقوق الإنسان, حيث ألغت العبودية في بلدها وساوت بين المواطنين. وكانت أول من أنشأ قانون تجاري متطور, حيث أسقطت النظام السياسي والاداري للقبيلة على التجمعات الحرفية والتجارية ويشمل ما يصطلح عليه اليوم بالغرف الصناعية والتجارية, فكان لكل مهنة مجلس يقرر ماهو لصالح منتسبيها ويقنن وينظم ممارستها ويضمن حقوق منتسبيها و إلى اليوم لاتزال في المجتمع المهني اليمني هذه الآلية فيصطلح عليه حاليا بالعاقل,
وقد أوجدت بلقيس في ديوان حكمها مجلس إستشاري من الشيوخ والأعيان وقواد الجيش والعلماء إعتمد فيه على مبدأ الشورى, فكانت لا تقطع بأمر إلا بعد عرض المسألة عليهم.
-3- المجتمع المتعدد الاثنيات
نذكر النظام الروماني الذي أسس لفكرة النظام العالمي فاختار من القانون مذهبا له تحول بالتدريج إلى عقيدة راسخة في المجتمع الروماني التي منحت حقه بعد نضوج الامبراطورية حتى لغير الرومانيين المنتمين إلى ولاياتها, فالرومان كانوا عمليين في حكمهم فكانت القاعدة الاولى لديهم "العمل أولا وبعدها الفلسفة" فلم يكن هناك حاجة لمعارضين سياسين, لكنها أفرزت نوعا آخر منهم وكانوا جماعات رفضت المدنية ورأوا أن الرجل الحكيم العاقل هو الذي لايتذخل بالشؤون السياسية ما لم ترغمه الظروف على ذلك, فاختاروا الاعتزال والتصوف, وكانوا أول إشارة لنزوع المجتمع الروماني لديانة جديدة تستوعب مشاعرهم, حيث ساهم الحكم القانوني في اختفاء التناقضات الاجتماعية التي حددت مجالات جديدة للتأمل والتفكير, مما ساهم بشكل كبير في وجود أرضية لإستقبال الدين المسيحي كدين جديد و الذي أوجد هو الآخر مجتمع أفقي تتحد فيه العقيدة والحقوق والواجبات, وصار قانون الدولة تشريع يستمد قوته من شريعة الله.
-4- المجتمع المتعدد الثقافات والديانات
نذكر المجتمع الاسلامي الذي شهد صعود وهبوط لشكل المجتمع الافقي عبر الدول المتعاقبة, فكانت إشارات صعودها مع كل نهضة فكرية وثقافية, وعلامات انتكاسها مع كل ولادة لتيار متطرف سيس الدين وديّن السياسة, وحجر على كل فكر مناظر أو متطور فرأوا في المفكريين والعلماء أعداء يفقدونهم المصداقية التي لا تتأتي لهم إلا بالإبقاء على الجهل والهرطقة.. وهذا ما جعلها أنظمة مختلة لأن الحكم الاسلامي لايقوم إلا على مبدأ الشورى والتنوير الفكري وإعمال العقل كفاعل أساسي في المجتمعات الاسلامية إذ أصبح القانون تشريع إلهي, الالتزم به نابع من إيمان الشخص فوجوب العقل في هذه الحالة ضروري, وأصبح الرقيب الثاني على الافعال هو الضمير أو الخوف من العقاب الدنيوي والاخروي, ويمكن إعتبار ولاية الخليفة العباسي هارون الرشيد خير عصر شهد على ذلك, حيث أطلق الخليفية اليد لرجال الفكر بكل فروعه وشجع الفنون والانفتاح الثقافي على المجتمعات الاخرى فترجمت مؤلفات الحضارات السابقة وتم تحليلها ومقاربتها بالفكر الاسلامي, فنشأت الفرق الكلامية من كل المذاهب الفكرية, إسلامية كانت أم غير ذلك. فالطرق التجارية التي ضمنت حمايتها الامبراطورية العباسية كانت تجلب معها أيضا باحثين عن المعرفة أو متعصبين لثقافتهم وأديانهم أو مشكيكين للمفاهيم الاسلامية, فكان من الضروري الرد عليها بمنطق العقل وقوة الحجة والكلمة, في ظل الحرية الدينية والفكرية التي كفلها الدين الاسلامي لأهل الذمة, فشاعت ثقافة الحوار العقلاني والمناظرات المنضمة, وتحولت تلك الفرق الكلامية إلى ما يسمى في زمننا بالأحزاب كل واحدة منها لها فكرها الخاص وطريقتها وأنصارها, فكانت ترى خصمها في كل من يمس فكرة الدولة الاسلامية أو يحاول عرض فكر مغشوش يشوش على استقرار المجتمع الاسلامي.
II - الظروف المساعدة لتشوء المجتمعات الهرمية
تبقى الحرية التي تمنحها المجتمعات الافقية (لنشوء إسترخاء لديها وثقة بأن كل المجتمع يتبع فكروقانون وسياسة واحدة), مجالا خصبا لتكون نواة لجماعات سرية, يكون ظاهرها الاهداف النبيلة وباطنها تغيير نظام الحكم والاستحواذ على السلطة, فتكوٌّن بذلك مجتمعا هرميا مصغرا من أتباع مخلصين متعصبين لفكر جماعتهم, ومستعدون لكل التضحيات في سبيل تحقيقها أهدافها ونيل رضى رئيس جماعتهم الروحي, ولا يهدؤون أبدا حتى يتحقق مشروعهم على أرض الواقع أو يتم القضاء عليهم. فتسعى إلى اخترق تلك المجتمعات وتشويش على تفكير العامة في بحثها عن نوع من التعاطف وتقريب أفكارها من أفكارهم.
فشعور تلك الجماعات بالرفض وعدم المصداقية ذاخل المجتمع ما يخفف من حماسة أفرادها ويسهل القضاء عليها, فهي لاتستمد قوتها وحماسة أفرادها (الذين يصبح طول الصراع إنهاكا لعزيمتهم) إلا من مشاركة المجتمع لأفكارها ومساندتهم المعنوية وأحيانا المادية. ويكون تحركها دائما متزامنا لفترة الازمات الذاخلية, و قبل أو بداية تولي حاكم جديد مقاليد السلطة في ذلك المجتمع, حيث تكون أي إشاعة عن تدهور صحة الحاكم في صالح تحركها بسبب التوثر الذي يسود أفراد ذلك المجتمع لفرضية وصول حاكم جديد لم يختبروا قدرته في تسير شؤون البلاد, فيكون العمل على التشكيك في قدرة المرشحين لتولي السلطة تمهيدا لتجهيز المجاميع نحو دعم قائد جماعتهم وإعلان التمرد.
وبمجرد وصول تلك الجماعات إلى السلطة بالقوة التي تخلق مشروعيتها بالمقابل من السلطة الدينية وتستمد منها دستورها (حيث تستمد منه فقط مايخدم مصالحها وتعمل على طمس كل التشريعات التي تفقدها مصداقيتها ومصالحها), تسيطر على المدارس الدينية عبر أشخاص يجعلون منها بوقا لكل ما يتوافق مع مذهبها ويكفر ويحرم كل ما يختلف أو يجرم فكرها, ويكون القضاء على العلماء والمفكريين المختلفيين عن تيارها الفكري من أول أولوياتها, فتحول تلك السلطة ذلك المجتمع إلى مجتمع هرمي يتكون من سلطة عليا ووحيدة تقرر وتشرع (ونخبة من مفكريها وعلمائها, يصبح وجودها شكلي كلما نجح النظام في السيطرة على الاوضاع), يليها طبقة وسطى من الأمن والجيش تضمن القمع والقضاء على كل شيء يخرج عن منهجها وفكرها الذي يصبح بالقوة شريعة كل العامة التي تكوّن بدورها الطبقة الثالثة والاساسية في هرما التنظيمي.
أسباب تغيير النظام السياسي
هذا التحول في نظام الحكم هو شيء لبد من إفتراض حدوثه, عندما يدب الفساد في المجتمعات المنظمة, ولقد تولى الكثير من الفلاسفة والمفكريين بالدراسة لأنظمة الحكم وتقلبات السياسة وما يفرزه ذلك من تطرف فكري وعقائدي وأسبابه, مند نشوء الفكر النظري لدى الشعوب. وقد وصل إلى علمنا ما دون ككتابات الفلاسفة اليونانيين والمفكريين الرومان والمسحيين والمسلمين, حيث كانت تلك الدراسات في حد ذاتها تقرير عن الوضع السياسي ومستوى الوعي السياسي والاجتماعي لدى تلك الشعوب,
الفســاد
وفي هذا الشأن يقول بوليبيوس اليوناني ((125-205 ق.م) الذي أخد كأسير إلى روما والذي تولى بالدراسة المؤسسات السياسية الرومانيين منذ نشأتها ومستوى نجاحها و أسباب خللها),
(عندما تتوصل دولة ما, بعد ما أن تكون قد أبعدت الكثير من الأخطار الشديدة, لسمو وقوة لاجدال فيهما, يحدث بالتأكيد, إذا قامت الرفاهية فيها طويلا, أن يصبح العيش فيها يتم بطريقة باذخة جدا, ويأخذ الناس فيها بالتشاجر بشكل مفرط من أجل كل ما يتعلق بالحصول على مناصب الحكم, وكل ما تبقى من مشاريع).
ويرى بوليب في كتابه (التواريخ) أن نظام الحكم يخضع إلى الدورة الطبيعية حيث تبدأ بالفوضى وتكون السلطة للأقوى الذي يتفرد بالسلطة, لكن مع تطور الوعي لدى المواطنين تظهر أنظمة جديدة تبنى على العقلانية ويكون هدفها إسترداد الحقوق والحفاظ على المصالح, فيتخد شكل الملكية التي تفسد بدورها لسعيها لتميز عن الشعب وتفردها بالرفاهية والبذخ, فيتحول ذلك النظام إلى حكم طاغي يكون فيها الحفاظ على السلطة أهم من الشعب مما يسمح بتشكيل تنظيمات للتآمر وإسقاط الملكية وخلق نظام للنخبة.
الاخلاق والجهل
أما الفارابي الذي عاصر خلافة المعتصم التي عرفت بعصر الاضطرابات لأسباب دينية وعرقية, فقد رأى أن الحكم الصالح الذي يضمن إستقرار المجتمع لا يقوم إلا بالتزام كل طبقة في المجتمع بأخلاق وأداب معينة, حيث اعتبر السياسة شأن يهم كل المجتمع وهي أدبيات التعامل بين بعضهم البعض,
فأهتم بدراسة أنواع المجتمعات السائدة في عصره وقسمها إلى أقسام, وطرح كبديل نظرية المدينة الفاضلة التي في نظره لابد لها من تراتبية وتكون مرتبطة أجزائها بعضها ببعض, فيقول عنها,
(وكذلك المدينة أجزاؤها مختلفة الفطرة متفاضلة الهيئات, وفيها إنسان هو رئيس وآخر يقرب مراتبها من الرئيس, وفي كل واحد منها هيئة وملكة يفعل بها فعلا يقتضي به ما هو مقصود ذلك الرئيس, وهؤلاء هم أولى المراتب الأولى ودون هؤلاء قوم يفعلون الأفعال على حسب أغراض هؤلاء, وهؤلاء هم في الرتبة الثانية, ودون هؤلاء أيضا من يفعل الأفعال على حسب أغراض هؤلاء, ثم هكذا تترتب أجزاء المدينة إلى ان تنتهي إلى آخرين يفعلون أفعالهم على حسب أغراضهم فيكون هؤلاء هم الذين يخدمون ولا يخدمون ويكونون في أدنى المراتب ويكونون هم الأسفلين).
ولكي نفهم لما أصر الفارابي على هذه التراتبية رغم إيمانه أن ذلك المجتمع لبد أن يبنى على العدل, لبد أن نرى ما كانت مضادات مدينته الفاضلة التي استقاها مما كان يدور حوله من أحداث تهدد بانهيار الحكم العباسي وخلافته.
وقد قسم تلك المضادات إلى أربعة أقسام هي المدينة الجاهلة, والمدينة الفاسدة, والمدينة المتبدلة, والمدينة الضالة, بالإضافة إلى النوابث التي تشكل سلوكيات معينة, شبهها بالشوك والحشائش الضارة التي تؤثر في صحة الزرع وجودته.
فكان يرى أن المدينة الجاهلة هي التي لا يعرف أهلها السعادة ولا يبحثون عنها, لأنهم يهتمون بأجسادهم وملذاتهم أكثر من عقولهم وأخلاقهم.
ثم المدينة الفاسدة هي من أهلها يملكون المعرفة بحقيقة الأخلاق والعقل لكنهم يتخدون أسلوب عيش المدينة الجاهلة.
أما المدينة المتبدلة هي من كانت فاضلة ثم تبدلت سيرة أهلها إلى نقيضها ودب فيها الفساد.
والمدينة الضالة فهي المدينة التي دب فيها الضلال والغرور فتعتقد في الله عز وجل وفي العقل الفعال آراء فاسدة, ويكون رئيسها الأول من أوهم أنه يوحى إليه من غير أن يكون كذلك, ويكون قد استعمل في ذلك التنويهات والمخادعات والغرور.
والنوابث هي التي توجد في كل مدينة بما فيها المدينة الفاضلة وتكون بدون فائدة ومضرة للمجتمع يقصد بهم المهمشين البوهمين أو من يتحاشون حياة المدنية والنظام فتكون طبائعهم دون طبائع البشر المتمدنين وفي نظره إذا لم يكونوا دوي نفع فلا بد من معاملتهم بما يعمل بسائر الحيوانات الضارة, وكذلك من كان من سكان المدن وتحول إلى نابث.
فالفرابي ركز على الأخلاق والمجتمع إنطلاقا من خلفيته الثقافية والدينية, فهدف الاسلام كان تأسيسا لمجتمع وليس لحكم. فالسياسة في نظره كانت لاتبتعد عن المجتمع الذي بدوره لا يبتعد عن الدين والاخلاق لضمان استقراره والتزامه, وهنا يلتقي الفارابي مع قول ابن عقيل الحنبلي الذي عاصر الرسول محمد (ص) حيث يقول (السياسة ما كان فعلا يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد إلى الفساد, وإن لم يضعه رسول ولا نزل به وحي).
العـدل
أما إبن قيم الجوزية فيرى أنه العدل ما يضمن استقرار المجتمع, فيقول (أن الله أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط أي العدل الذي قامت به الأرض والسماوات فإذا ظهرت إمارات العدل وأسفر وجهه بأي طريقة فتم شرع الله ودينه).
فحين يستبد الدين بالحكم ويغيب العدل الذي يبحث عنه العامة في ذلك الدين, يكون التمرد الفكري عن الدين وإنتقاده أو البحث عن دين آخر شيْئا متوقعا, وبالمقابل حين يتراجع الدين ذاخل أي مجتمع.. يتكون هناك تيار فكري ينسب كل الأخطاء والمشاكل في ذلك المجتمع إلى غياب الوازع الديني, فيجعل منه ركيزة للإنقلاب على النظام والمجتمع.
فمن السهل تحويل المجتمعات الافقية إلى أخرى هرمية إذا تركت السلطة الدينية والفكرية في يد شخص واحد أو حتى مجموعة (التي تنتهي هي الاخرى دائما في يد شخص واحد), حيث لا يتوقف دون أن تكون له السلطة المطلقة والوحيدة, ويكون أي مس بها هو مس بالمعتقد كما أوهمتنا منذ البداية,
وعند التخلص من تلك السلطة التي دب فيها الفساد لعلمها أنها بعيدة عن كل محاسبة, (وهذا الشيء لايكون عملا سهلا في مطلق الاحوال), نجد أننا فقدنا زمنا تركنا للوراء وأفقدنا مراحل من التقدم إلى الامام, وخلق ندوب في تاريخنا وتشويها لثقافتنا وحساسية في تقبل كل شكل فكري يشبهها..
الاستبداد الديني والمعرفي
اقترن الاستبداد الديني داخل المجتمعات دائما بالتوظيف السياسي له, حيث يوجه الدين كقاعدة شرعية للردع والحرب والسيطرة على مجتمع ما, وربما ما سندكره لاحقا عن التوظيف السياسي للدين ما يبين خطورته على الاستقرار السياسي وتطور أي مجتمع, فالفكر الواحد دائما ما يوجه المجتمع إلى الانغلاق الفكري والثقافي ومن تم إلى الانحلال الاخلاقي, حيث تساهم السلطة المستبدة في خلق نوع من الفساد يطال هيكلها ومن تم المجتمع الذي يلجأ إلى التحايل على قوانينها بشراء صمت أعوانها عن مخالفتهم للقوانين وتعاونهم حتى في تلك المخالفات, ليتطور بالتدريج إلى فساد منظم ذاخل الدولة ويساعد بالتدريج في إنهيارها
2 التعليقات:
إرسال تعليق