قبل كل شيء لبد من تعريف التاريخ وأهميته باعتباره بعدا مهم في هذه الدراسة . فالتاريخ ليس أرشيفا لوقائع وأحداث حدثت في الماضي بل هو كينونة لا تزال مستمرة في الحاضر وستظل كذلك في المستقبل لأنها مرتبطة بتطورنا الإنساني والفكري والحاضر ليس سوى نتيجة لمجموعة من الأحداث حدثت سابقا وظلت مرتبطة به بعلاقة مستمرة لا يمكن إنهاءها بأي شكل من الأشكال لأنها مرتبطة بنا كوجود إنساني و لن تنتهي إلا بإنتهائنا كمجتمع بشري, فواقعنا الذي نعيشه ما هو إلا إرهاص لما حدث في الماضي الذي نعتبره جزءا حيا من الوجود البشري والذي يشكل الحاضر جزءا منه في طور التشكيل ويدخل بشكل تلقائي في صيرورته ويكون بذلك المستقبل حاضرا بدوره حين ندركه وهكذا.
ويعرف المعجم الفلسفي التاريخ لغة, بالوقت, فتاريخ الشيء وقته وغايته, أيضا بأنه بحث في الوقائع والأحداث والأفكار الماضية, أي أنه بحث واستقصاء للماضي. وكلمة تاريخ بمعنى الماضي تختلف عن كلمة (تأريخ), فهذه الأخيرة مشتقة من فعل أرخ يؤرخ تأريخا, وتعني الجهد المبذول لمعرفة الماضي.
فهناك من يقسم التاريخ البشري إلى عصور ما قبل التاريخ وعصور ما بعد التاريخ حيث كانت الكتابة بداية لتأريخه. وهناك من يقسمه جيولوجيا إلى أربعة أقسام , العصر الجليدي والعصر الحجري والعصر المعدني والعصر الحديث.
أما أصحاب الديانات المنزلة فقسموه إلى ما قبل الرسالة وبعدها كالمسلمين والمسحيين على سبيل المثال فيقال قبل ميلاد المسيح وبعده, عصر الجاهلية و بعد الهجرة.
ولقد حاول بعض الفلاسفة تعريفه لإدراكهم أهميته كالفيلسوف سقراط الذي عرفه (بالمعرفة) وأرسطو (بجمع الوثائق) إلا أنه لم يقم كعلم بحد ذاته إلا بفضل العلامة ابن خلدون حيث عرفه بأنه (علم بحقيقة الأحداث الماضية والغاية منه وقوف الأجيال الحاضرة على أحوال الماضي كي يستفيد هؤلاء من معرفتهم لهذه الأحوال في عمليتهم لبناء الحاضر ) وفي موضع آخر عرفه كونه (خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم, وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال مثل التوحش والتآنس والعصبيات وأصناف التقلبات للبشر بعضهم على بعض, وما نشأ عن ذلك من الملك والدول ومراتبها, وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع وسائر ما يحدث في ذلك العمران بطبيعته من الأحوال)
ولم يكتف ابن خلدون بتعريف التاريخ وتبيان أسبابه بل اجتهد في إخضاعه للتحليل والتعديل وللنقد حيث خلصه من الأساطير والخرافات فوضع بذلك حدا للآراء المؤرخين الشخصية وفصل بذلك بين التاريخ كعلم وفلسفة التاريخ.
ولقد بدأت محاولة التأريخ وليس التاريخ مند الكتابة حيث بدأت حاجة الإنسان إلى نظام حين تحول إلى العيش في جماعات يحكمها نظام اجتماعي وعقائدي لبد له أن يستمر بالمعرفة التي كان يسيطر عليها الكاهن الذي يعلم كل طقوس العبادة والأخبار الماضية, والقائد الذي اختير في الغالب لأنه الأقوى والأكثر معرفة بطرق الصيد والقتال.
فالكتابة كانت جزءا من طقوس دينية (حيث كان الدين هو الدستور الذي يجب احترامه حتى لا تغضب الآلهة).. وهكطا كانت محاولته (الانسان) الأولى بالرسم على جدران الكهوف ثم بالرسم بأظافره على الطين ثم باكتشافه اللغة المسمارية, التي أخدت أشكالا متعددة مع تنقلات الإنسان وهجراته التي حملته إلى عوالم جديدة تعدى معها المعجم اللغوي الذي انتقل به وكان لبد من اختراع رموز جديدة تعبر عنه وعن معتقداته الدينية والفكرية.
ومع تطور احتياجات تلك الحضارات التي انتقلت من مفهوم الجماعة إلى مفهوم الدولة صار لزاما تسهيل الأبجديات لكي يسهل التدوين لشعائرها الدينية وسيرة الدولة, والمراسلات كمفهوم جديد للخاطب الدبلوماسي والسياسي بين الدول.
أما تاريخ ما قبل الكتابة فبقي رهن الاكتشافات الجيولوجية والأثرية وما أنزلت به الكتب السماوية في ذكر لأخبار الأمم السابقة وهي التوراة لدى اليهود (1), الإنجيل لدى المسحيين (2) , صحف المندائية لدى الصابئة(3), والقرآن لدى المسلمين (4).
أما تاريخ ما قبل الكتابة فبقي رهن الاكتشافات الجيولوجية والأثرية وما أنزلت به الكتب السماوية في ذكر لأخبار الأمم السابقة وهي التوراة لدى اليهود (1), الإنجيل لدى المسحيين (2) , صحف المندائية لدى الصابئة(3), والقرآن لدى المسلمين (4).
فالتاريخ بشموليته له تعريفين : علمي حدد عمره في أكثر من 9600سنة و ديني كانت بدايته عند الأديان السماوية بنزول آدم وحواء (عليهما السلام) على الأرض و اختلفت بدايته في الأديان الموضوعة بين حكايات خلق الإنسان وخلق إلههم لذاته.
وظلت الإكتشافات الأثرية التي أوصلت العلماء إلى طقوسهم الدينية وحياتهم سابقا المرجع التاريخي الحي عنهم, إذ كانت الدراسات التي ربطت تلك الإكتشافات بالقصص المذكورة في الكتب السماوية قليلة, وذلك لأن هناك لاتراتبية ولا منطقية بين الأحداث المذكورة في الثوراة والانجيل وأماكن الأحداث التي أثبتت الأبحات التاريخية والحفريات عدم تطابقها, أو بمعنى آخر أثبتت عدم مصداقية التاريخ الذي دون وفسر بناء على كتابات وتفسيرات خاطئة مند البداية. فالأمانة العلمية تقتضي مني أن أذكر الأبحاث التي تلاقت مع بحثي في تاريخ الجماعات السرية, والتي بدأت مند سنوات في هذا المجال على يد باحثين كان من بينهم الباحث اليمني علي بن علي حسين الآنسي والذي وصلني عبره بعض التحقيقات والتصحيحات التاريخية التي توصل لها هو وغيره من الباحثين عن الجغرافية الحقيقية لدولة فلسطين اليهودية في الثوراة والتي سنفرد لها مساحة خاصة في هذا المقال, حتى نتمكن من فهم المثولوجيا العقائدية لدى الجماعات السرية وما كانت الدوافع الفعلية والعقائدية لتحريكهم نحو أهداف معينة لصالح سياسات ومنافع اقتصادية بالدرجة الأولى.
تنقلات الانسان والاماكن المقدسة
وظلت الإكتشافات الأثرية التي أوصلت العلماء إلى طقوسهم الدينية وحياتهم سابقا المرجع التاريخي الحي عنهم, إذ كانت الدراسات التي ربطت تلك الإكتشافات بالقصص المذكورة في الكتب السماوية قليلة, وذلك لأن هناك لاتراتبية ولا منطقية بين الأحداث المذكورة في الثوراة والانجيل وأماكن الأحداث التي أثبتت الأبحات التاريخية والحفريات عدم تطابقها, أو بمعنى آخر أثبتت عدم مصداقية التاريخ الذي دون وفسر بناء على كتابات وتفسيرات خاطئة مند البداية. فالأمانة العلمية تقتضي مني أن أذكر الأبحاث التي تلاقت مع بحثي في تاريخ الجماعات السرية, والتي بدأت مند سنوات في هذا المجال على يد باحثين كان من بينهم الباحث اليمني علي بن علي حسين الآنسي والذي وصلني عبره بعض التحقيقات والتصحيحات التاريخية التي توصل لها هو وغيره من الباحثين عن الجغرافية الحقيقية لدولة فلسطين اليهودية في الثوراة والتي سنفرد لها مساحة خاصة في هذا المقال, حتى نتمكن من فهم المثولوجيا العقائدية لدى الجماعات السرية وما كانت الدوافع الفعلية والعقائدية لتحريكهم نحو أهداف معينة لصالح سياسات ومنافع اقتصادية بالدرجة الأولى.
تنقلات الانسان والاماكن المقدسة
لطالما قسم الباحثون تاريخنا إلى حقب وثنية (ما قبل الديانة السماوية) وتاريخ ما بعد الديانة السماوية, لكن في الواقع كان تاريخا واحد لا يتطلب التجزئة وإلا سنظل ندور في دوائر مفرغة كل منا يحمل من ذلك التاريخ جزءا ونخشى التوقف جميعا لجمع تلك الأجزاء لنشكل بها الصورة الكاملة التي صار كل منا يصنع لها في مخيلته شكلا وماهية تستند في العموم على مخزوننا الثقافي وتراكمية لمعلومات مشوهة لا ترشدنا إلى الحقيقية التي نبحث عنها جميعا والتي تخصنا جميعا ومن حقنا جميعا باعتبارها إرث إنساني تشارك في تطويره كل الحضارات السابقة كل حسب احتياجاتها وإمكانياتها, فأي شيء نملكه اليوم أو امتلكه أجدادنا سابقا كان بفضل نقل صحيح لمعلومة ومهارة تابعت تطورها مع تنقلات الإنسان في كل الإتجهات بحثا عن الأمن والاستقلالية أو الأسواق الجديدة أو مطرودين كنوع من العقاب القبلي عند خروج أحد أفرادها عن العرف فيكون النفي أقصى الأحكام التي ساهمت بشكل أو بأخر بنقل الثقافات وشيوعيتها, فأسلوب حياة هؤلاء المنفيين كان طقسا دينيا في حد ذاته فكان ينتقل إلى مكانه الجديد مع كل ما يخصه , أسماء الأماكن وديانته ومهاراته..
البداية الأولى لحياة الإنسان على وجه البسيطة حسب الحفريات والأبحاث الأخيرة (التي أفرزت عن إيجاد أقدم بقايا لرفات عظام بشرية) كانت إما في اليمن في مدينة عدن أو سوريا بمدينة دمشق والتي بدأت بشكل عائلي ثم قبلي وصنع معها أدواته الحجرية وكان له نظام وقانون إلهي ضاع مع اندثار المعلومة جيلا بعد جيل إلى أن تحول ذلك المجتمع إلى مجتمع وثني بخمسة آلهة كانت أسماء أبناء لنبي الله أدم حيث يظهر أن الديانات الوثنية انبعثت ببداية تأليه الأشخاص المميزين بعد موتهم وتحويلهم إلى آلهة عند ضياع المعلومة التي يستغل غيابها كل طامع في السلطة المعنوية ويبني انطلاقا من مشاعر الحب والاحترام التي يكنها من حوله لذاك الشخص ديانة مبتدعة والتي تستمر بالتركيز على الخوف مما يجهلونه وحاجتهم للحماية, والاستمرار.
وكانت أماكن عبادتها جبالا متفرقة يتم الحج إليها لأداء الطقوس وربما رغبة في الوصول إلى أقرب مكان للإلهة التي تسكن السماء حسب اعتقادهم. وحسب بحث اللواء علي بن علي الانسي, قد كان لليمن نصيب في استقبال كل الديانات المنزلة والموضوعة والتي انتقل بها الإنسان اليمني في كل الاتجاهات وقد يستغرب البعض قوله وقول بعض الباحثين أن شعوب حضارات الأستيك والمايا في أمريكا اللاثينة هي من أصول يمنية انتقلت من حضر موت عبر المحيط الهادي. ويدعي بعض الهنود الحمر أنهم منحدرين من جماعة من بني إسرائيل في رحلة تهيهم في الصحراء التي ربما تكون صحراء الربع الخالي وليس صحراء سيناء الحالية, لكن بالنسبة للباحثين في أصول الديانات والتاريخ وجدوا منطقية في هذا حين قارنوا تلك الحضارات وطقوس دياناتها مع الحضارات الشرقية وخصوصا اليمنية, فمطابقة أوصاف الآلهة الخمسة لدى شعب المايا للآلهة قوم نوح الخمسة يرجح صدق تلك الفرضية.
فهناك العديد من الباحثين الميدانين الذين ابتعدوا عن التاريخ المدون حين وجدوا عدم تطابق المكتوب بالواقع معللين قولهم بان هناك تاريخ مدون على أحجار المعابد أو المخطوطات سرق بطرق عديدة في أوائل هذا القرن من بلدان كاليمن والعراق وسوريا ومصر والجزيرة العربية حتى يظل مدفونا للأبد, إلا أن الأماكن التاريخية التي شهدت تلك الأحداث ظلت حية في ذاكرة تلك الشعوب بأسمائها الأولى وأثارها التي استطاعت المختبرات التأكيد حقيقتها و علم الجيولوجيا على عمرها. وحتى نصل جميعا إلى الأسباب التي جعلت هذا التاريخ يدفن بكل الأشكال لبد أن نستعرض ما تقوله الأبحاث عن الأرض المقدسة والاكتشافات الأثرية.
منشأ الديانات وفلسطين الاسرائلية
تطرق فرج الله الديب في جريدة النهار (لبنان) الأحد، 8 ديسمبر 2002 . لأصل اليهودية هل هي ذات منشأ يمني، أم أنها قادمة من خارج جزيرة العرب كما تعارف عليه الكل, أم أن الزجليات التوراتية نتاج عربي مسرحها اليمن؟!! فيما بدأت تخرج إلى العلن نتائج الابحاث الأثرية الاسرائيلية التي تؤكد غياب أي اثر يدعم إسقاطات التوراة على الجغرافية الفلسطينية.
ويميل معظم الباحثين في هذه المسألة إلى أن تسمية اليهود جاءت نسبة للنبي هُود, وذلك كما جاء في قاموس "الصحاح" للجوهري، وهو الأقدم بين القواميس العربية، ان: "هاد يهود هوداً: تاب ورجع الى الحق. فهو هائد مقدم هُود. وقال ابو عبيدة: التهود: التوبة والعمل الصالح. وهاد وتهوَّد إذا صار يهودياً. وهُود أسم نبي ينصرف. والهُود: اليهود. والنبي هُود يرد ذكره في القرآن في عدة سور: (هود، الاعراف، ق، الشعراء، الأحقاف). وهو نبي مرسل الى قوم عادٍ في الاحقاف، شمال شرق حضرموت. يؤكد المؤرخ اليمني القاضي محمد بن علي الاكوع الحوالي، ان الآية 129 من سورة الشعراء تورد "كيف خص الله عاداً، قوم نبي الله هود عليه السلام بالتعنيف عن قبول دعوة نبيهم الى العمارة واشادة القصور... ولا ريب ان هوداً وقومه من أصل العرب اليمنيين، وانهم كانوا في أرض الأحقاف من حضرموت ويقول ايضاً: "الأحقاف اليوم، ومن قبله بآلاف السنين، مناطق جرداء محرقة، وقبيلة عاد باجماع المؤرخين والمفسرين، قبيلة يمنية. كما يورد إبن واضح في كتابه (تاريخ اليعقوبي) "أن ملوك اليمن كانوا يدينون بعبادة الاصنام في صدر ملكهم، ثم دانوا بدين اليهودية، وتلوا التوراة".الاختلاف في نسب النبي هوديقول الهمداني في كتابه "الإكليل"، إفترق الناس في نسب هود، فمنهم من قال "أن قحطان هو ابن هود بن إرم بن سام بن نوح (قحطان وعدنان اصل العرب) ومن قال، ان هود غير قحطان (الذي يرد في التوراة باسم قطن)، ومن قال، أنه هو قحطان بن عابر بن شالح... بن سام. اما الشاعر اليثربي حسان بن ثابت الانصاري الذي كان يهودياً وأسلم، فقد قال : فنحن بنو قحطان والملك والعلاومنا نبي الله هُود الأخايروإدريس ما إن كان في الناس مثلهولا مثل ذي القرنين إبنا عابروصالح والمرحوم يونس بعدماألات به حوتٌ باخلب زاخرشعيب والياس وذو الكفل كلهم يمانيون قد فازوا بطيب السرائروذو القرنين في شعر حسان هو الفاتح العظيم الصعب بن رائش الحميري، فيما ذو المكفل هو دانيال صاحب السفر في التوراة والذي يقع قبره حتى اليوم في قرية هارون جنوب اليمن. واذا كانت قرية وقبر النبي هود في منطقة الحقف قرب حضرموت، فإن قبيلة باسم هود ما زالت تقيم في حضرموت بين قريتي هود وظفار، في حين ان اليهودية التي تسقط تعسفاً على انها اسم الضفة الغربية الفلسطينية، فما زالت في اليمن، حيث حصن اليهودية في مخلاف العرافة من بلاد خبّان جنوب شرق ظفار، ويشعب اليهود يسكنها بنو زيد في يافع السفلى جنوب اليمن. فابرهيم عبراني، وموسى آرامي، فاين اليهودي؟اذاً النبي هود واليهودية المنسوبة له كعشيرة نتاج يمني، لكنه لا يرد في التوراة، فسفر التكوين، وهو اول اسفار التوراة، يتكلم عن ابرهيم وإبرام ويعقوب ويوسف العبرانيين، فيما عدا يعقوب الذي بدل نسبه وانتسب الى جدته سارة (ساراي من بني ساري) وبات اسمه اسرائيل. اما موسى الذي كان يعبد البركان في مرحلة من سيرته، فإنه يقول في سفر التثنية: "آرامياً تائهاً كان أبي فانحدر الى مصر وتغرب هناك". والسؤال اين النسب اليهودي في الاسفار؟ في رسائل القديس بولس العربي (بولس في انساب العشائر اليمنية) الملحقة بالاناجيل، رسالة الى العبرانيين، لكن "بيير رويسي" يرى ان "الرسالة الى العبرانيين مرفوضة من شراح الكتاب المقدس، لأنها مضافة هامشياً، وليس من اتفاق على تفسير معنى (عبري)، لأنه يصعب ان نعرف العبرانيين بواسطة المكان او الزمان او بمعونة علم الاجتماع او الاديان، لكن الحقيقة ان العبران هناك في عُمان ومن الدلائل: 1- يورد الباحث اليمني مطهر الارياني في كتابه "نقوش مسندية وتعليقات" محتوى النقش رقم 32 الذي يتكلم عن حملة سعد تالب كبير اعراب ملك سبأ وكندة ومذجح الى عبران حيث عاد ورابط في مدينة نشق التي تقع في الجوف شرق اليمن. وعبران الواردة في النقش هي اليوم ولاية "عبري" العُمانية وقربها ولاية سمائل (صموئيل في التوراة). 2- ان كلمة عبران لا تشذ عن جذر عبر اللغوي. فالعابر هو غير المستقر، البدوي المتنقل، الذي كان على تناقض مع الكنعان الثابتين المزارعين، حيث الكنعان من جذر كنع: ثبت، لصق. وفي الجغرافية التاريخية العربية التي تغلب الصحراء فيها على المناطق الزراعية، دلالات على الصراع بين البداوة والحضر، تم اختصارها في مصطلحات: قايين وهابيل، العبران والكنعان، إعرابي ونبطي، بداوة وحضر، وقبلها قحطان وعدنان . أليست اسفار التوراة روايات لعشائر رحّالة اقحطت اراضيها؟ 3- ابرهيم بدوي عبراني عربي، وكذلك ذريته. فيعقوب اسم كما إيهود ويهود، وآمن ويا من، اساسه أعقوب بدلت الهمزة فيه الى ياء، كما اسحق يتسحاق، وصائغ وصيّاغ . وفي صحاح الجوهري، هو من جذر عقب، "فاليعقوب ذكر الحجل، والعقاب طائر، وجمع القلة أعقُب وسواء كان يعقوب نسبة لذكر الحجل، او لأنه اعقب توأمه عيسو في الولادة، فإنه اسم عربي التسمية. وحتى عندما بدل اسمه وانتمى الى عشائر جدته سارة، ساري، فإن الجمع النسبي العشائري كان السرايين، وبالهمز اسرائين واسرائيل وما زال "بنو ساري من قرى بلاد يريم جنوب صنعاء على مسافة من مدينة حبرون في منطقة الواحدي شمال عدن، قرب مدينة الروضة التي ما زال يسكنها حتى اليوم عشائر آل بن اسرائيل وآل النجار وحبرون تسقط اليوم تعسفاً على انها مدينة الخليل.
اذاً في الاسفار الاولى الاساسية التي يختصرها معظم الباحثين على انها التوراة، وتسمى الناموس (والناموس مصطلح شائع في لغة اليومية، حيث يقال: فلان بلا ناموس، اي بلا اخلاق وضوابط وشرائع)، وهي أسفار: التكوين، الخروج، اللاويين، العدد، التثنية (قرية بيت لاوي غرب صنعاء وليس في فلسطين)، يرد مصطلح العبراني، الآرامي، بني اسرائيل، ولا ترد عبارة يهود ابداً. فحتى في السفر السابع وهو سفر القضاة، يرد اسم (إهود بن جيرا)، وفي السفر الثاني عشر المسمى الملوك الثاني، يرد ان "اليهود طردوا من أيلة التي جاءها الآراميون"، وفي السفر نفسه (الإصحاح 18 الفقرة 26): "فقال الياقيم (علقمة بالعربي) بن حلقيا وشبنة ويواخ لربشاقي، كلم عبيدك بالآرامي لأننا نفهمه، ولا تكلمنا باليهودي في مسامع الشعب الذين على السور". وربشاقي هذا مرسل من ملك لخيش (اي ملك لحج وهي منطقة يمنية). وبالمحصلة، كان موسى آرامياً، لكن عشائر الآراميين كانت في حال صراع مع بني اسرائيل، ومع عشائر اليهود ايضاً، لكن الآرامية كانت لهجة البعض في الوقت نفسه! فكيف اصبحت الزجليات التي تتحدث عن ترحال ابرهيم العبراني وذريته، وموسى وشرائعه، كتاباً دينياً لعشيرة اليهود غير الواردة في التوراة، وكيف فرضت على عشائر اخرى ومتى؟
لا آثار توراتية في فلسطين بل في النقوش اليمنيةفي عدد 5/12/1995 من مجلة "التايم" تحقيق بعنوان "هل التوراة حقيقة ام خيال" يخلص الى انه ليس من اثار في فلسطين تدل على مسرح انبياء التوراة كذلك مجلة نوفال اوبزرفاتور الفرنسية عدد 11-17/7/.2002 كما ان المسود في الفكر التوراتي اليوم، ان ابرهيم جاء من حرّان في العراق الى فلسطين وقطع الصحراء دونما اشارة الى احداث هذا الانتقال، في حين ان ترحاله الى "مصر عبر صحراء سيناء" وعودته من لدن الفرعون (اي فرعون؟ في الأقصر والكرنك جنوب القاهرة ام أين؟) عبر هذه الصحراء لا اشارة له في التوراة. والسبب ان مسرح هذه البداوة المتنقلة لم يكن هنا، بل في جنوب اليمن. لكن السؤال الذي يطرح هو: هل في النقوش اليمنية المسندية التي تبلغ الآلاف اشارة الى انبياء التوراة او الى عشائر اليهود؟ والجواب كلاّ رغم ورود اسماء توراتية، الا ان اسماء المدن والقرى الكنعانية وغير الكنعانية الواردة في الزجليات التوراتية ما زالت موجودة في اليمن، وهذه أهم من النقوش، ومنها: يراخ (أريما، وهي يريخو بالسريانية المستخدمة في عبرية اليوم) وعراد وآكام المرايم، ومدفن يشوع بن نون، وحبرون (المسقطة على مدينة الخليل) وجرار (حيث تقرب ابرهيم ولا وجود لها في فلسطين)، والنيل وهو نهر شمال شرق مأرب، وصحراء سناء في حضرموت التي اسقطت في ما بعد على اسم سيناء بين مصر (بلاد القبط تاريخياً) وفلسطين واليهودية جنوب صنعاء... ومئات من الاسماء التي لا وجود لها في فلسطين ومحيطها، كما ان المؤرخين العرب من الطبري الى الهمداني يحددون اسماء فراعنة مدينة مصر ايام يوسف وموسى! اما في النقوش الاثرية اليمنية ذات اللغة والحرف الكنعاني وليس العبري فترد اشارة الى (عبران)، كما يرد في نقش "بيت الأشول" الذي يعود الى عصر ملوك سبأ، اسم صاحب النقش وهو (يهودا يكف) واسماء مثل: أشوع و يشوع، في حين ان الآلهة الوثنية المتعددة تصاحب كل نقش، فيما عدا نقش متأخر عثر عليه الباحث مطهر الإرياني في منطقة ناعط، وردت فيه عبارة الإله الذي في السماء، وعبارة آمين فالنقوش اليمنية كتبت من أقيال (وكلاء) او قادة يكرسّون حدثاً لأسيادهم وادعية للآلهة لحفظهم، او كتبت بمناسبة حفر بئر (مصنع او كريف) او رحلة صيد، او صد غارات او العودة من معارك. لكن الوثنية ظاهرة بوضوح. يقابل ذلك التساؤل البسيط وهو; متى عبدت عشائر العبران او بنو اسرائيل إلهاً واحداً؟ فكل الاسفار ليست الا تقريعاً لهؤلاء بسبب عودتهم الى عبادة الاوثان وتخليهم عن الشرائع. ويبقى التساؤل المهم هو: متى تحولت الزجليات التوراتية التي ظلت محفوظة باللهجة السريانية (لهجة ملوك حمير من سبأ) الى كتاب ديني التزمته عشائر اليهود، ومتى فرض على عشائر اخرى، وباية سلطة او كهنوت؟ إن الاجابة على هذا التساؤل مسألة ليست بالمتناول حتى الآن، علماً ان صراع البداوة والحضر الذي طبع تاريخ المنطقة واليمن تحديداً، والامبراطوريات اليمنية التي غزت مشارق الارض ومغاربها والحضارات اليمنية العظيمة التي انتجت الحرف والكتابة والسدود وتدجين الحيوانات وتأصيل النباتات وتقنيات قطع الاحجار الكبيرة ، كل ذلك أدى في النهاية الى عزلة اليمن منذ ما قيل الاسلام حتى اليوم حيث اندثرت حضارات ومزقت شعوب وتفرقت "أيادي سبأ" كما يقول المثل. اضافة الى وجود انبياء ورسالات حفظت كزجليات لا يستدعي فرض دين، اذا لم تفرضه سلطة ما. فالمسيحية كانت منتشرة قبل قسطنطين لكنه فرضها على الدولة الرومانية وشعوبها عام 350م حيث أرسيت سلطاتها الكهنوتية، وشاعت مفاهيمها بعد فترة إضطهاد حادة، وانتشرت أناجيلها المدوّنة باتساع. في حين ان السريانية كانت حافظة لزجليات التوراة وليس العبرية التي لا اثر لها في المنطقة، والتي بطل استخدامها حوالى 300 ق.م. من ناحية ثانية، فإن شجرة نسب اولاد سبأ بن قحطان بن هود (حسب المؤرخ الحوّالي)، تشمل عشائر حمير وكهلان. الأزد، همدان، حاشد. وخولان والسكاسك وقضاعة وعمران وعذرة. وعبد شمس وجشم. وملوك حمير: الحارث الرائش، ابرهة ذو المنار، افريقش، شمر يرعش، تبع الأقرن، تبع الاكبر، ملكي كرب، اسعد الكامل، حسان، عمرو الاصغر، زرعة، حسان الاصغر، زرعة الاصغر، زرعة ذو نواس، سيف بن ذي يزن. وهذه العشائر وغيرها من نسل سبأ لم تشمل بني اسرائيل ولا "العبران"، وكانت في ممالكها خلال الالف عام من ورود اسم سبأ وملوك حمير في النقوش اليمنية والبابلية تعبد الشمس والهلال والنار وآلهة لا حصر لها. واذا كان المؤرخ العربي "ابن واضح اليعقوبي" قد حدّد كما اسلفنا ان ملوك اليمن دانوا بعبادة الاصنام في صدر ملكهم، ثم دانوا باليهودية، فمن الواضح ان "يوسف ذو نواس" الملك الحميري كان على الديانة اليهودية التي كانت دين اليمن الرسمي، وهو يسمى صاحب الأخدود الذي نظم مجازر بحق مسيحيي اليمن ونجران، والذي احرق بعضهم في ما يسمى الاخدود الذي ورد في القرآن في سورة البروج: "قتل اصحاب الاخدود. النار ذات الوقود. اذ هم عليها قعود. وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود. وما نقموا منهم الا ان يؤمنوا بالله العزيز الحميد". ولهذا القهر والاحراق والقمع ضد المسيحية في نجران واليمن اسباب كانت وراء حملة القائد المسيحي ابرهة الاشرم اليمني الاصل الحبشي الموطن، الذي شنّ حملة على غرب اليمن ونجران والحجاز، ادت الى تدمير مدن وحصون، والى موت ذي نواس. وكان ذلك عام 570 م او عام الفيل. وقد استمرت سيطرة الاحباش المسيحيين علي اليمن حتى 575م حين استطاع ابن احد وكلاء ملوك حمير، سيف بن ذي يزن ان يتحالف مع الفرس عبدة النار في طرد الاحباش وتدمير كنائس حضرموت وظفار وصنعاء، بعد ان خذله المسيحيون من غسّان ولخم وعشائر سبأ في بلاد الشام ورفضوا مساندته ضد الاحباش. كما ان "التبع اسعد الكامل" الذي يتصدر "سيرة الملوك التباعنة" والذي غزا مشرق الارض حتى الصين وكان يسمى "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت واعرابهم طودا وتهامهَ"، كان يهوديا ايضا وكان بينه وبين ذي نوأس تسعة ملوك من بني حمير وقد اشارت النقوش الى بعض مآثره عام 428م. واذا كانت ممالك بني حمير قد امتدت من 115 ق م حتى 575م، فاننا لا نستطيع تحديد جعل اليهودية دينا لهذه الممالك، وان كنا نميل الى ان نعتبر ظهور المسيحية بعد الميلاد بقليل شكّل التحدي للمفاهيم التوراتية، وان جعل المسيحية دينا رسميا للدولة الرومانية عام 350م ومحاولاتها السيطرة على اليمن وانتشار المسيحية فيها، شكلت التحدي الذي ايقظ الديانة اليهودية اليمنية. هذا مع الاشارة الى ان اليهودية قبل 350م لم تكن مستنكرة على الصعيد الرسمي او الشعبي. بل ان الكثير من نساء العرب كن ينذرن اذا ما رزقن بمولود ذكر ان يهوِّدنه. عبر هذه الممالك اليمنية انتشر نوع من التديّن اليهودي المستند الى المحفوظ من الزجليات التوراتية في البقاع التي شملتها سلطتها وفتوحاتها البرية والبحرية. لذلك نلاحظ ان حملة ابرهة الاشرم الحبشي المسيحي ضد مملكة اليمن المتهودة، امتدت الى نجران والحجاز، حيث توقفت قبل مكة ويثرب. اما في يثرب "المدينة" حيث قبر "هاشم" الجد الاكبر للنبي محمد (ص) فكانت العشائر اليمنية من الأوس والخزرج تتعاطى الزراعة، وكانت على تدين يهودي ايضا. لكن ذلك لم يمنع ان تسلم معظم هذه العشائر وان تناصر النبي باعتباره من عشيرة الاخوال، بعد ان قاتله وتخلى عنه الاعمام في قريش. وقد اجمع المؤرخون من القاضي محمد بن علي الاكوع الحوالي، الى الهمداني في كتاب الاكليل، ان الاوس والخزرج بطون من عشائر حارثة بن ثعلبة من عشائر الأزد السبائية اليمنية )، وان التهود لم يأت من فلسطين بل عبر ممالك حمير اليمنية. ومن الذين اسلموا من مشاهير يهود الاوس والخزرج كان : أُبي بن كعب بن قيس بن عبيد الانصاري كان قبل اسلامه حبراً من احبار اليهود. ولما اسلم اصبح من كتاب الوحي. اسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد الانصاري الخزرجي، وكان نقيب بني النجار. بشر المريسي، فقيه معتزلي قيل ان اباه كان يهودياً. حسان بن ثابت بن المنذر الخزرجي الانصاري. سعد بن عبادة بن حارثة الخزرجي وكان سيد الخزرج.
ابو سعيد الخدري الخزرجي، اصبح مفتي المدينة. سعيد بن اوس بن ثابت الانصاري. سند بن علي اليهودي. عبدالله بن سبأ، رأس الطائفة السبئية التي تقول بألوهية علي بن ابي طالب. قيل انه كان يهوديا واسلم. عبدالله بن سلام بن الحارث الاسرائيلي ثم الانصاري، وكان احد احبار اليهود. كعب بن الاشرف الطائي، تزوج من يهود المدينة، ولم يسلم. كعب الاحبار بن ماتع بن ذي هجن الحميري اليماني، كان في الجاهلية من كبار علماء اليهود في اليمن. نعيم بن مسعود الاشجعي. هذه العينة من الممالك الحميرية ويهود الأوس والخزرج تؤكد المنشأ العربي لليهودية التي كانت اكثر انتشاراً من المسيحية في اليمن والجزيرة وعلى عكس بلاد الشام. فالمسيحية اخذت مؤمنيها من العشائر المتهودة والوثنية، والاسلام كان مؤمنوه من الاديان التي سبقته ومن الوثنية، وهكذا ظلت في ثنايا العشائر العربية مجموعات يهودية استقرت في المدن غالبا حيث القرب من السلطة، وفي المرافئ القريبة والبعيدة، وظل بعضها على الشكل العشائري كما في تونس واليمن حتى اليوم. هذا التدين اليهودي الشعبي، كان يستند في غياب تدوين التوراة، وفي غياب سلطة كهنوتية منظمة، على الزجليات التوراتية المحفوظة تماما كسيرة بني هلال، التي تحدثت عن عشائر يمنية وما صادفها في ترحالها من اليمن حتى المغرب العربي، والتي كان يحفظ سيرتها اجدادنا، تماما كما كانوا يروون حكايات سيدنا ابرهيم ويوسف وموسى وايوب. وبما ان التشريعات التوراتية لا تخرج بغالبها عن الثقافة الشعبية، فان التدين كان سهلا رقيقا حفظه المثل الشعبي المقدسي على انه رقيق "رق دين اليهودي".
خلاصة
فإذا وضعنا هذه الابحاث والدراسات موضع الجد والتي تؤكد عروبة الديانات السماوية الاربعة, سنجد أنها دخلت في صراع فيما بينها لنقص المعلومات لدى أتباعها أو توصلهم بمعلومات مشوهة عن الاخر.. والهدف كان توجيههم ضد عدو ما أو بعينه, وذلك لأن الصراع الديني هو ما يبقي على السلطة الدينية في يد عدد من الاشخاص الذين استغلوا أسطورة دينية وإيمان أتباع ذلك الدين للوصول إلى السلطة الكاملة أو السيطرة على مجتمع ما.
فإذا وضعنا هذه الابحاث والدراسات موضع الجد والتي تؤكد عروبة الديانات السماوية الاربعة, سنجد أنها دخلت في صراع فيما بينها لنقص المعلومات لدى أتباعها أو توصلهم بمعلومات مشوهة عن الاخر.. والهدف كان توجيههم ضد عدو ما أو بعينه, وذلك لأن الصراع الديني هو ما يبقي على السلطة الدينية في يد عدد من الاشخاص الذين استغلوا أسطورة دينية وإيمان أتباع ذلك الدين للوصول إلى السلطة الكاملة أو السيطرة على مجتمع ما.
0 التعليقات:
إرسال تعليق