أسطورة البعث والمعتقدات السحرية


أغلب الجماعات السرية أرتكزت على شيئين هما أسطورة البعث والمعتقدات السحرية, قد يختلف التغليف المقدم من جماعة لأخرى لكن يبقى المضمون واحد والنتائج كذلك !!
أسطورة البعث-------------
أسطورة البعث كانت حاضرة كمؤسس لعقيدة دينية لدى الفراعنة من خلال أسطورة إيزيس وأزوريس, فتحنيط جثت الموتى وتقديس شعائرها لم يكن من اختصاص الفراعنة المصريين فقط.. وإنما عرفتها كل الحضارات.. وإختلافها من شعب لأخر ما هو إلا تطوير لتلك الشعائر رغم أن بعض الشعوب البدائية كانت تكتفي بصبغ جثة الميت باللون الاحمر كتمهيد لطقوس أخرى في اعتقادهم لن يحظرها إلا الميت في العالم الاخر..
المعروف أن مقابر الملوك التبابعة والمقابر الحجرية المحفورة في الجبال على طول امتداد مملكة الأنباط, كانت تحمل موميات من ضمن شعائر مقدسة في تعامل تلك الشعوب مع فكرة الموت, كما كان الحال مع الموميات الفرعونية, حيث كان الأنباط يضعون الميت في تلك البيوت الحجرية المنحوتة في الجبال مع كل ممتلكاته الثمينة وأحيانا مع خدمه حسب ثراء الشخص المقام جنازته, لاعتقادهم بفكرة الخلود في عالم الأموات وبعثهم من جديد.
و يرتبط هذا بشكل أو بأخر بقدسية الكهوف لدى الشعوب البدائية والقديمة لديهم حيث كانت ترتبط بديانة خاصة كما كان الحال مع "الربة إفري" لدى البربر الامازيغ وربما لدى اليمنيين لأني وجدت أثارا لتلك العبادة في منطقة أنس وكذلك مجسم اثار لعبادة الكبش في كل من أنس وبني حشيش.. وهي عبادة كانت مرتبطة بالقرابين الدموية وبعبادة الشمس وتكررت في بلاد النوبة والامازيغ.. كما هو الحال أيضا مع جبل في ضواحي صنعاء في طريق عمران, حيث تشهد بعض الكهوف للان في جبالها قرابين للتقرب من الجن.. وتلك الاماكن دائما تكون مقرونة بنحت ضخم لرأس كبش على الجبل نفسه التي تقام فيه تلك الشعائر.. حيث يكفي التركيز جيدا لرؤية تلك المجسمات التي لم تستطع التعرية محوها كليا (يمكن توفير صور تلك المنحوتات للقراء عند الطلب)..
لكن ظلت المعلومات عن عولمة تلك الطقوس ناقصة مع نهب تلك القبور, وانتهاء الطقوس الاحتفالية التي تذكر بما تعنيه تلك الاماكن ورموزها, و ضاعت تلك المعلومة عن ما تعنيه تلك القبور وتلك المجسمات على رؤوس الجبال وحوافيها والتي لم تكن في الواقع إلا واجهات لمعابد لعبادة الجن والكواكب.بعد ظهور الإسلام, قام سكان تلك المناطق بدفن تلك الموميات وضاعت معها الكثير من الاسرار عن فكرة الموت وقدسيتها لدى الانباط والتبابعة والامازيغ وساعد في ذلك تبرئ سكانها من أسماء ألهتها والمتألهين من الاجداد كملوك الفراعنة بإعتبارهم من الملعونين.
ومع توجه تلك الشعوب في القرن العشرين لدراسة تاريخهم, وقفت الانا المضخمة ضد الفهم الصحيح للتاريخ الجماعي, التي ساعدت في إدكائها الانظمة العسكرية.. (فهي كانت بحاجة لعدو مثله النظام السابق وإرث تاريخي لتقنع به شعوبها بسموهم وعظمتهم أمام باقي الشعوب, ومن تم السيطرة عليهم عاطفيا وتوجيههم في مسار واحد .. كما فعلت النازية في ألمانيا والعسكرية الاشتراكية في كل من مصر والعراق)..
وهكذا وجدنا أنفسنا في القرن الواحد العشرين أمام عدد من القوميات التي تصر على أنها اصل الفراعنة تاريخيا كالسودان وليبيا ومصر رغم أنني وجدت مجسم صغيرا لأبو الهول المصري في اليمن !! وكأن التاريخ والخضارة بدئ وأنتهى بالفراعنة!! وفي الواقع تلك الشعوب كانت تحمل تقسيم ديني واحد تحدده الجغرافية والنشاط الاقتصادي إن كان زراعي أو بحري.. والاحتفالية في تلك الطقوس كانت تحددها إمكانيات الدولة الاقتصادية وقوة سيطرة كهانها على الحياة السياسية في تلك البلدان وتنافس ملوك المتألهين في تخليد أمجادهم عبر قبور أكبر وطقوس جنائزية أكثر تعقيدا !!
فالمعلومات التي توفرت عن طقوس الموت لدى الحضارات اليمنية القديمة ومملكة الانباط, تتطابق بشكل ما مع طقوس الموت لدى شعوب الإينكا في البيرو والإكوادور وتشيلي التي إرتبطت بعبادة الشمس كما كان الحال مع حضارة التبابعة في اليمن وكما أن عبادة الشمس كانت مقرونة لدى الامازيغ وبلاد النوبة بعبادة الكبش (أمون الكبشي).
ولدى العرب هناك أسطورة تجسد البعث من خلال أسطورة العنقاء ذلك الطائر الخرافي الذي يموت حرقا وينبعث من ناره من جديد..
فكرة الخلود و تناسخ الارواح, أو تجسد الروح في جسد شخص آخر بعد الموت تعد كذلك من الأفكار الغنوصية (التي كانت الافعى رمزها) وهي ربة أشترك في عبادتها اليمنين والفراعنة والامازيغ وذكرت في الميثولوجية اليونانية بإسم ميدوسا عشيقة الاله زيوس, وبالتالي كانت الغنوصية ملهمة العديد من الجماعات بعد ظهور المسيحية والإسلام, كجماعة الاسماعلية والحشاشين وخصيان روسيا وغيرهم.. مما يأكد أن الديانات لا تندثر لأنها عقيدة وموروث جماعي مؤسس لذلك الفرد من خلال التنشئة, وإنما يمكن القول أنها تتطور إلى نسق أخر إن كان سماوي أو وثني جديد.وفي النسقين كانت حاظرة بقوة أسطورة البعث وملهمة لكل تطور أو تطرف في عقيدة أو طقوس تلك الديانات وإن أختلفت تفاصيلها من شعب لأخر ومن ديانة لأخرى.
المعتقدات السحرية -------------------------------
ظلت المعتقدات السحرية حتى مع ظهور الديانات السماوية موجودة بكل المفاهيم والمعتقدات الوثنية المرتبطة بعقلية ساكنة تلك المناطق والتي صارت جزءا منهم, وظل اعتقادهم بوجود قوى خفية تمنح القوة والمجد لمن يصل إلى التعامل معها راسخا ضمن الموروثات الثقافية لتك الشعوب وعاداتها.
فبالرجوع إلى قصة البقرة وقوم سيدنا موسى عليه السلام, ومن خلال السرد القرآني الذي يظهر تردد قومه في ذبح البقرة وذلك بسؤالهم كل مرة لتحديد أوصاف أكثر عن البقرة المطلوبة إلى أن نصل إلى قول الله تعالى (وذبحوها وما كادوا يفعلون), نجد أن القصة كانت توصيف لعقلية الناس في تلك الحقبة التاريخية.
فالمعروف أن آلهة الخصب كانت مرتبطة ببرج الثور وآلهة الخصب والنماء التي تمثل كوكب الزهرة أو ما يطلق عليها فينيس كما كانت البقرة مقدسة لدى أوزريس عند الفراعنة, فكان في تقديسهم للبقرة اعتقادا في وجود علاقة ما لها بأرزاقهم.. فكان أمر الله بذبح البقرة كنوع من الاختبار والتدريب النفسي لقوم موسى حتى يتخلصوا من تلك المعتقدات وذلك بإجبارهم على ذبح شيء شكل عندهم قداسة حتى يتخلصوا من خوفهم من اعتناقهم لمعرفة غير معرفتهم التي كانوا يؤمنون بها.
فبوجود الديانات السماوية أو عدمه, حافظ الكهنة على هيبتهم ووضعهم الاجتماعي كشخصيات تملك مفاتيح التعامل مع العالم الغيبي والقوى الخفية, وحافظ على ذلك الوضع إستحوادهم على حصرية علومهم بأيديهم دائما, حيث كانت السرية التي يضفونها على عالمهم تزيد من أهميتهم وخشية الكثير من الاحتكاك بهم أو إستعدائهم, وظل الدجل في تقديم الحقائق عن ماهية طقوسهم وعلومهم وسيلة فعالة دائما ليضمنوا مراكزهم كعلماء في الطب والكمياء والهندسة والكهانة والتنبئ بالمستقبل وعلوم السحر وتحرك الكواكب والنجوم, حيث كان الإستعداد النفسي والثقافي لتلك الشعوب عاملا مساعد في تقبل كل الدجل عن العالم الغيبي كحقائق مسلم بها.
وهكذا إستطاعت العديد من الجماعات إستتمار علوم الكهنة وأسالبيهم في إستدراج الاتباع والسيطرة عليهم, منطلقين من نبوءة عودة المسيح وظهور المهدي المنتظر طوال عشرين قرن مضت, بل وحتى إبتداع ديانات خاصة بها, تظهر من الخارج كديانة سماوية, ومن الداخل تكون جماعة بصدد ممارستها لطقوس ديانة وثنية تم إحياءها من جديد ترتكز على طقوس أسطورة البعث والخلود الوثنية.
كيف تقاربت نبوءة عودة المسيح مع أسطورة البعث؟---------------------------
الصابئة والمسيحية
ربما جزء من الاجابة سنجده في سيرة نشأة الصابئة والمسيحية وعلاقتها بالمجتمع اليهودي العادي الذي عاصر تلك المرحلة بكل أحداثه.. فاليهود كانوا ينتظرون ظهور المسيح بما بشر به سيدنا موسى في التوراة, فكان ظهور سيدنا عيسى (ع) متزامنا مع ظهور سيدنا يحيى (ع), فكانت هناك علاقة تلقي مختلطة بين شخصية النبي يحي والرسول عيسى عليهما السلام, من خلال معجزة الولادة والحياة والموت, ومحتوى الرسالة والمنهج.
ويظهر هذا الخلط في ما ذكر في إنجيل متى الاصحاح الرابع عشر 1-12 . من خلال خلط الملك هيرودس بين النبي يحي والرسول عيسى عليهما السلام, حيث يذكر الاصحاح.
((في ذلك الوقت سمع هيرودس رئيس الربع خبر يسوع فقال لغلمانه هذا يوحنا المعمدان قد قام من الاموات ولذلك تعمل به القوات, فإن هيرودس كان قد أمسك يوحنا وأوثقه وطرحه في السجن من أجل هيروديا إمرأة فيلبس أخيه, لأن يوحنا كان يقول له لايحل أن تكون لك ولما أراد يقتله خاف من الشعب لأنه كان عندهم مثل نبي ثم رقصت أبنة هيروديا في الوسط فسرت هيرودس من ثم وعد بقسم أنه مهما طلبت يعطيها, فهي إذ كانت قد لقنت من أمها قالت أعطني ههنا على طبق رأس يوحنا المعمدان, فإغتم الملك ولكن من أجل الاقسام معه أمر أن يعطي, فأرسل رأس يوحنا في السجن فأحضر رأسه على طبق ودفع إلى الصبية فجأت به إلى أمها فتقدم تلاميذه ورفعوا الجسد ودفنوه ثم أتوا وأخبروا يسوع)).
ويرد نفس المعنى في كل من إنجيل مرقص في الاصحاح السادس \ 14-29. وإنجيل لوقا الاصحاح الثالث \ 15-20.وهذا الخلط كان لدى أتباع سيدنا يحيى (ع) كذلك في إعتقادهم بأنه النبي المسيح ويظهر ذلك في الاصحاح الثالث من إنجيل يوحنا\22-29.
((وبعد هذا جاء يسوع وتلاميذه إلى الارض اليهودية ومكث معهم وكان يعمد, وكان يوحنا أيضا يعمد في عين نون بقرب ساليم, لأنه كان هناك مياه كثيرة وكانوا يأتون ويتعمدون, ولأنه لم يكن يوحنا قد ألقي في السجن وحدتث مباحثة من تلاميذ يوحنا مع يهود من جهة التطهير, فجأوا إلى يوحنا وقالوا له يامعلم هو ذا كان معك في عبر الاردن الذي أنت قد شهدت له, هو يعمد والجميع يأتون إليه أجاب يوحنا وقال لا لإنسان أن يأخد شيئا إن لم يكن قد أعطي من السماء, أنتم أنفسكم تشهدون لي أني قد قلت لست أنا المسيح بل إني مرسل أمامه)).
وقد يفسر لما كان يخلط الناس في ذلك الزمن بين النبيين من خلال ما جاء في القرآن الكريم حول صفاتهما, ففي سورة مريم يقول الله تعالى
(يا يحي خد الكتاب بقوة وأتيناه الحكم صبيا وحنانا من لدنا وزكاة وكان برا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا, وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا)
وفي سيدنا عيسى (ع) قال الله عز وجل في سورة مريم (قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أين ماكنت وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا, والسلام عليا يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا).
تقارب الطقوس لدى المسيحية والصابئة و الاثنى عشرية
تتشابه بشكل كبير تعاليم الصابئة بتعاليم المسيحية, كاشتراكهم في يوم الأحد كيوم مقدس وعدم تعدد الزوجات وحرمة الطلاق إلا لزنى أحد الزوجين وعدم الختان والتعميد بالماء. واعترافهم بالديانات السابقة وتفسيرهم لحياة بعد الموت والأبدية في الحياة الآخرة لمن يلتزم بتعاليم الديانة, وكذلك بلغة التلقي للرسالة والتي كانت الآرامية وإتخادهم للصليب المكسو بقميص أبيض رمزا مقدس, مما يأشر أن الرسالة سيدنا يحي وسيدنا عيسى عليهما السلام كانتا تحمل عقيدة وشريعة واحدة.
وقد إنبتقت عن جماعة الصابئة, جماعة خلطت ثقافتها الوثنية المحلية والموروثة مع الدين, كاعتقادها بالتقرب للملائكة والكواكب والنجوم باعتبارها جزء من منظومة كونية تفتح المجال لمعارف روحية أكبر, ورغم أنها مجرد هرطقة إلا أنها لم تكن الوحيدة, فكل الديانات شهدت هذا النوع من الجماعات المهرطقة إن كانت اليهودية أو المسيحية أو الإسلام..
والشيء اللافت أن بعض الجماعات الاثنى عشرية كأنصار المهدي تتلاقى معتقداتها مع المعتقد الصابئي والمسيحي كتقديسهم ليوم الاحد والرقم 13 وارتكازهم على طقوس التعميد بالماء خلال مرحلة التجنيد الأولي, ولبس البياض, و اتخاذ اللون الذهبي كرمز للرجل واللون الفضي كرمز للمرأة, وتجسيد الموت الدامي لرمزهم الديني بطريقة ملحمية, كحمل الصليب لدى المسيحيين وذكرى الحداد لسيدنا يحي (ع) لدى الصابئة, وإيذاء الجسد في ذكرى كربلاء لدى الاثنى عشرية وهذا لأن المعتقدات الثلاث تحتضن الطقوس الاحتفالية لديانة المثرا الوثنية التي كانت سائدة لزمن طويل في بلاد فارس وتبنتها بعض شعوب اليونان والامبراطورية الرومانية .
وقد كان ظهور جماعات كالغنوصية, شيء طبيعي لكون المنطقة التي احتضنت الصابئة والمسيحية, كانت قريبة ومحاطة بعدة حضارات وثقافات وديانات, ساعدت في انتقالها الطرق التجارية, وتعاقب سلطة الإمبراطوريات القوية على المنطقة.فكانت الغنوصية هي نتاج لإتحاد فكرتين عقائديتين ألا وهي بعث الأسطورة الإله لدى الوثنين, ونبوءة بعث المسيح لدى الديانات السماوية الأربعة.وكان ظهور المذهب الاثنى عشري نتاج لإتحاد الفكر الإسلامي بطقوس الميثرا (التي كانت ديانة رسمية لبلاد فارس وشبه القارة الاسيوية) بعد احتكاكها الطويل بالمذهب المسيحي الذي أستقى منها هو الأخر كل طقوسه الاحتفالية.
السبت في المعتقدات الوثنية--------
في الثقافة الدينية اليونانية مثلا رغم عدد الآلهة التي تنفرد كل منها بتخصص هناك زعيم لتلك الآلهة هو الإله زيوس.. الذي ارتبطت عبادته بيوم السبت وفي كل التماثيل التي أقيمت لزيوس كانت يرتدي الابيض وبجسد مذهب أو يتزين بحلي ذهبية, فمن خلال رجوعنا لملحمة هوميروس (الاليادة) نجد أنها في الواقع لم تكن مجرد ملحمة شعرية إنما كانت نقل تفصيلي عن نوع القناعات الفكرية التي كان يحملها اليونانيين وتأثيرها على سير حياتهم, فهي لم تكن بالنسبة لليونانيين في تلك الحقبة مجرد أساطير إنما كانت فهمهم وتفسيرهم أيضا لكل ظاهرة طبيعية أو كارثة بشرية.
وكانت طقوس التقرب للآلهة تسبق كل حرب لضمان النصر, فإن كان النصر فهو من رضي الآلهة وإن كانت خسارة فهي قوى لم تمتثل لأوامر زيوس. وقد خدم التطور الفكري الفلسفي والأدبي والفني لدى الحضارات القديمة عملية تأريخ شكل التفكير القديم الوثني, وإن كانت بالنسبة لنا مجرد فسيفساء مبعثرة يجب تجميعها بشكل مناسب, حتى وإن كانت تعطي في كل مرة شكلا مختلفا عن سابقه, إلا أنها تقربنا كل مرة من حقيقة التفكير الديني الوثني.
والجدير بالذكر بأن الفكر الديني اليوناني تأثر بشكل كبير بميثولوجيا حظارت الشرق والبحر الابيض المتوسط.. وبشكل أو بأخر نجد أن كل تلك الحضارات تشترك بأفكار ميثولوجية واحدة ضيع شكلها الحقيقي تغير أسماء تلك الاساطير بتغير اللغة ورغبة تلك الحضارات في التميز عبر تطوير معارفها أو إضافة وجهة نظرها الخاصة بها.
وبالرجوع لما ذكره القرآن الكريم عن الأوامر التي وجهت لليهود بالالتزام بقواعد دينية معينة يوم السبت وعدم العصيان, كانت في إعتقادي لإبعادهم عن أي فرصة للسقوط في الشعائر السابقة لقوم فرعون والتي إرتبطت طقوسها بالسحر ورموز لقوى خفية ظلت منتشرة في كل أرجاء الامبراطورية الفرعونية وشكلت جزءا مهما في ثقافة شعوبها.
ففي شمال إفريقيا تتبع هناك طقوس وثنية لأثباع الاضرحة, يختص بها خصوصا من يمارسون السحر من أتباع (ملك الجن أبيض المذهب) بيوم السبت, حيث يعتقدون أن هذه القوة السفلية لها سيطرة على كل العالم السفلي وينجح حسب زعمهم كل أنواع السحر المعتمدة على طقوسه في يوم السبت.
نفس الشيء نجده لدى أتباع الملاك الحارس أو ما يطلق عليها أيضا بأتباع الساحر إبراميل حيث يعتمد أتباعها فى ممارساتهم السحرية على يوم السبت, ويلمس تطابقا لطقوسها الخاصة ورموزها من لون اللباس والتجنيد بطرق الجماعات الاثنى عشرية والطرق الصوفية.ويعتبر يوم السبت مقدسا لدى جماعة الميثرا والجماعات الغنوصية, التي تعتبر النبع الام لكل الجمعيات السرية التي أرتبطت بالديانات السماوية الاربعة, حيث تمت المزج بشكل دقيق بين أساليب تنشئة الكهنة الوثنين وبين الدين السماوي الذي يعتنقه أتباع تلك الطوائف.
ومن بين تلك الجمعيات كانت جمعية الاسماعليين, جمعية الحشاشين, جمعية فرسان الهيكل, جمعية وردة الصليب, جمعية خصيان روسيا, جمعية كاريدونا, جمعية الفحامين, جمعية البنائين, وهذه الاخيرة أنبتقت عنها جمعية الماسونية في سنة 1901م. وغيرها من الجمعيات التي ظهرت في القرن العشرين من نسق تجمعات للمقاومة والتحرر, حيث تفرع عنها في مطلق الحالات جمعيات سرية مهرطقة حافظت على نشاطها في السر لاغراض تتجاوز تلك التي بني عليها التجمع الام.
الخميس في المعتقد الوثني----------------------
تعتبر عشتار والعزى أكثر ما عبد العرب والبابليين والانباط وبعض اليمانين الذين كانوا يسمونها (عزيان) أو (عنتر), و عبدها ملوك الحيرة.. حيث ورد في تواريخ السريان أن المنذر بن ماء السماء قد ضحى بأربعمة راهبة مسيحية للعزى وذكر إسحاق الانطاكي أن العرب كانوا يقدمون الاولاد والبنات قرابينا للعزى فينحرونهم لها .. العزى أو عشتار هي نفسها الام السوداء التي تعبدها جماعة دموية في الهند مند قرون.. وافروديت لدى الاغريق..
قد يستغرب البعض كيف يمكن لألهة الجمال كما صورها الاغريق أن تكون نفسها الام السوداء التي يصورها أتباعها بوجه بالازورد الازرق بخطوط صفراء, كما شهدها أتباعها ونفسها العزى الحبشية التي قتلها خالد بن الوليد.. لكن تبقى طقوسها التعبدية واختصاصتها الواحدة عبر العصور ما يؤكد انها معبودة واحدة مهما اختلف جنسيات أتباعها.. والتي يميزها اللون الازرق السماوي مع تقاطع لزهور أو خيوط صفراء في معابدها أو طقوسها السحرية, ويعتقد الكثير من السحرة أن قوى عشتار أو العزى تتجسد في الأحجار الكريمة الزرقاء وفي الادوات الزرقاء المستعملة في سحر ما.. ورمزها النجمة الثمانية التي تدل على نجم الزهرة رمز الخصب والانجاب والجمال والحرب..
ما ميز هذه الديانة عبر العصور هو ارتبطها بقرابين من دم في كل الازمان مع الغلو في عبادتها.. كما تتميز بالاتصال المباشر مع مريدها من خلال التجسد في سادن معبدها أو سماع صوتها.. وتأكيد أتباعها أنها تعز من يعبدها وتدمر من يحط من شأنها.. حيث تفانوا في إرضائها لدرجة تقديم أولادهم كقرابين بشرية إذا طلبت منهم ذلك..
فقد كان العرب يحلفون بالعزى أيضا و غالبا ما تكون معطوفة على اللات (ابنة العزى) فتراهم يقولون : "واللات والعزى". و قد قال الشاعر أبو جندب الهذلي بيتا في قصيدة يخاطب به امرأة كان يهواها يذكر المرأة بيمين حلفتها فقال :
لقد حَلَفْتِ جَهْداً يمينا غليظة بفرع التي أحمت فروع سقام
يعني العزى لأنه كان لها حرما محميا في شعب سقام.
و كانوا أيضا إذا أرادوا القيام بأمر و التبس عليهم أتجهوا إلى العزى ليستشيرونها في ذلك الأمر محملين بالهدايا إلى السادن و القرابين ثم يخبرونه بالأمر الذي جاؤوا من أجله فيدخل السادن و يسأل العزى ثم يعود السادن و يدخل الرجل معه أمامها فتجيبه بصوت يسمعه السائل. كما كان بعض العرب يتسمون بأسماء يتعبدون فيها للعزى كـ"ـأمة العزى" و "عبد العزىوقد أرتبط حرمها بشجرة أو نخلة أو أجمة شجيرات يقدسونها على أنها تمثلها وفي الغالب يتواجد بجنبها حفرة ترمى بها الهدايا
وفي المغرب حيث لازالت هذه العبادة تسمى بشعائر عائشة تقوم مقام الحفرة مرجة مياه أسنة ترمى بها الحليب وزيت الزيتون أو دم ديك..
وفي أيامها المقدسة ( أو ما يسمى الموسم), تساق إليها الذبائح من أكباش وعجول وتكون مرتبطة دائما بحرم ولي صالح " كانت نهاية العزة في جزيرة العرب في السنة الثامنة للهجرة في الخامس والعشرين من شهر رمضان عندما بعث النبي محمد خالد بن الوليد في ثلاثين فارسا من اصحابه ليهدم البص ويدمر العزى ويقضي على عبادتها وقد اختلف الرواة في سرد قصة الهدم على ثلاث :
بعث النبي خالد بن الوليد ليهدم بيت العزى ، فلما وصل إليها أخذ خالد فأسا و دخل البيت فلقيه سادنها دُبَيَّة بن حرمي السلمي فقال لخالد : "يا خالد! أنا أحذركها إن لها شدة لا يقوم إليها شيء". فلم يلتفت خالد إليه فمشى إليها بالفأس فهشم أنفها. فلما رأى السادن ذلك صاح يقول : "أَعُزّى اغضبي بعض غضباتك". فخرجت عليه امرأة حبشية عريانة مولولة، فقتلها خالد و أخذ ما في البيت من حلية، ثم أتى النبي فأخبره بذلك، فقال النبي : تلك العزى، و لا تعبد العزى أبداً"
بعث النبي (ص) خالد بن الوليد و قال له : "إيت بطن نخلة (اسم موضع) فإنك تجد ثلاث سمرات فاعضد الأولى". فأتاها خالد فعضدها و جاء إلى النبي فسأله النبي قال : "هل رأيت شيئا ؟" قال : "لا" قال : "فاعضد الثانية". فأتاها خالد فعضدها و رجع إلى النبي فسأله : "هل رأيت شيئا ؟" قال خالد : "لا" قال : "فاعضد الثالثة" . فعاد خالد ليعضد الثالثة فإذا هو بحبشية نافشة شعرها واضعة يدها على عاتقها تصرف بأنيابها (أي تصدر صوتا بأنيابها) و من خلفها دبيبة السلمي فلما نظر إلى خالد قال :أَعُزَّى شُدِّي شَدَّةً لا تُكَذّبي على خالد ألقي الخِمَار و شَمِّري فإنك إلا تقتلي اليوم خالدا تبوئي بذل عاجل و تَنَصَّريفقال خالد :يا عز كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانكثم ضربها ففلق رأسها فإذا هي حممة (رماد) ، ثم عضد الشجرة الثالثة و قتل دبية السادن و أتى النبي فأخبره فقال النبي : "تلك العزى، ولا عزى بعدها للعرب. أما انها لن تعبد بعد اليوم"
بعث سيدنا محمد (ص) خالد بن الوليد في ثلاثين فارسا إلى نخلة (اسم موضع)، و كانت بها العزى، فأتى الموضع فوجده على ثلاث سمرات، فقطع السمرات و هدم البيت الذي كان عليها، ثم أتى النبي فسأله و قال : "هدمت ؟" فقال خالد : "نعم يا رسول الله" فقال النبي : "هل رأيت شيئا ما ؟" قال : "لا" قال : "فإنك لم تصنع شيئا، فارجع إليها فاهدمها". فرجع خالد و هو متغيظ، فلما رآه السدنة أمعنوا (هربوا) في الجبل و هم يقولون : "يا عزى خبليه، يا عزى عوريه، و إلا فموتي بِرُغْم". فأتاها خالد ، فإذا امرأة عريانة ، ناشرة شعرها ، تحثو التراب على رأسها، و السدنة يصيحون بها حتى أخذ خالد اقشعرار في ظهره، و صار دبية السادن يصيح و يقول :أَعُزَّى شُدِّي شَدَّةً لا تُكَذّبي على خالد ألقي الخِمَار و شَمِّري فإنك إلا تقتلي اليوم خالدا تبوئي بذل عاجل و تَنَصَّريفقال خالد :يا عز كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانكفجزلها بالسيف حتى قتلها و قطعها قطعتين، ثم رجع إلى النبي فأخبره فقال : "نعم تلك العزى وقد يئست أن تعبد ببلادكم أبدا".
ولقد تنبأ النبي محمد (ص) بأن تعود عبادة اللات والعزى ثانية فقد روي مسلم في صحيحة (لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى فقلت يارسول الله ‘ن كنت لأظن حين أنزل الله (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) (الثوبة) إن ذلك تاما قال إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ثم يبعث الله ريحا طيبة فتوفى كل من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فيبى من لاخير فيه فيرجعون إلى دين أبائهم)
--------------------------------------------
(وسنتطرق بالتفصيل عن ألهة العرب وشعوب إفريقيا الشمالية في مقال منفرد لاحقا.. وأوجه تقاربها بينها..)---------------------
أما في جبال الاطلس فهناك مغارة يقول مريدوها أنها لشمهروش ملك الجن والذي يعتقد بعضهم أنه مات مند مئة سنة ويحل مكانه ابنه !! الذي يرتبط تقديسه باللون الازرف ويوم الخميس بعد صلاة العشاء -أي ليلة الجمعة- حيث يجتمع مريدوه مرتدين للكفن الابيض ومرددين القرأن بطريقة عكسية وهي نفس شعائر جماعة ذي قرنين والتي ظهرت في الاندلس وكانت ترتبط بعبادة القمر وبالسحر وتجمع مريدين من المسلمين واليهود والمسحيين في الاندلس.. حيث كانوا يجتمعون ليلة الخميس ويجرحون أنفسهم بخنجر يسمى الادهمي ويعني أحرف الدم حيث يقومون بجرح أنفسهم جرحا بسيطا ويرقصون في حلقة وأحيانا يقرأون أيات القرأن بشكل معكوس وينادون على الرجل الاسود طالبين مساعدته حيث يقسمون الولاء له بالروح والجسد وكانت تلك الجمعية تضم النساء والرجال من جميع الطبقات.. ويجتمعون في الليل عند تقاطع الطرق أما الكاهن فكان يحمل معه ديكا يقدمه قربانا عند بزوغ النهار و في الحلقة يضع كل منهم على راسه قرنين يمثلان المعزى والتي ترمز لشيء ما سنتركه شرحه في مقالة قادمة!!
ترسم دائرة في الوسط ويجلس فيها إثنى عشر مريدا يرددون تعويدتهم أو نداءهم على قرع الطبول والمزمار..
في الطريقة المنفلوطية يجتمع 29 فردا مسائ الخميس حول كوب ماء يتلوا كل واحد منهم جزءا إلى أن يتحرك الكوب من مكانه في إعتقادهم أن ذلك الكوب سيحمل ماء الشفاء للمريض..

0 التعليقات:

إرسال تعليق