رسالة إلى السيد نعمان دويد.. محافظ صنعاء المحترم


سعادة محافظ صنعاء المحترم
تحية طيبة, وبعد

أعتبر نفسي من المتابعين الجيدين لعملكم في محافظة صنعاء ومن المشيدين باحترافيتكم الإدارية, بعد متابعتي لقضية الرعايا الهولنديين .. وللمقابلة التي أجريت معكم.. رأيت أنه من واجبي أن أعيد التذكير بأطروحة نشرتها جريدة الثورة في عددها الصادر الخميس 21 سبتمبر 2006 (تحت عنوان حديث عن التاريخ والسياسية).. ورسالتي هذه, بمثابة فكرة نموذجية يمكن تعميمها لاحقا.. في بعض مديريات صنعاء..

في اليمن تعودت أن لا أتفاجأ حين أكون بصدد البحث في موضوع ما حتى أجد نفسي أمام اكتشاف جديد, فاليمن بلد التاريخ والأسرار التي تعدت كونها تحدث عن تاريخ بلد إلى أن أعتبرها بكل الآثار التي لا تزال مدفونة تحت الرمال تجيب عن الكثير من تساؤلات الفكر الإنساني.. وهذا ما حدث معي حين بدأت بحثي عن قصة قصر العروسة..
وحتى يتضح إليكم سبب رسالتي هذه,, سأبدأ بذكر زياراتي الثانية لقصر العروسة, حين أقنعت صديقا أجنبيا باصطحابي بسيارته إلى المكان حتى أكمل بحثي عن القصر.. ولجهل سائقه بالموقع وجدنا أنفسنا بعد دخولنا عبر طريق غير صالح لمرور أي سيارة أمام شيخ أحد قرى المنطقة.. وفي أقل من دقيقتين خرج كل من بمجلس الشيخ المتواضع جدا وبعضهم متمنطق لسلاحه.. وأصروا على ضيافتنا.. كنت هادئة ومطمئنة أمام ابتسامته ذلك الشيخ ولم أشك للحظة في أن أكون ضحية اختطاف خصوصا وأنا برفقة أجنبي آخر بعيون زرقاء..
لم أصدق أن الرجل الحافي القدمين وبثوب متواضع (والذي لا يتميز فيما وجدته عليه عن مرافقيه) هو بنفسه شيخ القرية.. حولت نظري في كل اتجاه.. لم أجد أمامي سوى منطقة جرداء بلا زرع ولا وجود لأي نشاط اقتصادي. وليس ببعيد عنهم لا تزال صامدة بكبرياء أطلال قصر العروسة.
الحالة التي وجدت عليها أولئك الرجال الكرماء ما شجعني على الاستمرار في طرح نظريتي هذه أمام استهزاء المثقفين اليمنيين الذين ناقشتهم في صحة نظريتي..
تلك الأطلال قادرة على صنع نشاط سياحي فريد من نوعه, شهرزاد التي ترجمت إلى كل لغات العالم قادرة على الانبعاث من جديد كوجود في محيط قصر العروسة, وقادرة على جلب سياح من كل الجنسيات ومن تم التنسيق مع ذلك الشيخ الكريم وآخرين وأهل قراهم عبر إقامتهم لدور ضيافة والالتزام بحماية ضيوفهم من مطار صنعاء ذهابا وإيابا.. دون الحديث عن النشاط الاقتصادي الذي سيخلق نفسه بتلقائية مع أول القادمين من السياح لتلك المنطقة..
زيارتي الأولى كانت مع بعض اليمنيين من بني مطر حين توقفت لسماع قصة القصر في طريقنا إلى مدينة شبام كوكبان, وهم يحكون بعفوية عن قصة ملك سكن ذلك القصر كان يتخذ في كل ليلة عروسة عذراء.. هناك رجعت إلى الكتاب الشهير ألف ليلة وليلة (الذي لا يعلم أحد بتحديد من ترجمه من اللغة الفارسية إلى العربية ومن كان مؤلفه). وربطته بالتاريخ اليمني وأبعاد الحكايات وزمنها, فاليمن بعد تحرره على يد سيف ذي يزن من الاحتلال الحبشي دخلها الفرس وبالتالي ستكون القصة قد حدثت قبل أو بعد الإسلام بقليل, فالكاتب ذكر الخليفة هارون الرشيد كأحد شخصيات المؤلف رغم أنه ترجم في زمنه, وهذا ما يجعلني أعتقد أن المترجم غير من أحداثيات وشخصيات القصص وأعطاها صبغة عربية وإسلامية حتى تتناسب وتفكير المجتمع الإسلامي.. لذلك أبتعد التفكير في جغرافيا اليمن كمكان للقصة شهريار..

فكمان قصر العروسة الذي كان معزولا عن العالم أقرب إلى مسرح أحداث القصة من أي مكان آخر, فشهريار كان حاكما تنقصه الخبرة بالعالم الذي يتعدى مدينته التي تعود رؤيتها من قلعته التي كانت فوق جبل. ولم يعرف شيئا عن حياة البسطاء في أسفله. فكانت أول صدمة عاطفية في حياته التي تعود أن تكون كما أراد وأمر, كافية لأن تجعله شخصا آخر بمعرفته السطحية للحياة والعالم, وربما استوعبت شهرزاد ذلك فعاملته كما يعامل طفل يكتشف الحياة من خلال سردها لحكايات مليئة بما يود سماعه فتبدأ بالخيانة وتنتقل به إلى الحارات وعالم البسطاء وتارة إلى قصور الأغنياء وتحلق به من جديد إلى أكواخ الصيادين والفلاحين, فيعلم أن هناك الصالحين والطالحين وهناك الفرح والدموع الموت و الحياة وعليه أن يختار ماذا يريد أن يكون في كل هؤلاء الأشخاص التي تنتهي قصصهم بعبرة تكون بداية لحكاية أخرى..

هناك من الباحثين من يرجحون أن الملك طلب من أحد كتابه أن يدون كل قصص شهرزاد وهناك من يقول أنها هي من دونت تلك الملحمة حتى تخلد انتصارها وتدون تجربتها في ما حققته من تغيير جدري لعقيلة رجل من ملك دموي إلى ملك حكيم وعادل.. وهذه الترجيحات تؤكد أن شهرزاد لم تكن أسطورة فلا يعقل أن تكون تلك البداغوجية في السرد التي كان الهدف منها تغيير عقلية وتفكير الملك من نسج خيال وإنما من تجربة سبقت عصرها..
أيا كانت تلك الأطروحات تبقى صاحبتها امرأة .. ويظهر ذلك في رؤيتها الفوقية للمرأة الجارية في حكايتها وتزكية الحرائر وهذه لن تكون نظرة الرجل لمرأة.. زد على أن المؤلف كان مليئا بالتفاصيل الصغيرة وهذه من صفات النساء في السرد وليس الرجال..
وأيا كانت تلك الأطروحات تبقى شهرزاد اكبر من مجرد شخصية خيالية شوهها الفونتازم الغربي عبر مؤلفاته وأفلامه عن الشرق الذي لم يكن يرى فيه إلا عالم يملئه الجنس عبر تصوير النساء بملابس شفافة وبراقع تغطي الوجه وحكايات عن اللصوص العرب والعفاريت والجن !!
فشهرزاد ليست غريبة عن المجتمع الشرقي’ وليست مشروطة في كونها ابنة وزير وزوجة ملك, قد تكون أما لدزينة من الصغار , زوجة عامل بسيط. جدة يلتف حولها الصغار. زوجة صابرة لرجل أناني.. شهرزاد ليست بحالة شاذة في المجتمعات العربية وإنما واحدة من كثيرات كان لهن عالمهن الخاص وراء جدران البيوت المغلقة ولازال.
فالمعرفة وتناقل الأخبار كانت متعة النساء في كل زمن, حيث يتبادلن الحكايات والأخبار الآتية من الخارج على ألسنة أزواجهن ومناقشاتها, فلم تكن النساء بعيدة أبدا عما يجري وراء الجدران.. فالحديث عن كل شيء أو ما كان يسميه الرجال بالثرثرة كانت تسليتهن الوحيدة.. ووسيلة للتعلم.. فأخذ العبر من حكايات الآخرين هي من اختصاص النساء.. فالنصيحة دائما لكل من تشتكي تكون عبر سرد حكاية لأخرى وتقديمها لحل عبر تجربة بطلة تلك القصة.. فليس ما تتحدث عنه النساء دائما يجب أن يكون بثرثرة.. فوراء كل حديث هناك عبرة يجب استخلاصها وكلما تقدمت النساء في السن كلما زاد إتقانهن لتقيم تجارب الآخرين وتقديمها كمعرفة للمبتدئات في هذه الحياة..

أيعقل أن تكون أول من أستخدم العلاج النفسي وأذكي النساء في عصرها يمنية !؟ !
حين عرضت الموضوع على أحد علماء التاريخ البلجيكيين استنكر في البداية لكن حين عرضت عليه بالتفصيل نظريتي أجابني بتحمس "نعم نظريتك صحيحة شهرزاد يمينية".

إذا كان ما قدمته جديرا باهتمامكم.. أسمح لي أن أذكر بأن نجاح مثل هذه المشاريع يعتمد على تسويق جيد عبر بوابات الكترونية محترفة.. و سرد حكاية القصر وعرائسه .. والتأكيد أن كل زيارة لأي سائح ستسهم في تنمية المنطقة وترميم القلعة (فهناك شريحة خاصة من السياح تهتم بالمشاركة برحلات لمناطق في العالم كنوع من التضامن لتفعيل مشاريع التنمية بها).. لكن هنا يجب حظر مشاريع سياحية خاصة إلا بملكية أبناء المنطقة حتى لا ينسف الاحتكار مشاريع التنمية المستدامة لأبناء المنطقة..
وتقبلوا مني , سيدي, فائق الاحترام والتقدير

0 التعليقات:

إرسال تعليق