جهود سعودية لمكافحة تمويل الإرهاب

مايكل جيكوبسون

خلال الأسبوع الماضي، سافر وزير الخزانة الأمريكي تيموثي جايثنر إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في أول زيارة رسمية له إلى الشرق الأوسط منذ تولّيه منصبه الحالي. وعلى الرغم من البداية المتعثرة - من نواح عديدة - لإدارة أوباما مع المملكة العربية السعودية، امتدح جايثنر الجهود السعودية في مجال مكافحة تمويل الإرهاب، التي تشكل ابتعاداً كبيراً عن التصريحات التي أدلى بها كبار مسؤولي وزارة الخزانة خلال السنوات الأخيرة.
لقد كان الحديث الذي أدلى به جايثنر في الرياض أكثر من مجرد ثناء فارغ، حيث عكس النظرة الأوسع في واشنطن التي ترى أن السعوديين قد بدأوا أخيراً في إحراز بعض التقدم على هذه الجبهة المهمة.
وعلى الرغم من التطور الذي طرأ على الجهود السعودية، إلا أن المملكة تبقى أحد المصادر الرئيسية لتمويل الإرهاب في جميع أنحاء العالم، في الوقت الذي يستمر وصول مبالغ طائلة إلى تنظيم «القاعدة» وحركة طالبان و«عسكر طيبة»، من بين مجموعات أخرى.


استهداف النشطين وليس الممولين
لقد وُصِفت هجمات تنظيم «القاعدة» في الرياض في أيار/مايو 2003 بأنها كانت حدثاً فاصلاً في المملكة العربية السعودية، إذ تنبَّهت على أثرها الحكومة السعودية لمدى التهديد الذي تمثله تلك المنظمة الإرهابية على دوام واستقرار المملكة. ففي أعقاب ذلك الهجوم، شرعت الحكومة السعودية بمكافحة الشبكات الخاصة بأسامة بن لادن داخل المملكة، أسفرت عن مقتل واعتقال العديد من النشطين، وتفكيك – على نحو فعال - البنية التحتية العاملة لتنظيم «القاعدة» التي تتخذ من السعودية مقراً لها.
ومع ذلك، لم يتخذ السعوديون نفس تلك الجرأة في جهودهم لمكافحة عمليات تمويل الإرهاب، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالأموال التي تخرج من المملكة إلى الجماعات الإرهابية في خارج البلاد.

وبالرغم من بدء العديد من مسؤولي الحكومة الأمريكية في توجيه الثناء علناً إلى المملكة العربية السعودية على جهودها في مكافحة الإرهاب خلال السنوات التي أعقبت هجوم الرياض، واصل مسؤولو وزارة الخزانة الأمريكية توجيه الانتقادات الشديدة للطريقة التي تتعامل بها [الحكومة] السعودية مع القضايا المرتبطة بتمويل الإرهاب.
فقد ورد عن ستيوارت ليفي – وكيل وزارة الخزانة – [في مقولته] التي نقلت على نطاق واسع في أعقاب ظهوره على قناة أي. بي. سي. في 11 أيلول/سبتمبر 2007: "إذا كان بإمكاني أن أمد أصابعي بطريقة ما لأقطع التمويل [للإرهاب] من بلد واحد، فستكون [تلك الدولة] المملكة العربية السعودية".
وانتقد ليفي أيضاً السعوديين لفشلهم في ملاحقة مموِّلي الإرهاب، وناشد المسؤولين السعوديين التعامل [مع قضية] تمويل الإرهاب بوصفها [عملية] إرهاب فعلي. وقد عبر وزير الخزانة السابق هنري بولسون عن آراء مماثلة، في خطاب ألقاه قبل عدة أشهر محذِّراً من أنه على الرغم من أن السعوديين "فعالين جداً في تعاملهم مع الإرهابيين داخل حدود المملكة إلا أنه من الضروري أن يقوم" السعوديون "بعمل أفضل في محاسبة الناس الذين يمولون الإرهاب في جميع أنحاء العالم".

خطوات كبيرة إلى الأمام
قامت المملكة العربية السعودية على مدار السنوات العديدة الماضية بعمل تحسينات كبيرة في جهودها لمكافحة تمويل الإرهاب. ففي الأسبوع الذي سبق زيارة جايثنر، أعلنت السعودية إدانة 330 شخصاً بتهمة الإرهاب في أول محاكمات تشترك بها المحكمة الجديدة المختصة بقضايا الإرهاب في المملكة.
وعلى الرغم من أن السعوديين لم يقدموا [سوى] القليل من التفاصيل حول تلك القضايا، إلا أنه لوحظ بأن التهم شملت جرائم تتعلق بتمويل الإرهاب، مما يشير إلى أن الرياض ربما تكون قد بدأت تنظر إلى عملية تمويل الإرهاب بأنها "إرهاب فعلي" على حد تعبير ليفي. [يتضح من ذلك] أن المملكة العربية السعودية لم تعد تركز فقط على تنظيم «القاعدة»، بل قامت بتوسيع نطاق جهودها أيضاً للقضاء على أنشطة تمويل حركة طالبان.

لقد انضمت السعودية مؤخراً إلى "مجموعة إيجمونت"، الشبكة الدولية لـ "وحدات الاستخبارات المالية"، ووفقاً لما تذكره التقارير فإنها تتعاون وتتبادل المعلومات بشكل فعال مع نظرائها في هذه "المجموعة".
بالإضافة إلى ذلك، تقوم هيئة الرقابة المالية في المملكة المعروفة باسم "مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)"، بمراقبة المصارف العاملة في البلاد بشكل قوي نسبياً، كما أن الإدارات التنفيذية في البنوك أصبحت الآن أكثر وعياً مما كانت عليه في الماضي، فيما يتعلق بالتزاماتها في مكافحة تمويل الإرهاب. وبالنسبة للمصرفيين في جميع أنحاء المنطقة، تعتبر "مؤسسة النقد العربي السعودي"، جهاز التنظيم الأكثر جديّة ومهنية في القطاع المصرفي في منطقة الخليج.

لقد ظهرت الإشارة الأولى إلى احتمال تفهم المملكة العربية السعودية أخيراً مدى أهمية مكافحة تمويل الإرهاب، من خلال فتوى دينية مدهشة إلى حدٍ ما، صدرت في أواخر عام 2007، من قبل الشيخ عبدالعزيز الشيخ – أكبر رجال الدين الوهابيين في المملكة. ففي فتواه، وجَّه الشيخ حديثه لأول مرة إلى المتبرعين المحتملين للإرهاب، وحثهم على "توخي الحذر [ومعرفة] المكان الذي يتم فيه إنفاق [أموالهم] حتى لا تضر الشباب المسلمين".
فبعد سنوات من رفض الاعتراف بأن المملكة العربية السعودية هي مصدر لتمويل الإرهاب، أو أن جهود السعودية لمكافحة الإرهاب لم تكن كفاية، يعتبر هذا التصريح خطوة كبيرة إلى الأمام.

السعودية تبقى المصدر الرئيسي
بالرغم من تحسن جهودها، لا تزال المملكة العربية السعودية مصدر رئيسي لتمويل الجماعات الإرهابية، ويتم ذلك إلى حد كبير من قبل المانحين من القطاع الخاص. وقد أعرب السفير ريتشارد هولبروك، مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى باكستان وأفغانستان، مراراً وتكراراً وفي مناسبات علنية عديدة عن شعوره بالإحباط حيال التمويل الذي يأتي من منطقة الخليج – ومن السعودية على وجه التحديد – إلى حركة طالبان. وذكر هولبروك أنه "بينما كان هناك شعور، في الماضي، بأن جميع الأموال تأتي من تجارة المخدرات في أفغانستان، إلا أن ذلك ببساطة ليس صحيحاً. . . إذ أن [حركة طالبان] تحصل على أموال طائلة أكثر من منطقة الخليج، وذلك طبقاً لمصادرنا الاستخباراتية". ونظراً لأن التقديرات [تشير] بأن حركة طالبان تجمع مئات الملايين [من الدولارات] سنوياً من تجارة المخدرات، يزيد قلق هولبروك من حدة التحذيرات حول حجم الأموال القادمة من منطقة الخليج.

كما تواصل جماعة «عسكر طيبة»، المتهمة بتنفيذ هجمات 2008 في مومباي بالهند، عملها [هي الأخرى] في المملكة العربية السعودية. ففي الآونة الأخيرة، ألقت السلطات الهندية القبض على محمد عمر مدني، رئيس عمليات جماعة «عسكر طيبة» في نيبال والمقرب من رئيس الجماعة. وتشير التقارير إلى أن مدني قد قام مؤخراً بزيارة إلى المملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج لجمع الأموال لجماعة «عسكر طيبة» ولبناء شبكة لوجستية لها في جميع أنحاء المنطقة.
كما ظهرت علاقة جماعة «عسكر طيبة» [مع خلاياها] في المملكة، خلال التحقيقات التي أجرتها الحكومة الهندية في تفجير قطار ركاب في مومباي عام 2006، وذلك اثناء عملية مداهمة لمنزل زعيم جماعة «عسكر طيبة» في مومباي، حيث اكتشف محققو الحكومة الهندية سبعة وثلاثين ألف ريال سعودي، أُرسلت على ما يبدو من السعودية عن طريق "شبكة الحوالة".

يوضح حجم هذا النشاط الإرهابي، مدى الصعوبة التي يواجهها السعوديون في معالجة مثل هذه القضايا. ففي حين أن الحكومة السعودية تركز حالياً بشكل أكبر على عمليات تمويل الإرهاب، إلا أن نطاق امتداد وحجم [هذه المهمة] يجعل منها معركة شديدة الصعوبة. ولا يزال هناك بعض التأييد لتنظيم «القاعدة» في أوساط المجتمع المتحفظ في المملكة العربية السعودية – ويوجد، بلا شك، المزيد من الدعم لحركة «حماس».
وعلاوة على ذلك، بما أن المملكة العربية السعودية ما زالت دولة غنية ذات مجتمع [يدير أعماله استناداً على وجود] سيولة نقدية، حيث لا يعتبر نقل أو تحويل مبالغ كبيرة من الأموال عملاً غير عادياً، من الصعب على الحكومات تعقب وكشف المعاملات غير المشروعة.

ضغط متواصل على السعودية
كان لوزير الخزانة تيموثي جايثنر الحق في الإقرار علناً بالتقدم الذي أحرزته المملكة العربية السعودية على مدى السنوات العديدة الماضية. ومع ذلك، يجب أن تواصل واشنطن الضغط على السعوديين من أجل المضي قدُماً وإجراء المزيد من التحسينات، نظراً للمشاكل الخطيرة التي لا تزال قائمة، وخطر التراجع عن هذا الموضوع من قِبَل القيادة السياسية. ينبغي على الولايات المتحدة أيضاً أن تشجِّع المملكة على زيادة الشفافية في جهودها لمكافحة الإرهاب، ولا سيما حين يتعلق الأمر بملاحقة ممولي الإرهاب.
فهذه الخطوات لن تُظهر للنقاد مدى جدية الجهود التي تبذلها الرياض فحسب، بل قد تساعد في ردع بعض المانحين المحتملين الذين سيدركون أن دعم الإرهاب لن يُسكت عنه بعد الآن. إن وضع حد لتمويل الإرهاب من السعودية لا يصب فقط في مصلحة الولايات المتحدة، ولكن، كما قال المفتي الأكبر الشيخ عبد العزيز الشيخ في تصريحه عام 2007، يفيد أيضاً المملكة العربية السعودية على المدى الطويل.

مايكل جيكوبسون
معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى

0 التعليقات:

إرسال تعليق