نشأة الدول الشيعية والخارجة


نشط المتشيعون والخوارج في العهد العباسي رغم الجهود التي بذلتها الدولة العباسية للقضاء عليهم بعد استغلالها لهم في صراعها للوصول للسلطة, فهي بشكل ما دشنت لآلية جديدة, أثبتت نجاحها بقيامها كدولة وإطاحتها بالدولة الأموية, فالسيرة الذاتية للدولة العباسية كانت بمثابة منهج متكامل لخطة الدعوة واستقطاب الأتباع وكيفية تحويل تلك الدعوة إلى ثورة.. مما سهل على العديد ممن يفقدون القدرة ويملكون الطموح للسلطة بتبني المنهج العباسي في إنشاء دولة من العدم داخل الإمبراطورية الإسلامية. فلم تنقطع نشاطات الحركات الشيعية وحركات الخوارج ولم تتوقف بعد القضاء عليها عسكريا وذلك لأن قوتهم الفعلية كانت في أفكارهم الدينية التي تصنع الأتباع من جديد، أتباعا متعصبين لآرائهم، مؤمنين بفكرهم.

تلك الأفكار تمركزت لدى الشيعة على مسألة أحقية أهل البيت, وصارت بعد قيام الدولة العباسية (المنحدرة من نسل عم الرسول محمد (ص)) منحصرة لدى الشيعة بخلافة أبناء علي من نسل السيدة فاطمة الزهراء، فإن نالها غيرهم فهي خلافة غير شرعية لا تلزمهم بطاعة الخليفة.
أما الخوارج فكان تمركزهم حول ما شهدته الدولة العباسية من تطور فكري وثقافي لتكفير الخليفة والنظام معتمدين على مخيلة العامة في خلق كم من القصص التي تحمل الكثير من الفانتازيا عن حياة القصور ومجون الخليفة مع الجواري والمغنيات والشاذين من الشعراء كما كان الأمر مع الخليفة هارون الرشيد, الذي نال أكبر نصيب من تلك القصص المختلقة والخيالية كبطل لها.
نشط دعاة الشيعة والخوارج للدفاع عن مذهبهم واستقطاب الأتباع، وبخاصة في الجهات البعيدة عن مركز الخلافة، مثل أطراف فارس واليمن وشمال إفريقيا. ورغم محاولات الدولة الأموية والعباسية القضاء على الشيعة والخوارج بسبب أفكارهم المعارضة ومعتقدهم المتشدد إلا أنهم لم ينجحوا في اعتراض ميلاد دول لهم والاستقلال بها عن سيادة الخلافة.


التشيع في الأندلس والمغرب العربي
------------------------------
لم يكن التشيع غائبا عن المغرب العربي وبلاد الأندلس وذلك لقرب المذهب المالكي من المذهب الزيدي إذا لم نقل أنهما متطابقين حيث خرج منهما معظم الثورات الشيعية و الاثنى عشرية وكانت المجتمعات الزيدية أو المالكية أكثر الحاضنين لتلك الثورات والمفرخة لأتباعها المخلصين.
و يمكن القول أن التشيع قد وجد في المغرب العربي و الأندلس بيئته الصحية حيث كانت أفواج الفاتحين تضم في صفوفها عناصر من شيعة علي وبعد ذلك خلايا تبشيرية بعد مقتل الحسين في كربلاء وكان من بين هؤلاء جنش الصنعاني الذي كان من التابعين , و من تلامذة و أنصار علي بن أبي طالب (ض) و من المحاربين للأمويين في صفّه.
وعبد الملك بن قطن و الذي أصبح والياً للأندلس في بعض أيامه.
فقد كانت المطاردات التي تعرض لها المبشرين الشيعة سببا في نزوحهم إلى بلدان المغرب العربي والأندلس كأبناء عمار بن ياسر المعروف بشدة تشيعه لـ علي بن أبي طالب و الذي استشهد تحت راية علي في صفين بسيوف الأمويين . و أبناء قيس بن سعد بن عُبادة الأنصاري والي علي بن أبي طالب على مصر. وكان من الداخلين إلى الأندلس أحفاد مالك الاشتر .
كما يدعي بعض الباحثين الشيعة أن قائد الحملة الإسلامية لفتح المغرب العربي موسى بن نصير كان من الموالين لأهل البيت (ع)، وكان هذا الولاء أحد أسباب خلعه في العام 96 هـ من قبل سليمان بن عبد الملك الأموي (ت 99 هـ)، ثم اعتقاله والتنكيل به وتعذيبه وتجريده من كل ممتلكاته المنقولة وغير المنقولة حسب الباحثين الشيعة.
-----------------------------
إضاءة : إلا أنه خلال بحثي لم أجد أدلة تؤكد تشيع موسى بن نصير ويمكن اعتبار هذا الادعاء واحدا من الأبحاث "المتشيعة" والتي تهدف إلى زعزعة المخزون المعرفي لدى المستهدف والتي سنتطرق لها بالتفصيل ضمن مقال مخصص لها لاحقا..----------------------
فقبائل البربر في شمال أفريقيا والأندلس كانت محلا خصبا للتشيع، لعدم تمكنهم من لغة القرآن وتعاطفهم الشديد مع أهل البيت. فقد تردد لأول مرة صدى التشيع في الأندلس بين صفوف البربر، وكانت المناطق البربرية ميدانا لجميع الثورات الشيعية في الأندلس، يمدها ذلك الطوفان الهائل للتشيع الذي شمل جميع شمال أفريقيا خاصة بعد تأسيس أول دول علوية في المغرب الإسلامي وهي دولة الأدارسة سنة 173 هـ، وقد اعتنق التشيع قبائل بربرية كبيرة معروفة كان لها امتداد واسع في المغرب والأندلس، منها بنو حماد وبنو زيري وقبيلة الصنهاجيين وقبائل كتامة".
ويعتقد الباحثون أن الإسلام الشيعي دخل إلى الأندلس من بابين:
الأول: عبر الأندلسيين الذين رحلوا إلى المشرق الإسلامي وبالأخص إلى العراق ومصر والمغرب ثم عادوا متأثرين بثقافة أهل البيت، وكان في مقدمتهم محمد بن عيسى القرطبي الذي كان حيا في العام 221 هـ.
والثاني: عبر عدد من علماء المشرق الإسلامي الذي باشروا بنشر ثقافة أهل البيت ، ومنهم أبو اليسر الرياضي إبراهيم بن محمد الشيباني (ت 317 هـ)، البغدادي النشأة والذي تجول وعمل في المغرب الإسلامي والأندلس.

وكان للقمع الذي مورس بحق أهل البيت والموالين لهم في المشرق الإسلامي من الأسباب الداعية إلى هجرة رجالات الفكر الشيعي إلى المغرب الإسلامي ومنه إلى الأندلس، ومنهم نسل الإمام الحسن بن علي ( 50 هـ)، وتمركز هؤلاء العلويين في شمال أفريقيا ثم عبروا إلى شبه جزيرة أيبيريا، وكان لهم دور كبير ومهم في نشر الثقافة الشيعية في الأندلس.
وهكذا رغم الوجود الأموي كسلطة شرعية أنداك وجدت أكبر الأسر الشيعية في الأندلس عقليات مناسبة لنشر مذهبهم وأفكارهم بدعم من المجتمعات البربرية لوجود أرضية مسبقة من الموروثات الشعبية رغم اعتناقهم الإسلام تميل إلى تقديس وتأليه الأشخاص وإيمانهم بالبركة وفكرة الوساطة والشفاعة بين الفرد والذات الإلهية, حيث كان تعاطفهم مع أهل البيت وتقديسهم لهم, شكلا من ملئ للفراغات الثقافية الموروثة التي فصلوا عنها بعد اعتناقهم الإسلام.
و أهم ما يمكن أن يشار إليه بخصوص الداخلين إلى الأندلس من المتشيّعين هو دخول هشام بن الحسين بن إبراهيم بن الإمام جعفر الصادق سادس أئمة أهل البيت إلى الأندلس و عرفت المنازل المنتسبة إليه فيها بمنازل الهاشميّ .
فرغم كل محاولة النظام الأموي القضاء على المذهب الشيعي إلا أنه أنتشر وأنتقل من معتقد سرى في تلك البلاد إلى العلن, وأصبحت الطريقة الحسينية والتي تعتبر من أقوى ظواهر التشيع منتشرة في الأندلس، وقد برز شعراء عدة وهم يرثون الإمام أبا عبد الله الحسين (ض) كما جرت الطقوس والشعائر الحسينية في عاشوراء، وظلت حتى نهاية الحكم الإسلامي في الأندلس عام 898 هـ.

لم يكتف الشيعة بتواجدهم كأنصار لمذهب جديد في الأندلس بل إنهم حاولوا جاهدين إلى انتزاع السلطة من يد الأمويين وتقديمها لأمرائهم من نسل علي بن أبي طالب (ض) الأحق بخلافة المسلمين حسب معتقدهم , و قد تمثلت تلك المحاولات بثورات متعددة و متوالية قام بها المتشيّعون هناك , والذي وصل عددها حسب ما ذكره الباحثون في الشؤون الأندلسية إلى أربعة عشرة ثورة. كان من أهمها ثورة عبد الله بن سعد بن عمار بن ياسر , الذي ثار على عبد الرحمن الداخل سنة 143هـ و التي انتهت بمقتل قائدها.
و ثورة المكناسي الذي ذكر في كتب أخبار الدهور بإسم شقنا او شقيا بن عبد الواحد المكناسي , حيث إدعى هذا الأخير بأنه فاطمي وتسمّى بعبد الله بن محمد واعتبرت ثورته من اخطر الثورات على الأمويين و أطولها عمراً و لم يتمكن الامويون من القضاء عليه بالمواجهة العسكرية لتمكنه وأتباعه من حرب العصابات وتمركزهم في جبال منطقة وعرة, لهذا لجؤوا إلى شراء ولاء بعض المقربين منه لاغتياله سنة 160هـ وقد كادت هذه الثورة أن تشكل أول دولة شيعية في الأندلس لنجاح المكناسي في حشد عدد كبير من الأتباع حين ادعى أنه المهدي المنتظر.
كان هذا قبل قيام الدولة الادريسة في المغرب بعشرين سنة والتي يصنفها الباحثون الشيعة والزيود على أنها كانت شيعية باعتبار أن مؤسسها كان من آل البيت رغم أنها قامت دون الاعتماد على الأتباع وإنما على علاقة المصاهرة والمواجهات العسكرية.
ومن الثورات الشيعية كذلك في الأندلس ثورة معاوية بن احمد القط الذي اظهر التأثر بدعوة الفاطميين بعد قيام دولتهم في المغرب وأعلن ثورته سنة 288هـ في منطقة الحوف, و لكن تبقى الثورة الأقوى و الأهم من بين كل الثورات الشيعية في الأندلس هي ثورة أبي الخير و التي ظهرت في عمق الأندلس و كانت ثورة فاطمية أخرى..
أبي الخير كان يذيع بين أتباعه بأن قتال بني أمية و فقهاء المالكية أفضل من قتال الأعداء و كان يُنقل عنه قوله:( ما كان أملي من الدنيا إلا خمسة آلاف فارس ادخل بهم الزهراء و اقتل من بها و اقوم بدعوة ابي تميم و كذلك يكون). من (باب الإعلام بنوازل الحكّام حوليات تونس لابن سهل.)
و إذا كانت هذه الثورات الشيعية على ضراوتها وحدة بأسها لم تفلح في اقتلاع الحكم -الاموي في الاندلس كما تم ذلك لثورات التشيع في المشرق من اقتلاع الحكم الاموي سابقا باعتماد العباسين عليهم في ثورتهم ضد الأمويين , إلا أن أحد تلك الثورات زعزعت استقرار الحكم الأموي وهيبته في الأندلس بل وكانت سببا في زوالها ودخول الاندلس عصر ملوك الطوائف!! وذلك حين قام رجل يسمى علياً بن حمّود من الاسرة الادريسية, (كان قد ولاه هشام المؤيد أمر سبتة و طنجة فيما ولىّ أخاه القاسم بن حمّود أمر الجزيرة الخضراء), بالاتجاه إليه بعد مقتل هشام المؤيد من عدوة المغرب المحسوب آنداك سياسيا على الاندلس .
و يذكر ابن الخطيب (( إن بعض العامريين الموالي , و الصنائع الهاشميين ارسلوا الى علي بن حمّود امير سبتة وثيقة منسوبة الى هشام المؤيد و بخطه عهد فيها بالامر الى علي بن حمود , ثم انهم تعهدوا له بتذليل الصعاب و هونوا له امر الاستيلاء على الخلافة) (اعمال الاعلام صفحة 141 , لسان الدين بن الخطيب).
ويقول الدكتور عبد العزيز سالم في كتابه تاريخ المسلمين و اثارهم في الاندلس صفحة 357 ( اشارعليه اي علي بن حمّود حيوس الضهاجي صاحب البيرة و خيران العامري صاحب المرية,بالتوجّه الى مالقة و الاستيلاء عليها , و لم يتوان عن المجاز الى الاندلس بحجة من هشام المؤيد في الظاهر مع أنه كان يعلم ان هشاماً قد مات مقتولاً, اما غرضه الاساسي الذي كان يضمره في الباطن فهو تقويض خلافة سليمان المستعين والظفربها لنفسه).
و فعلاً زحف علي بن حمّود نحو المرية و اجتمع مع خيران العامري وغيره من الفتية العامريين , ومن هناك زحف بجيوشه نحو قرطبة بينما تأهب اخوه القاسم لتقديم المساعدات اليه عند الضرورة و قد عرف سليمان المستعين بتحالف خيران العامري مع علي بن حمّود , و علم بمسير جنودهما اليه فعظم عليه الامر , و خرج بمن تبقى من رجاله للقاء جيوش ابن حمّود و اشتبك الفريقان في محرم سنة 407هـ , و لكن المعركة أنتهت بأسر سليمان وهزيمته, وهكذا دخل علي بن حمّود قصر قرطبة في 22 محرم , و أمر بإحضار سليمان المستعين فضرب عنقه و قد بويع لعلي بن حمّود في باب السدة من قصر قرطبة , و ذلك في 23 محرم سنة 407هـ و تلقب بالناصر لدين الله ثم المأمون ثم المتوكل, و تملك بنو حمّود الادارسة- قرطبة كأصحاب مذهب شيعي, و شرعوا في محو تاريخ بني امية الذي حافظ على وجوده في ذاكرة الأندلسيين باعتباره زمن القوة والحاضرة حين توالت النكسات السياسية في الجزيرة الايبرية بعد الفتنة العلوية التي أسست لحكم ملوك الطوائف !!
فحسب ما ذكره إبن خلدون فإن الفكر الشيعي توارثته الاسرة الادريسة بأتباعها في المغرب مما سهل انتقالها إلى الاندلس لتزيل دولة بني امية (دائرة المعارف الشيعية م 1 صفحة 22 نقلاً عن العبر لابن خلدون).
وإلى يومنا هذا لا تزال الخلايا التبشيرية الشيعية ناشطة في المغرب العربي وأوروبا بعيدا عن المشرق العربي الذي يغلب عليه المذهب السني وخصوصا في إسبانيا الدولة المطلة على المغرب العربي.
ففي سنة 1967م أصدرت الحكومة الإسبانية قرارا ألغت بموجبه قوانين محاربة الإسلام والمسلمين، وأخذ المسلمون يظهرون إلى السطح من جديد بخاصة مع الهجرة الجديدة للعرب والمسلمين حيث وصل عددهم إلى نحو مائتي ألف مسلم بين مواطن أصلى ومهاجر مقيم حسب الإحصاء الرسمي، بينما تؤكد المنظمات الإسلامية في إسبانيا أن عددهم قد تجاوز المليون نسمة، ومعظم هؤلاء من أصول مغربية إلى جانب سائر دول شمال أفريقيا، هناك الأفارقة والعرب خاصة السنغاليين والسوريين، بالإضافة إلى أكثر من ثلاثين ألف إسباني اعتنقوا الإسلام أخيرا".
ومع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحالي، تعززت مدرسة أهل البيت في إسبانيا من خلال هجرة الباكستانيين واللبنانيين للعمل في إسبانيا كما ساعد قيام الجمهورية الإسلامية في إيران في العام 1979م وهجرة العراقيين في عهد نظام صدام حسين وبعد سقوط نظامه الى زيادة المشاريع الحسينية، وتؤشر الأرقام أن: "أول حسينية تأسست في إسبانيا من التاريخ الإسلامي الحديث هي حسينية الأمة في مدينة غرناطة وكان من وراء تأسيسها مجموعة من الطلاب الإيرانيين واللبنانيين الذين كانوا يدرسون في جامعة غرناطة، وكانت تعرف هذه الجالية بالأمة فأطلق الاسم على الحسينية أيضا وتاريخها يعود الى سنة 1406 هـ- 1986م"، على ان أول مسجد لشيعة أهل البيت في العصر الحديث أقيم في العام 1376 هـ باسم مسجد أهل البيت في برشلونة، كما ان محبي أهل البيت تمكنوا ولأول مرة في تاريخ إسبانيا الحديثة في يوم العاشر من شهر محرم العام 1426 هـ من تنظيم مسيرة حسينية حاشدة في مدينة برشلونة.

دول الخوارج والاثنى عشرية
------------------------
الدولة الرستمية(160-296هـ/ 777-909م)
---------------------------------------
قامت الدولة الرستمية فى المغرب الأوسط (الجزائر)، وتنسب إلى مؤسسها "عبد الرحمن بن رستم " زعيم الخوارج الإباضية، وكان الخوارج قد فروا فى مرحلة مبكرة من الأمويين بدمشق والشام إلى المغرب حيث نجح الخوارج في نشر أفكارهم وعقيدتيهم فيها.
استقر عبد الرحمن بن رستم فى إقليم "تاهرت" بالمغرب الأوسط، وقام بنشر مذهبه هناك حتى بويع بالإمامة سنة 160هـ/777م، فأعلن قيام دولته التى صارت ملجأ لإباضية العراق وفارس وغيرهما، وهم أحد الفرق التي صنفت وقتها بالمعتدلة؛ حيث تبيح التعايش مع خصومها إذا لم تكن هناك إمكانية لقتلهم!!
نجح عبد الرحمن بن رستم فى توطيد دعائم دولته خلال الفترة التى قدر له أن يحكمها (144-168هـ) وقد خلفه من بعده ابنه عبد الوهاب الذى بقى فى حكم الدولة الرستمية عشرين سنة، ثم "أفلح بن عبد الوهاب" الذى حكم أكثر من خمسين عامًا (188-238هـ)، ثم تتابع فى حكم الدولة الرستمية خمسة من الأمراء، هم: أبوبكر بن أفلح، وأبو اليقظان، فأبو حاتم، فيعقوب ابن أفلح، فاليقظان ابن أبى اليقظان آخر أمرائهموظل أتباع هذه الدولة يتصارعون ويختلفون حتى انقرضت الدولة الرستمية سنة 296هـ/ 909م، فى عهد اليقظان بن أبى اليقظان على يد داعية الفاطميين أبى عبد الله الشيعي.وقد كانت علاقة الدولة الرستمية متوترة مع الأغالبة الذين يمثلون الدولة العباسية، بالمقابل أقاموا علاقات طيبة بالأمويين فى الأندلس، مستفدين من مشاعر الكراهية والعداوة القائمة بين الأمويين والعباسيين.
إمارة سجلماسة
-------------
دويلة أخرى قامت فى جنوب المغرب الأقصى إلى جانب دولة الأغالبة والأدارسة والدولة الرستيمة، كانت دولة سجلماسة (أو الدولة المدارية) فى جنوب المغرب الأقصى (140-296هـ/ 758-909م). وتأسست على يد "موسى بن يزيد المكناسي" وهى دولة لخوارج على المذهب الصفري، ولتقارب الفكري والمذهبي نشأت علاقات بينها وبين الدولة الرستمية فى شتى المجالات، وكانت نهايتها على يد الفاطمين.

الدولة الفاطمية(358-567هـ/ 969-1172م)
-----------------------------------------
لن أطيل في الحديث عن الدولة الفاطمية هنا.. لأن الحديث عن الجماعات السرية التي نشأت من مدرستها الفكرية والعقائدية كالاسماعليين والحشاشين والدروز والبهرة والبهائيين و حاليا الحوثيين والقاعدة المتشيعة.. ما يدعوا للاهتمام, وهذا ما سنتناوله لاحقا في بحث مستقل, حيث سنحلل أوجه التشابه في هرمها التنظيمي وأساليب التجنيد والاتصال والتحرك..

يرجع الفضل في قيام الدولة الفاطمية إلى إخلاص دعاتها وإيمانهم بقائد دعوتهم.. من هؤلاء الدعاة "أبو عبدالله الصنعاني" وهو رجل من صنعاء اتجه إلى المغرب في مهمة خاصة !!
فأخبار دويلات "الأغالبة" و"الأدارسة" وغيرهما التي تنشأ وتقام بعيدًا عن يد الدولة العباسية وسلطانها كانت تتناقلها أخبار القوافل والحجيج، لهذا اختير "أبو عبد الله" لنشر دعوة الفاطمين بين البربر، وسرعان ما انضموا إليه في آلاف عديدة، فأرسل إلى زعيمه الفاطمي "عبيد الله بن محمد" بنجاح مهمته., ويقال أن "عبيد" هذا شريف علوي فاطمي، وحين علم الخليفة العباسي بأمره, أمر بمطاردته والقبض عليه، فاضطر حين وصوله مصرا إلى التنكر في زي التجار، ثم الإفلات عبر دويلات شمال إفريقيا، ولكنه سقط أخيرًا في يد أمير "سجلماسة".
وكان "أبو عبد الله" الداعية الفاطمي في هذا الوقت قد جمع قواته من البحر، وهاجم بها "دولة الأغالبة" التي ما لبثت أن سقطت في يده سنة 297هـ/ 909م، ودخل عاصمتها، وأخذ من الناس البيعة لعبيد الله الأمير الأسير.وبعدها توجه "أبو عبد الله " على رأس جيش ضخم نحو "سجلماسة" لينقذ أميره عبيد الله، وإلا أن صاحب "سجلماسة" الذي لا قِبلَ له بمواجهة جيش أبو عبد الله, هرب من عاصمته بعد أن أطلق أسيره.
ودخل عبيد الله القيروان التي اتخذها عاصمة للدولة الفاطمية، وهناك بايعه الناس ولقب "بالمهدي أمير المؤمنين"، وخليفة للمسلمين منطلقا من الفكر الشيعي عن أحقية أبناء علي (ض) بالخلافة، واعتبر نفسه المهدي المنتظر الذي سيملأ الأرض عدلا بعد أن مُلئت جورًا وظلمًا.وتوالى الخلفاء من نسل المهدي عبيد الله، وكان منهم "المعز لدين الله الفاطمي" ثم مد حدوده إلى مصر وفتحها عام 359هـ/ 969م.أرسل "المعز لدين الله الفاطمي" قائدا يدعى "جوهر الصقلي" ليفتح مصر، فسار في جيش ضخم إلى الإسكندرية، واستطاع أن يدخلها دون قتال، حيث أحسن معاملة المصريين، وكَفَّ جنوده عنهم، ثم سار إلى "الفسطاط" فسلَّم له أهلها على أن يكفل لهم حرية العقيدة، وينشر الأمن والعدل والمساواة.
وقد ساعد علي نجاح هذه الحملة العسكرية ضعف واضطراب الأحوال في مصر، وكثرة المتعاطفين مع أهل البيت.وهكذا فصلت مصر عن الخلافة العباسية، وأصبحت ولاية فاطمية عام 359/ 969م.وأصبحت القاهرة عاصمة الخلافة الفاطمية سنة (362هـ/ 973م)، أي بعد أربع سنوات من فتحها..
وأمر المعز بمنع صلاة التراويح في رمضان، وأمر بصيام يومين مثله، وقنت في صلاة الجمعة قبل الركوع، وأسقط من أذان صلاة الصبح "الصلاة خير من النوم" وزاد "حي على خير العمل.. محمد وعلي خير البشر".وما لبثت جيوش المعز أن سارت نحو الحجاز ففتحته، وأصبحت المدينتان: مكة والمدينة تحت سلطان الفاطميين بعد العباسيين، كما فتحت جيوشهم بلاد الشام، وفلسطين، وجزيرة صقلية. وهكذا أصبحت دولة الفاطميين دولة بحجم الامبراطورية بضمها الحجاز، والشام، وفلسطين، ومصر، وشمال إفريقية.
لكنها لم تخلوا من ثورات داخلية، وانتفاضات، وتدمر رعايا الفاطميين, وزادت الحال سوءًا بظهور أفكار دينية شاذة كالاعتقاد بحلول روح الله في الخليفة، وأن الخليفة أعلى من بني الإنسان، وأن الخلفاء إلى الله أقرب ؛ كما كان الامر مع الخليفة "الحاكم بأمر الله"، الذي كان له كثير من البدع والخرافات التي أدخلها في الدين الاسلامي، وألّهه بعض الناس وراح البعض ينتظر عودته بعد اختفائه، وممن عرفوا بعد ذلك بالدروز.
وكثرت الأمراض، وهلك عدد كبير من الناس في الوقت الذي كان الأمراء والحكام الفاطميون ينعمون بالثروات ويعيشون في ترف وبذخ.
أسهمت المجاعات والأوبئة نتيجة انخفاض ماء النيل عدة مرات في اختلال الأمن، وكثرة الاضطرابات، وسوء الأحوال في البلاد، ولم تر الدولة صلاحًا ولا استقام لها أمر، ولم يستقر عليها وزير تحمد طريقته.
أما في الخارج فقد خرج بعض الولاة على الخلفاء الفاطميين خصوصًا في شمال إفريقية؛ مما أدى إلى استقلال تونس والجزائر، واستولت الدولة السلجوقية السُّنِّية التي قامت بفارس والعراق على معظم بلاد الشام التابعة للفاطميين، وتمكن الصليبيون من توظيف تلك الاضطرابات والاستيلاء على الأراضي المقدسة فاستولوا على بيت المقدس التي كانت تابعة للفاطميين آنذاك سنة 492هـ/ 1099م.
واستمروا في الايغارة على أطراف الدولة في مصر مع ضعف الدولة الفاطمية التي كانت تسير نحو التدمير الذاتي لتعدد مراكز القوى الاحادية بها المثمتلة في القادة المماليك ومليشياتهم, وتفرد كل واحد منهم بتحقيق مصالحه الخاصة دون مصلحة الدولة. وكانت نهاية أزمة الملشيات المملوكية على يد صلاح الدين الايوبي في سنة 567هـ/1172م الذي استطاع أن يوحد الصفوف على كلمة واحدة ومصلحة واحدة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق