القاعدة في المغرب العربي (1)



مند السنوات الاربع الاخيرة طفت إلى صدارة الاهتمام الجماعات المسلحة في المغرب العربي، وما لها من علاقات جنوب الصحراء الأفريقية. وتم تقسيم التيار الاسلامي في المغرب العربي إلى فئتين، أحدهما معتدل، والآخر متشدد، مع أن الجماعات التي صنفت كمتشددة لها خطوط التقاء بالجماعات التي اعتبرت "معتدلة" من حيث المرجعية التاريخية والفكرية, ولايفصل بين الجماعتين إلا النشاط المسلح, لكن تبقى المنهجية في إستقطاب المؤيدين واحدة مما يجعل من الجماعات المعتدلة مصدرا لتخريج عناصر متطرفة بطريقة غير مباشرة, وغير بعيدة عن إستدراج الجماعات المتشددة.

الجماعات الارهابية العلنية أو التي تم توقيفها كانت حسب ماأعلنته الجهات الامنية تابعة للقاعدة وفي مرتين تم الاعلان في المغرب عن توقيف جماعة تابعة لأنصار المهدي الاثنى عشرية.. لكن خلايا القاعدة تظل أقل خطورة بجانب العائدين من العراق بفكر إثنى عشري في مهمة لتفريخ خلايا, وتتميز بعناصرها المنتشرين بوظائفهم في الأماكن الحساسة في الدولة, كالامن والاتصالات والجمارك والمواصلات والابناك.. إلخ.

القاعدة في المغرب العربي يتم تشبيهها بأصابع اليد اليمنى, كما يتم شرحها لأفراد التنظيم الجدد بطريقة مبسطة, فكل إصبع بما يمثله في اليد ومدى قوته تمثله الجماعات في البلدان الخمسة للمغرب العربي, فالخنصر يمثل موريتانيا وهناك يتواجد العقل المسيطر أو الكوادر المنظرة. والبنصر يمثل المغرب بقوة الايمان لأفرادها وقوة العقيدة ويمثل الاوسط الجزائر بالفوضى والعنف في اهداف أعضائها ويمثل الادهم قوة الامن في تونس لإجتتات التنظيم, ويمثل الاصغر ضعف الجماعة في ليبيا وعدم القدرة على التحرك كالزوبعة في فنجان.وتلفظ على الاعضاء الجدد بهذا الشكل :
فموريتانيا العقل الذي يعرف مكامن نفسك, والمغرب العلم والايمان, والجزائر الطيش المدمر وعدم المبالة بعقيدة أو فكر, وتونس القوة المنافسة, وليبيا التفاهة في إدائها وقوة تواجدها.

وتمثل للمجند الجديد في التنظيم خريطة الاثنى عشرية إو الفكر المضاد في المغرب العربي باليد اليسرى, حتى يلتزم بسلوك معين في كل بلد منها, فتكون ليبيا الخنصر أي العقل المدبر والذي يعرف مكامن الطريقة والمردين, والبنصر في تونس أي الايمان والعلم المتاح لطريقة, والجزائر ثانية بالفوضى والطيش المتاح وعدم المبالة بعقيدة أو فكر, والمغرب بالقوة الرادعة والمنافسة وموريتانيا بالتفاهة في إدائها وقوة تواجدها. ويمكن إعتبار خريطة اليد التبسيط للمتلقي الجديد في الواقع بمثابة خريطة تحرك وضوء أخضر للتوسع والعمل الذاتي.

جولة مختصرة في أرشيف الجماعات المتطرفة في المغرب العربي
الجزائر:
على خلاف جارتيها الشرقية تونس والغربية المغرب، ليس للحركة الإسلامية في الجزائر "عمق تاريخي" بالمفهوم الزمني، باستثناء ما عرفت به البلاد من توق إلى "التعريب والدفاع عن الهوية الإسلامية" في مواجهة تجربتها الاستعمارية التي عرفتها البشرية.
وفي دولة اختارت منذ استقلالها المثال الاشتراكي الصارم الذي يعتمد على الجيش، وفي ظلّ التركيز طيلة أكثر من عقدين من الزمن على "ربح الزمن الضائع" من خلال برامج التعليم التي ارتكزت على "استعادة الهوية العربية والإسلامية"، وفي ظلّ جوّ عام من النظر بريبة إلى كل ما هو غربي، شكل التوجه الإسلامي أبرز أفق "للانعتاق" لدى الجزائريين.
وأقر الرئيس الأسبق، الشاذلي بن جديد، عام 1988، وتحت تأثير الظرف العالمي الذي شهد انهيار حائط برلين والمعسكر الشرقي، تعديلا أنهى سلطة الحزب الواحد المتمثل في حزب جبهة التحرير، وهو ما أدى إلى إنشاء عشرات الأحزاب، كانت الدينية أقواها، ولاسيما جبهة الإنقاذ الوطني، التي تزعمها عباس مدني وعلي بلحاج.غير أنّ الجيش، سرعان ما تفطّن إلى "ما يمكن أن ينتج عن الجديد"، فعمت الفوضى ودخلت البلاد حربا أهلية، شهد انشقاق حركات "فرعية" عن جبهة الإنقاذ، سرعان ما اندثر أضعفها وبقي منها حركتان أساسيتان هما:
الجماعة المسلحة، والجماعة السلفية للدعوة والقتال. وفيما لا يعرف أي فرق أيديولوجي بين الجماعتين، يرجح فريق من المراقبين أنّ "صراع الزعامات" هو فقط الذي لا يجمعهما. فيما يعتقد خبراء أمنيون أنّ الفرق في الأهداف هو الذي يفصل الجماعتين، حيث تركز الجماعة المسلحة على الأهداف المحلية، فيما للجماعة السلفية للدعوة والقتال بُعد "كوني يجعلها على علاقة وثيقة بتنظم القاعدة." ويعتقد خبراء أن الجماعة السلفية للدعوة والقتال خفضت من هدفها الأصلي، وهو الإطاحة بالحكومة لصالح استهداف الغربيين، والترويج لعملياتها من خلال استخدام مهارات متزايدة على الانترنت.
في سنة 2006 أعلنت الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر تغيير اسمها إلى "تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي" بناء على "تشاور مع زعيم القاعدة أسامة بن لادن" وفق ما ورد في بيان للجماعة على مواقع الكترونية متشددة.وفيما باتت "أخبار" الجماعة المسلحة نادرة، تزايدت في الآونة الأخيرة التقارير عن أنشطة للجماعة السلفية للدعوة والقتال، ولاسيما في غضون السنوات الخمسة الماضية، حيث نفذت أعمالا مسلحة في الصحراء والنيجر ومالي وتشاد، وكذلك في موريتانيا.ومع أنّ التقارير كانت تشير في ذلك إلى أنّ الجماعة "منهكة" بفعل الاستنزاف ومقتل رموزها، مثل نبيل صحراوي، واعتقال "خلفائه" مثل عماري صيفي، المعروف بالبارا، وهو ما أدى، وفقا للسلطات الجزائرية، إلى تضاؤل أعداد أعضائها من 28 ألفا أواسط التسعينات إلى نحو 800 حاليا. على أنّ "خطورة العنف" الذي تمارسه الجماعة القريبة جدا من الغرب(أوروبا)، وكذلك "مغاربية" نشاطها في الآونة الأخيرة، و"الخبرة" التي أحرزتها في مواجهتها، وعلاقتها بالتجارة السوداء والجريمة المنظمة.. جعلت منها "خطيرة" في كل الأوقات.

المغرب:
تختلف تجربة المغرب مع الحركات الإسلامية من حيث "العمق التاريخي" و"قانونية أنشطتها" عن بقية دول المغرب العربي. غير أنّ نقاط تشابه تجمعها بتجربة الجزائر، من حيث انتهاؤها إلى حركتين تركز إحداهما على البعد المحلي، فيما للثانية علاقات بتنظيم القاعدة. فقد كان المغرب سباقا في هذا المجال، حيث شهد صداما بين "الشبيبة الإسلامية" والنظام الملكي منذ الستينيات، قبل أن يتمّ تأسيس حركتين هما "حركة العدل والإحسان"، و"حركة الإصلاح والتجديد"، على أنقاض الشبيبة الإسلامية في بداية الثمانينيات.
ومع إجراء تعديلات دستورية فتحت الباب أمام التعددية الحزبية، كان للحركتين الإسلاميتين حضور واضح في الحياة العامة.
إنّ كون طبيعة النظام في المغرب غير جمهوري، جعل من "الطموح نحو كرسي السلطة" أمرا مطالبا به في زمن ثورات الجيش والاشتراكيين من النظام المصري والسوري التي تتميّز بشدة قبضة الأحزاب فيها على مقاليد الحكم, والتي أطاحت بالملكية وشرعت في تصدير فكرها إلى باقي البلدان العربية.ونجح الإسلاميون في الفوز بانتخابات بلدية، غير أنّ الفشل كان نصيبها، وهو ما فسره المراقبون على أنها كانت خطة "ذكية" من العاهل المغربي الراحل الملك الحسن، بحيث وضعهم في فوهة بركان من حيث التعاطي مع تفاصيل الحياة اليومية التي لا يدركون كيفية التعاطي معها.
ويمكن الفصل بين الحركات الإسلامية في المغرب من حيث اعتدالها وتشددها، ولكن لا يمكن فعليا التغاضي عن أفكار "ما يعدّ معتدلا"، هي التي شكّلت الخطوة الأولى باتجاه الجيل الجديد من المتطرفين.
فأغلب متشددي الجماعتين الإسلاميتين في المغرب لهم عرى وثيقة مع حركة العدل والإحسان مثلا التي تصنف من الحركات المعتدلة في المغرب.وللحفاظ على إعتدال الفكر الديني في المجتمع المغربي, فإنّ الحكومة المغربية بدأت عام 2004 إصلاحات في وزارة الأوقاف، وكذلك في تشريعات تتعلق بالمرأة. وبالتوازي مع ذلك، حكمت المحكمة بالمغرب على أكثر من ألف شخص، 900 منهم بالسجن في تهم تتعلق بالإرهاب، بعد هجمات هزت مدينة الدار البيضاء في مايو 2003.
وكشفت الهجمات عن وجود جماعتين هما "السلفية الجهادية"، التي قالت السلطات إنها تقف وراء الأعمال الانتحارية، وكذلك "الجماعة المقاتلة الإسلامية المغربية" ذات الارتباط الدولي بتنظيم القاعدة. كما طورت الاجهزة الامنية قدرتها على رصد تحركات الجماعات مما جعل الوضع تحت السيطرة.
وإذا كان الغرب يتخوف من الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية "لخبرتها" القتالية وقربها من أوروبا، فإنه يتخوف من العناصر الإسلامية المتشددة المغربية لقربها من المهاجرين والمواطنين من أصول مغاربية، وبحكم ما عُرف عن المغاربة من "تعلق مفرط بهويتهم"، ورفضهم سياسات الاندماج التي تشجع الحكومات الغربية المهاجرين عليها.وأحصت أجهزة الاستخبارات الغربية عدد العناصر المغربية، ممن هم من أصل مغربي، وابرزهم "الانتحاري رقم 20" في هجمات 11 سبتمبر 2001 زكريا الموسوي، وكذلك في ألمانيا بخلية فراكفورت الشهيرة، مثل منير المتصدق أو عبد الغني المزودي.
كما كشفت التحقيقات في إسبانيا أنّ عناصر مغربية تنتمي للجماعة المقاتلة شاركت في الهجمات التي هزّت مدريد في 11 مارس 2004. وكشفت التحقيقات الإسبانية أن المغربي مبارك الجعفري أشرف على تدريبات في معسكرات تابعة لتنظيم القاعدة في أفغانستان عام 2001، وهو ينشط حاليا في مجال استقطاب انتحاريين ومقاتلين يتم إرسالهم إلى العراق.
تونس:
تتماثل التجربة التونسية مع الحركة الإسلامية في المغرب، من حيث "الامتداد التاريخي"، ومع الجزائر من حيث كيفية التعاطي السياسي والأمني. فقد شاركت شخصيات ذات نفس إسلامي في حركة التحرير بتونس منذ عقد العشرينيات من القرن الماضي، وأبرزها الشيخ عبد العزيز الثعالبي، قبل أن "يزيح" الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة الوجوه "الزيتونية" (نسبة إلى تحصيلها العلمي في جامع الزيتونة)، ويؤسس برنامجه من أجل التخلص من الاستعمار على أساس "مدني علماني"، واستمر في ذلك مع استقلال البلاد عام 1956.
وحتى أواخر السبعينيات من القرن الماضي، كانت التجاذبات السياسية في تونس بين الحكومة، التي يسيطر عليها الحزب الاشتراكي الدستوري (التجمع الدستوري الديمقراطي حاليا)، والاتحاد التونسي للشغل، وحركات يسارية سرية.ومع وصول البلاد إلى أزمة اقتصادية عميقة في بداية الثمانينيات، مع تصاعد "حرب خلافة بورقيبة" وجد وزير التربية، الذي تمّ تعيينه آنذاك رئيسا للحكومة محمد مزالي، ذو النفس العروبي، الفرصة مواتية لإعلان التعددية السياسية، في مسعى للتنفيس السياسي. غير أنه تمّ إقصاء الإسلاميين من إضفاء الشرعية على نشاطهم، فأسسوا حركة تدعى "الاتجاه الإسلامي" اختارت العمل السري.
كما شهدت تونس تأسيس فرع لحزب التحرير الإسلامي، المعروف أنه يأمل بالاستيلاء على السلطة بواسطة الانقلاب. غير أنه سرعان ما تمّ تفكيكه قبل قبل بضعة أسابيع من إعلان وجوده في تونس، من دون أن يتمّ التأكد من دقة ذلك.وبعد أن غيرت حركة الاتجاه الإسلامي اسمها إلى حركة النهضة، تماشيا مع دستور البلاد الذي يحظر إنشاء الأحزاب على قاعدة دينية أو لغوية أو عرقية، وقعت على وثيقة "الميثاق الوطني"، بعد صعود الرئيس الحالي زين العابدين بن علي إلى السلطة في انقلاب غير دموي، وشاركت في لائحات مستقلة في أول انتخابات تجري في عهد الرئيس الحالي.
وكشفت تلك الانتخابات عن صعود التيار الإسلامي الذي حاز، وفقا لأرقام غير رسمية، على نحو ربع نسبة الأصوات، وهو ما جعل السلطات التونسية تدخل في مواجهة حاسمة معه، أدت فيما بعد إلى إدخال أغلب أعضائه السجن والمنفى.
ويجدر القول إنّ "الخصوصية" التونسية التي تتمثل في كثير من مناحي الحياة انعكست بدورها في التعاطي مع "الظاهرة الإسلامية"، في مجتمع غلب عليه التحديث حتى "التغريب"، مثلما يصر على ذلك النشطاء الإسلاميون.
فعلى خلاف الجزائر والمغرب، يرفض المجتمع التونسي، ناهيك عن السلطات الحاكمة، أي نفس "وهابي منغلق" في الحركات الدينية، غير أنّ "زيف الخصوصية" انكشف عندما اهتز منتجع جزيرة جربة على عملية انتحارية في أبريل 2002، نفذها تونسي بأمر من مهندس هجمات 11 سبتمبر2001 ،خالد شيخ محمد، بواسطة هاتف نقال من مخبئه في باكستان.
وشكّلت تلك العملية صدمة في دولة تقدم نفسها "عصيّة" على الإرهاب.ولا تتوفر على مواقع الشبكة الإلكترونية، وكذلك في وثائق الاستخبارات المعلنة أي إشارة إلى وجود تنظيم مسلّح متشدد في تونس، باستثناء ما تداولته أجهزة استخبارات غربية عن وجود تنظيم على علاقة "بأنصار الُسنة"، سرعان ما تبين لاحقا أنه غير دقيق، أو في أفضل الأحوال، فإنّ الأمر ربما يتعلق بتنظيم تونسي متشدد مجهول خارج البلاد. ورغم أن "أبرز وجوه تنظيم القاعدة" في خارج تونس هم تونسيون "تميّزوا" أكثر من غيرهم في تنفيذ عمليات "نوعية" كان لها أثر مأساوي مما يدلي بوجود تنظيم تونسي خارج البلاد.
فقد أثبتت التحقيقات أنّ من اغتال قائد تحالف الشمال الأفغاني أحمد شاه مسعود، هما "صحفيان مزيفان" تونسيان. وشكّلت عملية الاغتيال تلك منعرجا في التناحر بين الفصائل الأفغانية. وفي فبراير 2006 اكدت السلطات العراقية، أن تونسي، من عناصر تنظيم القاعدة، ويدعى "أبوقتادة التونسي"، فجر قبّة الإمامين الهادي والعسكري، وجرى اعتقاله، مما شكّل - حسب الكثير من المحللين- منعرجا صوب حرب أهلية في العراق.كذلك صرح المحققون الإسبان، فإنّ العقل المخطط لهجوم مدريد في 2004 ، هو تونسي الجنسية. وتزامنت نهاية 2006 وبداية 2007 مع "اشتباكات مسلحة" في تونس بين قوات الأمن، مدعومة بالجيش، وعناصر وصفتها السلطات التونسية بـ "مجرمة"، والتي قالت لاحقا إنّها على علاقة بعناصر "سلفية" في الجزائر.وحتى ما أعلنته الحكومة التونسية في بداية الاشتباكات من أنّ الأمر يتعلق بمخطط "لضرب سفارات أجنبية"، قالت تقارير لاحقة إنهما سفارتا بريطانيا والولايات المتحدة، يبدو موضع تساؤل لدى الكثير من المحللين، لاسيما أنّ المحكمة التي مثلت أمامها دفعة ممن تمّ اعتقالهم على خلفية تلك الأحداث، لم توجه لها تهمة الإعداد لضرب سفارات، وإنما "محاولة لقلب نظام الحكم."ويعتقد الخبراء في الشأن التونسي أن الحكومة تمكنت من إحداث فراغ سياسي، وهو ما ليس متحققا في الجزائر أو المغرب…
هناك قدر كبير من الاستياء، حتى بين الطبقات الوسطى العلمانية (في تونس) حاليا. لذلك تؤمن تلك الجماعات أن الطريق ممهد الآن بشكل أفضل للحركات المتشددة في تونس.
القاعدة في موريتانيا
لقد ساعدت الاحداث السياسية التي شهدتها موريتانيا بعد الانقلاب على نظام محمد ولد سيدي الطايع إلى صعود التنظيم إلى السطح, كقوة على الساحة الموريتانيا بعد أن كانت تنحصر مهام أعضائها في الدعم اللوجيستي سابقا.

قبل 2003 كان من الصعب القول بوجود خلايا للقاعدة بموريتانيا رغم وجود جماعات متشددة بها, إلا أن التطورات الحالية في الصحراء الغربية التي تمثلها نشاطات وتحركات الطوارق وعصبات التهريب والجماعات الاسلامية الجزائرية والبوليساريو, صار ظهور تنظيم موريتاني قيادي لباقي الجماعات المغاربية منتظرا حيث تتلاقى مصالحها مع مصالح الجماعات المسلحة في الصحراء الكبرى والتي تمثل موريتانيا فيه جغرافيا بعدا مهما, باعتبارها نقطة مرور من سنيغال الذي نشط فيه مؤخرا تحركات لعناصر من القاعدة من السينغاليين الحاملين لجنسيات أروبية وسهولة تنقلهم كتجار للذهب من السينغال إلى السودان, والمغرب الذي تتمركز في مناطقه الصحراوية خلايا للقاعدة من الصحراويين المغاربة ممن يحملون شعار إعادة فكرة دولة المرابطين الاسلامية, ولن نستبعد مسبقبلا ظهور أمير لتلك الجماعة يكني نفسه بإبن تاشفين!!

ثم تأتي مالي والجزائر بحدودها المطلة على موريتانيا حيث تعتبر من المناطق التي تنشط فيها العصابات المسلحة التي تسيطر على نشاطات التهريب.وقد بدأت السلطات الموريتانية تتحرك للحد من بروز تلك الجماعات في بداية 2006 حيث كشفت التحقيقات التي أجرتها مع موقوفين للحركة الإسلامية الموريتانية علاقة بالجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية . وحاكمت نواكشوط حوالي خمسين "اسلاميا" موريتانيا متهمين بإقامة علاقة مع شبكة القاعدة، التي اعلنت الجماعة السلفية ولاءها لها. وقالت السلطات إنّ هؤلاء "تدربوا على المعارك في مخابىء الجماعة السلفية للدعوة والقتال." وخاضت تلك المجموعة في 2004 و2005 معارك ضد الجيش المالي، وكذلك الجزائري. وفي 2003، خطفت الجماعة السلفية للدعوة والقتال 32 سائحا أوروبيا في الصحراء الجزائرية.ويقول المحلل الموريتاني أبيه ولد الشيخ، إنّ الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية، التي سبق أن أعلنت هجومها على قاعدة للجيش الموريتاني، ترى في موريتانيا هدفا مهما، بالنظر لما تمثله من معبر نحو أفريقيا، وهي التي لطالما كررت نواياها في تأسيس خلايا بقلب القارة السمراء. وأضاف أنّ أخطر عضو ترى فيه موريتانيا التهديد الأكبر لها، وللغرب في أفريقيا، هو مختار بلمختار، المعروف بلقب "الاعور"، والذي انشق عن الجماعة السلفية للدعوة والجهاد، ويقوم بعمليات تهريب في الصحراء الجزائرية والدول المجاورة.
إلا أن حادثة مقتل ثلاثة سياح فرنسين وجرح ثالث في موريتانيا وهم في طريقهم إلى مالي, في 25 من ديسمبر 2007 على يد عناصر إسلامية نجحوا في الفرار إلى السينغال. جعلت من الساحة الموريتانية من البلدان المرشحة لأنجدة الناشطين الاسلاميين والذي كما يبدو ستتركز على إستهداف الاجانب والمؤسسات المسيرة بكوادر أجنبية مابين القرن الافريقي والصحراء الكبرى ودول إفريقيا الوسطى, خصوصا تلك التي كانت مستعمرات سابقة لفرنسا وبريطانيا.

القاعدة في ليبيا :
وفي ليبيا، ألقى نظام معمر القذافي بتبعاته على كل شيء، بما فيها "وجود التيارات الإسلامية"، حيث يعتبر كلّ من ينشط سياسيا باسم الإسلام "زنديقا"، ويصر في بياناته على اعتبار تلك العناصر "زنادقة لا علاقة لهم بالإسلام." مما جعل نشاطاتهم خارجية في بلدان المهجر, ولايستبعد في حالة نشوب حرب في دارفور أن ينفرط العقد من يد ليبيا التي تسيطر على الوضع في دول الجوار بتبنيها لكل الجماعات الانفصالية أو الثورية, ويتمكن الاسلاميون من توجيه ضربات إرهابية ثقيلة لليبيا عن طريق الاراضي السودانية.
فبعد هجمات 11 سبتمبر 2001، وضمن الحرب على الإرهاب، طفت على السطح أسماء "قياديين مهمين" في تنظيم القاعدة من الجنسية الليبية، من ضمنهم أبو فرج الليبي وأبويحيى الليبي. وفيما يغيب أي توثيق لتلك الحركات في ليبيا، إلا أنّ الاستخبارات الغربية، ولاسيما الأمريكية، صنّفت "الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية" في خانة الجماعات المتشددة. وفي الآونة الأخيرة، قالت تقارير إنّ نجل الزعيم الليبي سيف الإسلام، يعقد مفاوضات مع أعضاء من هذه الجماعة لإقناعهم بنبذ العنف و"العودة إلى البلاد" والمشاركة السياسية.
المغرب العربي قبل تنظيم القاعدة
واقع التيارات الاسلامية والجهادية لم يتغير إلا بعد دخول القوات الدولية أفغنستان, وخرج بقوة كمشكلة أمنية بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق. أما قبل ذلك فتواجدها على الساحة كان غير محسوس, باستثناء الجزائر خلال سنوات الثمانينات التي هيئ لها الجو السياسي ونزوع الشعب الجزائري إلى تغير النظام العسكري الاشتراكي بعد إنتشار الفساد, وتفاقم المشاكل الاجتماعية أمام الثروات الطبيعية التي يمتلكها بلد كالجزائر والتي كان معظمها يصل إلى أيدي المتنفدين العسكريين وإلى أصحاب الامتيازات .
فوجدت في فكر تيار الاخوان المسلمين وسيلة في تغيير الاوضاع, إلا أن الحزب الاسلامي بقيادة عباس المدني, بمجرد وصوله إلى السلطة بالانتخاب تحول إلى التطرف, وألغى شيئا يسمى إنتخاب في محاولة للاستلاء على كل السلطات, مما أعطى دريعة للعسكريين ومعارضيها في التخلص السريع منهم, وإخراجهم من حسابات الشارع الجزائري باستغلالهم تمرد أنصار عباس المدني وإتجاههم للعنف, لتكوين مليشيات تابعة لتيار الاسلامي ظاهريا, ولجهاز المخبارات الجزائرية من الباطن, حيث شهدت المدن الجزائرية سنة دامية حدتث خلالها عشرات المجازر الجماعية الهمجية. فانتقلت أخبار تلك القصص المرعبة إلى باقي بلدان المغرب العربي الذي تعاطف وجدانيا مع الشعب الجزائري ونمى بذاخله مشاعر الرفض لأي فكر متشدد مشابه لفكر الاخوان في الجزائر.
وكان الدرس الجزائري كافيا لنفور كل بلدان المغرب العربي من التيارات الاسلامية التي كانت في الواقع تحمل فكرا مستوردا بعيدا عن تفكير تلك المجتمعات التي ينتشر فيها المذهب المالكي الملتزم بالاعتدال و الفكر الصوفي المعروف عبر التاريخ بانصرافه عن أي نشاط سياسي باستتناء أزمات الاستعمار الاروبي التي لعبت فيها الزوايا الصوفية دورا في التوعية والتحريض على الجهاد ضد المستعمر.
وإلى حدود سنة 2001 لم يكن للتيار السلفي دور سياسي أو قبول إجتماعي, إلا بشكل غير لافت للنظر في موريتانيا.

فالتدين في مجتمعات المغرب العربي يعتبر سلوك بين العبد وخالقه ولاتكون شرطيته في الشكل الظاهري إنما في سلوك الفرد نفسه وكلما زاد تعبده ظهر تلقائيا زيادة تشير إلى ذلك في مظهره, فكان الرجال في المغرب مثلا يطلقون اللحى بطريقة معتدلة وتلتزم النساء بالحجاب الاسلامي كسقف أعلى لذلك التدين الذي يطبع نفسه في زيادات محمودة في سلوكياتهم, كالمبدرات الشخصية لمساعدة المحتاجين والتحكم في النفس أثناء الغضب وعدم التلفظ بالكلام البديء صغيره وكبيره, وصلة الناس وخصوصا الجيران.. باختصار كلما زاد التدين زادت روابط أولئك المتدينين بمجتمعهم وخدمتهم له, وبالمقابل كان هناك مشاعر إحترام وتقدير ومصداقية لأولائك الاشخاص..

0 التعليقات:

إرسال تعليق