القاعدة في المغرب العربي (2)



إلى حدود سنة 2001 لم يكن للتيار السلفي دور سياسي أو قبول إجتماعي, إلا بشكل غير لافت للنظر في موريتانيا. فالتدين في مجتمعات المغرب العربي يعتبر سلوك بين العبد وخالقه ولاتكون شرطيته في الشكل الظاهري إنما في سلوك الفرد نفسه وكلما زاد تعبده ظهر تلقائيا زيادة تشير إلى ذلك في مظهره, فكان الرجال في المغرب مثلا يطلقون اللحى بطريقة معتدلة وتلتزم النساء بالحجاب الاسلامي كسقف أعلى لذلك التدين الذي يطبع نفسه في زيادات محمودة في سلوكياتهم, كالمبدرات الشخصية لمساعدة المحتاجين والتحكم في النفس أثناء الغضب وعدم التلفظ بالكلام البديء صغيره وكبيره, وصلة الناس وخصوصا الجيران.. باختصار كلما زاد التدين زادت روابط أولئك المتدينين بمجتمعهم وخدمتهم له, وبالمقابل كان هناك مشاعر إحترام وتقدير ومصداقية لأولائك الاشخاص. لكن بعد 2001 تغيرت تلك الصورة, ففجأة لاحظنا ظهور نوع جديد لمتدينين يشوش على ماألفناه في تلك المجتمعات, تمثلت في ظهور الخمار الاسود الغريب كليا عن ثقافة تلك المجتمعات وإطلاق اللحى بشكل مبالغ فيه وظهور اللباس الافغاني لدى بعض الشباب الذين تجدهم دائما مقطبين الجبين ومتحفزين للعدائية, وبمعنى آخر لديهم نفور للحياة بصفة عامة, ومعظم أحاديثهم عن الموت وعذاب القبر مما زاد من نفور الغالبية منهم والذين تعودوا من المتدينين الطريقة المهذبة في النهي عن المنكر والأمر بالمعروف وربط تلك الاحاديث بالمستقبل.
ورغم كل هذا تم إعتبار هذه الظاهرة سلوك شخصي لم يكن لأحد أن يعلق عليه, إلى أن تمت تفجيرات الدارالبيضاء16 من مايو 2003 .
فقد تم إختراق المدارس الثانوية وتم التركيز على متوسطي الذكاء والحالة الاجتماعية عبر مجالس دينية منزلية تنتهي بالتجمع ذاخل المساجد لتهيئ النفسي والسيطرة المعنوية على تلك المجاميع من خلال إبعادهم عن الحياة العادية, وقطع علاقتهم بكل وسيلة للمعلومة إن كانت التلفاز أو الراديو أو الجرائد وحتى أصدقائه المقربين. وتم التركيز خصوصا في أحياء الصفيح والاحياء الفقيرة من السلفيين المغاربة العائدين من أفغنستان بعد سقوط كابول..

تنظيم الزرقاوي في المغرب العربي
بعد العودة الثانية لبن لادن لأفغنستان في 1996 كان عدد المغاربة المستقطبين 250 عنصرا جمّعوا في مضافة تحت إسم الجماعة المقاتلة المغربية, جندوا للقتال في أفغنستان عن طريق مغربي يحمل الجنسية الامريكية يدعى عبد الكريم المجاطي, مع العلم أن عددهم لم يتجاوز أصابع اليد في فترة الحرب ضد الروس!!

وبعد 2002 صدرت الاوامر للأفغان العرب بالعودة إلى بلدان بإنتظار الاشارة لبداية نشاطهم الجهادي حاملين معهم فتوى من تنظيم القاعدة وخبرة في صنع المتفجرات وتدريب عناصر جديدة لحرب الشوارع. وهكذا نشأت تنظيمات سرية لتدريب وإستقطاب العناصر كشفت السلطات المغربية عنها.


جماعة الحاج عبد الرحمن أنطوان
كانت إحداها بشمال المغرب تحت إمارة فرنسي يدعى روبير أنطوان والذي يكنيه أتباعه الحاج عبد الرحمن, تزوج من مغربية وأستقر بطنجة, وقد أستطاع في وقت قياسي أن يستغل نشاط التهريب بين مليلة; الناظور وسبتة; تطوان لفرض إيتوات على صغار المهربين مقابل حمايتهم والسماح لهم بممارسة نشاطهم وذلك لتوفير الدعم المالي لتنظيمه. وقد قام بإتصالات لتوفير السلاح عبر قنوات سبة ومليلة والجزائر وتجهيز أماكن التدريب لعناصره ضمن أجندته لجهاد على الاراضي المغربية والفرنسية, وقد كان الحاج الفرنسي أحد الداعمين لوجستيا لعملية الدارالبيضاء والمنسقين للإتصال مع القاعدة في أروبا من بينهم مغاربة مقمين في إسبانيا.


جماعات الصراط المستقيم \ الهجرة والتكفير\ السلفية الجهادية
لقد كانت أجندة العائدين محددة, لكن ترك لأمراء المؤسسين ذاتية التسير, إلا أنها تلتزم جميعا بمبدأ واحد وهو السرية التامة والتدقيق في قدرة المستقطبين على الحفاظ عليها, لذلك كانت أفضل بيئة لنشوء وإستقطاب عناصر جديدة هي الاحياء المهمشة والبعيدة عن رقابة الدولة بشكل تام حيث أستطاعت تلك الجماعات الاعتماد على الخارجين عن القانون لفرض قانونها لدرجة أن لأحد كان يستطيع في تلك الاحياء الوقوف ضد ممارستهم التي صارت شبيهة بمحاكم كابول, فترجم الفتيات الغير محجبات ويقام الحد على من إلتجأ لمركز الشرطة لتقديم شكاية ضدهم, ونجحوا في ضم أعداد لابأس بها خصوصا من ليست لديهم سوابق عدلية, فنجحت في التوفير للعاطلين منهم وضائف صغيرة كباعة متجولين.

ورغم أن التحقيقات أعلنت أن التمويل كان محلي لتلك الجماعات إلا أن ذلك النوع من التنظيمات لاينشأ إلا بدعم مالي مسبق وربما يبقى التسير الذاتي لها بعد ذلك عبر توجيهها لإقامة مشاريع بأسماء أشخاص بعيدين عن التنظيم بشكل صوري, فالمعروف لدى الجميع أن الاذن لاتسمع حين تكون كل الحواس جائعة, وبمتابعتي في المغرب لتلك الجماعات, لاحظت أن الدعوة الاولى (التي يسمونها عادة "بالدرس في منزل أحد الاخوات أو الاخوان") تكون لتجمع حول طاولة مليئة بالاطباق المصاحبة للشاي عادة في البيوت المغربية يسيل لها لعاب الحاضرين (والذين كان غالبيتهم حسب شاهد عيان من الاحياء الفقيرة) في بيت مجهز بأثاث يسر الناظرين!!
وبخلاف الجماعات في الشمال, تم الاتصال الاول قبل 2001 بجماعات سلفية متشددة عبر عناصر خليجية وليبية من العائدين من أفغنستان والذي كان تواجدهم في المغرب العربي شيئا مألوفا إما للسياحة أو إرتباطهم بزوجات في تلك البلدان, لتسهيل مهمتهم وإستعاب أعضاء التنظيم المنتظر.

16 مايو 2003
كانت تلك التفجيرات بمثابة زلزال لم يدمر الجدران فحسب, لكنه دمر تلك الصور المبسطة لكثير من الظواهر التي لم تحمل على محمل الجد.. فثقة الشعب المغربي بالأمن الوطني وثقته خاصة ببعضه البعض باعتباره شعبا يرفض العنف الدموي والقتل الغير المبرر, كانت ثقة لايمكن زعزعتها إلا بعمل إرهابي, زادت من بشاعته لديهم معرفتهم أن منفديها كانوا مغاربة..
فكل التحقيقات كانت تشير إلى بصمات القاعدة وإلى خلية ألمانيا وشخصية غير معروفة أنداك يدعى الزرقاوي. وكانت التحقيقات تسابق الزمن لكشف أبعاد العملية الانتحارية, التي طفت على السطح بعد إبعاد وزير الداخلية السابق إدريس البصري, فكانت هناك معلومات من ذاخل وزارة الداخلية تشير إلى أن متابعة ملف الاسلاميين في المغرب توقف بإختفاء الملف مع خروج إدريس البصري من الوزارة, وأنه كان من ضمن الملفات التي كان يشرف عليها مند صيف 2001 حين تم تفكيك خلية نائمة كانت تنوي تفجير المركب السينمائي ميغاراما وصالات أخرى للسينما في المغرب لكن السلطات لم تعلن عن هذه العملية لتضمن الوصول إلى الخلايا أخرى, وكانت في 2002 مطاردات عنيفة لعناصر من الجماعات السلفية, وهذه المتابعة ماسهلت توقيف عدد كبير من أعضاء التنظيم,والذين كان من بينهم 45 إنتحاريا مجهزين لعمليات متسلسلة في كل من أكادير والصويرة ومراكش.


الفكرة والتطبيق
كان الفريق العائد من أفغنستان منقسم بين توجهين, الاول التمركز في الجبال والقرى النائية وشن حرب عصابات على طريقة الجماعات الجزائرية وهكذا ضمت العناصر التي كانت موجودة في الشمال والشرق المغربي تحت إمارة الفرنسي عبد الرحمن أنطوان وشرعت في تدريب عناصرها في الكهوف القريبة من مدينة فاس الغابات المجاورة لطنجة,والبحث عن توفير السلاح والسيطرة على ساحة التهريب.
أما وجهة النظر الثانية فكانت تحبد الانتقال للقتال في المدن من خلال ضرب الاهداف الحساسة بإستعمال السيارات المفخخة وزرع القنابل, لكن عدم توفر صواعق لتحكم عن بعد جعلهم يلجؤن إلى البحث عن قنابل بشرية وتجهيز عدد منهم في إطار تنفيذ تفجيرات متسلسلة في عدد من المدن المغربية تكون متزامنة مع تفجيرات الرياض حسب الامر الصادر من قائد العمليات الخارجية الاردني أبومصعب الزرقاوي ( وقد كان موعد العملية بالفعل يوم تفجيرات الرياض لولا وجود مشكلة تقنية دعت العقل المدبر ويكنى مول السباط إلى تأجيلها أسبوعا كاملا).


سيناريو العملية
حسب التحقيقات فإن التنسيق تم مع العناصر الخارجية المقيمة في إسبانيا والفرنسي الحاج عبد الرحمن أنطوان ومغربين أخريين عبر تجنيد شباب في الاحياء المهمشة لايملكون سوابق عدلية وليست لهم نشاطات مشبوهة لدفع الشبهة الامنية عنهم, وأستطاعوا غسل أدمغتهم خلال الستة أشهر التي سبقت الحادث بالتركيز على الرموز اليهودية وأماكن سياحية تقدم الخمور, وتم حتهم على إلتزام السرية التامة حتى أمام أسرهم, وبشأن طبيعة المتفجرات فقد قامت تلك العناصر بإشاعة أنهم بصدد البحث عن أجهزة ترانزستور قديمة وقنينات زجاجية من نوع خاص.
ثم تفرز التحقيقات عن كشف مخزن من المواد المتفجرة التي تم تهريبها إلى المغرب, ثم يتبين بعدها أن المواد المستعملة في تلك الاحزمة الناسفة كانت عبر شراء بطاريات لسيارات وتفريغ محتوياتها مع مزجها بمواد للتنظيف, أي أن التصنيع كان محلي, والانتحاريين كانوا شباب لديهم مشاكل إجتماعية وأسرية وينتمون إلى أحياء الصفيح المهمشة في كل شيء حتى الرقابة الامنية .


الحلقة الرابطة (التنظيم الاروبي)
بعد أن قام العائدين السعودين والليبين بالاتصال وتجهيز الساحة لظهور تنظيم القاعدة, ذخل عنصر جديد هو الشبكة الاروبية الجديدة التي خطط لتشكيلها التنظيمي في الشهور الثلاثة الاخيرة من سنة 2002, وتم تقرير هيكلها التنظيمي وأمراءها وكذلك أجندة أعمالهم في ديسمبر 2002 من الزعيم الجديد لتنظيم أيمن الظواهري, حيث كانت تعتمد على أعضاء من المهاجرين أو المولدين من أصول مغاربية وباكستانية وعلى طلاب عرب مسجلين في الجامعات الاروبية وكذلك الجماعة الاسلامية في الجزائر, والجماعة الاسلامية التونسية التي يشكل المهاجرين أغلب أعضائها, والجماعة اللبية المجاهدة التي كان أغلب أعضائها من اللاجئين في أروبا بسبب الحظر الذي فرضه النظام الليبي على نشاطها والمحاصرة الامنية لأعضائها.


وكان العراق مركز التنظيم الجديد بدلا من أفغنستان, وتم تقرير الشكل الجديد للتواصل مع القيادة التي يعتقد للآن أنها كانت مابين الحدود الباكستانية والافعانية والتي يمثلها الظواهري, عبر محطات إستقبال للرسائل المشفرة من خلال شبكة الانترنيت, وتقديم تقارير العمليات وتسلم الاوامر عند إنقطاع خيوط التواصل عبر التسجيلات الصوتية والمصورة التي تحمل بدورها رسالة مشفرة تخضع لتحليل الشفرة الخاصة بتلك الجماعات, التي تطابق إصدرات لكتب تكون عناوينها بعيدة عن الفكر الاسلامي عبر دور نشر بالاردن ولبنان.


كل الخلايا التي تم توقيفها كانت تحمل فكر سلفي من بينها الخلية المدبرة لتك التفجيرات ما بين طنجة ومكناس والتي كانت تحت إمارة فرنسي إعتنق الاسلام ومتزوج من مواطنة مغربية, وربما لأن الكل كان يربط عناصر القاعدة بالشكل التقلدي الذي ألفناه عبر الزي والسلوك المتشدد, لم يتوقع أحد أن أعضاء القاعدة الجدد ولا نقول الانتحاريين, سيكنون ضمن المهاجرين العائدين من أروبا في زي وسلوك أروبي للتنسيق والدعم اللوجيستي, فأهل مكة أخبر بشعابها!! ويبقى عمل الاستقطاب في أيدي أفراد من الجماعة السلفية التي صار تركيزها بعد تركيز السلطة على الاحياء المهمشة, على القرى النائية في جبال الريف والاطلس, والاقاليم الصحراوية. فالسلطات المغربية رغم توصلها لضلوع الزرقاوي وخلية ألمانيا في العملية, إلا أنها لم تحمل فرضية تكون خلايا من المهاجرين المغاربة بجدية إلا بعد تورط مهاجرين مغاربة في تفجيرات محطة قطار مدريد.
أما خطة العمل فترتكز على إستقطاب شباب مابين 18 إلى 25 سنة للجهاد ضد الامريكين في العراق حيث يتم تسهيل سفرهم بعد المرور بتدريب عسكري في الجزائر من خلال الجماعة المجاهدة, أو لبنان أو اليمن من خلال تأشيرة دراسية أو سياحة.

ويتبع ذلك التدريب فرز الاعضاء المرشحين لعمليات إنتحارية عن الاعضاء الجاهزين للعمليات العسكرية.

ومع المرور بتجربة العراق الذي يكون بمتابة ساحة ثانية للفرز, حيث يتم من خلال التجربة معرفة القيادين المرشحين لتكوين خلايا عند العودة لبلدانهم. وهنا يتم تحويل أولئك المرشحين لتدريب جديد لأساليب الاستقطاب والاتصال وكيفية التوصل بمبالغ مالية عند الضرورة القسوة
.

0 التعليقات:

إرسال تعليق