ملالاي جويا أصغر نائبة أفغانية تعرضت لـ5 محاولات اغتيال .. تروي لـ «الشرق الأوسط» كيف تعيش في بلادها كـ«الشبح» امرأة.. في مواجهة أمراء الحرب
أرادت أن تكون فلسطينية في أفغانستان. كانت تشاهد «أطفال الحجارة»، وتتساءل: لماذا لسنا من فلسطين؟ تقول إنها لم تعرف من بلادها إلا الحروب والاحتلال، وكل ما أرادته عندما كبرت أن ترفع صوتها في وجه أمراء الحرب و«أعداء» أفغانستان.
جرأتها هزت البرلمان الأفغاني، وصوتها الذي لا يعرف السكوت جلب عليها محاولة اغتيال بعد الأخرى.. ولكنها لا تزال مصرة على الكلام.
ملالاي جويا، النائبة الأصغر سنا التي دخلت البرلمان الأفغاني والتي لقبها الإعلام العالمي بـ«أشجع امرأة في أفغانستان»، باتت تعيش في بلادها كـ«الشبح»، بعد أن أقصيت من البرلمان في عام 2007 لوصفها المجلس النيابي بـ«حديقة الحيوانات» و«الإسطبل». تجول العالم اليوم لتسمع صوتها وتروج لكتابها الذي صدر مؤخرا، وتوصل رسالتها إلى آذان صانعي القرار: على قوات الناتو أن تخرج من أفغانستان.
لم تكن ملالاي جويا قد تخطت الرابعة والعشرين من العمر بعد، عندما لفتت أنظار العالم إليها، بتحديها كبار زعماء القبائل والقادة الأفغان في مجلس اللويا جيرغا، (مجلس موسع في أفغانستان يجتمع لبحث قضايا مهمة على الصعيد الوطني). حينها، وقفت بين أكثر من 500 مندوب من كافة أنحاء البلاد اجتمعوا للتصويت على الدستور الجديد في عام 2003، بعد أن قضت أياما تحاول إقناع رئيس اللجنة بإعطائها حق الكلام، واتهمت بعض زملائها في المجلس بأنهم «قتلة» و«مجرمون».
ملالاي جويا، النائبة الأصغر سنا التي دخلت البرلمان الأفغاني والتي لقبها الإعلام العالمي بـ«أشجع امرأة في أفغانستان»، باتت تعيش في بلادها كـ«الشبح»، بعد أن أقصيت من البرلمان في عام 2007 لوصفها المجلس النيابي بـ«حديقة الحيوانات» و«الإسطبل». تجول العالم اليوم لتسمع صوتها وتروج لكتابها الذي صدر مؤخرا، وتوصل رسالتها إلى آذان صانعي القرار: على قوات الناتو أن تخرج من أفغانستان.
لم تكن ملالاي جويا قد تخطت الرابعة والعشرين من العمر بعد، عندما لفتت أنظار العالم إليها، بتحديها كبار زعماء القبائل والقادة الأفغان في مجلس اللويا جيرغا، (مجلس موسع في أفغانستان يجتمع لبحث قضايا مهمة على الصعيد الوطني). حينها، وقفت بين أكثر من 500 مندوب من كافة أنحاء البلاد اجتمعوا للتصويت على الدستور الجديد في عام 2003، بعد أن قضت أياما تحاول إقناع رئيس اللجنة بإعطائها حق الكلام، واتهمت بعض زملائها في المجلس بأنهم «قتلة» و«مجرمون».
كانت تتحدث بصوت عالٍ وهي تحاول الوصول إلى المايكروفون المثبت لقامة أطول منها. وكانت منشغلة بتركيز حجابها الذي كاد يسقط عن رأسها، وهي تقف بين مئات الرجال الملتحين الذين يرمقونها بنظرات من الغضب... وتصرخ مطالبة بمحاكمة «المجرمين في المحاكم الدولية» عوضا عن السماح لهم بتقرير مصير البلاد.
كلماتها هزت المجلس.. صفق لها البعض، فيما علت أصوات «أمراء الحرب»، أصحاب اللحى البيضاء، يطالبون بإخراجها من القاعة... ويحاولون شق طريقهم إليها وهم يلوحون بأيديهم وأصابعهم. خرجت من المجلس محاطة بمن أيدها ولكن خشي أن يقول ما قالت... ومنذ ذلك الحين، حياتها لم تعد هي نفسها... تقول: «حياتي تغيرت بعد خطابي في عام 2003 عندما فضحت أمراء الحرب». باتت تعيش تحت حراسة أمنية مشددة، من 12 رجل أمن، يرافقونها أينما ذهبت في أفغانستان. بعد بضعة أيام قضتها بالاختباء، وساعدها عناصر في الأمم المتحدة، عادت إلى اللويا جيرغا... لكن بشكل مختلف. تقول عن ذلك في كتابها: «وصلت بعربة تابعة للأمم المتحدة، مصحوبة برجال أمن مفتولي العضلات لم أكن أعرفهم. وكانوا يتبعونني كيفما ذهبت».
ومع ذلك، لم تثبط المخاوف الأمنية من عزيمتها، فترشحت في عام 2005 للحصول على مقعد في البرلمان الأفغاني، وفازت لتمثل ولايتها فرح. إلا أنها لم تتمكن من قضاء ولايتها كاملة، إذ أقصيت بعد عامين عندما وجهت إليها اتهامات بـ«إهانة مؤسسة البرلمان».
عندما تتحدث، تبدو ملالاي في البداية خجولة. صوتها يكون ناعما خفيتا، ولكن النبرة تعلو رويدا رويدا كلما تحدثت أكثر عن سياسيي بلادها الذين لا تملّ من وصفهم بـ«المجرمين» و«الدمى» و«أمراء الحرب». عندما تكون داخل أفغانستان تلتحف البرقع من رأسها حتى أخمص قدميها... فقط لأنها الطريقة الأكثر أمنا للاختباء من عيون أعدائها. تقول: «أنا أتخفى بالبرقع، وأغير منزلي كل يوم تقريبا، وأعيش محاطة برجال الأمن دائما». ولكن متى ما غادرت أفغانستان تخلع البرقع، وترتدي أحيانا لباسا غربيا. وحتى إنها تكشف عن رأسها عندما لا تكون أمام مجموعات كبيرة.
عندما التقينا في نادي «فرونتلاين» للصحافيين في وسط لندن، كانت ملالاي ترتدي بذلة كحلية اللون مقلمة، وقميصا رياضيا أزرق، بلون السماء. شعرها أسود، ناعم طويل، كان مسدلا على كتفيها، من دون غطاء للرأس. وعلى سترتها، كانت ترتدي مشبكا كتب عليه: «لا للناتو». تقول إن الجميع يتحدث عن الحرب الأهلية التي ستندلع في أفغانستان إذا خرجت قوات الناتو، «ولكن لا أحد يتحدث عن الحرب الأهلية الحاصلة اليوم... نحن حاليا نقاتل عدوين، عدو خارجي وعدو داخلي».
عندما تتحدث عن الوضع في أفغانستان تبدو مليئة بالغضب، فهي لا تهاجم فقط أمراء الحرب ومعظم الطبقة السياسية في بلادها، بل أيضا من تسميهم «قوات الاحتلال»، أي قوات حلف شمالي الأطلسي. وعلى الرغم من أنها عاشت في بلادها تحت حكم «طالبان»، ووصفت في كتابها الوضع المأساوي لأفغانستان تحت حكمهم، فإنها اليوم تبدو مقتنعة أن الشعب الأفغاني كان سيصبح في وضع أفضل لو لم تدخل القوات الأميركية والبريطانية وحلفاؤهم إلى أفغانستان.
تنتقد دعم واشنطن للسياسيين «الدمى» و«للفاسدين والمجرمين»، عوضا عن دعم الأحرار والديمقراطيين. وتقول إن الوضع في أفغانستان يسوء يوما بعد يوم بسبب نفوذ هؤلاء الذي يكبر يوما بعد يوم.
في كتابها «إعلاء صوتي» الذي صدر عن دار «رايدر» التابعة لـ«راندوم هاوس غروب»، تروي ملالاي التي تبلغ من العمر اليوم 31 عاما، كيف أجبرت على ارتداء البرقع للمرة الأولى بعد أن عادت إلى بلادها قادمة من باكستان حيث قضت طفولتها في مخيم للاجئين، هربا من الاحتلال الروسي ومن ثم الحرب الأهلية. والدها كان يحارب مع المجاهدين ضد الاحتلال السوفياتي، وبعد تعرضه لحادث فقد ساقه خلاله اضطر إلى الهرب من أفغانستان، ولم تسمع عنه العائلة لسنوات، إلى أن وصلتها أخباره يوما، وتبين أنه يعيش لاجئا في إيران، فانضمت إليه. كانت ملالاي تبلغ من العمر أربع سنوات. عاشت العائلة لمدة أربع سنوات في إيران، معظمها في مخيم خونوك بيزغالا للاجئين. إلا أن غياب المدارس والتعليم هناك دفع والدها الذي كان مصرّا على تعليمها، إلى الانتقال بعائلته إلى باكستان حيث يمكن لابنته أن تلتحق بمدرسة أفغانية. هناك تلقت تعليمها، وعندما بلغت السادسة عشرة من العمر بدأت تعطي هي نفسها دروسا للكبار في السن من الأميين.
وتقول إنها قررت العودة إلى بلادها بعد وصول «طالبان» إلى الحكم لأنها أرادت أن تساعد شعبها في أفغانستان. تروي هنا كيف أن والدها وشقيقها بدآ بتربية لحيتيهما قبل الانطلاق برحلة العودة إلى أفغانستان، لأن «اللحية أيام (طالبان) كانت بمثابة تأشيرة الدخول إلى البلاد». وتتحدث أيضا كيف أجبرت على ارتداء البرقع للمرة الأولى، وتقول: «لم أحبه أبدا، ولا حتى قليلا. ليس فقط قمعيا ولكنه أيضا أصعب مما يتصور المرء. والدي كان يقول لي إنه كان بإمكانه التعرف علي من بين جموع من النساء يرتدين البرقع، بسبب طريقتي في المشي. كان يقول إنني أشبه البطريق... وتحت البرقع حرّ واختناق. الأمر الوحيد المفيد في ارتداء هذه الأثواب الزرقاء الطويلة أنه بإمكانك أن تخبئ الكتب تحتها والأشياء الأخرى الممنوعة».
وتروي أيضا قصة حول تناول المثلجات، وهو أمر كانت تستمع به كثيرا في السابق. وتقول إن تناول المثلجات من تحت البرقع كان تحديا، «كان عليك أن تمسك البرقع بيد والمثلجات بيد أخرى... وكان لا يزال هناك مقاعد أمام بائع المثلجات، ولكنها كانت فقط للرجال، والنساء كن يقفن في منطقة منفصلة، وكنّ مجبرات على إبقاء البرقع في أثناء تناول المثلجات».
ومما تروي أيضا عن تلك الفترة، قصة كان يتناقلها الأهالي تدل على مدى ترويع «طالبان» لهم. تقول إن عناصر من «طالبان» أوقفوا مرة عائلة كانت تنقل جثة ابنها لدفنه، وطالبوا بفتح الكفن لتفتيش الجثة. وعندما وجدوا أن الميت لم يكن ملتحيا استنتجوا أنه «كافر»، وقاموا بجلد الجثة علنا أمام أعين عائلته. وتروي أيضا الرعب الذي كانت تعيشه وهي تتنقل مساء بمفردها من دون حرم، عندما كانت تتأخر بالعودة من الملاجئ حيث كانت تعطي دروسا، إلى منزلها، محملة بالكتب المخبأة تحت البرقع... وهو ما يستحق عقوبة الموت بالنسبة إلى «طالبان». عندما سقط نظام «طالبان»، تقول ملالاي إن الأفغان فرحوا بالأمر في البداية، «لكن التطورات اللاحقة كانت مخيبة كثيرا بالنسبة إليهم». وتضيف: «أمراء الحرب الفاسدون كانوا في كل مكان، وحكم (طالبان) تم استبداله بحكم الخوف والفوضى». وبهذا قررت أن تستمر في تمردها، هذه المرة ضد أمراء الحرب الذين حلوا مكان «طالبان».
وعندما دخلت البرلمان في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2005، افتتحت كلامها بتقديم التعازي للشعب الأفغاني، فيما كان أعضاء البرلمان يتبادلون التهاني. ولكن بعد ثوان من بدء إلقاء كلمتها، قطع المايكروفون الذي كانت تتحدث فيه... وطوال عامين قضتهما في المجلس النيابي كان هذا الأمر يتكرر كلما أرادت أن تتحدث. تقول عن ذلك: «الأيام التي قضيتها في البرلمان كانت دائما مجهدة ووحيدة لأنني كنت دائما أتعرض للهجوم والإهانات، ولم يكن هناك أحد يريد أن يناقش القضايا الأساسية التي تؤثر على بلادنا. شعرت بضغط هائل لكي أتحدث باسم شعبي، ولكنني لم أُمنح الفرصة أبدا. أحيانا كنت أرفع البطاقة الحمراء اعترضا، أو حتى أخرج من الجلسة بقرف... كنت دائما أُسخّف وأُهان وأتعرض لتهديدات بالقتل من قبل أعضاء آخرين في المجلس».
بعد أقل من سنتين على جلوسها في البرلمان، كانت ملالاي تقوم بجولة في الولايات المتحدة، أعطت خلالها مقابلة لتلفزيون «أريانا» الأفغاني، قالت فيها إن استمرار البرلمان بالعمل على المنوال نفسه سيدفع بالناس إلى تسميته بـ«حديقة الحيوانات» أو «الإسطبل»... عندما عادت إلى أفغانستان كان النواب بانتظارها ليصوتوا لإقصائها من المجلس ومنعها من إكمال السنوات الخمس في البرلمان. لم تمنح حق الدفاع عن نفسها، ولم يسمح لها بالكلام قبل التصويت لإقصائها. كانت في منزلها تشاهد التصويت، ومعها الكثير من الصحافيين الذين كانوا ينتظرون ردة فعلها... فتوعدت بأنها لن توقف نضالها أبدا.
يبدو أن أكثر ما يزعج ملالاي بعد سقوط نظام «طالبان»، دعم الولايات المتحدة وحلفائها للأشخاص «الخطأ» في أفغانستان. تقول: «عليهم أن يدعموا العقول الديمقراطية في أفغانستان، ولدينا الكثير منهم، نحن لسنا فقط بلدا مليئا بالمتطرفين». لا تتردد في تشبيه من تدعوهم «الإرهابيين» مثل الملا عمر وغلب الدين حكمتيار، بأكثر القادة فاشية في التاريخ مثل بينوشيه وموسوليني وهتلر.
وعلى الرغم من أن الصورة التي رسمتها لأفغانستان في ظل حكم «طالبان» لا يمكن أن تبدو أكثر قتامة، فهي تصر اليوم على القول إن الأوضاع أسوأ مما كانت عليه حينها. تقول: «عندما كانت (طالبان) في السلطة، كانت ترتكب الجرائم بحق الشعب، ولكن على الأقل كنا نعرف أن من يرتكب هذه الجرائم هم أولئك الإرهابيون الجهلة المتخلفون، الذين يتمتعون بعقلية القرون الوسطى، ولكن الآن كل هذه الجرائم ترتكب باسم الديمقراطية».
وتضيف أن «الوضع الأمني اليوم متدهور جدا، ويتدهور أكثر يوما بعد يوم تحت عيون الجيوش الأميركية والبريطانية... حالات اغتصاب الفتيات لا تزال مرتفعة، وما زال النساء يعانين من هدر حقوقهن، وهناك أعداد كبيرة من الأهالي لا يزالون غير قادرين على تعليم أبنائهم...». تتحدث عن الفقر والبطالة والفساد، وتقول: «كابل تحولت إلى مدينة المتسولين واليتامى... حكومة كرزاي تلقت 10 مليارات دولار خلال السنوات السبع الماضية، ولكن هناك 10 مليارات شخص يعيشون بأقل من دولارين في اليوم، بحسب تقرير من الفاو. معظم هذه الأموال تذهب إلى جيوب أمراء الحرب».
تعتبر ملالاي أن المدنيين هم الضحايا الرئيسيون في هذه الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد «طالبان»، وتشير وهي تستند إلى إحصاءات صادرة عن منظمات إنسانية: «أقل من 2000 عنصر من (طالبان) قتلوا مقابل أكثر من 8 آلاف مدني بريء». وعلى الرغم من أنها تعترف بأن النساء تنفسن الصعداء قليلا بعد خروج «طالبان»، فإنها تصر على أن أوضاعهن لا تزال سيئة. تقول: «بعض النساء في المدن الكبيرة مثل كابل وهيرات ومزار الشريف، يستطعن أن يعملن ويتعلمن، ولكن حتى هؤلاء النساء معظمهن يرتدين البرقع... لأسباب أمنية. لا تزال هناك نساء يحرقن أنفسهن اليوم بسبب الظلم». وتضيف أن «هناك قوانين صدرت في البرلمان الحالي شبيهة بتلك التي كان يفرضها (طالبان)، مثل القانون الذي يمنع المرأة الشيعية من الخروج من دون إذن زوجها أو الذهاب إلى الطبيب أو الحصول على عمل. وحتى (الرئيس حميد) كرزاي وقع على هذا القانون... النساء السنّة والشيعة، كلهن لا حقوق لهن».
والقانون الذي تتحدث عنه ملالاي، هو قانون تنظيم الأحوال المدنية للشيعة، وهو ما يعرف بقانون «الاغتصاب داخل مؤسسة الزواج»، التسمية التي أطلقتها عليه الصحافة الغربية لأنه يجبر المرأة على الرضوخ لرغبات زوجها الجنسية في كل الأوقات، إلا في حال كانت مريضة أو في دورتها الشهرية. كما يحد القانون الذي طرحه محمد محسني، رجل الدين الذي يعتبر الزعيم الديني للشيعة، من حرية المرأة ويجبرها أن تطلب الإذن من زوجها قبل الخروج من المنزل. وقد صدق البرلمان على القانون ووقع عليه الرئيس كرزاي. وقيل إن كرزاي وقع عليه لأنه يريد أن يضمن أصوات الناخبين الشيعة في الانتخابات الرئاسية المقبلة في 20 أغسطس (آب)، وهو ما يمكن أن يرجح كفته.
كل هذه الأمور ترسخ القناعة لدى ملالاي بأن أفغانستان تستفيد أكثر من خروج الناتو، عوضا عن بقائها. فهي مقتنعة بأنه يستحيل «جلب السلام عبر الحرب». ولكنها مقابل ذلك فهي تعرف أن أفغانستان لن تقوم وحدها من دون مساعدة المجتمع الدولي. وتقول: «نحتاج إلى مساعدة صادقة، لا نريد احتلالا، نريد أن يساعدونا في مجالات التعليم والصحة». وتقول إن الأمم المتحدة يمكن أن تساعد الأفغان «عبر منع بلدان مثل إيران، أوزبكستان، باكستان، روسيا، من دعم (طالبان)». وعلى الرغم من أن الدول الغربية تستثمر في بناء المدارس والمستشفيات في أفغانستان، فإن ملالاي تعتبر أن ما تم تحقيقه غير كافٍ. تقول: «بنوا بعض المدارس في كابل والمدن الكبرى ولكن هذا غير كافٍ، فهم يبنون مدارس خاصة يرسل إليها فقط أبناء المسؤولين، ولكن معظم شعبي لا يمكنهم الذهاب إلى هذه المدارس. الأفغان يدرسون تحت الخيام في المقاطعات».
البديل الوحيد برأي ملالاي لوجود الناتو ومقاتلهم «طالبان»، هو انسحابهم «ودعم الديمقراطيين الأحرار في بلدنا وليس أمراء الحرب»، وتأمين التعليم للشعب الأفغاني لكي يتمكن من أخذ أموره بيده. وحتى الانتخابات الرئاسية المقبلة في أفغانستان التي من المفترض أن تجرى في الشهر المقبل، لن تغير شيئا لأن «الرئيس المقبل سيتم انتقاؤه خلف أبواب البنتاغون». تقول: «لا يهم من يصوت، بل من يعد الأصوات... هناك ديمقراطيون يترشحون ولكن لا يسمح لهم بالفوز، بل يتم استبدال دمية بدمية أخرى». وفي كل الأحوال فهي تعتبر أن جميع المرشحين، باستثناء الدكتور رمضان بشردوست، لا يتمتعون بمصداقية. وتصف الرئيس الحالي كرزاي بـ«الدمية» وتقول إنه «يخون شعبه». وحتى الانتخابات البرلمانية التي أوصلتها إلى المجلس النيابي، تقول ملالاي إنها لم تكن نزيهة، بل أوصلت «المافيا إلى السلطة». تقول: «كان هناك بعض الحظوظ لبعض الديمقراطيين أن يفوزوا، ولكن للأسف نحن أقلية». تنتقد النساء في البرلمان، اللاتي يبلغ عددهن 68 من أصل 248 نائبا، كما تنتقد الرجال. تقول: «معظمهن مثل الرجال الذين لا يعكسون التمثيل الصحيح للشعب، فهم يغشون ويعتمدون الأساليب نفسها... الجنس ليس مهما للأسف، فالجميع سواسية. النساء يدخلن البرلمان لكي يغششن المجتمع الدولي، ولديهن دور رمزي. النواب الديمقراطيون قلائل في البرلمان».
منذ أن بدأت ملالاي جويا ترفع صوتها في وجه الفساد في أفغانستان، تقول إنها تعرضت لخمس محاولات اغتيال على الأقل. «يهددونني دائما بالقتل... عبر الهاتف أو بطرق أخرى غير مباشرة. وحتى داخل البرلمان قال أحدهم: لقد أقصيناها ولكن هذا غير كاف، يجب أن نعاقبها بالكلاشينكوف... والسبب الرئيسي أنني ما زلت على قيد الحياة اليوم، هو بسبب مناصري».
تقضي أيامها بين أفغانستان والسفر إلى الخارج حيث يمكنها أن تُسمع صوتها، وقبل أن تغادر مؤخرا لكي تروج لكتابها قضت أربعة أشهر متتالية في أفغانستان. يؤلمها أن العالم ينظر إلى أفغانستان، وأول كلمة ترافق اسم بلادها: الإرهاب. تقول إن هذا ما دفعها لكتابة مذكراتها. «لدينا ناشطون بحقوق الإنسان ماتوا دفاعا عن مواقفهم، وليس لدينا فقط إرهابيون».
تعيش في بلادها مختبئة بالبرقع، وبين رجال الأمن الذين يرافقونها في كل تحركاتها. تعتمد على أقاربها ومؤيديها لاستقبالها في منازلهم، وأحيانا تغير مكان إقامتها 3 أو 4 مرات في الأسبوع. اسمها، ملالاي جويا، ليس اسمها الأصلي. فقد اختارت هذا الاسم بعد عودتها إلى أفغانستان في ظل حكم «طالبان» لكي تحمي عائلتها. لا تحب الحديث عن عائلتها؛ خوفا عليهم. تقول فقط إنهم يعيشون في أفغانستان، ولكن ليس في ولايتهم فرح.
حتى زوجها الذي ارتبطت به في عام 2005 قبل أشهر قليلة من فوزها بمقعد في البرلمان، يحيطه غموض كبير. تقول إنه عرف عندما ارتبط بها أن نضالها السياسي يأتي في الطليعة، وأنها قد تغتال في أي لحظة.. ومع ذلك تزوجها. يبقى معها أحيانا في منازل الأقرباء والأصدقاء... ولكن حياتهما لا تشبه أي حياة عادية للزوج وزوجته.
عندما تسألها إذا كانت تعيش بالخوف، تقول: «لا أخاف الموت، أخاف الصمت السياسي ضد الظلم. أقوم بواجباتي بقول الحقيقة، وأبذل جهدي لكي أبقى سالمة... فأنا ما زلت شابة وأتمتع بطاقة كبيرة».
كلماتها هزت المجلس.. صفق لها البعض، فيما علت أصوات «أمراء الحرب»، أصحاب اللحى البيضاء، يطالبون بإخراجها من القاعة... ويحاولون شق طريقهم إليها وهم يلوحون بأيديهم وأصابعهم. خرجت من المجلس محاطة بمن أيدها ولكن خشي أن يقول ما قالت... ومنذ ذلك الحين، حياتها لم تعد هي نفسها... تقول: «حياتي تغيرت بعد خطابي في عام 2003 عندما فضحت أمراء الحرب». باتت تعيش تحت حراسة أمنية مشددة، من 12 رجل أمن، يرافقونها أينما ذهبت في أفغانستان. بعد بضعة أيام قضتها بالاختباء، وساعدها عناصر في الأمم المتحدة، عادت إلى اللويا جيرغا... لكن بشكل مختلف. تقول عن ذلك في كتابها: «وصلت بعربة تابعة للأمم المتحدة، مصحوبة برجال أمن مفتولي العضلات لم أكن أعرفهم. وكانوا يتبعونني كيفما ذهبت».
ومع ذلك، لم تثبط المخاوف الأمنية من عزيمتها، فترشحت في عام 2005 للحصول على مقعد في البرلمان الأفغاني، وفازت لتمثل ولايتها فرح. إلا أنها لم تتمكن من قضاء ولايتها كاملة، إذ أقصيت بعد عامين عندما وجهت إليها اتهامات بـ«إهانة مؤسسة البرلمان».
عندما تتحدث، تبدو ملالاي في البداية خجولة. صوتها يكون ناعما خفيتا، ولكن النبرة تعلو رويدا رويدا كلما تحدثت أكثر عن سياسيي بلادها الذين لا تملّ من وصفهم بـ«المجرمين» و«الدمى» و«أمراء الحرب». عندما تكون داخل أفغانستان تلتحف البرقع من رأسها حتى أخمص قدميها... فقط لأنها الطريقة الأكثر أمنا للاختباء من عيون أعدائها. تقول: «أنا أتخفى بالبرقع، وأغير منزلي كل يوم تقريبا، وأعيش محاطة برجال الأمن دائما». ولكن متى ما غادرت أفغانستان تخلع البرقع، وترتدي أحيانا لباسا غربيا. وحتى إنها تكشف عن رأسها عندما لا تكون أمام مجموعات كبيرة.
عندما التقينا في نادي «فرونتلاين» للصحافيين في وسط لندن، كانت ملالاي ترتدي بذلة كحلية اللون مقلمة، وقميصا رياضيا أزرق، بلون السماء. شعرها أسود، ناعم طويل، كان مسدلا على كتفيها، من دون غطاء للرأس. وعلى سترتها، كانت ترتدي مشبكا كتب عليه: «لا للناتو». تقول إن الجميع يتحدث عن الحرب الأهلية التي ستندلع في أفغانستان إذا خرجت قوات الناتو، «ولكن لا أحد يتحدث عن الحرب الأهلية الحاصلة اليوم... نحن حاليا نقاتل عدوين، عدو خارجي وعدو داخلي».
عندما تتحدث عن الوضع في أفغانستان تبدو مليئة بالغضب، فهي لا تهاجم فقط أمراء الحرب ومعظم الطبقة السياسية في بلادها، بل أيضا من تسميهم «قوات الاحتلال»، أي قوات حلف شمالي الأطلسي. وعلى الرغم من أنها عاشت في بلادها تحت حكم «طالبان»، ووصفت في كتابها الوضع المأساوي لأفغانستان تحت حكمهم، فإنها اليوم تبدو مقتنعة أن الشعب الأفغاني كان سيصبح في وضع أفضل لو لم تدخل القوات الأميركية والبريطانية وحلفاؤهم إلى أفغانستان.
تنتقد دعم واشنطن للسياسيين «الدمى» و«للفاسدين والمجرمين»، عوضا عن دعم الأحرار والديمقراطيين. وتقول إن الوضع في أفغانستان يسوء يوما بعد يوم بسبب نفوذ هؤلاء الذي يكبر يوما بعد يوم.
في كتابها «إعلاء صوتي» الذي صدر عن دار «رايدر» التابعة لـ«راندوم هاوس غروب»، تروي ملالاي التي تبلغ من العمر اليوم 31 عاما، كيف أجبرت على ارتداء البرقع للمرة الأولى بعد أن عادت إلى بلادها قادمة من باكستان حيث قضت طفولتها في مخيم للاجئين، هربا من الاحتلال الروسي ومن ثم الحرب الأهلية. والدها كان يحارب مع المجاهدين ضد الاحتلال السوفياتي، وبعد تعرضه لحادث فقد ساقه خلاله اضطر إلى الهرب من أفغانستان، ولم تسمع عنه العائلة لسنوات، إلى أن وصلتها أخباره يوما، وتبين أنه يعيش لاجئا في إيران، فانضمت إليه. كانت ملالاي تبلغ من العمر أربع سنوات. عاشت العائلة لمدة أربع سنوات في إيران، معظمها في مخيم خونوك بيزغالا للاجئين. إلا أن غياب المدارس والتعليم هناك دفع والدها الذي كان مصرّا على تعليمها، إلى الانتقال بعائلته إلى باكستان حيث يمكن لابنته أن تلتحق بمدرسة أفغانية. هناك تلقت تعليمها، وعندما بلغت السادسة عشرة من العمر بدأت تعطي هي نفسها دروسا للكبار في السن من الأميين.
وتقول إنها قررت العودة إلى بلادها بعد وصول «طالبان» إلى الحكم لأنها أرادت أن تساعد شعبها في أفغانستان. تروي هنا كيف أن والدها وشقيقها بدآ بتربية لحيتيهما قبل الانطلاق برحلة العودة إلى أفغانستان، لأن «اللحية أيام (طالبان) كانت بمثابة تأشيرة الدخول إلى البلاد». وتتحدث أيضا كيف أجبرت على ارتداء البرقع للمرة الأولى، وتقول: «لم أحبه أبدا، ولا حتى قليلا. ليس فقط قمعيا ولكنه أيضا أصعب مما يتصور المرء. والدي كان يقول لي إنه كان بإمكانه التعرف علي من بين جموع من النساء يرتدين البرقع، بسبب طريقتي في المشي. كان يقول إنني أشبه البطريق... وتحت البرقع حرّ واختناق. الأمر الوحيد المفيد في ارتداء هذه الأثواب الزرقاء الطويلة أنه بإمكانك أن تخبئ الكتب تحتها والأشياء الأخرى الممنوعة».
وتروي أيضا قصة حول تناول المثلجات، وهو أمر كانت تستمع به كثيرا في السابق. وتقول إن تناول المثلجات من تحت البرقع كان تحديا، «كان عليك أن تمسك البرقع بيد والمثلجات بيد أخرى... وكان لا يزال هناك مقاعد أمام بائع المثلجات، ولكنها كانت فقط للرجال، والنساء كن يقفن في منطقة منفصلة، وكنّ مجبرات على إبقاء البرقع في أثناء تناول المثلجات».
ومما تروي أيضا عن تلك الفترة، قصة كان يتناقلها الأهالي تدل على مدى ترويع «طالبان» لهم. تقول إن عناصر من «طالبان» أوقفوا مرة عائلة كانت تنقل جثة ابنها لدفنه، وطالبوا بفتح الكفن لتفتيش الجثة. وعندما وجدوا أن الميت لم يكن ملتحيا استنتجوا أنه «كافر»، وقاموا بجلد الجثة علنا أمام أعين عائلته. وتروي أيضا الرعب الذي كانت تعيشه وهي تتنقل مساء بمفردها من دون حرم، عندما كانت تتأخر بالعودة من الملاجئ حيث كانت تعطي دروسا، إلى منزلها، محملة بالكتب المخبأة تحت البرقع... وهو ما يستحق عقوبة الموت بالنسبة إلى «طالبان». عندما سقط نظام «طالبان»، تقول ملالاي إن الأفغان فرحوا بالأمر في البداية، «لكن التطورات اللاحقة كانت مخيبة كثيرا بالنسبة إليهم». وتضيف: «أمراء الحرب الفاسدون كانوا في كل مكان، وحكم (طالبان) تم استبداله بحكم الخوف والفوضى». وبهذا قررت أن تستمر في تمردها، هذه المرة ضد أمراء الحرب الذين حلوا مكان «طالبان».
وعندما دخلت البرلمان في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2005، افتتحت كلامها بتقديم التعازي للشعب الأفغاني، فيما كان أعضاء البرلمان يتبادلون التهاني. ولكن بعد ثوان من بدء إلقاء كلمتها، قطع المايكروفون الذي كانت تتحدث فيه... وطوال عامين قضتهما في المجلس النيابي كان هذا الأمر يتكرر كلما أرادت أن تتحدث. تقول عن ذلك: «الأيام التي قضيتها في البرلمان كانت دائما مجهدة ووحيدة لأنني كنت دائما أتعرض للهجوم والإهانات، ولم يكن هناك أحد يريد أن يناقش القضايا الأساسية التي تؤثر على بلادنا. شعرت بضغط هائل لكي أتحدث باسم شعبي، ولكنني لم أُمنح الفرصة أبدا. أحيانا كنت أرفع البطاقة الحمراء اعترضا، أو حتى أخرج من الجلسة بقرف... كنت دائما أُسخّف وأُهان وأتعرض لتهديدات بالقتل من قبل أعضاء آخرين في المجلس».
بعد أقل من سنتين على جلوسها في البرلمان، كانت ملالاي تقوم بجولة في الولايات المتحدة، أعطت خلالها مقابلة لتلفزيون «أريانا» الأفغاني، قالت فيها إن استمرار البرلمان بالعمل على المنوال نفسه سيدفع بالناس إلى تسميته بـ«حديقة الحيوانات» أو «الإسطبل»... عندما عادت إلى أفغانستان كان النواب بانتظارها ليصوتوا لإقصائها من المجلس ومنعها من إكمال السنوات الخمس في البرلمان. لم تمنح حق الدفاع عن نفسها، ولم يسمح لها بالكلام قبل التصويت لإقصائها. كانت في منزلها تشاهد التصويت، ومعها الكثير من الصحافيين الذين كانوا ينتظرون ردة فعلها... فتوعدت بأنها لن توقف نضالها أبدا.
يبدو أن أكثر ما يزعج ملالاي بعد سقوط نظام «طالبان»، دعم الولايات المتحدة وحلفائها للأشخاص «الخطأ» في أفغانستان. تقول: «عليهم أن يدعموا العقول الديمقراطية في أفغانستان، ولدينا الكثير منهم، نحن لسنا فقط بلدا مليئا بالمتطرفين». لا تتردد في تشبيه من تدعوهم «الإرهابيين» مثل الملا عمر وغلب الدين حكمتيار، بأكثر القادة فاشية في التاريخ مثل بينوشيه وموسوليني وهتلر.
وعلى الرغم من أن الصورة التي رسمتها لأفغانستان في ظل حكم «طالبان» لا يمكن أن تبدو أكثر قتامة، فهي تصر اليوم على القول إن الأوضاع أسوأ مما كانت عليه حينها. تقول: «عندما كانت (طالبان) في السلطة، كانت ترتكب الجرائم بحق الشعب، ولكن على الأقل كنا نعرف أن من يرتكب هذه الجرائم هم أولئك الإرهابيون الجهلة المتخلفون، الذين يتمتعون بعقلية القرون الوسطى، ولكن الآن كل هذه الجرائم ترتكب باسم الديمقراطية».
وتضيف أن «الوضع الأمني اليوم متدهور جدا، ويتدهور أكثر يوما بعد يوم تحت عيون الجيوش الأميركية والبريطانية... حالات اغتصاب الفتيات لا تزال مرتفعة، وما زال النساء يعانين من هدر حقوقهن، وهناك أعداد كبيرة من الأهالي لا يزالون غير قادرين على تعليم أبنائهم...». تتحدث عن الفقر والبطالة والفساد، وتقول: «كابل تحولت إلى مدينة المتسولين واليتامى... حكومة كرزاي تلقت 10 مليارات دولار خلال السنوات السبع الماضية، ولكن هناك 10 مليارات شخص يعيشون بأقل من دولارين في اليوم، بحسب تقرير من الفاو. معظم هذه الأموال تذهب إلى جيوب أمراء الحرب».
تعتبر ملالاي أن المدنيين هم الضحايا الرئيسيون في هذه الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد «طالبان»، وتشير وهي تستند إلى إحصاءات صادرة عن منظمات إنسانية: «أقل من 2000 عنصر من (طالبان) قتلوا مقابل أكثر من 8 آلاف مدني بريء». وعلى الرغم من أنها تعترف بأن النساء تنفسن الصعداء قليلا بعد خروج «طالبان»، فإنها تصر على أن أوضاعهن لا تزال سيئة. تقول: «بعض النساء في المدن الكبيرة مثل كابل وهيرات ومزار الشريف، يستطعن أن يعملن ويتعلمن، ولكن حتى هؤلاء النساء معظمهن يرتدين البرقع... لأسباب أمنية. لا تزال هناك نساء يحرقن أنفسهن اليوم بسبب الظلم». وتضيف أن «هناك قوانين صدرت في البرلمان الحالي شبيهة بتلك التي كان يفرضها (طالبان)، مثل القانون الذي يمنع المرأة الشيعية من الخروج من دون إذن زوجها أو الذهاب إلى الطبيب أو الحصول على عمل. وحتى (الرئيس حميد) كرزاي وقع على هذا القانون... النساء السنّة والشيعة، كلهن لا حقوق لهن».
والقانون الذي تتحدث عنه ملالاي، هو قانون تنظيم الأحوال المدنية للشيعة، وهو ما يعرف بقانون «الاغتصاب داخل مؤسسة الزواج»، التسمية التي أطلقتها عليه الصحافة الغربية لأنه يجبر المرأة على الرضوخ لرغبات زوجها الجنسية في كل الأوقات، إلا في حال كانت مريضة أو في دورتها الشهرية. كما يحد القانون الذي طرحه محمد محسني، رجل الدين الذي يعتبر الزعيم الديني للشيعة، من حرية المرأة ويجبرها أن تطلب الإذن من زوجها قبل الخروج من المنزل. وقد صدق البرلمان على القانون ووقع عليه الرئيس كرزاي. وقيل إن كرزاي وقع عليه لأنه يريد أن يضمن أصوات الناخبين الشيعة في الانتخابات الرئاسية المقبلة في 20 أغسطس (آب)، وهو ما يمكن أن يرجح كفته.
كل هذه الأمور ترسخ القناعة لدى ملالاي بأن أفغانستان تستفيد أكثر من خروج الناتو، عوضا عن بقائها. فهي مقتنعة بأنه يستحيل «جلب السلام عبر الحرب». ولكنها مقابل ذلك فهي تعرف أن أفغانستان لن تقوم وحدها من دون مساعدة المجتمع الدولي. وتقول: «نحتاج إلى مساعدة صادقة، لا نريد احتلالا، نريد أن يساعدونا في مجالات التعليم والصحة». وتقول إن الأمم المتحدة يمكن أن تساعد الأفغان «عبر منع بلدان مثل إيران، أوزبكستان، باكستان، روسيا، من دعم (طالبان)». وعلى الرغم من أن الدول الغربية تستثمر في بناء المدارس والمستشفيات في أفغانستان، فإن ملالاي تعتبر أن ما تم تحقيقه غير كافٍ. تقول: «بنوا بعض المدارس في كابل والمدن الكبرى ولكن هذا غير كافٍ، فهم يبنون مدارس خاصة يرسل إليها فقط أبناء المسؤولين، ولكن معظم شعبي لا يمكنهم الذهاب إلى هذه المدارس. الأفغان يدرسون تحت الخيام في المقاطعات».
البديل الوحيد برأي ملالاي لوجود الناتو ومقاتلهم «طالبان»، هو انسحابهم «ودعم الديمقراطيين الأحرار في بلدنا وليس أمراء الحرب»، وتأمين التعليم للشعب الأفغاني لكي يتمكن من أخذ أموره بيده. وحتى الانتخابات الرئاسية المقبلة في أفغانستان التي من المفترض أن تجرى في الشهر المقبل، لن تغير شيئا لأن «الرئيس المقبل سيتم انتقاؤه خلف أبواب البنتاغون». تقول: «لا يهم من يصوت، بل من يعد الأصوات... هناك ديمقراطيون يترشحون ولكن لا يسمح لهم بالفوز، بل يتم استبدال دمية بدمية أخرى». وفي كل الأحوال فهي تعتبر أن جميع المرشحين، باستثناء الدكتور رمضان بشردوست، لا يتمتعون بمصداقية. وتصف الرئيس الحالي كرزاي بـ«الدمية» وتقول إنه «يخون شعبه». وحتى الانتخابات البرلمانية التي أوصلتها إلى المجلس النيابي، تقول ملالاي إنها لم تكن نزيهة، بل أوصلت «المافيا إلى السلطة». تقول: «كان هناك بعض الحظوظ لبعض الديمقراطيين أن يفوزوا، ولكن للأسف نحن أقلية». تنتقد النساء في البرلمان، اللاتي يبلغ عددهن 68 من أصل 248 نائبا، كما تنتقد الرجال. تقول: «معظمهن مثل الرجال الذين لا يعكسون التمثيل الصحيح للشعب، فهم يغشون ويعتمدون الأساليب نفسها... الجنس ليس مهما للأسف، فالجميع سواسية. النساء يدخلن البرلمان لكي يغششن المجتمع الدولي، ولديهن دور رمزي. النواب الديمقراطيون قلائل في البرلمان».
منذ أن بدأت ملالاي جويا ترفع صوتها في وجه الفساد في أفغانستان، تقول إنها تعرضت لخمس محاولات اغتيال على الأقل. «يهددونني دائما بالقتل... عبر الهاتف أو بطرق أخرى غير مباشرة. وحتى داخل البرلمان قال أحدهم: لقد أقصيناها ولكن هذا غير كاف، يجب أن نعاقبها بالكلاشينكوف... والسبب الرئيسي أنني ما زلت على قيد الحياة اليوم، هو بسبب مناصري».
تقضي أيامها بين أفغانستان والسفر إلى الخارج حيث يمكنها أن تُسمع صوتها، وقبل أن تغادر مؤخرا لكي تروج لكتابها قضت أربعة أشهر متتالية في أفغانستان. يؤلمها أن العالم ينظر إلى أفغانستان، وأول كلمة ترافق اسم بلادها: الإرهاب. تقول إن هذا ما دفعها لكتابة مذكراتها. «لدينا ناشطون بحقوق الإنسان ماتوا دفاعا عن مواقفهم، وليس لدينا فقط إرهابيون».
تعيش في بلادها مختبئة بالبرقع، وبين رجال الأمن الذين يرافقونها في كل تحركاتها. تعتمد على أقاربها ومؤيديها لاستقبالها في منازلهم، وأحيانا تغير مكان إقامتها 3 أو 4 مرات في الأسبوع. اسمها، ملالاي جويا، ليس اسمها الأصلي. فقد اختارت هذا الاسم بعد عودتها إلى أفغانستان في ظل حكم «طالبان» لكي تحمي عائلتها. لا تحب الحديث عن عائلتها؛ خوفا عليهم. تقول فقط إنهم يعيشون في أفغانستان، ولكن ليس في ولايتهم فرح.
حتى زوجها الذي ارتبطت به في عام 2005 قبل أشهر قليلة من فوزها بمقعد في البرلمان، يحيطه غموض كبير. تقول إنه عرف عندما ارتبط بها أن نضالها السياسي يأتي في الطليعة، وأنها قد تغتال في أي لحظة.. ومع ذلك تزوجها. يبقى معها أحيانا في منازل الأقرباء والأصدقاء... ولكن حياتهما لا تشبه أي حياة عادية للزوج وزوجته.
عندما تسألها إذا كانت تعيش بالخوف، تقول: «لا أخاف الموت، أخاف الصمت السياسي ضد الظلم. أقوم بواجباتي بقول الحقيقة، وأبذل جهدي لكي أبقى سالمة... فأنا ما زلت شابة وأتمتع بطاقة كبيرة».
الشرق الاوسط
0 التعليقات:
إرسال تعليق