المقدمة
في منتصف آب/أغسطس 2009، قامت قوات الأمن التابعة لحكومة «حماس» في قطاع غزة، جنباً إلى جنب مع أعضاء من كتائب عز الدين القسام، بمداهمة مسجد مرتبط بواعظ سلفي جهادي1 واشتبكت في معارك طويلة مع أتباعه. وأسفرت الإشتباكات عن مقتل 24 شخصاً وإصابة 130 آخرين بجراح، في أعقاب خطبة صلاة الجمعة من قبل الشيخ عبد اللطيف موسى الذي أدان حكومة «حماس» وأعلن إنشاء "إمارة إسلامية" في قطاع غزة. وندد "تنظيم «القاعدة» في العراق" من على موقعه على شبكة الإنترنت بالهجوم التي قامت به «حماس»، داعياً الله "الإنتقام لدماء الرجال المقتولين وتدمير دولة «حماس»"2. وتسلط هذه الحادثة الضوء على وجود جماعات سلفية جهادية في قطاع غزة تدور مع أفكار تنظيم «القاعدة»، ولكنها لم تنتسب بعد وبصورة رسمية إلى «التنظيم»، فضلاً عن قيام توتر بين هذه الجماعات وحركة «حماس»، وهي منظمة إسلامية عنيفة وتنظيم وطني فلسطيني في آن واحد.
وفي الواقع، إن احتلال الصراع الفلسطيني مكانة بارزة في الآلة الدعائية لتنظيم «القاعدة» يتناقض بشدة مع عدم وجود دور له في عمليات «القاعدة» الفعلية: فلم يقيم تنظيم «القاعدة» فرعاً محلياً في بلاد المشرق العربي، أو يقبل في صفوفه أي من الجهاديين في المنطقة الذين هم راديكاليين على النطاق المحلي، لكنهم يميلون إلى القيام [بعملياتهم الإرهابية] على الصعيد العالمي3. وفي حين تدعي العديد من الجماعات الفلسطينية، ومعظمها في قطاع غزة، بأنها تابعة لتنظيم «القاعدة»، إلا أنه ليس لدى أي منها أكثر من وصلات عرضية -- إن كانت فردية أو لغرض ما بالذات -- تربطها مع الحركة الجهادية العالمية بقيادة أسامة بن لادن.
السلفية الجهادية داخل المجتمع الفلسطيني
إن التطرف داخل المجتمع الفلسطيني ليس جديداً، وهو الأمر بالنسبة لإستخدام الأيديولوجيات المتطرفة، من الماركسية إلى الإسلاموية، من أجل دفع الفلسطينيين من النشاط السياسي إلى النشاط العنيف. إن التطور الجديد هو أن بعض الفلسطينيين المتطرفين يختارون ممارسة العنف، ليس عن طريق الإنضمام إلى جماعات فلسطينية قائمة مثل «حماس» و"الجهاد الإسلامي في فلسطين"، أو "كتائب شهداء الأقصى"، ولكن من خلال الجماعات السلفية الجهادية التي تطمح أن تكون جزءاً من الجهاد العالمي لتنظيم «القاعدة». وتَعتبر الإيديولوجية السلفية الجهادية أن الجهاد المتشدد هو واجب ديني يقع على قدم المساواة مع الركائز الخمس التقليدية للإسلام، ويهدف إلى إقامة دولة إسلامية عبر الحدود الوطنية.
وقد شرع الفلسطينيون المتطرفون، على الأغلب، بإجراء اتصالات مع تنظيم «القاعدة»، بدلاً من قيام الأخير بهذه المبادرة. ومع ذلك، ليس هناك جدال بأن الفكرة السلفية الجهادية والعقيدة الجهادية العالمية التي يروجها تنظيم «القاعدة» يتم تقبلها من جانب الفلسطينيين بشكل متزايد في الضفة الغربية وقطاع غزة. وعلى حد قول أحد المراقبين الأوروبيين الذي يعيش بين الفلسطينيين، تعرض المجتمع الفلسطيني لـ "عملية معجلة لأسلمة المجتمع وتطرفه"4. إن تنظيم «القاعدة» هو حقاً منظمة عالمية تتمتع بشبكة توعية تعمل على نظاق عالمي. وفي حين أن معظم المنظمات الإرهابية الفلسطينية هي مجموعات وطنية -- أو إسلامية وطنية كما هو الحال مع حركة «حماس» -- وتركز عملياتها على القضية الفلسطينية الإسرائيلية، يعالج تنظيم «القاعدة» جدول أعمال وأيديولوجية أوسع نطاقاً، ليس باسم جنسية معينة، ولكن باسم الأمة الإسلامية.
وعموماً، ظهر التطرف السلفي في الضفة الغربية "من خلال الصيغة البسيطة نسبياً المتمثلة بالوعظ، والتعليم، وإقامة مجموعات من المصلين المتحمسين، والتنظيم الذاتي لهؤلاء المتعبدين في وقت لاحق"5. وقد كافحت حركة «حماس» في قطاع غزة بين موازنة هويتها الجهادية الخاصة والتزامها بـ "المقاومة" العنيفة مع حاجتها لممارسة سلطات الحكم في القطاع وبسط سيطرتها عليه. ونتيجة لذلك، انفصل بعض الإيديولوجيين المتطرفين والمتشددين من نشطاء «حماس» عن المنظمة وانضموا إلى الجماعات السلفية الجهادية التي تتبنى "مقاومة خالصة"، وأدانوا حتى وقف إطلاق النار أو الهدنة المؤقتة مع إسرائيل ودعوا إلى التنفيذ الفوري للشريعة الإسلامية في قطاع غزة.
وفي حين لدى حركة «حماس» وجماعات جهادية أخرى في قطاع غزة رغبة في تدمير إسرائيل وفرض الشريعة الإسلامية، تركز حركة «حماس» على المصالح الفلسطينية المحلية. ولذلك فإنها توجه طاقتها إلى حد كبير ضد إسرائيل، في حين تستهدف الفئات السلفية الجهادية الأجانب أيضاً. وهذا هو السبب، عندما وافقت «حماس» على "التهدئة"، في القتال مع إسرائيل في حزيران/يونيو 2008، فإن بعض أعضاء هذه الجماعات كانوا متحفزين على وجه الخصوص لمواصلة الهجمات. وينتسب [نفس] الأعضاء إلى العديد من الجماعات الجهادية السلفية في غزة، وبصورة عامة، إن هذه المجموعات صغيرة، وقد انضمت معاً في تحالفات فضفاضة.
وتؤيد مجموعات متنوعة من الجماعات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة إيديولوجية تنظيم «القاعدة» وتدعي بأن لها نوع من الإرتباط مع التنظيم. وتشمل هذه "تنظيم جحافل التوحيد والجهاد"، و "جيش القدس الإسلامي"، و "مجموعة جلجلات"، و "تنظيم جند الله الفلسطيني"، و "جند أنصار الله"، و "تنظيم قاعدة الجهاد ولاية فلسطين"، و "حركة فتح الإسلام في فلسطين"، و "عصبة الأنصار في فلسطين"، و "جماعة جيش الأمة"، و "جماعة جيش الإسلام". وقد ظهر العديد من هذه المنظمات لأول مرة في صفوف الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة في منتصف العقد الأول من القرن الحالي. وعلى الرغم من أن هذه المجموعات كانت قد ركزت أنشطتها في البداية على المنتديات الإلكترونية، سرعان ما ترجمت تلك الجهود [إلى أرض الواقع] وقامت بشن هجمات على أهداف إسرائيلية، وعلى أهداف غربية في وقت لاحق، وتنفيذ عمليات عنيفة لتخليص غزة من "الفساد" والمؤسسات "غير الإسلامية". فعلى سبيل المثال، ركزت «جماعة سيوف الحق الإسلامية» هجماتها على المؤسسات والناس الواقعين تحت تأثير غربي في غزة، وهم بصورة أساسية من أعضاء وسائل الإعلام والنساء.
بإمكان كل جماعة من هذه الجماعات السلفية الجهادية أن تفخر بأن أعضاءها لا يزيدون على بضع عشرات من المتشددين، وأحياناً يتم تعزيزهم من قبل حفنة من المقاتلين الأجانب، وعلى الأخص من المصريين الذين يحسنون كثيراً من قدرات الجماعات، والتي هي على خلاف ذلك ضعيفة. وليس لأياً من هذه المجموعات، على ما يبدو، روابط تنظيمية أو تنفيذية مع تنظيم «القاعدة» وقيادته، وهذا ما يثير السخرية، نظراً للتركيز المألوف لأسامة بن لادن وأيمن الظواهري على القضايا الفلسطينية بصورة علنية.
وقد حظي الوجود السلفي الجهادي في قطاع غزة أيضاً إلى دعم من المقاتلين الأجانب الذين دخلوا غزة للترويج لإيديولوجيتهم والقيام بهجمات إرهابية. ووفقاً لمسؤولين إسرائيليين، دخل بضع عشرات من الأجانب إلى غزة من مصر وشبه الجزيرة العربية (خاصة من اليمن)، وفرنسا، وبلجيكا، وأماكن أخرى في أوروبا وانضموا إلى الجماعات السلفية الجهادية. ويُعتقد أن البعض هم مقاتلون متمرسون جاؤوا لتوفير التدريب، والبعض الآخر يبدو أنهم قدموا لكي يتدربوا ويتمرسوا الجهاد. ويقدر مسؤولون أن العدد الإجمالي للمقاتلين يتراوح ما بين ثلاثين وخمسين مقاتلاً، وأياً منهم ليس ناشطاً فعلياً في تنظيم «القاعدة». ويميل المقاتلون الأجانب في قطاع غزة أن يكونوا، مع بعض الاستثناءات، إما من العرب المسلمين في أماكن أخرى من الشرق الأوسط أو من الذين اعتنقوا الإسلام في المدة الأخيرة من الدول الغربية، وخصوصاً من أوروبا، والذين يدخلون قطاع غزة بعد دراستهم في المراكز الدينية في الشرق الأوسط.6
إن بعض الجماعات السلفية الجهادية الأصغر حجماً في قطاع غزة، والكثير منها جماعات في الإسم فقط، ليس لها صلة بتنظيم «القاعدة» بعيداً تصورها المعلن عن إقامة خلافة إسلامية يحكمها الإلتزام الصارم بالشريعة الإسلامية. وقد اقتصرت هجمات هذه المجموعات الصغيرة على إسرائيل والمنظمات "غير الإسلامية" في قطاع غزة، لأن معظمها تفتقر إلى أي قدرة للقيام بعمليات أكبر حجماً. وتركز الكثير منها على القيام بعمليات في قطاع غزة، ولكنها تربط تهديداتها وهجماتها بالقضايا العالمية. فعلى سبيل المثال، هددت «جماعة سيوف الحق الإسلامية» بشن هجمات على عدة كنائس رداً على الرسوم الساخرة للنبي محمد التي نشرت في الدنمارك وعلى بيانات أدلى بها البابا بأن المنظمة تعتبر معادية للإسلام 7. إن هذا النوع من الدافع العالمي وراء شن هجمات محلية يعكس تحول «جماعة سيوف الحق الإسلامية» من كونها إسلامية وطنية إلى [قيامها بتبني] الإيديولوجية العابرة للحدود الوطنية التي تميز الكثير من المجموعات الجهادية السلفية في قطاع غزة، التي تربط قضيتها المحلية بصورة فعالة مع [الحملة] العالمية للدفاع عن الإسلام والتي كانت قد وُصفت بالإسلاموية "العالمية المحلية" أو Islamism«glocal».8
وتتميز ثلاث جماعات سلفية جهادية في قطاع غزة عن غيرها من ناحية الحجم والتنظيم والقدرة التشغيلية وهي: "جماعة جيش الأمة" و"جماعة جيش الإسلام"، و"جند أنصار الله". ومن الواضح أن هذه هي الأكثر شراسة من بين الجماعات السلفية الجهادية في غزة -- والتي وُصفت بالإسلاموية "العالمية المحلية" -- التي تدور مع أفكار تنظيم «القاعدة».
احتمالات تشكيل مجموعة باسم 'تنظيم «القاعدة» في فلسطين'
بما أن الجماعات التي تدور مع أفكار تنظيم «القاعدة» تهدد سلطة «حماس»، ليس من المفاجئ أن تقوم «الحركة» بتضييق الخناق على هذه المنظمات. ومع ذلك، فإن الظاهرة اللافتة للنظر هي أن هذه الجماعات قد فشلت حتى الآن في الإرتباط مع تنظيم «القاعدة» بصورة رسمية أكثر، نظراً للكراهية التي أظهرها «القاعدة» مؤخراً تجاه «حماس» وتاريخها المتمثل بدمج الصراعات المحلية في حملتها الجهادية العالمية. ويشير البعض إلى ان تنظيم «القاعدة» لا يزال غير مقتنع، ليس فقط من المعطيات الجهادية لحركة «حماس»، وإنما أيضاً من الإلتزامات السلفية لجماعات مثل "جماعة جيش الإسلام"، الذي يُعرف زعيمها، ممتاز دغمش، بصورة أفضل عن طريق ماضيه الجنائي أكثر من أن يُعرف بسبب تعصبه الديني. وعلى حد قول أحد المحللين، "ممتاز دغمش يتظاهر الآن [بالتقوى]، لكنه لا يزال مجرماً"9. وقد يكون لتنظيم «القاعدة» أيضاً مخاوف بشأن قابلية بقاء واستمرار مثل هذه المجموعات على القيام بعملياتها، ويمكن للمرء أن يفترض بأن «التنظيم» ينتظر بفارغ الصبر حتى تتمكن هذه الجماعات من إثبات نفسها قبل قبولها إلى صفوف «القاعدة».10
وبالفعل، يبدو أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو النزاع الأكثر أهمية من الناحية المنطقية من بين جميع النزاعات المحلية التي يريد أن يسيطر عليها تنظيم «القاعدة» في نطاق حملته العالمية. فبما أن هذا الصراع يعج بالرمزية الدينية ورمزية الإحتلال على حد سواء، من قبل دولة غير عربية وغير إسلامية مدعومة من الغرب، يمكن أن يُنظر إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني كـ "جهاد قريب" يستهدف حكومة محلية "ناضجة" للتحول إلى منصة لـ "جهاد بعيد" يستهدف الولايات المتحدة والغرب. بيد، لم يقم بعد تنظيم «القاعدة» بتغيير أهمية العمليات التي يقوم بها بحيث تصبح محاربة إسرائيل أولوية، كما لم تنتشر بعد الفكرة السلفية الجهادية التي يلتزمها «التنظيم»، بين أعداد كبيرة من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وفي الواقع، إن آفاق تشكيل مجموعة تنتسب لتنظيم «القاعدة» في هذه المنطقة وتدور مع أفكاره بصورة حقيقية، لا تزال غير محتملة لعدة أسباب. لقد عانى الفلسطينيون الذين يعيشون جنباً إلى جنب مع إسرائيل من الإحتلال، ولكنهم شهدوا أيضاً عن كثب المزايا التي يتمتع بها الإسرائيليون الذين يعيشون في مجتمع معتدل ومزدهر وديمقراطي. ولا تريد الغالبية العظمى من الفلسطينيين أن تتم عولمة قضيتهم من قبل تنظيم «القاعدة» أو أي جماعة أخرى؛ إنهم يريدون سيادة وازدهار اقتصادي، والسيطرة على حياتهم الخاصة بحيث تكون مستقلة عن السلطات الإسرائيلية.
وعلاوة على ذلك، لا يحتاج أولئك الفلسطينيون الحريصون على المشاركة في الجهاد وفقاً لعقيدة إسلامية متشددة، إلى السفر بعيداً أو التقصي والعمل طويلاً بحثاً عن فرص؛ فليس هناك نقصاً في الجماعات الجهادية للإنضمام إليها ولا قلة في الأهداف الإسرائيلية لضربها. وفي الواقع، فإن معظم الهجمات التي نفذت حتى الآن من قبل المتطرفين في الضفة الغربية أو من قبل الجماعات السلفية الجهادية في قطاع غزة كانت قد استهدفت إسرائيل، وليس الولايات المتحدة أو أهداف غربية أخرى. وبالنسبة لغالبية الفلسطينيين الملتزمين بالمقاومة العنيفة (سواء عن طريق الإرهاب أو العنف السياسي، أو غير ذلك من نشاطات المتشددين)، فإن قضيتهم، إن وجدت، هي وطنية أولاً ودينية ثانية. وعلاوة على ذلك، فإن الجماعات الجهادية المحلية و «حماس» بصورة خاصة، بوصفها المجموعة التي تتمتع بالسلطة في غزة، كانت قد برهنت كراهيتها للمنظمات السلفية الجهادية التي قد تسعى إلى انتهاك أراضيها أو تحدي سلطتها. إن وجود الجهاد المحلي منذ أمد بعيد يمنع تنظيم «القاعدة» من الحصول على موطيء قدم طبيعي في الضفة الغربية أو قطاع غزة، حيث يرى معظم الناس أن الصراع مع إسرائيل هو وطني في المقام الأول. وعلاوة على ذلك، إن الأجهزة الأمنية التابعة لإسرائيل والسلطة الفلسطينية هي المهيمنة في الضفة الغربية، وفي غزة تسيطر «حماس» بقوة على الحكم. وحتى بين الإسلاميين الفلسطينيين، بمن فيهم أولئك في «حماس»، فإن القيام بتصوير النزاع على أنه نضال أكبر ضد أعداء الإسلام ومن أجل الدفاع عن الأمة، سيكون له صدى فقط طالما يبقى مركزاً على القضية الفلسطينية.
إلا أن إمكانية حدوث المزيد من التطرف الإسلامي ونمو الحركة السلفية الجهادية في المجتمع الفلسطيني لا تزال قائمة. وعلى الرغم من الخلافات الإيديولوجية لحركة «حماس» مع قادة تنظيم «القاعدة» وحملتها العنيفة لتضييق الخناق على السلفيين الجهاديين في غزة، خلقت حملة التطرف التي قامت بها نقطة انطلاق مثالية لحدوث المزيد من التطرف. فعندما يتم وصف المفجرين الإنتحاريين بأنهم قدوة للآخرين، فما هي إلا خطوة صغيرة على طريق التطرف لكي يقال إن مثل هذا السلوك جدير بالثناء، ليس فقط في بعض الحملات الجهادية، ولكن في جميعها. وقد أثبت تنظيم «القاعدة» في مصر وأماكن أخرى كثيرة بأنه له القدرة على تحويل الناس من "الجهاد القريب" إلى "الجهاد البعيد". وفي كثير من الأحيان لم توضح حركة «حماس» نفسها الخطوط الفاصلة بينها وبين الحملات الجهادية لتنظيم «القاعدة»، وقد تجلى ذلك بقيامها [بطبع] ملصقات تحمل صور شخصيات من «حماس» و«القاعدة» على حد سواء و [نشر] خطب يلقيها واعظون تابعون لحركة «حماس» يصفون فيها الولايات المتحدة والغرب بالشياطين.11
الخاتمة
من المرجح أن يستمر الإرهاب الذي يدور مع أفكار تنظيم «القاعدة» في إظهار نفسه على فترات متقطعة بين العرب الإسرائيليين والعرب في الضفة الغربية عن طريق أفراد أصبحوا راديكاليين في أعقاب سفرهم إلى الخارج أو عن طريق الإنترنت، على الرغم بأنه بإمكان وكالات الاستخبارات ومؤسسات إنفاذ القانون أن تراقب عن كثب محاولات تجنيد الإرهابيين بصفة عامة والعناصر السلفية الجهادية بصفة خاصة، بين العرب الإسرائيليين والعرب في الضفة الغربية. وتخلق قدرة العرب في الضفة الغربية على السفر والدراسة في الخارج فرصاً للتطرف والتجنيد خارج البلاد، ولكن المجتمع المدني القوي والمتنامي نسبياً القائم في المنطقة، يجعل قابلية تطور الجماعات السلفية الجهادية المنظمة أقل احتمالاً. وفي حين بإمكان حتى خلايا صغيرة أو ذئاب وحيدة القيام بهجمات إرهابية كبيرة، إلا أنه يتم العمل على تقليل التهديد من خلال وجود قوي [لمؤسسات] مكافحة الإرهاب. ومع ذلك، فإن قطاع غزة هو قصة أخرى.
إن انخراط حركة «حماس» في غزة في السياسة العلمانية وفشلها في جعل الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً لنظام المؤسسات في القطاع، وقيامها بتضييق الخناق على رفاقها الفلسطينيين الذين يقومون بمهاجمة إسرائيل أو يهددون حكم «حماس» في غزة، قد خلق فراغاً كانت الجماعات السلفية الجهادية حريصة على ملئه؛ وكثيراً ما ينضم نشطاء «حماس» الساخطين إلى هذه الجماعات السلفية الجهادية. وحتى مع ذلك، يقدَّر عدد الأعضاء المنتمين إلى الجماعات السلفية الجهادية في غزة بمئات قليلة من الأفراد.
ويرى البعض أن وجود مجموعات تدور مع أفكار تنظيم «القاعدة» في غزة يعني أن حركة «حماس» لم تعد الخيار الأسوأ، وانه يتعين على إسرائيل التعامل مع «حماس» دون شروط مسبقة لئلا يسيطر تنظيم «القاعدة» على غزة. وفي الواقع، لا تشكل هذه المجموعات أي تهديد سياسي حقيقي على حركة «حماس» في غزة أو لحركة «فتح» في الضفة الغربية، لإفتقارها لأعداد كبيرة [من الأعضاء] والدعم الشعبي. وبعد كل هذا، فإن المجموعات التي تدور مع أفكار تنظيم «القاعدة» في قطاع غزة "تفكر بصورة كبيرة" وتتآمر بشكل منتظم للقيام بهجمات واسعة النطاق، مثل التسلل إلى إسرائيل بالشاحنات المفخخة.12 وتجد «حماس» صعوبة في فرض سيطرتها على هذه المجموعات التي شُكلت حديثاً، والتي غالباً ما تجتذب أعضاء «حماس» سابقين إلى صفوفها وتعتبر العمليات الأخيرة التي قامت بها «حماس» ضد إسرائيل غير كافية. وعلاوة على ذلك، يمكن تعزيز قدراتها إذا قامت أعداد أكبر من المقاتلين الأجانب بالدخول إلى قطاع غزة أو إذا عاد الفلسطينيون الذين قاتلوا في الخارج إلى غزة. وفي عام 2005، في أعقاب انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، ورد أن عدد الأجانب الذين دخلوا غزة من مصر قد زاد بصورة كبيرة.13 وفي عام 2009، ظهرت تقارير بأن بعض الأفراد الذين سافروا إلى العراق لمحاربة القوات الأمريكية قد تحولوا منذ ذلك الحين إلى قطاع غزة. وفي حين أنهم ليسوا بالضرورة مرتبطين بتنظيم «القاعدة» نفسه، فهم يعملون في قطاع غزة "في إطار المنظمات المتطرفة التي تم تحديد ارتباطها مع 'الجهاد في جميع أنحاء العالم'"14. ويعبر مسؤولو وزارة الدفاع الإسرائيلية عن قلقهم من ازدياد هذا التدفق إلى قطاع غزة مع مغادرة القوات الأمريكية من العراق.15 ويقال أن بعض المقاتلين الأجانب من أوروبا "يأتون مع بطاقات الائتمان الخاصة بهم"، وقاموا بتمويل الأنشطة الجهادية أثناء وجودهم في غزة.16
ولا يزال المسؤولون الإسرائيليون يركزون على الخلايا المارقة التي تفلت من المجموعات [ذات الطابع] الرسمي وعلى خلايا صغيرة من المتطرفين المنظمين ذاتياً الذين يعملون خارج نطاق المجموعات القائمة، سواء في غزة أو الضفة الغربية. ويقول أحد المسؤولين الإسرائيليين، "إن ما يثير القلق"، هو أن "خلايا مارقة وأفراد من حركة «حماس» المقربين من تنظيم «القاعدة»" سيقومون بنفسهم بشن هجمات [ضد إسرائيل].17
وعلى المدى القريب، يعتقد خبراء إسرائيليون أنه في حين لم يغير تنظيم «القاعدة» تركيزه المتعلق بالقيام بعمليات تنفيذية تستهدف إسرائيل، فإن التهديد من وقوع هجمات من قبل الجماعات السلفية الجهادية المحلية في قطاع غزة ومن المنتسبين لتنظيم «القاعدة» لا يزال خطيراً. وكما حدث في أزمة الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية، بإمكان تنظيم «القاعدة» الإستفادة بسهولة من الأحداث المحلية لتشجيع جماعات محلية أو [كيانات] إقليمية تابعة لها بالتركيز على شن هجمات ضد إسرائيل. وبالنسبة لتنظيم «القاعدة» سيكون القيام بهجوم لا يلعب فيه «التنظيم» سوى دور الملهم، نتيجة مثالية في هذا المجال. ومن بين المنتسبين إلى تنظيم «القاعدة»، يركز المحللون بشكل خاص على "تنظيم «القاعدة» في المغرب الإسلامي"، الذي مقره في شمال أفريقيا، نظراً لقدرته على التواصل مع النشطاء المسلمين الأوروبيين والفلسطينيين ووجود عدد كبير من الأهداف اليهودية والإسرائيلية في أوروبا.18
إن عدم وجود "حضور ذو مغزى" لتنظيم «القاعدة» على الساحة الفلسطينية، هو واقع قابل للتغير. وإذا ما واجه «التنظيم» ضغوطاً، بإمكانه أن يسعى إلى تعزيز صورته عن طريق تركيزه ليس فقط على خطاباته المعادية لإسرائيل بل على عملياته ضدها أيضاً في محاولة لإمتلاك زمام المبادرة المتعلقة بالقضية الفلسطينية الإنفعالية. وفي النهاية، قد تقوم فروع إقليمية مثل "تنظيم «القاعدة» في المغرب الإسلامي" بتنفيذ هجمات ناجحة على أهداف إسرائيلية في الخارج، وستكون مدعومة بالخطابات المتواصلة ضد إسرائيل من قبل تنظيم «القاعدة» الأم. بالإضافة إلى ذلك، بإمكان الجماعات السلفية الجهادية المحلية في قطاع غزة رمي نفسها إلى مركز الصدارة وطلب اهتمام القيادة الأساسية لتنظيم «القاعدة» عن طريق القيام بهجوم واحد ناجح يكبد خسائر فادحة أو يستهدف شخصية دولية كبرى. وعلى حد تعبير أحد كبار أعضاء 'مجموعة جلجلات'، "لم يقم تنظيم «القاعدة» حتى الآن برعاية عملنا. نحن في انتظار القيام بعملية جهادية كبيرة تكرس للشيخ أسامة بن لادن. ومع ذلك، فإن مسيرتنا وعقيدتنا مماثلتان لتلك التي يقوم بها تنظيم «القاعدة». وإذا طلب منا تنظيم «القاعدة» إعلان البيعة له، نحن مستعدون تماماً لذلك".19
يورام كوهين و ما ثيو ليفيت مع بيكا واسر
معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى, 12 كانون الثاني/يناير 2010
______________________________________________
1. كان هذا إلى حد كبير نتاج الحرب الأفغانية ضد الاتحاد السوفياتي، وقد اقتبست الأيديولوجية السلفية الجهادية من التزمت والمبادئ الجهادية لمنظر الإخوان المسلمين سيد قطب. وهي تجاهر بالرأي بأنه "يجب على المسلمين أن يقوموا بصورة نشطة بشن الجهاد (المحدد بشكله العدواني) ضد كل الكفار والمرتدين حتى يمكن إقامة دولة إسلامية على أكبر مساحات ممكنة من الأراضي". انظر عساف مقدم، عولمة الإستشهاد: تنظيم «القاعدة»، الجهاد السلفي، وإنتشار الهجمات الانتحارية (بالتيمور : مطبعة جامعة جونز هوبكنز، 2008)، ص 100.
2. مركز معلومات المخابرات والإرهاب، "الصراع بين «حماس» والشبكات السلفية الجهادية في قطاع غزة متصل بالجهاد العالمي"، 4 تشرين الأول/أكتوبر، 2009، http://www.terrorism-info.org.il/malam_multimedia/English/eng_n/pdf/hamas_e084.pdf
3. نفذ تنظيم «القاعدة»عدداً صغيراً من الهجمات استهدفت أهدافاً إسرائيلية أو يهودية، ولكن هذه كانت على نطاق صغير وفاتر. وبالنسبة لمجموعة قامت بتنفيذ هجمات مثيرة تنطوي على تخطيط متطور في جميع أنحاء العالم، فإن سجل تنظيم «القاعدة» الذي يستهدف إسرائيل هو زهيد بشكل ملحوظ. ولإجراء مناقشة كاملة حوا هذا الموضوع، انظر ماثيو ليفيت في صفحات رأي ومقالات "إسرائيل كهدف لتنظيم «القاعدة»: فرز الخطابات من الأمر الواقع"، 'سي تي سي سنتينيل', 29 تشرين الأول/أكتوبر 2009، http://arabic.washingtoninstitute.org/templateC06.php?CID=1218&portal=ar
4. مقابلة ليفيت مع دبلوماسي أوروبي، القدس الشرقية، 10 أيلول/سبتمبر 2008.
5. جوناثان سباير "التطرف الذاتي"، غلوبال بوليتيشن، 3 آب/أغسطس 2008، http://www.globalpolitician.com/25080-arabs
6. مقابلة ليفيت مع مسؤولين إسرائيليين، تل أبيب، أيلول/سبتمبر 2009.
7. بي بي سي للرصد، وكالة معاً الإخبارية، "جماعة إسلامية تعلن مسؤوليتها عن الهجوم على مكتب قناة العربية في غزة"، 25 كانون الثاني/يناير، 2007.
8. مارتن كريمر، "«حماس»: الإسلاموية 'العالمية المحلية'"، في سباق إيران من أجل التفوق الإقليمي: الإنعكاسات الأستراتيجية على الشرق الأوسط (القدس: مركز القدس للشؤون العامة، 2008)، ص. 68-73، http://www.jcpa.org/text/iran2-june08.pdf.
9. مقابلة ليفيت مع مسؤول من المخابرات الإسرائيلية، تل أبيب، أيلول/سبتمبر 2008.
10. لاحظ، على سبيل المثال، أنه حتى بعد الحرب التي خاضها "فتح الإسلام" مع القوات المسلحة اللبنانية، فإنه لم يكن موضع ترحيب باعتباره منتسباً إلى تنطيم «القاعدة»؛ هذا وكان شاكر العبسي، وهو جهادي متصلب قاتل في العراق، هو الذي شكل "فتح الإسلام".
11. ماثيو ليفيت، "«حماس»: السياسة، والإحسان، والإرهاب في خدمة الجهاد" (نيو هيفن: مطبعة جامعة ييل، 2006).
12. مقابلة ليفيت مع مسؤولين في الإستخبارات الإسرائيلية، تل أبيب، أيلول/سبتمبر 2008.
13. مقابلة ليفيت مع مسؤول إسرائيلي، واشنطن العاصمة، أيار/مايو 2009.
14. عاموس هاريل، "الإرهابيون الذين حاربوا الولايات المتحدة في العراق يمضون قدماً إلى قطاع غزة"، هآرتس، 11 آب/أغسطس، 2009، http://www.haaretz.com/hasen/spages/1106689.html
15. المرجع نفسه.
16. مقابلة ليفيت مع مسؤولين في الإستخبارات الإسرائيلية، تل أبيب، أيلول/سبتمبر 2008.
17. مقابلة ليفيت مع مسؤول أمني إسرائيلي، واشنطن العاصمة، شباط/فبراير 2005.
18. مقابلة ليفيت مع مسؤولين في الإستخبارات الإسرائيلية، تل أبيب، أيلول/سبتمبر 2009.
19. حسن جبر، "مجموعة 'جلجلات' تنتظر لتنفيذ عملية كبيرة تهدى إلى بن لادن"، صحيفة الأيام، 11 تموز/يوليو 2009، تم الحصول عليها من "صحيفة فلسطينية مؤيدة لفتح نشرت لمحة مختصرة عن مجموعة 'جلجلات' في قطاع غزة"، بي بي سي الإذاعية العالمية للرصد، 13 تموز/يوليو 2009
0 التعليقات:
إرسال تعليق