كان الشاب القابع خلف القضبان يبتسم، وهو امر غريب، إذ كان هشام محمد عاصم يمثل امام محكمة امن الدولة اليمنية بتهمة عقوبتها الاعدام.
فهشام، البالغ من العمر 19 عاما، متهم بقتل مقاول فرنسي واصابة زميله البريطاني بجروح في صنعاء في السادس من الشهر الماضي.
ويقول الادعاء إن هشام اعترف بأنه قتل الفرنسي بعد ان تأثر بخطب وفتاوى انور العولقي احد زعماء تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، والمتشدد الشهير الذي اهدر الرئيس الامريكي باراك اوباما دمه رغم حمله الجنسية الامريكية.
ويحاكم العولقي وقريب له في نفس القضية، ولكن غيابيا إذ انهما هاربان ويعتقد انهما يختبئان في احدة مناطق اليمن النائية.
تبعت هشام محمد عاصم الى خارج المحكمة بعد الجلسة، وتمكنت من التحدث اليه بعد ان اودع زنزانة اخرى.
نفى هشام التهم الموجهة اليه نفيا قاطعا، ووصف تنظيم القاعدة "بالمدمر" وقال إنه اعترف بسبب التعذيب الذي مورس بحقه.
وادعى هشام بأنه كان على خصومة مع الفرنسي القتيل الذي كان يعمل لحسابه بصفة حارس، الا انه اكد بأنه انما كان ينوي تخويفه لا قتله.
وقال هشام إنه كان يبتسم في المحكمة لأن المحاكمة كلها عبارة عن مهزلة، وقال: "إنها مهزلة وليست محكمة. ان القرار جاهز، فهي مسرحية بطلها المدعي العام ومخرجها القاضي. لا يريدون سوى ارضاء الغرب."
لا اعلم ما اذا كان الادعاء محق فيما يخص الجرائم المنسوبة الى هشام، ام ما اذا كان هشام يقول الحقيقة.
تهديدات متعددة
ولكن يبدو واضحا ان المحاكمة تخدم هدفا سياسيا اكبر بالنسبة للسلطات اليمنية. ولم يفت الكثير من اليمنيين ان الاعلان عنها جاء بعد العثور على قنبلتين ارسلتا عن طريق الجو على شكل طردين من اليمن.
فالنظام الذي يترأسه الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، الذي احرج احراجا كبيرا بسبب قضية الطرود الملغومة، يفعل كل ما في وسعه للبرهنة على انه بدأ يتحرك جديا ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي كان قد ادعى مسؤوليته عن ارسال الطردين.
ومن الجدير ذكره ان اليمن بدأ يعتمل في اذهان الساسة الغربيين منذ قام الكيني عمر فاروق عبدالمطلب - وهو شاب آخر يقال إنه تتلمذ على يد انور العولقي - بمحاولته الشهيرة لتفجير طائرة امريكية فوق مدينة ديترويت بالولايات المتحدة في عيد الميلاد الماضي.
فقد زاد الامريكيون من حجم المساعدات العسكرية والتنموية التي يقدمونها لليمن، كما نشطت طائراتهم بدو طيار بتعقب عناصر القاعدة في اليمن واغتيالهم بالصواريخ التي قد تصيب اهدافها او قد تصيب المدنيين الابرياء.
ولذا ينظر الكثير من اليمنيين الى محاكمة هشام والعولقي والشخص الثالث بوصفها رد من الرئيس صالح على الضغوط الغربية التي يتعرض لها للتحرك ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي يبدي ثقة متزايدة.
وكان صالح قد جاء الى الحكم عام 1978، وتمكن من الاحتفاظ به منذ ذاك لأنه يعرف بأن حكم اليمن يتطلب مهارة عالية وقدرة كبيرة على المناورة حيث انه يحتاج الى دعم اكبر عدد ممكن من القبائل ليتمكن من الاستمرار في الحكم.
اما العنصر الجديد الذي دخل الى الساحة اليمنية هذه السنة فهو يتمثل في الدول الغربية القلقة من تزايد نفوذ تنظيم القاعدة وقيامه بالتخطيط لعمليات تنفذ خارج اليمن. إن هذا التدخل الغربي يزيد المشهد المعقد تعقيدا.
فالغرب يريد من الرئيس صالح ان يجعل محاربة تنظيم القاعدة اولويته الامنية الاولى، وبالفعل وصلت الى صنعاء فرق امنية امريكية وبريطانية لجمع المعلومات واسداء النصيحة.
ولكن القاعدة ليست الهم الامني الاكبر ولا الوحيد بالنسبة للنظام اليمني، فهو يقاتل ايضا حركة الحوثيين المسلحة في الشمال والانفصاليين في الجنوب.
واذا اخذنا تصرف الرئيس صالح في الماضي بالاعتبار، نرى انه يعير اهتماما اكبر بالمعارضة الداخلية بوصفها تهديدا لنظامه مما يعيره لتنظيم القاعدة.
وبينما يقول الدبلوماسيون الغربيون إنهم ينجحون في اقناع الرئيس صالح بأن القاعدة تهدد نظامه، من الممكن جدا ان يكون الرئيس اليمني يقول ما يريد ان يسمعه الغرب بأمل الحصول على المزيد من المعونات والاسلحة.
التنمية كحل
وجود القاعدة في اليمن هو سبب الاهتمام الغربي بهذا البلد، ولكن مشاكل اليمن تتعدى القاعدة بكثير.
فاليمن افقر الدول العربية، والثروة النفطية المتواضعة التي كانت تضع فيها آمالها آيلة للنضوب. وتعاني البلاد من جهاز حكومي ينخره الفساد ومن نسبة امية هي من بين الاعلى في العالم.
ويعاني اليمن من شح في فرص العمل والموارد المائية، وعدد سكانه يرتفع بسرعة دون ان تكون لديه الموارد الكافية لاطعامهم.
وتعتبر عادة مضغ القات المنتشرة انتشارا كبيرا في اليمن من اسباب شح الموارد الطبيعية، إذ تتطلب زراعته الموارد المائية الضئيلة التي يتوفر عليها البلد اضافة الى الاراضي الزراعية التي يمكن استغلالها لزراعة الغذاء.
وكانت الآمال معلقة على قطاع السياحة، ولكن الظروف الامنية السيئة والاختطافات تمنع الاجانب من المجيء الى هذه الارض الجميلة والوعرة.
وتعترف الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما من الدول الغربية ان التنمية يجب ان تكون جزءا من الحل لمشاكل اليمن، فهم يعترفون بأن التعامل مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب - وهو تنظيم لا يتعدى عدد افراده المئات في احسن الاحوال - بالحديد والنار لن يجدي نفعا بل قد يزيد الوضع سوءا.
يقول دبلوماسي غربي في صنعاء: "إن ثمانين بالمئة من المعركة ضد القاعدة هي معركة افكار، فلا يمكنك الاعتماد على القتل لحل المشكلة."
ولكن هذه القناعة تصطدم بعامل الوقت. فلو نجحت هجمات انطلاقا من اليمن، سيكون من الصعب تذكر التنمية واهميتها.
فالتنمية تحتاج الى الوقت، والزعماء الغربيون الذين يريدون ان يبدون وكأنهم يدافعون عن شعوبهم لا يتمتعون عادة بالصبر.
bbc arabic
0 التعليقات:
إرسال تعليق