إذا إستوعبنا جيدا خطورة الجماعات السرية الدينية المنظمة, يمكن أن نتوقع وقت خروجها إلى السطح.. فقوتها تكمن في إتساع رقعة أتباعها عبر هجرتهم وإستمرار دعوتهم في المهجر بشكل منظم وهادئ يبدو للجميع أنه مجرد نشاط ديني لمجموعة من المؤمنين بمذهب ما, لكن حين ترتبط تلك الطوائف بهدف ما فمن العقل أن تتابع نشاطتها بشيء من الحذر, وذلك إنطلاقا من تجربة أتباع القاعدة التي كانت سياسية قادتها المتسرعة لخروجها للسطح ما عجل نهاية فكرة الدولة التي خطط لها مند نشأة طالبان, لكن إنتشار فكرها وأيديولوجيتها عبر أتباعها في كل مكان في العالم جعل منها قوة إرهابية قادرة على خلط الاوراق وتعطيل الاقتصادات الثابثة في الوقت التي تحدده, فحين إستطاعت عولمة فكرها الارهابي رغم رفض غالبية الناس في كل مكان لفكرها وتنظيمها, ومع ذلك نجحت في كل مرة في تصنيع أتباع مستعدين لخدمة فكرها وأهدافها, وأستطاعت مفجأة الاجهزة الامنية في كل مرة بعمليات تفجيرية في فترات الاستنفار الامني أكثر من مرة.
لكن تبقى خطورة القاعدة أقل من خطورة الطوائف الاثنى عشرية الشيعية, فهذه الاخيرة لها إستراتجية بدأتها مند قرون بتكوين دولة قوية الموارد والاتباع ذاخل دول أخرى في شكل تنظيمي يشبه سياسيا النظام الفدرالي ودينيا يقترب من نظام الفاتيكان في عصوره الذهبية, ومن الطبيعي أن يغلب لدى تلك الجماعات الانتماء العقائدي على الوطني وكذلك لدى الجميع بصفة عامة بإعتبار العقيدة أيا كان نوعها وشكلها إن كانت سماوية أو وثنية أو إلحادية, مايشكل الهوية الحقيقية لكل شخص والمحفز الاول لمشاعره.
فالسؤال الذي يجب أن نطرحه للإجابة, إذا كانت علامة ظهور المسيح في الكتب السماوية مايحفز المتطرفين في كل مكان للتحرك دفاعا عن معتقدهم إن كانوا يهود أو مسحيين أومسلمين بإعتبارنا في الالفية الثالثة التي أتفق عليها أتباع الثلاثة أنها بداية زمن ظهور المسيح والمهدي المنتظر , فماالذي يمنع تلك الجماعات السرية من الظهور إلى السطح بإعتبار عقيدتهم قامت على تلك النبوءة المتكررة عبر التاريخ مند نشأة الدولة الفاطمية؟!!
أم أننا على موعد مستقبلا لإستقبال منظمة أكثر خطورة من القاعدة يتقدمها شخص يؤكد أتباعه أنه المهدي المنتظر, مع أنه لبد لمخيلتنا أن تنشط أمام هذا المشهد.. فهذه المرة لن نكون أمام عناصر منبوذة من دولها وأسرها ومجتمعها كما هو الشأن مع عناصر القاعدة, ولكن سنجدنا أمام شعب من الاتباع, برجاله ونسائه مشتت في كل أرجاء العالم يحمل قضية تنشّأ على الايمان بها وإنتظار ساعة الصفر للوفاء بعهد أجداده في تحقيقها ونصرتها وإلا أعتبر كافرا بمعتقده وخسر نصيبه في الجنة التي وعد بها أنصار الامام المنتظر.
فبمتابعتنا لقضية أتباع أنصار الحوثي الذي أدعى النبوة في اليمن (وهي طائفة على مستوى اليمن, وليست لها ذيول عالمية كالطوائف الاثنى عشرية الاخرى) نكون قد اقتربنا من الصورة أكثر, فنحن جميعا ونعني بذلك من لاينتمي إلى الطائفة سنكون بنظرهم أتباع المسيخ الدجال!! أي أن قتلنا مايمنح أولئك الاتباع الجنة, مع العلم أن أتباع تلك الجماعة لم تستطع محاولات العديد من الاطراف تغير قناعتهم بأن حسين بدر الحوثي ليس بالمهدي المنتظر!!
وكأنهم في حالة جنون نصفي, مع أن الجهود التي بدلتها اليمن في تغير معتقدات عناصر تنظيم القاعدة قد نجحت بالحوار في إصلاح المخزون المعرفي الديني لديهم..
وذلك لإقتناعهم أن كل المعتقدات القديمة قد تغيرت بوحي إلهي لنبيهم حسين بدر الدين الحوثي مستندا على الايتين الكريمتين (38-39) من سورة الرعد والذي يأتي ترتيبها 13 في سور القرآن الكريم ( ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية, وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب. يمحوالله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب). وهنا نلاحظ بروز العدد 13 كرقم مقدس لدى هذه الجماعات مثله مثل العدد 18 وقد كانت هذه الارقام بعينها أرقام التواصل لدى جماعة جند اليمن التي أعلنت مسؤوليتها عن عدد من العمليات الارهابية في العام الماضي!!
مع العلم أيضا أنه حسب الحسبة الدمياطية.. 13 = 4 و 18 = 9 !! وسأدع للمهتمين تنشيط ذاكرتهم حول ما يعنيه الرقم4 لدى تنظيم القاعدة لجزيرة العرب, ولمزيد من المساعدة يوصى الرجوع لبيانتهم المصورة!!
ففي 10ربيع الاول الموافق 18 مارس 2008 تم ضرب مدرسة بنات مجاورة لسلفارة الامريكية بثلاثة قذائف هاون..في 13ربيع الاول الموافق ل21 مارس 2008 أعلنت جماعة جند السماء مسؤليتها عن العملية!!
علما أنه في 13 ماي 2009 الموافق 18 جمادة أعلنت القاعدة انضمامها للحراك الجنوبي!!
الشيء المثير للاهتمام في سيرة جماعة الحوثي, أن زعيمهم الذي قتل في غارة للجيش اليمني على مخبئه في صعدة (وهذا شيء يرفض أتباعه تصديقة, حيث يؤكدون أنه لايزال حيا ويشارك في معاركهم, ويؤكد أحدهم أن سيده النبي الحسين الحوثي ظهر فجأة في احد المعارك ودمر أمام عينه دبابة جيش بقواه الخارقة!!), رحل قبل نشر دعوته إلى السودان لتلقي المعارف الروحانية وأسرار الطريقة الصوفية..
وتفيد شهادة بعض أسر تلك العناصر التي أنظمت إلى جماعة الحوثي قبل سنة 2004 ومنحوا عفوا رئاسي بعد مقتل الحوثي, أنهم كانوا يميلون إلى العزلة وكأنهم في عالم سري خاص بهم, وتجلس عيونهم جامدة طوال الوقت في نقطة معينة ثم تتغير إلى أخرى دون أن يتخلوا عن سلاحهم الشخصي وكأنهم ينتظرون ساعة معينة للتحرك, وكان ذلك حيث غادروا منازلهم فجأة والتحقوا بأنصار الشقيق الاصغر لحسين الحوثي, عبد الملك الحوثي الذي صار التنظيم في عهده مقسما تنظيميا إلى زعيم روحي يمثله هو, وزعيم عسكري يمثله مهدي شويان وهذا يذكرنا بالهيكل التنظيمي الثاني لجماعة حسن الصباح.
ويلاحظ من خلال تمركز المدارس الدينية للشباب المؤمن (التي انطلق منها تنظيم الحوثي) في منطقة صعدة والتي تتميز بوعورة تضاريسها الجبلية وقربها من الحدود السعودية وتحدها على الجهة الاخرى منطقة عمران التي يتمركز بها الوهابيون أنه خطط مسبقا لخلق تنظيم إثنى عشري وإعلان ظهور المتنبي حسين بدر الدين الحوثي وليس كما يتحجج مؤسسوا التنظيم أن الموضوع بدأ في سنة 1999 (ومكثوا في كهفهم ثلاثة مئة سنين وازدادوا تسعة) بعد الخلاف والانقسام الذي نشأ بين كوادر تنظيم الشباب المؤمن وبدر الدين الحوثي بسبب إسراره على تقديس الموروث وعدم التوسع في المنهج, والتي أخدت حدتها حين أدخل بدر الدين الحوثي الاب, تعديلات في مناهج أصول الفقه حيث أضاف 13 نقطة تناقض قواعد المذهب الزيدي.
ومانقله شهود عيان حظروا عمليات القبض على بعض عناصر الحوثي في صعدة, فحين تم تفتيشهم وجدوا بحوزتهم كميات من المخدرات للاستعمال الشخصي وحروز في شكل جداول بإسم الامام لتحميهم حسب إعتقادهم من رصاص أتباع المسيخ الدجال المتمثلين في رجال الامن!!
وهنا نرى أن هذا النوع من التنظيمات ينشأ للتوظيف الذاخلي, حيث يمثل العدو في كل شيء يمثل السلطة وفي المواطنين الذين يرفضون فكرهم والتعاون معهم, فهي ترتكز في صراعها على شيئين :
أولا إختيارها الجيد لمركز عملياتها عبر التمركز في مناطق جبلية ذات تضاريس صعبة حيث يصعب حسم المعارك عسكريا معها إلا إذا تم توظيف سكان تلك المناطق لخبرتهم بتضاريسها الصعبة وأماكنها الاستراتجية.
ثانيا تعتمد الترهيب للسيطرة على مناطقها بتوظيف الاغتيالات لشخصيات قوية إجتماعيا أو سياسيا.
والشيء الذي يجب أن لا يغفل عنا هو أن ظهور هذه الجماعات ليس متوقعا في المجتمعات الشيعية والزيدية فقط وإنما في المجتمعات السنية أيضا لأنها تبنى على أفكار وممارسات وثنية, فيسهل ظهورها في المجتمعات التي تحتضن الصوفية أو تتعاطف مع كل ما يغلف بالدين. كالسودان والصومال والمغرب والسنيغال وليبيا وموريتانيا وتونس وتركيا وسوريا والبحرين وقطر والكويت. فهذه البلدان مرشحة لظهور هذا النوع من الجماعات لكن تحت غطاء تنظيمي كتنظيم القاعدة, إستعدادا لترحيلهم إلى مكان تجمع ستكشف عنه الاحداث القادمة, كما حدث مع المجندين المرحلين إلى العراق.
0 التعليقات:
إرسال تعليق