كيف تصير الارقام جزءً من معتقد؟

الأرقام المقدسة

لقد تعرف الانسان على الارقام مند بداية حياته على البسيطة, وكان لها أهمية كبيرة في حياته اليومية مند أن تطور للعيش ذاخل مجموعات صار يحكم تحركاتها وإحتياجاتها القلة والكثرة, إن كان في الصيد أو الحرب أو الانجاب وغيرها من الامور التي ترتبط بغرائزه ورغباته, فتكاثر الافراد في قبيلته يعني القوة والامان, وتكاثر الطرائد والنبات من حوله يعني الاستقرار, وفهم كذلك أن السلطة تبدأ بالتميز, ولكي يحوزها عليه إمتلاك عدد أكبر من الاشياء دون الاخرين.

وصار يدرك أن لكل شيء منطقا عددي, بتكرار الفصول وإستعابه لما تحمل من تغيرات تأثر على مصادر عيشه, فخلق بذلك جدولا زمنيا ربطه بالسماء التي تتحكم في عواطفه حين تمطر وحين تبخل عنها وبنجومها والشمس والقمر, فكان يرى في تحركها لغة إلهية كان لزاما أن يحفظها ويستوعبها. وهكذا ربط مصيره بالشمس والقمر اللذان كانا في ما يحملناه من تغيرات, يحدثانه في أعتقاده عن ماقررته السماء من سعادة أو شقاء له.

ومع ظهور الديانات في تلك المجتمعات وخاصة الوثنية منها, صار له أرقام مقدسة ترتبط بحساب أيام السنة, حيث أعتقد بشدة أنها مرتبطة بمصيره وحياته اليومية, فربط طقوس تعبده وتقربه لآلهته بتلك الايام حتى تستمر من منظوره العقائدي, خصوبة وعطاء أرضه ونسائه, ويضمن حماية تلك الالهة له من الشرور ومنحها إياه الصحة والقوة.

كما صار لديه بجانب أرقامه المقدسة أرقام أخرى تمثل النحس والهلاك, فيتم الاستعداد لها بطقوس معقدة, مع تعليقه لتعاويد تكون في الغالب من جلود الحيوانات أو الخرز, ويحرص على تجميد أعماله في الايام التي تطابقها حتى لايطال النحس والهلاك مايمتلكه وما يعتبره مهما في حياته.

ورغم أن علماء التاريخ ربطوا إختراع الارقام بالكتابة, إلا أن منطق السلوك الانساني يقول غير ذلك, فالارقام بطبيعتها جزء من اللغة التي كانت وسيلته للتواصل والتعبير عن ما يملكه ومايريده.
لقد كانت الارقام جزءا مهما من مفاهيمه الفكرية والعقائدية, وعنصر مهم في قانونه الجماعي ليضمن الحقوق ويحدد مفاهيم للعدل. فالحضارات القديمة وصلت إلى عظمتها حين اعتمدت على الارقام في البناء, وحساب تحولات المناخ, وترتيب الجيوش, وحساب موازين المؤن, وقياس مقادير كل مادة, وهكذا جاءت الكتابة لترتبها وتحفضها من الضياع.
ومع نشأت الهندسة التي كانت بدورها تعبر عن حاجة تلك الحضارات إلى إبراز عظمتها في شكلها ومظمونها معا, تم التوصل إلى قيم جديدة للحساب عبر معادلات تضمن تحقيق الشكل الهندسي المطلوب بناءه وتضمن له أطول عمر ممكن باعتبار تلك الابنية تحمل جانبا مقدس. فهي في مجملها تحمل شكلا هندسي يعبر عن ما يحبه الاله ويتجسد بذاخله أو ما عتبروه شكلا لبيته, وأحيانا كثيرة كانت تلك الاشكال الهندسية تبنى على فلسفة الاقام المقدسة لتلك الشعوب.
وكانت للاعداد قدسية وأهمية لدى الديانات السماوية أيضا, والتي ارتكزت على العدل كمبدأ أساسي في عبادتها, ويمثل الحساب والاعداد شريعة الله سبحانه في كونه الذي يلتزم بنظام دقيق يكشف عن أسرار تحركه عبر علوم الحساب.

فلا يمكن فصل عبادة كانت سماوية أو وثنية عن الاعداد وما تحمله من معاني ودلالات قدسية, ولا أن نفصل إيمان الفرد عنها, فهي تشكل عدد صلواته وعدد أيام صيامه, ووقت تفرغه لتلك العبادة, وأيام وأوقات حجه وقانون حياته الذي يستمده من ذلك الدين, وكذلك تشكل الإيطار المنظم للكون الذي يستوعبه و يعيش بذاخله, فالارقام كانت ولاتزال جزءا من عقيدة الانسان, ومحركه العاطفي الذي يدفعه لتحمس نحو شيء أو رفضه.

فتلك الارقام المقدسة أو المنحوسة لم تختلف كثيرا من مجتمع إلى آخر إلا في ماتمثله من فكرة عقائدية أوميثولوجية لدى أفرادها, وما ارتبطت به من أحداث شكلت تحولا جدريا في فكرها وتوجهاتها, إلا أنها كانت ولا تزال المحرك العاطفي الاكثر فعالية لتوجه شريحة عريضة نحو إعتقاد ما وذلك بربطه بحدث تخلله أو بعدد الاشخاص الذين صنعوا ذلك الحدث, وأحيانا بربطه بتاريخ ميلادهم أو يوم حصولهم على منصبهم أو تحقيقيهم لفوز كان أم خسارة.
وبالرجوع إلى تلك الارقام المقدسة التي تشاركت في الاعتقاد بها مجتمعات الحضارات القديمة والحديثة نجد الارقام : 1, 2, 3, 4, 5, 7, 10, 11, 12,14,13, 17,18, 19, 23, 27, 29,28, 40,
أما الارقام التي اعتبرت مختلفا عليها من ناحية القداسة أو النحس فهي الرقم :4, 6, 8, 9, 13 14, 15, 22, 33.

ولأن كل معتقد لابد أن يرتكز على أرقام تشكل جزءا مهما من بناءه الفكري والايديولوجي, كانت ولا تزال الجماعات السرية ترتكز عليها وعلى ما تمثله من قناعات لدى الشخص المستقطب ولدى أفراد مجتمعه بالخصوص, وكذلك الارقام التي تحمل أهمية لدى العدو الذي اختارته تلك الجماعة لترتكز عليه في نشر عقيدتها, والتي لاتكتمل كما قلنا سابقا إلا بوجود قوة راعية لذلك المشروع تتمثل في الاسطورة وكذلك في عدو يجب محاربته والقضاء عليه, لكي تكمل ثنائية الخير والشر.. هذه الثنائية هي المنطلق المنظر لكل فكر كان ديني أو فلسفي إنطلقت منه كل فكرة للتغير وصيغت منه كل مبررات الثورات.

فمثلا في فلسفة هرم الوجود التي يرتكز عليها الفكر الصوفي والشيعي وحاليا تستند عليه الجماعات الاسلامية المتطرفة في رسم هيكلها التنظيمي, يستند الهرم على الشكل المخروطي ذي الثمانية أوجه والذي يتخد شكل الوردة حين تفكيكه من الاضلاع أو شكل هرمين متذاخلين, أي 4 + 4 = 8 , وهو رقم يشكل منتهى الكمال لدى الجماعات السرية مستندين على الاية الكريمة (ويحمل عرش ربك ثمانية).. بالرغم من أن الشكل ذاته ("النجمة الثمانية") هو رمز "لعشتار" و "العزة" ألهة العرب وشعوب البحر الابيض المتوسط!!

أما الوصول إلى الحقائق في الفكر الشيعي, فيعتمد على هندسة الاشكال, فحسب "بارمندس" الوصول إلى الحقائق يتم عن طريق التسديس الثنائي الذي يعطي في النهاية شكلا يتظمن الرقم إثنى عشر. وهي جزء من عملية حسابية للصيرورة المتكررة في الطبيعة والتي تمثل في الاصل التغيرات الطبيعية للكواكب والفصول مستندين في ذلك على الاية الكريمة (كل شيء بحسبان).

أما في فن الحوار لدى الاسماعلية, فيجب أن الالتزام بثمانية المعاني للفظ الواحد, حيث يكون لكل مصطلح معناه الخاص في الحوار وإن كانت كلمة واحدة. حيث يستند المحاور على مصطلاحات تتضمن أكثر من معنى لفظي في اللغة, وهذه الالية هي من المراتب المتقدمة للطالب في فن الخطاب والحوار التدميري. حيث يشكل عدم التميز بين المعاني المشتركات إلى مغالطات كثيرة تسمى فن الكلام!!
والذي يجب على الطالب إتقانه كجزء مهم في دراسته للدفاع عن مذهبه. والاشتراك اللفظي له ثمانية معان متشابهة لا يجمعها إلا الاشتراك اللفظي في اللفظ و على الطالب أن يجدها وإن لم تكن موجودة فعليه إختلاقها!! وذلك بالالتزام بالقواعد الثمانية التالية :
1 – الامكان العام
2- الامكان المنطقي
3- الامكان الاخص
4- الامكان الاستقبالي
5- الامكان الاستعدادي
6- الامكان الفقري
7- الامكان الوقوعي
8- الامكان بمعنى الاحتمال.

سياسة الاعداد
حسب قاعدة أفلاطون السياسية في كتاب الجمهورية, (الصيرورة في الثباث). لذلك تسعى تلك الجماعات أن تنفي الصيرورة والثبات في نظام ما حتى ينفي وجوده كنظام ناجح وذلك بزعزعة إستقراره حتى يفقد صفة الصيرورة التي تعتمد على ثباته. ولإيجاد هذا التغير لبد من الالتزام بثلاثة قواعد :
1 - الواحد لايصدر عنه إلا الواحد
2- الوحدة في الكثرة والكثرة في الوحدة
3- الكثرة في الاختلاف والاختلاف في الكثرة.

وهذه القواعد الثلاثة هي في الاصل مبادئ أساسية للتشكيك الذي يعتبر في فلسفة هرم الوجود أسلوبا لتوضيح الكثرات التي تعد خاصية من خصائص الوحدة, فالشيء الواحد هو الذي يستلزم هذا النوع من الكثرات من دون أن تمس وحدته وبساطته بسوء. وتمثل مسألة التشكيك بالمسائل الرياضية, فالعدد عبارة عن كثرات تتشكل من آحاد ووحدات في مجموعة الاعداد مهما شهدت من كثرة فهي غير مخلة بالوحدة, لأن هذه الكثرات تنشأ من تكرار الاحاد.
فزيادة وقلة العدد إنما هي زيادة وقلة الاحاد. فكل عدد تكون أحاده أكثر فإن كثراته أزيد, وبناءا على هذا فإن الكثرة الملاحظة في العدد ليست متوازية مع الوحدة فحسب, وإنما الوحدة هنا هي أساس تلك الكثرة. وجذور هذه الكثرة هي الوحدات.

فحسب إبن سينا فكل كثرة متناهية كانت أو غير متناهية فلا بد من شموله أو تركه من الواحدات أو الواحد, بمعنى أن كل كثرة سوءا كانت متناهية أم غير متناهية فهي متكونة من آحاد وليس هناك كثرة خالية من الاحاد.
وهذه الكثرة تلزمها قاعدة الشدة والضعف, أي أن لهذه الكثرة كماهية نوعان مختلفان كمثال النور, الذي يمثل بنور الشمعة والشمس والذي لايسقط عنه الماهية بل يسقط عليه نوع الماهية.
بمعنى أبسط.. تقلص التنظيم لا يعني نهايته ككيان موجود, وإنما هي مرحلة الشدة والضعف كوجود تنتهي بتمدد التنظيم بأتباع جدد وأماكن لنشاطات جديدة, تحمل نفس القاعدة في الكثرة في فلسفة هرم الوجود الشبيهة بمعادلة الانشطار الضوئي في علم الفزياء والانقسام المعتمد على الاحاد. لأنه لا يتمتل في ماهية مادية وإنما في الفكرة نفسها التي لايمكن نفي وجودها إذا وجدت العوامل المناسبة لتحقيق شدتها وإختلاف نوع ظهورها كجماعة من مسلحة أو معتدلة, سنية أو شيعية..

0 التعليقات:

إرسال تعليق