أساليب التجنيد.. الخوف والايقاع كمثال

الخوف
إن رغبة كل واحد منا في النجاح والسعادة, تخلق بداخلنا نوعا من الخوف من غدنا, نواجهه بكل قوتنا كل على طريقته واستعداده النفسي لذلك..
الخوف الذي نشأ معنا, يكبر معنا.. لكنه يتخذ أشكالا مختلفة في كل مراحل حياتنا.. فكل منا يتذكر شعور الخوف الذي كان يعترينا ونحن صغار حين نجد أنفسنا وحدين في مكان مظلم, ثم الخوف من العقاب, أو الخوف من المواجهة حين نفشل في أي عمل.. خوفنا من أن نفقد من نحب, وطوال الوقت خوفنا من الموت أو ما بعده, لكن هذا الخوف ينتهي بمجرد أن نجتاز تجربة ذلك الشيء الذي كنا نخاف منه, فتجاربنا الشخصية وإيماننا بشيء ما, هو ما يعطينا القوة وينمي قدرتنا في الاختيار والاستمرار.

والخوف هو أول دافع في رغبة هؤلاء الاشخاص الانضمام لواحدة من تلك الجماعات, كنوع من الهروب من واقعهم ومواجهته وخوض تجربة النجاح بتلك الظروف اللاختيارية وتحمل نتائجها, لعدم قدرتهم على الثقة بمؤهلاتهم الشخصية والتقيم الذاتي والموضوعي, فلا يمكنهم تقبل نقد يخلو من المديح, وأي نقد سلبي يجعلهم يستسلمون بسهولة ويتوقفون عن الاستمرار كرد فعل تلقائي أو التصرف بعدائية تجاه الشخص المنتقد.
فإن كانت جماعة دينية يكون تركيزها في استراتجيتها للاستقطاب, خوف مستهدفيها من الذات الالهية وحياة ما بعد الموت, أو سعيهم في الحصول على حياة أفضل بعد الموت بدون تحمل تعقيدات الحياة وبأسهل الطرق الممكنة وأقصرها, أو يئسهم من حياتهم المعقدة والفاشلة.. فيفتشون عن بديل لها حيث يجدون فرصة في إثبات أنهم أناس متميزون وأبطال مغامرين في إختياراتهم.

وإن كانت جماعة من أتباع القوى الخفية يكون تركيزها في الاستقطاب على خوف هؤولاء من المستقبل وطموحاتهم الكبيرة في التملك والنجاح السريع أو السلطة.

وهناك نوع آخر من الجمعيات التي تغلف نفسها في قالب ديني, لكن من الذاخل وبعد مراحل من الاستدراج, يجد المريد نفسه بصدد ممارسة ديانة خاصة تغلب عليها المسميات الدينية ويتوهم أنه وصل لدرجة من القداسة يستطيع معها الاتصال بالذات الالهية والقديسين, ولا تكون في الواقع إلا ممارسة لطقوس سحرية أو طريقة من طرق غسل الاذمغة الذي يتبع مروره بأيام من الصوم والتوقف عن النوم يكون معها مستعدا لاستقبال كل الاوهام على أنها حقيقة لا يستطيع مسحها أي واقع. فهذ النوع من الجمعيات تركز في استقطابها لأعضائها على الاشخاص الذين ينجدبون إلى الاطراء و الرغبة في التمييز عن الاخرين أو من يمتازون بالفضول والرغبة في تجارب مميزة.

الإيقاعات التعبدية
يعتبر الايقاع جزءا مهما لدى بعض الجماعات التي تعتمد في أساليبها السيطرة على مشاعر أعضائها, الذين يمتازون بعدم الصبر ورغبتهم في الوصول إلى أهدافهم بسرعة, لإذخالهم في تجربة منهكة للعقل والجسم معا حتى يكون عقله مهيأ لأفكار جديدة و ترسيخ إعتقاده في حالة النشوة التي تعتريه أثناء الرقص مع إيقاعات معينة أنه في حالة إتصال مع الذات الالهية أو تلك القوى الخفية التي تملك مصيره وتحقيق رغباته.
ويساعد ذلك المجهود المبدول في الحركة المتكررة بنفس الايقاع على إخراج التوثر بداخلهم وتحريك الدورة الدموية التي تمنحه بشكل ما شعورا بالسعادة والحماسة لما سيأتي بعده,
قد يستغرب الحاضر لما يسمى بالحضرة في المغرب لمشهد الجدبة وأجساد الراقصين المشاركين في تلك الحضرة تتساقط واحد تلو الآخر في حالة إغماء بعد ذخولهم في حالة نشوة روحية. كل واحد من أولائك الحاضريين يرتدي زيا بلون معين يمثل طبيعة القوى التي تمتلكه, وتستمر الموسقى مع الغناء الذي لا يكون إلا تمجيد لأسماء للجن, فترى كل واحد من هؤلاء تزيد حماسته في الجدب والرقص حين يذكر اسم الجن الذي يؤمن بأنه يمتلك روحه!! وتنتهي تلك الحضرة بذبيحة حسب ما طلبته تلك القوى الخفية إن كان ديك او كبش أو ثور.
ويمنع قبل وأثناء تلك الحضرة تناول الملح والسكر أو الاطمعة التي تحتويها, حتى تتمكن تلك القوى الخفية في اعتقادهم من تناول الطعام معهم ثم التلبس بأحدهم وكشف طالع كل واحد من الحاضريين, وإعلان بركتهم ورضاهم لمريديهم الذين يتباهون بتملك تلك القوى لأرواحهم!!
في مصر تسمى هذه الطريقة بالزار حيث يتم الرقص مع الموسيقى الساخبة على قرع الطبول إلى أن يصل الشخص إلى حالة اغماء مرتديا زيا أبيض ونطاق أحمر أو أخضر للرأس وتنتهي تلك الزفة بالذبح أيضا.
كذلك حين تراقب الراقصين الشمانيين المغول, ترى في وجوههم نشوة وكأنهم في حالة تحول إلى شيء أقوى وأعظم من أجسادهم, وهذه الرقصة تكون لرغبة هؤلاء الاشخاص في الاتصال بقوى خفية لتحل في أجسادهم, وتمنحهم العون..
وفي الماضي كان الكهنة الشمانيون السلتيون يختمون طقوسهم في الرقص على شكل دائرة. للاحتفال برأس السنة الجديدة أو ما يسمى حاليا "بهلويين", بتقديم روح بشرية بعد تناول ذلك القربان لوجبة من الشعير حيث يتم إغراق رأسه في الماء ومن تم ذبحه وإخراج كبده لمعرفة الطالع وما تأتي به السنة الجديدة ..
قد تكون بالنسبة لنا تلك القوى غامضة, لكن بالنسبة إليهم معروفة ولها أسماء.. قد تكون مختلفة عن الاسماء التي تعودنا سماعها في ثقافتنا لكنها لا تختلف عن تلك القوى التي تؤمن بها المجتمعات البدائية في إفريقيا السوداء والتي لا زالت تعتمد عليها في الصيد وتحتفل بها بنفس الاسلوب الشماني من خلال الرقص والايقاع والصوم عن تناول اشياء معينة.

ولكن يختلف الامر شيئا لدى عبدة الشيطان, إذ يبدء الاحتفال بالرقص على موسقى صاخبة يكون فيها الجدب والمخدر وسيلتهم للارتقاء إلى النشوة, التي يبدء معها الخروج من عالم الواقع إلى العالم السفلي بكل ما يتصف به وينتهي بالدم على طريقتهم وما ابتكرته نشوة المخدر, قد يكون القربان قطة أو عذراء في الثالثة عشر أو رضيع أو جثة يمثل بها..
وذلك لأن من ذكروا سابقا أقاموا الطقوس الوثنية كما توارثوها للحاجة فردية كانت أم جماعية, أما عبدة الشيطان فأقاموها للمتعة, والخروج من عالم الواقع, إلى عالم آخر يفتح لهم مجالا ليكون لاحقا عصابات إجرامية ضد كل من لا يعتقد بمعتقدهم.. وهنا تكمن خطورة استغلال الثقافة الوثنية في انشاء جماعات تكون عبئا على النظام والمجتمع وتحطم كل المجهودات الجماعية في تنشئة جيل للبناء وتتحول تلك الاقلية إلى عبئ مستقبلي, دون أن ننسى أن هذا النوع من الجماعات يمكن أن يتطور إلى مفاهيم أخرى تكون عنصرية وتخريبة ضد كل المجتمع إذا استغلت من طرف جهات معادية و إذا لم تحارب في مهدها.
إيقاع من أجل العقيدة!!
لا يخص الايقاع الجماعات الوثنية فحسب, بل حتى بعض الجماعات الدينية كالفرق الصوفية التي تتطابق أساليبها بالاساليب الوثنية من الخلوة والصوم إلى الدخول في جلسات الذكر التي تصحبها إيقاعات وجدب يذخل مريدوها معها في حالة من النشوة الروحية, لكن الشيء الذي يثير السخرية هو إرتباط تلك الفرق التي تتجمع في زاويا الاضرحة بأتباع عبادة الجن ويكون موسم ولي الضريح السنوي مجمعا للإلتقاء المتصوفة الذين يبحثون عن بركة الولي والبر به من خلال جلسات الذكر و بعبدة الجن الذين يبحثون عن بركته أيضا لتخلص من سوء الطالع وكسب الحظ الجيد كما هو الحال في أضرحة المغرب العربي ومصر والسودان.

وقد أشار إلى ذلك العالم النفساني (وليم سارجنت) في كتابه (المعركة من أجل العقل ) إلى ما يعنيه الايقاع لدى الجماعات حيث قال : (يظهر بأن هناك طرقا مألوفة حين يستجيب معظم الناس لتقبل أفكار جديدة بعد تعرضهم إلى ضغوط معينة من الزمن. وأن مثل هذا الشيء مألوف لدى الحيوان كما هو مألوف لدى الانسان. لذا نرى أن بعض الاديان البدائية تدفع المجموعات إلى الرقص بحركات إيقاعية على قرع الطبول لساعات طويلة حتى ينهك الفرد ويوهن أكثر الاشخاص عنادا, وبهذا يمكن له البقاء في حالة معينة بلا خوف أو ذعر لمدة أيام أو أسابيع.. وأن التجارب الصينية في إثارة الجماهير وأعادة تأهليها تخضع للمبدأ الفسيولوجي نفسه, مثل اعتناق دين جديد أو المعالجة النفسية للفرد أو للجماعة حيث يذخل في هذه المضامين خلق التوتر والخوف والقلق والصراع إلى درجة تجعل أي شخص يتعرض لها متشككا, وهنا تبدأ مرحلة الايحاء ويتحطم السلوك القديم للفرد.. ).

0 التعليقات:

إرسال تعليق