أثار غضب القبائل ورجال الدين بتوزيعه منشورات يحرض فيها على حمل السلاح وقتال السياح
صنعاء: عبد الستار حتيتة
من تهديدات «القاعدة» والفكر المتطرف إلى التوترات والمصادمات الأخيرة في الجنوب مع تنامي الحركة التي أطلق عليها «الحراك» الجنوبي، ثم التمرد الحوثي المستمر نحو 6 سنوات، الذي حصد آلاف القتلى والجرحى، تتزايد التحديات أمام اليمن الذي يحتل مكانة استراتيجية هامة في المنظومة الإقليمية. وتأتي هذه المشكلات وسط تحديات أخرى أكبر تتعلق بصلب عملية التنمية والتحديث والتغلب على مشكلات تقليدية مثل الثارات القبلية وانتشار السلاح والفقر والبطالة.
وفي سلسلة الحلقات التي تبدأ نشرها «الشرق الأوسط» من اليوم تسليط ميداني للضوء على الواقع أو الحراك اليمني الحالي. وفي حلقة اليوم رصد ميداني لنشاط «القاعدة» وتجنيدها الصبية, والحرب الآيديولوجية التي تشنها استغلالا للمشكلات القائمة.
* صبي في السابعة عشرة من عمره، يكنى «أبو عدنان»، يمسك بصفحات من أول مجلة ورقية يصدرها تنظيم القاعدة في دولة عربية؛ اليمن. ويعتقد «أبو عدنان»، الذي يترأس أربعة صبية آخرين، أكبرهم لم يبلغ الثامنة عشرة، إن الشريعة الإسلامية حرمت الاعتداء على الأعاجم من السياح والنساء والأطفال، لكنه يزعم، وهو يتكئ على ماسورة بندقيته الكلاشنكوف، أنها أباحت قتلهم، في حال تعذر الوصول إلى أوليائهم؛ أي المسؤولين عنهم من حكام الدول الأجنبية التي تعتدي، برأيه، على المسلمين.وبحسب مصادر محلية في مدينة الضالع جنوب صنعاء، تجد أجهزة الأمن صعوبة في التمييز بين المسلحين صغار السن التابعين لما يسمي بالحراك الجنوبي الداعي لانفصال جنوبي البلاد عن شمالها، وأقرانهم من مسلحي «القاعدة» الذين بدأوا ينتشرون هناك، لدرجة أن بعض رجال الشرطة أصبح يطلق على هذا النوع من المسلحين اسم «الحراك الانفصالي القاعدي».
وتبرأت قبائل هؤلاء الصبية منهم، بمن في ذلك الصبي «أبو عدنان»، الذي ينتمي لقبيلة أبو طهيف، بعد أن استغل تنظيم «قاعدة الجهاد»، في وسط اليمن وجنوبه، حالة الفقر، والخطاب الديني المتشدد في البلاد، وجند صبية متأثرين بالحروب الدائرة في المنطقة، ليقاتلوا من أجل أهداف غامضة، داخل دولة تحاول الخروج من نفق حركة الانفصال الجنوبي والتمرد الشمالي، وانخفاض عائدات البترول وشح المياه والتسرب من التعليم.ولاحظ «مركز الجزيرة العربية للدراسات والبحوث»، وهو مركز يمني مستقل، ازدياد الإقبال على شراء محاضرات وخطب لإسلاميين مؤخرا، في البلاد البالغ عدد سكانها 23 مليون نسمة، مشيرا إلى أن معظم موضوعات الخطب تدور عن «الإيمانيات» بنسبة 27%، والسياسة الداخلية والخارجية بنسبة 15.7% وقضايا الواقع (اليمني) 9.2%، والقضايا الاجتماعية بنسبة 4.7%، ونسب أقل منذ ذلك لموضوعات أخرى عن المرأة والتربية وغيرها.ويغذي نزعات عقائدية ومذهبية شيوخ مستقلون يربطون في خطبهم الجغرافيا بالمعتقد: المذهب الزيدي الشيعي في الشمال.. الشافعية في إب.. الصوفيون والسلفيون الجهاديون في حضرموت في الجنوب والجنوب الشرقي. ويقول الباحثون إن مثل هذه الخطب تجد آذانا مصغية من الصبية والشبان العاطلين عن العمل.«الأطفال في البلاد يجابهون حياة صعبة غير آمنة لانتشار الفقر والتفكك الأسري، وارتفاع الأمية إلى 48%»، يقول الباحث اليمني مراد غالب الداعري مشيرا إلى أن نسبة الأطفال المقيدين في التعليم (بين 6 ـ 15 سنة) 55%، والباقين خارج أسوار المدرسة. ويضيف في دراسة له، أن هذا أدى لعجز هؤلاء الأطفال عن معرفة أدوارهم الحقيقية تجاه أنفسهم ومجتمعهم ووطنهم، فيصبحون أكثر عدوانية، وإثارة للشغب، ويحملون صفات تدميرية تجاه أنفسهم ومجتمعهم، ولا تكون لديهم مخاوف طبيعية من خرق النظم والقوانين، حيث تتملكهم روح المغامرة والرغبة الشديدة في التمثيل واستقطاب الآخرين.ويقول مسؤول شغل في السابق مواقع أمنية مهمة، بمدينة الضالع الملتهبة بسبب دعوة جنوبيين للانفصال، إن «القاعدة» استغلت بالفعل الأحداث هناك، مشيرا إلى مغازلة «القاعدة» لأبناء الجنوب وإرسال مسلحين للوقوف معهم ضد الشرطة، إضافة لحثهم، من خلال منشورات وخطب مسجلة ومدونة، على الجهاد.. إنهم يستغلون الأزمة المالية العالمية وارتفاع أسعار الغذاء في السنوات الثلاث الأخيرة، وتراجع الإنفاق العام في البلاد، مع تراجع إنتاج النفط، وانخفاض التصدير للخارج.
ويضيف المسؤول: «رصدنا على الأقل مشاركة سبعة مسلحين من صغار السن الذين ينتمون لـ«القاعدة» ويدعمون في الوقت نفسه الحراك الانفصالي الجنوبي، أثناء مظاهرة للحراك في منطقة «مودية» بمدينة أبين بداية يونيو( حزيران)، نحسب أن هذه هي أول مرة يتجرؤون فيها على الظهور علانية في هذه المنطقة، وثلاثة من هؤلاء على الأقل متورطون في أعمال إرهابية بمحافظة أبين ومحافظة حضرموت».وقال المسؤول الأمني، إن «القاعدة» وهي تروج للفوضى، ترفض الآخرين جميعا.. «ترفض الحزب الحاكم، وترفض أحزاب المعارضة، وترفض وساطات شيوخ قبائل وجهاديين سابقين.. هم لن يتوقفوا عن حرب العصابات التي يتبعونها.. يستبيحون دماء الأجانب، وإذا ضغطت عليهم قوى الأمن لفرض القانون يتراجعون، وحين يبتعد الجنود عن طريقهم حقنا للدماء، يغيرون عليهم».عايش عواس الباحث بـ«مركز سبأ للدراسات الاستراتيجية» يرى أنه: «ليس من المبالغة القول إن نزعة العداء لدى العناصر المحسوبة على تنظيم القاعدة الإرهابي ضد كل ما هو أجنبي باتت تشكل واحدة من أكثر الظواهر إثارة للقلق، ليس بسبب كونها دخيلة على المجتمع اليمني الذي عرف بتسامحه وانفتاحه على العالم من حوله عبر التاريخ الإنساني الطويل، وإنما أيضا لأضرارها الفادحة على المصالح العامة وعلى سمعة البلاد والرعايا اليمنيين في الخارج». ويضيف موضحا أنه «خلال السنتين الأخيرتين بدأ نشاط (القاعدة) يأخذ منحى أكثر خطورة، وذلك من ثلاثة جوانب: أولها يتعلق بسعي (القاعدة) مؤخرا إلى تعزيز حضورها داخل اليمن واستخدام أراضيه كقاعدة انطلاق لضرب واستهداف دول المنطقة، باعتبار اليمن تتميز بتضاريس جغرافية صعبة، وتركيبة اجتماعية قبلية محافظة، وصعوبة فرض السيطرة الكاملة على حدودها البرية والبحرية نظرا لامتدادها واتساعها، مما يجعلها ـ من وجهة نظر التنظيم ـ مؤهله أكثر من غيرها لتبني فكر (القاعدة)، وتوفير الملاذ الأفضل لعناصرها».
وهو يشير إلى «نية (القاعدة) في العمل على تكثيف نشاطها داخل الأراضي اليمنية، واستقطاب المزيد من الأعضاء إلى صفوفها حتى تتوفر الأعداد الكافية لمد جبهات المواجهة في مختلف المناطق استنادا إلى استراتيجية التنظيم تجاه اليمن، التي ترى فيها طبقا لخطاب أيمن الظواهري (أرض مدد للإسلام والمسلمين)».ويتابع عواس، الذي أعد دراسات عن هذا الموضوع، موضحا: «تتأكد مصداقية مثل هذا الرأي من خلال ظهور عناصر جديدة في صفوف التنظيم لم تكن معروفة من قبل، وتوجه (القاعدة) إلى استقطاب وتجنيد صغار السن بهدف تلافي النقص العددي من ناحية، وزيادة عدد منتسبي التنظيم من ناحية أخرى». ويضيف أن هناك عدة نقاط في أساليب «القاعدة» أصبحت تسترعي الانتباه، منها: مراهنة التنظيم، في إطار المواجهة مع الحكومة، على مناصرة القبائل له، إلى درجة يبدو معها واثقا من التفاف بعض القبائل حوله ومده بما يلزم من الدعم والتأييد. لكنه يقول إنه ليس معلوما على وجه اليقين طبيعة المصلحة المشتركة بين الطرفين، بيد أن الصواب يقتضي.. «العمل على فك التحالف بين القبائل وعناصر (القاعدة) إن وجد، ووضع استراتيجية شاملة للتعامل مع القبائل والمشايخ وأبنائهم الموالين لـ(القاعدة) أو المنخرطين في صفوف التنظيم ومن جميع الجوانب، بحيث لا تقتصر على الأدوات العسكرية والأمنية وحسب، بل تشمل كذلك الأدوات الفكرية والاقتصادية، لأن وضع القبائل في خندق واحد مع الإرهابيين وقصر التعامل معهم على الوسائل العسكرية والأمنية فقط، لن يؤدي إلى تحقيق النجاح المطلوب».ومع كل ذلك يستطرد عواس قائلا إن ما سبق لا يعني «أن (القاعدة) اليوم تعيش أفضل مراحلها، بل على العكس من ذلك، فهي تواجه أوضاعا في غاية الصعوبة، خاصة بعد نجاح أجهزة الأمن اليمنية في اعتقال العشرات من عناصرها، وتفكيك كثير من خلاياها في حضرموت وصنعاء. وبغض النظر عما إذا كانت السلطات اليمنية قد اعتقلت القائد الميداني للتنظيم السعودي محمد العوفي أو أنه سلم نفسه طواعية، فإن الحادثة بحد ذاتها تمثل ضربة موجعة للتنظيم بالنظر إلى الموقع القيادي الذي كان يحتله العوفي في تنظيم (قاعدة الجهاد في جزيرة العرب)».ورفض وزير الداخلية اليمني التعليق على موضوع تنظيم القاعدة في بلاده، لكن مسؤولا أمنيا في الحكومة يرى، بحسب ما قاله لـ«الشرق الأوسط» أن «معظم القادة الجدد بـ(القاعدة) لهم تكتيكات جديدة، أبرزها تجنيدهم للأطفال، وطبع منشورات ورقية وتوزيعها في مديريات بالجنوب، واستغلالهم للأحداث هناك، هذا يجعل الدولة تشعر بالصداع من تصرفاتهم التي تعكس صورة غير طيبة عن الاستقرار في اليمن».على أية حال، أصبح من المعتاد أن ترى برقية تعزية مطبوعة وتوزع على ذوي المتوفى، بإمضاء تنظيم القاعدة: «يعزي (المجاهدون في جزيرة العرب) الأخ الصابر الفار بدينه، صالح عبد الخالق علي جابر في وفاة والدته وأخيه وأختيه، في حادث سير مروري».ويقول ناصر الوحيشي الذي أصبح، بعد هربه من سجنه في صنعاء عام 2006، مع عشرين آخرين، زعيما لـ«القاعدة» في اليمن، في رسالة لأهل الجنوب: «أيها الأحرار الصامدون ضد الظلم والقهر.. إن ما تطالبون به هو حقكم، كفله لكم دينكم، ودفعتكم إليه فطرتكم التي لا ترضى الذل ولا الدنية. فلا يمارس عليكم باسم الوحدة الظلم والقهر. لقد جربتم حكم الاشتراكية وقد ذقتم منها ما ذقتم من مآس، وها أنتم تشربون من نفس الكأس على أيدي النظام الذي يحكمكم اليوم، ولقد آن الأوان أن يحكم الإسلام».
وفي منطقة جبلية تقع شرق ذمار توقفت حدود سيارتنا، التابعة لشركة سياحية خاصة. من هناك كان بانتظارنا شاب نحيف تفوح منه رائحة نبات القات النفاذة، وبعد تأكده من عدم وجود أي شيء معنا باستثناء ملابسنا، انطلق بنا، بسيارة دفع رباعي من دون لوحات معدنية (تويوتا لاندكروزر موديل 1995) تشبه سيارات الجيش، عبر طرق وعرة فوق جبال تطل أحيانا على مروج خضراء، وأحيانا على صحارى خاوية. وبين الحين والآخر تبدو منازل متناثرة، تحتنا، هنا وهناك.وأخيرا خرج لنا خمسة صبية مسلحين عرفنا منهم «أبو عدنان». هو طويل القامة نحيف، تبدو عليه مظاهر الأهمية. ويعتبر نفسه من قاعدة الجهاد لتحرير اليمن «من النظام الديمقراطي الفاسد المخالف لشرع الله». وقدم لنا صفحات من مجلة تصدرها «القاعدة» على الإنترنت، ويطبعها موالون للتنظيم في ذمار وأبين وحضرموت، ويوزعونها لحث شبان جدد لـ«الجهاد».و«أبو عدنان» لا يحفظ القرآن كاملا. وهو يخطئ في نطق ألفاظ عربية، وفي قواعدها أيضا. وترك هذا الصبي المسلح مدرسة العابسية الثانوية بمنطقة الحداء، قبل نحو عامين، من دون أن يكمل تعليمه، على الرغم من حلمه بالالتحاق بكلية القانون. وهجر الدراسة حين كان يحاول الذهاب للعراق للقتال ضد الأميركيين. ولـ«أبو عدنان» خمسة أشقاء وست شقيقات، وهو من مواليد منطقة تدعى رداع على مشارف محافظة البيضاء الجبلية، لكن أسرته انتقلت إلى ذمار منذ أكثر من عقدين، ويعمل والده فلاحا. وأدى نقص المياه وانخفاض قيمة العملة اليمنية إلى تراجع قدرة الوالد على الوفاء بالتزامات أسرته. ومثل «أبو عدنان»، توجد مجموعات مسلحة من صبية صغار، فارين من مدارسهم وأسرهم وقبائلهم لما يسمونه «الجهاد في سبيل الله». وبعد عملية هنا أو هناك، يقع فيها قتلى من جانب رجال الأمن، يستعرض موالون لـ«القاعدة» قوتهم بين أبناء قبائل في الجنوب والوسط، مستغلين الخلافات السياسية والقبلية.. لكن «أبو عدنان» يقول عن سبب وجوده ورفاقه في الجنازة التي تخص الحراك الجنوبي من المطالبين بالانفصال: «كنا نحمي إخواننا.. ننصرهم لأنهم مظلومون».
ويتحرك زعماء التنظيم متخفين وسط السكان وفي الجبال، ويستخدم زعماؤهم، وغالبيتهم في العقد الثالث من العمر، سيارات الدفع الرباعي، والكومبيوترات المحمولة وهواتف الثريا. وتتعقبهم الأجهزة الأمنية من مكان لآخر. وفي محافظة ذمار تمكنت من محاصرة متهم بالتعاون مع «الجهاديين»، وتسهيل إقامة العضو بـ«القاعدة»، السعودي عبد الله الحربي، بعد إلقاء القبض على الأخير في محافظة تعز. وووفقا لمسؤولين حكوميين، أدى التعاون مع «شيوخ قبائل يمنية» ومع «جهات أمنية عربية شقيقة»، في القبض على مثل هؤلاء الأطفال، وإحالتهم لبرامج المناصحة وإعادة التأهيل التي يشارك في بعضها شيوخ أزهريون، وعلماء دين في اليمن، قبل تسليمهم لذويهم. وتدعم دول غربية مثل هذه البرامج ضمن خططها لمكافحة الإرهاب. ونفذت «القاعدة» عمليات انتحارية خلال أقل من عامين أدت لمقتل أجانب في محافظة حضرموت وصنعاء، إضافة لمناوشات مع القوات الحكومية هنا وهناك.. «هذه القلاقل أدت لتعطيل مشروعات اقتصادية في البلاد»، بحسب مسؤول بمديرية ذمار، الذي يضيف طالبا عدم الإشارة إلى اسمه: «في ثمانينات القرن الماضي كان اليمن واحدا من أهم البلاد التي ترسل بـ(مجاهدين) لأفغانستان، لقتال السوفيات هناك. وحين عاد بعضهم إلى اليمن، بداية من التسعينات، استعان الحزب الحاكم بهم لقمع تمرد الانفصاليين الماركسيين في الجنوب عام 1994.. بل حارب بعضهم ضد التمرد الحوثي الشيعي في الشمال».منظمة «هُود» اليمنية غير الحكومية، تشير إلى أهمية إعادة تأهيل أعضاء «القاعدة» العائدين من الحروب في أفغانستان ومن السجن في غوانتانامو. والمشكلة التي تشير إليها منظمات حقوقية أخرى هي أن أعضاء التنظيم الذين لم ينخرطوا في عمل ليتعيشوا منه، سيعودون مجددا للعمل كمقاتلين مدعومين من جهات مختلفة لها مصالح عابرة للحدود. وتقول «هود»: «لا أحد يريد توظيفهم.. لا أحد يريد التعامل معهم».وأدى قتل التنظيم لسياح أجانب، إلى غضب قبائل يمنية تعتبر السياحة مصدر دخل ضروري، خاصة مع شح الأمطار، وتزايد القرصنة على سواحل القرن الأفريقي.. كما أغضبت عمليات استهداف السياح شيوخا سلفيين في البلاد. واتفق زعماء الجماعات الإسلامية في اليمن على تحريم الاعتداء على السياح، باعتباره نوعا من أنواع «قتل النفس المعصومة بغير حق». وأفتى مشايخ التيار السلفي بأن مثل هذه الأعمال «تدل على وجود من يبيع دينه بدنيا غيره، أو من يسلم عقله وزمامه لمن يذهب به إلى الهاوية».ورد تنظيم القاعدة بتوزيع فتاوى مصرّا على موقفه، زاعما أن الشريعة أوجبت «قتل من ضل الطريق أو ألقته سفينة، فكيف بمن قدم إلينا عامدا عالما أنه هدف لنا، بل قدم بشرِّه وفجوره إلى بلاد الإسلام. لا بد أن نعلم أن الشريعة التي حرمت قتل النساء والصبيان أباحت قتلهم، إذا لم يمكن قتل غيرهم ممن يجوز قتله إلا بقتلهم، فيجوز قتلهم تبعا»، وتجيز فتوى قادة «القاعدة» أيضا القتل بالجملة لـ«الأعاجم» من دون تفريق بين نساء وأطفال وشيوخ، مستندة إلى «استخدام المسلمين الأوائل المنجنيق في الحروب»، وتقول: «لا يمتنع تحريق حصون الأعاجم بكون النساء والولدان فيها».كما لاقى تجنيد زعماء في تنظيم القاعدة، للأطفال الذين تحت سن الثامنة عشرة نفورا من أبناء القبائل اليمنية.. لكن التنظيم رد أيضا على المناوئين لاستغلال الأطفال بقوله: «لقد ساد بين الناس مفاهيم مغلوطة في تربية الأبناء، منها أنه ينبغي تجنيب الصغار مظاهر العنف والدماء. لكن سُنّتنا هي أن نعود أبناءنا على هذه الأمور. ونعود أبناءنا على السلاح منذ نعومة أظفارهم، ونغرس في قلوبهم حب السلاح وهم صغار. وعلى الآباء أن يأخذوا أبناءهم في رحلات يدربونهم فيها على الذخيرة الحية».وجاءت انتقادات القبائل لـ«القاعدة» بعد أن ورط زعماء التنظيم هناك اثنين من خيرة الصبية اللذين لم يتجاوز عمريهما 18 سنة، في حضرموت في عمليتين قتاليتين راح ضحيتها سياح ومحققون كوريون جنوبيون، وقتل الصبيان، بأحزمتهما الناسفة، وهما عبد الرحمن مهدي، وشامل الصنعاني.والمشكلة كما يرويها رجل أمن يدعى علي حمُّود سالم، مسؤول عن النقطة الرئيسية بمدخل الضالع ـ صنعاء، تكمن في الطريقة التي يرفض فيها الأولاد الصغار، الذين جندتهم «القاعدة»، الاستسلام للشرطة أو الجيش.. «يطلقون علينا النار وهم يعلمون أنهم محاصرون.. ولا مجال أمامهم للهرب.. وننتظر طوال الليل لعلهم يتوقفون ويسلمون أنفسهم، لكن لا جدوى.. ونحن من جانبنا لا يمكن أن نتهاون في فرض القانون.. يعني حين ننتظر حتى الصباح دون إطلاق طلقة واحدة، وننادي عليهم في مكبر الصوت: استسلموا.. انتهى الأمر، لكنهم لا يستسلمون. هل يظنون أننا سنتركهم ليقتلوا الناس.. أنا من قبيلة (كذا) وفي الصباح حين أصدر أوامر باقتحام المغارة التي يتحصنون فيها، ويقع ضحايا، يقولون أنت يا ابن قبيلة كذا قتلت فلان ابن قبيلة كذا.. أنا أنفذ القانون لحماية الجميع، لكن أتحول في نظر قبيلة ما إلى مطلوب للثأر.. هذه مشكلة أخرى..».
وبسبب هذه الإشكالية القبلية التي وضعها تنظيم القاعدة، واستغلاله لمراهقين عنيدين بطبعهم، وأولاد لم يتموا بعد السنة الثامنة عشرة من العمر، بادر مشايخ من قبائل تحظى باحترام اليمنيين بمنطقة مأرب، وسط البلاد، بالتعامل بحدّة مع أبناء لهم انجروا وراء خطابات «القاعدة» ومنشوراتها التحريضية، وفي محاولة أخيرة لاستعادتهم إلى رشدهم، هددوهم بالتبرؤ منهم، لكن هؤلاء الأولاد اختفوا، مثل «أبو عدنان» و«مهدي» و«الصنعاني» و«دوحة» و«جردان»، وغيرهم، ببنادقهم من ماركة كلاشنكوف و«إيه كيه 47» و«البيكا»، ولم يرجعوا.. ولقي بعضهم حتفه في أكمنة للشرطة أثناء توجههم لمواقع تدريب يشرف عليها قياديون في التنظيم في منطقة جبلية وعرة بحضرموت. كما لقي آخرون منهم حتفهم وهم يجهزون عبوات ناسفة، مثلما حدث في منطقة الوضيع قبل أسابيع. فيما قتل كل من علي بن علي دوحة من آل حتيك، وعبد العزيز بن جردان، وناجي بن جردان، من أبناء مأرب، في كمين مؤخرا، بحسب ما أفاد تنظيم القاعدة نفسه، الذي قال إنهم من قبيلة عبيدة، إضافة إلى صبي آخر يدعى عامر المهشمي، من قبيلة بمنطقة الجوف، الذي أكد تنظيم القاعدة أنه هو أيضا لم يتم الثامنة عشرة من عمره.وبحسب ما أعلنه الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، فإنه لا شك أن «لدى تنظيم القاعدة الإرهابي خلايا في اليمن، لكن قواتنا الأمنية تلاحق عناصر تلك الخلايا وتبحث عنها في كل مكان، وفي كل لحظة، وفي كل يوم، وفي كل شهر».وفيما يقول مصدر أمني إن التحقيقات تجري في الوقت الحالي مع نحو 30 متهما بالانتماء لـ«القاعدة» بعد ضبطهم مؤخرا في محافظة أبين (شرق)، تواصل السلطات الأمنية البحث عن عشرات المطلوبين، ممن أصبحوا معروفين بأسمائهم وصورهم لدى أجهزة الأمن، وتدور أعمار هؤلاء، بحسب وزارة الداخلية اليمنية، حول العشرينات، أكبرهم سنا حسن محمد (سعودي الجنسية 51 سنة)، وأصغرهم عبد الإله مصطفى (سعودي الجنسية أيضا 17 سنة).باحث يمني: توجه «القاعدة» لاستقطاب صغار السن وتجنيدهم لتلافي النقص العددي وزيادة عدد منتسبيها * «الجهاديون» الجدد تأثروا بالحروب الدائرة بالمنطقة.. وقبائل تتبرأ من أبنائها المنضمين لـ«القاعدة» * ضابط يمني: «القاعدة» لقنت الصبية عدم الاستسلام للأمن حتى الموت.. «يا قاتل يا مقتول» * غالبية خطباء المساجد يتناولون القضايا الإيمانية والسياسة الداخلية والخارجية والواقع الاجتماعي
من ملف جريدة "الشرق الاوسط" عن اليمن
0 التعليقات:
إرسال تعليق