محافظ صنعاء لـ«الشرق الأوسط» : المدينة قادرة على تخفيف «التعصب القبلي المقيت»
صنعاء: عبد الستار حتيتة
تعتبر الأسلحة في اليمن سببا أساسيا في وقوع أعمال القتل الجنائية والإرهابية. ومع تشدد الحكومة، الذي يقاومه تجار الأسلحة في البلاد، لم يعد من الممكن العثور على الأسلحة الثقيلة التي كانت تُعرض في الأسواق، لكن من الممكن شراء حاجتك من الصواريخ المضادة للطائرات، والمدفعية والقنابل الهجومية وصناديق ذخيرة المدفعية أيضا، من تجار السوق السوداء..
ويعتقد كثير من رجال الأمن في مناطق الشمال الذي يعاني من التمرد الحوثي، ومناطق الجنوب التي تقع فيها أعمال مسلحة، أن تجار سلاح من الكبار والصغار، وراء النفخ في نار الاقتتال، ليس المذهبي والسياسي فقط، بل كذلك الاقتتال على الأراضي والثأر، حيث القتل والقتل المضاد، ومزيد من الأسلحة والطلقات، ومزيد من المكاسب للتجار.
ومع ذلك يأمل محافظ العاصمة صنعاء، نعمان دويد، في أن تؤدي الإجراءات التي تتخذها الحكومة والمنظمات الأهلية وغيرها من الجهات، في الحد من ظاهرة تسلح اليمنيين والاقتتال القبائلي العصبي السيئ، على حد تعبيره، وهو يؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن محال بيع وشراء السلاح لم تعد عشوائية، وإنما أصبح الذي يعمل فيها، يعمل وفق ترخيص محددة به القطع التي يتاجر فيها، تحت سيطرة الدولة.. «والدولة هنا تفرض سيطرتها وتبسط سلطانها، وهي قادرة في أي لحظة على إغلاق أي محل أو تاجر يخالف حدود الترخيص الممنوح له».
يعطي القانون المنظم لحمل الأسلحة النارية والذخائر والاتجار بها، الصادر عام 1992 الحق لليمنيين في حيازة البنادق والبنادق الآلية والمسدسات وبنادق الصيد والذخيرة اللازمة، لاستعمالهم الشخصي. لكن المشكلة التي تتحدث عنها المنظمات الأهلية، تتعلق باستمرار اقتناء الأسلحة في القرى والتجمعات السكانية الأخرى التي لم يرد بها نص في القانون. وأصدرت الحكومة هذا القرار الصعب العام قبل الماضي، وقامت أيضا بتنفيذ حملات واسعة للحد من انتشار السلاح، بالتعاون مع جمعيات حقوقية ومثقفين في البلاد، وسط مقاومة غير مرئية من كبار التجار الذين يعتقد البعض في اليمن أنهم على علاقة بمشرعين في البرلمان ومتنفذين في بعض الإدارات الحكومية أيضا. واستعانت طوال عدة أعوام الحكومة، بشكل غير مباشر، بالعديد من الجمعيات الحقوقية ووجهاء المجتمع، للتعاون معها من أجل التخلي عن العادة المميتة الخاصة باستخدام الأسلحة في النزاعات والخلافات بين الأفراد، والجماعات السياسية. ولهذا كان العمل في اليمن يجري على عدة مسارات، منها إغلاق أسواق السلاح، والمحال التي اعتادت العمل لسنوات طويلة في بيع مختلف أنواع الأسلحة الصغيرة والمتوسطة، وأحيانا الثقيلة، بلا ضابط ولا رابط، ولا أي رقابة من أي نوع.. والمسار الثاني، وفقا لما أفاد به مسؤول في وزارة الداخلية اليمنية، كان في توعية المجتمع بمخاطر الاستمرار في عادة الثأر المقيتة، وحث الناس على إبلاغ الشرطة لاتخاذ الإجراءات القانونية حيال من يعتدي عليهم، ونشر دعاية واسعة في عموم البلاد، تبين خطر اقتناء السلاح على الصغار وعلى الجيل اليمني القادم.. يوجد الآلاف من الأطفال الذين بترت أيديهم أو أرجلهم بسبب الاقتتال باستخدام الأسلحة النارية، ناهيك عمن لاقوا حتفهم، أو أصبحوا يتامى وثكالى. ولم يعد من الممكن دخول المدن اليمنية لليمنيين الذين يحملون سلاحا غير مرخص.. ويقول هذا المسؤول الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» إن هذا يعتبر إنجازا في حد ذاته، لأن كثيرا من شيوخ القبائل كانوا يتعجبون من مثل هذا القرار.. لكن الكل أصبح يتفهم هذا القرار، ونجاعته في حفظ الأمن في المدن، التي كانت الاشتباكات المسلحة توقع فيها العديد من الأبرياء الذين يتصادف مرورهم بمنطقة إطلاق نار.
ومن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة أيضا ويجري تطبيقها، زيادة الضرائب على تجارة السلاح، للحد منها، وزيادة أسعارها، بحيث لا تكون في متناول كل الناس، وتنفيذ برنامج آخر لشراء الأسلحة التي يقتنيها المواطنون، وهو ما أغضب نوابا في التيارات شديدة التحفظ من جماعة الإخوان المسلمين وبعض القبائل، وعدد من كبار الموظفين القريبين من معسكرات الجيش والداخلية التي عادة ما تتعرض للنهب، بحسب المصدر نفسه المسؤول في وزارة الداخلية.
ويقول محافظ صنعاء، وهو يتنفس الصعداء: «الآن، داخل مدينة صنعاء، لا يوجد سوق للسلاح.. في السابق كان يوجد سوق للسلاح هنا، لكن اليوم لم تعد توجد أسواق عشوائية لبيع السلاح، بل توجد عملية مشروعة ومراقبة من الدولة».ولا يخفي أحد تجار السلاح، في منطقة شمال صنعاء، ويدعى «خالد» من قبيلة خولان، أنه منذ تم إغلاق محال الاتجار في الأسلحة، منتصف العام قبل الماضي، وهو يخسر خسائر فادحة.. «لا أحد يقبل على شراء سلاح، ويترك اسمه وعنوانه ونوع ما اشتراه.. نحن نتعامل أحيانا مع مشترين لا يريدون أن يفصحوا عن تفاصيل هويتهم.. كما أن المسموح بالعمل فيه، من أسلحة صيد، والبندقية الكلاشنكوف، لا تحقق أرباحا، خاصة مع فرض الدولة لضرائب على المبيعات، وطلبها فواتير عن كل قطعة سلاح مباعة».ويعمل هذا التاجر بشكل غير قانوني، وهو معروف للمتمردين الذين يقاتلون ضد الحكومة اليمنية منذ عام 2004، في شمال غربي البلاد، ويستعين بالمساحات المتدرجة على الجبال والمزروعة بأشجار العنب والقات، في إخفاء ما يبيعه وما يشتريه من أسلحة يمكن أن تحقق له أرباحا، من مختلف الأنواع.
وكان هذا الرجل يدير محلا كبيرا في سوق السلاح القديم المعروف باسم حجانة في مركز التمرد بمحافظة صعدة، إلا أن ظروف الاقتتال الدائر مع الحكومة هناك فرضت عليه التنقل من مكان إلى آخر، وممارسة عمله بعيدا عن أي رقابة.. « (المتمردون) الحوثيون يطلبون السلاح، وتجار من جنوب صنعاء يبيعونه لكن الإجراءات الحكومية رفعت الأسعار، لأنها أصبحت هي أيضا تشتري السلاح من الناس، وتخزنه عندها.. وتفتيش السيارات على الطرقات، وتدفع أموالا لمن يرشد عن تاجر سلاح غير مرخص مثلي.. الترخيص نفسه يحتاج لسداد أموال باهظة لا أقدر عليها».
وكان هناك في اليمن 18 سوقا رئيسية للسلاح منتشرة في النصف الشمالي من اليمن، إضافة إلى أكثر من 500 محل صغير يبيع الأسلحة بالتجزئة، وتعرضت اليمن لضغوط من الدول المجاورة لها، ومن دول غربية أيضا، وكذا منظمات حقوقية، للتخلص من البيع العشوائي للسلاح، وتقليل فرص امتلاك اليمنيين للأسلحة، في محاولة للحد من تهريب السلاح من اليمن عبر الحدود، وكذلك للحد من جرائم الإرهاب والقتل، إذ تصنف اليمن كثاني أكبر دولة يملك فيها المواطنون سلاحا بعد الولايات المتحدة الأميركية.وقال التاجر إنه لا علاقة له بما يتردد عن تهريب السلاح من اليمن وبيعه بأسعار مضاعفة في الصومال التي تشهد حالة من عدم الاستقرار والاقتتال الداخلي منذ بداية التسعينيات، قائلا إن المحظوظين الذين يبيعون السلاح للصوماليين، غالبيتهم من منطقة الجنوب، بعضهم يقيم في خارج البلاد، ويدير أعماله عن طريق وسطاء وكلاء في عدن وغيرها، مشيرا إلى أن مثل هؤلاء التجار استولوا على كميات كبيرة من الأسلحة من مخازن دولة اليمن الجنوبية عند ضمها لليمن الموحد عام 1990، وعند محاولة قادتها السابقين الرجوع للانفصال عام 1994. وهو يعتقد أن من بين الذين يقفون وراء المطالبة مجددا بالانفصال، تجار سلاح كبار أصبحوا يتضررون من إجراءات السلطة المركزية في صنعاء بسط سلطان الدولة، وتطبيق قرار حظر الاتجار في السلاح على الجميع.وأدى إغلاق محال الأسلحة إلى رفع الأسعار إلى الضعف، وفي بعض الأنواع إلى الضعفين، قطعة الكلاشنكوف الروسي والعوزي الإسرائيلي تباع بأسعار متقاربة، وبعد أن كانت لا تزيد على 35 ألف ريال، وصلت إلى نحو 100 ألف ريال يمني في المتوسط (نحو 500 دولار)، بعد أن كانت قيمة الكلاشنكوف تساوي ثلاثة من العوزي. كما ارتفعت أسعار طلقات الرصاص إلى ثلاثة أضعاف أيضا، خاصة بعد أن ترددت أنباء عن أن المتمردين الحوثيين يعدون لشن حرب جديدة على القوات الحكومية في مناطق صعدة وراح وعمران شمال غربي صنعاء. ومن الأسلحة التي تباع سرا بأسعار مرتفعة، بخلاف الأسلحة العادية كالكلاشنكوف والمسدسات، هناك أنواع من الأسلحة الفتاكة، تبدأ بالقنابل اليدوية والألغام، والمتفجرات، وتنتهي بمدافع تسير على عجلتين، لاستهداف الطيران المنخفض، وكذلك أنواع من أسلحة البازوكا، والقذائف الخارقة للدروع، والصواريخ التي يرجع عمر بعضها لفترة السبعينيات، والعائدة لأنواع من الأسلحة السوفياتية التي كانت الدولة الجنوبية تتسلح بها، قبل نهب بعضها من مخازن الجيش في أوائل التسعينيات. وتقدر دراسة للمعهد الدولي لدراسة الأسلحة أن حجم الأسلحة في اليمن يبلغ نحو 9 ملايين قطعة في حوزة الدولة والقبائل والأفراد والأسواق، غالبيتها من الأسلحة الصغيرة، ومصدرها دول الكتل الشرقية السابقة أو الصين مع وجود عدد قليل من دول أخرى يرجع تاريخ بعضها إلى بدايات القرن 19. وكانت 70% من ميزانيتي دولتي اليمن الجنوبي واليمن الشمالي، قبل الوحدة عام 1990، تذهبان إلى التسليح، تحسبا من كل منهما تجاه الشطر الآخر، على حد تعبير عبد ربه منصور، نائب رئيس الجمهورية، الذي كان يدعو المواطنين في محافظة أبين الجنوبية للعمل من أجل مستقبل لأن «عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء». وطوال قرابة عامين اشترت الحكومة أسلحة من المواطنين بمبالغ تصل قيمتها إلى نحو 35 مليون دولار، من إجمالي المبالغ المخصصة لهذا الغرض، والتي تبلغ حوالي 50 مليون دولار، كما قامت بحصر وتوثيق ما هو موجود في مخازن القوات المسلحة وجهات الأمن، إضافة لاستحداث أجهزة جديدة لتشديد الرقابة على الحدود، وتعول الحكومة على «لجنة وطنية تختص بمكافحة انتشار الأسلحة»، بحيث تحظى بتعاون دولي لهذا الغرض.
ويعتبر المسؤولون السلاح في اليمن مسؤولا عن جانب كبير من جرائم الثأر وخطف الأجانب والتمرد ودعاوى الانفصال. وبخلاف الاقتتال في الشمال وإطلاق النار بين الحين والآخر ضد القوات الأمنية في الجنوب، كان السلاح مسؤولا عن حوالي 80% من الجرائم الأخرى التي سقط فيها أكثر من 614 قتيلا وما يزيد على 2725 مصابا، بحسب تقارير وزارة الداخلية في النصف الأول من هذه السنة، لكن تقارير أخرى تقول إن العدد كان قد وصل إلى حد لا يمكن السكوت عليه خاصة في السنوات 2004 و2005 و2006، حين سقط نحو 4800 قتيل، 23 ألف مصاب في ما يزيد على ثلاثة آلاف جريمة.ومثلما رفع الكاتب اليمني، الدكتور عبد الرحمن الشامي شعار «يمن بلا سلاح ولا قات»، نظمت العديد من الجمعيات الأهلية والحقوقية تظاهرات أمام مبنى البرلمان والحكومة، منددة بمظاهر التسلح بين المواطنين في البلاد، مطالبة بمزيد من الإجراءات لوقف نزيف الدم بسبب السلاح، قائلين بأصواتهم، وعلى لافتات منصوبة على جوانب الطرقات «نريد يمن بلا سلاح وبلا ثأر»، منها جمعية «دار السلام»، و«سياج»، و«أمان» التي قال رئيسها خالد الإرياني إن «الجهود المبذولة للقضاء على ظاهرة الثأر لن تكون ذات جدوى ما دام السلاح بمتناول الصغير والكبير».
ولـ«الشامي» رأي يقول فيه إن الإنسان اليمني.. «إذا كان قد امتلك السلاح فيما مضى نظرا لظروف اجتماعية وبيئية، غاب فيها عنه تحقق الأمن والأمان، ومن ثم فقد عمد كثير من أفراد مجتمعنا اليمني إلى سكنى قمم الجبال، والأماكن الوعرة من الطبيعة بحثا عن الأمن المدعوم بسلاحه الشخصي عند الاضطرار، فإن هذه الظروف قد زالت اليوم، بعد أن عمَّت البلاد حالة من الأمن والأمان»، مشيرا إلى انتشار النقاط الأمنية وسيارات شرطة النجدة في كل مكان.. «فلم يعد المسوغ الأمني لامتلاك السلاح قائما إلى حد كبير».ويعتقد الكثير من الناشطين السياسيين والحقوقيين وأصحاب الرأي في اليمن أن بناء دولة مدنية حديثة قادرة على بسط القانون على الجميع، سيكون في مقدروها الحد من الاتجار في السلاح دون رقابة، وكذلك الحد من التشدد القبلي الذي يعتبر امتلاك السلاح وأخذ الثأر جزءا لا يتجزأ من شخصية الرجل اليمني. أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز، الدكتور عبد السلام الدار، شارك بورقة في ندوة من الندوات الخاصة بمشكلة الأسلحة التي عقدت خلال شهر يونيو (حزيران)، استنتج فيها أن نسبة حيازة الأفراد للسلاح في منازل الريف والحضر تبلغ 60.8% وأن إجمالي ما بحوزة اليمنيين من سلاح يقدر بـ9.98 مليون قطعة سلاح، مستبعدا التقديرات السابقة التي كانت تذهب إلى أن عدد قطع السلاح في اليمن تتراوح بين خمسين مليون قطعة كحد أقصى، وسبعة ملايين قطعة كحد أدنى، وأشار إلى أن 60.5% من سكان الريف و44.7% من سكان الحضر قالوا إنهم يحوزون السلاح بغرض الدفاع عن النفس، وأن نسبة انتشار الأسلحة بين السكان الريف تصل إلى 66.6% وفي الحضر 56.1%، وقال فيما يتعلق بالعوامل التي ساهمت في انتشار الأسلحة، إنه تبين أن 86.1% يرجع للعادات والتقاليد و82% لعدم وجود حلول لإنهاء ظاهرة الثأر 81.8% يرجع لضعف القضاء، و78.9% لهيمنة القبيلة، و71% يرجع للرغبة في التباهي.
وأضاف الباحث أن الورقة التي أعدها حول قضية الأسلحة، بيَّنت أن 90.5 أعربوا عن اعتقادهم في أن الحملات المناهضة لمظاهر التسلح، سواء كانت رسمية أو غير رسمية يمكن أن تحد من انتشار السلاح.وفي ورشة العمل التي عقدها مركز سبأ في أحد الفنادق الكبرى بصنعاء هذا الشهر، قال المدير التنفيذي للمركز، الدكتور أحمد المصعبي، أن قدرة الحكومة على القضاء على ظاهرة التسلح بدت محدودة بسبب الاعتقاد الساري لدى بعض القبائل التي تعتبر اقتناء السلاح جزء من شخصيتها.
ويقول الناشط الحقوقي المعروف في اليمن والذي خاض قضايا لصالح ضحايا التسلح القبلي، أحمد القرشي، لـ«الشرق الأوسط»: «من يتزوج من اليمنيين يصبح غرَّاما، أي تقع عليه مسؤولية الأخذ بثأر القبيلة التي ينتمي إليها.. وبالتالي يكون عليه أن يحمل سلاحا، فإذا لم يكن هذا السلاح موجودا يشتريه، لكي يصبح شخصا كامل الأهلية في القبيلة.. أي يكون شخصا قادرا على سداد الغرامات التي تقع على القبيلة؛ فإذا دخلَت في قتال يحمل سلاحه ويحارب مع قبيلته.. نحن نسمي حروب الثارات هذه باسم المعارك الصامتة الناتجة عن انتشار السلاح في أيدي الجميع.. بعض القبائل تمتلك أسلحة متطورة؛ مثل المدفعية، والصواريخ المحمولة على الكتف، وصواريخ الكاتيوشا».
ويفتخر كمال، وهو من قبيلة خولان أيضا بشمال صنعاء، بقرابته لتاجر السلاح «خالد». ويضع كمال جنبية (خنجر يمني) في خصره، وهو يقود سيارته الخاصة، عائدين من محافظة عمران، ويقول إن اليمني الذي لا يحمل سلاحا، لا يمكن أن يكون رجلا مكتمل الرجولة. ويعتبر كمال نفسه من السادة، أي.. «المحاربون من طبقة الحكام والأمراء الذين كانوا يحكمون اليمن فيما مضى». ويضيف أن الذي لا يحمل سلاحا ننظر إليه على أنه من فئات «الرعوي (أي التاجر المتجول)، أو من المزيني (أي ضاربو الطاسة ومغنو المناسبات الدينية والاجتماعية)، أو مجرد دوجان (أي الفقير شديد الفقر من المزارعين بالأجر في القرى)». ويعول كثيرون على قرار حظر دخول السلاح للمدن، وأنه، بعد نحو عامين من تطبيقه، أصبح يؤتي ثماره آملين في خروج اليمن من «نفق التشدد القبلية المظلم»، والدخول في عصر الاعتماد على مؤسسات الدولة في التقاضي بين الناس، والتخلص بلا رجعة من «التعصب القبلي المقيت»، على حد تعبير محافظ صنعاء الذي يعود ليؤكد أن دور المدن هو محاولة «تحضير مثل هذا التعصب السيئ».يقول «دويد» إن «مدينة صنعاء أصلا هي قبلية.. ودور المدينة هو أنها تحاول تحضير التعصب القبلي السيئ.. أن توجد الأمن، وأن توجد مؤسسات الدولة فيها، حتى تزيل التعصبية القبلية».ويضيف المحافظ الذي تنحدر أصوله من قبيلة يمنية عريقة، أن لا أحد يعمل ضد القبائل، ولكن ضد بعض مما يسيئها.. «أما وجود القبيلة، فالعرب كلهم قبائل، ومن لا ينتمي لقبيلة ليس بعربي.. القبيلة لا تعيب، لأن الله خلقنا قبائل وشعوبا، لكن الذي يعيب القبيلة هو التصرفات السيئة التي ألصقت بها، ألا وهو التعصب القبلي المقيت، ومنه ظاهرة الثأر، والاقتتال القبلي السيئ.. القضاء على كل هذا لا يكون إلا بوجود مؤسسات الدولة، النيابة وقسم الشرطة والمحكمة؛ هذه تنهي قضية الثأر، وكذا بالتزامن مع تنمية القبيلة، مثل التوسع في تقديم الخدمات كالتعليم والصحة، وغيرهما.. حين تتوفر هذه الخدمات تبدأ العصبية القبلية في الذوبان».ومع أن أسماء العديد من المديريات يسمى بأسماء قبائل، وهو ما يتخوف البعض من أن يتسبب في استمرار المشاكل بين القبائل، إلا إن المحافظ يوضح قائلا: «هذا أمر طبيعي.. لدينا تقسيمات إدارية لكل محافظة عبارة مديريات، والاسم الأول لكل مديرية هو اسم إداري، لكن الاسم الثاني ستجده اسم قبيلة من القبائل، مثل مديرية سنحان أو مديرية خولان». ويستطرد المحافظ بقوله: أريد أن أؤكد أن المدينة لا تلغي شخصية القبيلة، وينبغي أن يكون السؤال هو: هل ترى أن التعصب بدأ يتراجع أم ما زال كما هو أم أنه آخذ في التزايد، مقارنة بالمرحلة الماضية.. أؤكد أنه بدأ يتراجع.. لكن أصبح لدينا تعصب من نوع آخر، هو التعصب الحزبي في العمل السياسي، والذي أعتقد أنه تأثر بالتعصب القبلي.. لكن على أية حال، الآن أصبح أبناء القبيلة الواحدة ينتمون لعدة أحزاب، سواء أحزاب المعارضة أو أحزاب في السلطة، وحين تأتي الانتخابات ترى أبناء القبيلة الواحدة كل يذهب وراء حزبه.. لا قبيلته.. الحياة الحزبية أخذت من العصبية القبلية، تلاحظ أن الحزبية أخذت مكانها بشكل كبير.. بينما نحن نريد الاعتدال».
من ملف جريدة الشرق الاوسط عن اليمن
0 التعليقات:
إرسال تعليق