"Alkasir" for circumventing website censorship released in BETA version

Saturday, May 16, 2009
A new tool to circumvent website censorship named "Alkasir" was released today in its BETA version 1.0 and is now in the public domain. The release comes after the software was publicly revealed for the first time in Cairo yesterday during the first day of the "Blogging the Future" summit organized by the Kamal Adham Center for Journalism Training and Research.
The software, whose name originates from the Arabic word 'alkasir', meaning 'the circumventer', is now accessible and according to its developer, Walid Al-Saqaf, an be downloaded directly from

"l-Kasir is a project carried out with the support of the MidEastGate ongoing program to expand
access to information in the Middle East. The program is implemented by MideastYouth.com, "a nonprofit network supporting freedom of expression and activism online," Al-Saqaf said during a session he presented in front of an audience of bloggers and journalists representing many countries from around the world.

It was revealed in the session that alkasir is capable of tracking and circumventing censorship of websites by applying a multi-layered and distributed technique depending on a central service for storing information regarding blocked websites and other servers to provide tunneling channels for users of the program.

The author of the program said that although it originates from and is intended primarily for the Middle East, it is still possible to use it for other countries as well. "But we decided to give priority to the Middle East and North Africa region as it is one that suffers from excessive website censorship." Al-Saqaf noted.

Many of the participants in the Cairo summit gave a favorable opinion of the program's objectives and technique. Meanwhile, some participants expressed privacy and security concerns of its use and application given that it predominantly targets news and activism-related content. It was hence a priority, according to them, that the circumvention tool should enhance its anonymity and security features to avoid the exposure of data about users the service and what websites they access.

The launch of alkasir comes in a time when dozens of political and news websites are blocked by ISPs due to their critical anti-government content.

Syria, Tunisia, Bahrain, Syria, and Yemen are examples of countries where the software could be utilized to allow users to access banned websites. The developer however warned that the version is meant for testing purposes in the time being and noted that more services and features will be introduced in the future.

More information about the software and its uses can be found at: http://alkasir.com.

The product is freeware and can be downloaded from http://alkasir.com/download and
instructions on how to get the software can be provided upon sending an email to

عادات الزواج ومخاطر الجان (د. مصطفى واعراب)

يحظى السحر خلال المناسبات المهمة في حياة الناس- والمرأة منهم بشكل خاص- بمكانة مهمة, فسواء تعلق الأمر بمناسبات كالخطوبة أو الزواج أو الولادة أو العقيقة أو الزفاف، فإن الاحتراس من التعرض لأذى الخصوم والأعداء بواسطة عمل سحري يعد أكثر من ضروري.

ولأن الزفاف في حياة المرأة يعد فرحة عمرها الأهم؛ التي تؤرخ لنهاية حياتها كطفلة وبداية مرحلة جديدة من حياتها كزوجة وأم,,, فإننا سنسعى في هذه المقالة إلى إلقاء نظرة عابرة، على بعض أهم المعتقدات السحرية المرتبطة بـ «ليلة العمر».

العَمَّارية
من بين عادات الزواج الذائعة في المغرب، نجد عادة حمل العروس في ليلة زفافها فوق هودج والرقص بها وهي فوقه ثم الطواف المتحرك بها على إيقاع راقص, ويطلق المغاربة اسم «العمارية» على هذه العادة القديمة، التي هي من بقايا طقوس سحرية- دينية قديمة جدا، تعود دون شك إلى فترة ما قبل دخول الدين الاسلامي, ولها دلالات بات ممارسوها يجهلون اصولها اليوم.
في دراسة جادة قام بها «لاووست»، يضع الباحث الفرنسي مقابلة بين «سرير لآلة منصورة»، من جهة، الذي يعد شكلا من اشكال الفرجة التي كانت ترافق طقوس دينية في بعض البلدان المغاربية، ومن جهة أخرى، العمَّارية التي هي كما أسلفنا القول عادة تقترن بحفلات الزفاف في المغرب وحده، دون باقي البلدان المغاربية الأخرى.
لقد كانت عادة لالة منصورة تقتضي بأن يتم الطواف، لمناسبة احتفالات دينية، بقفص مصنوع من أضلاع النخل ومغطى بأثواب لها ألوان براقة, وكان القفص يحمل اسم (القوس) أو (سرير لالة منصورة)، ويترافق تجواله في أزقة المدينة عزف الطبول والمزامير, والاعتقاد السائد كان في أن من يرفع الستار الذي يحجب عن الأبصار سرير لالة منصورة يعمى في الحين.

تحكي الأسطورة ان لالة منصورة كانت فتاة مخطوبة اختفت في ظروف غامضة بينما كانت محمولة إلى بيت عريسها, ولم تكن العادة تقضي بأن يرافق «القوس» جميع مواكب الزواج، بل انها كانت مخصصة لبنات النبلاء من علية المجتمع المغربي, وكان القفص المشيد في شكل قبة تنتشر فوق سطحها ملابس العروس ومجوهراتها التي ستحمل معها إلى بيت بعلها.

ولم يكن الحفل هذا الزاميا للعموم، لكن الأثرياء كانوا يقيمونه لبناتهم اعتقاد منهم أن «بركة» خاصة ترتبط به, وكان سرير «لالة منصورة» شبيها إلى حد ما بالعمارية التي كانت تحمل فوقها العروس إلى بيت زوجها, والعمارية قديما- كما وصفتها شهادات أجانب تعود لبدايات القرن الماضي- كانت عبارة عن هودج من الخشب يُعطى بأثواب نسائية مأخوذة من عند نسوة من أقارب وصديقات العروس، يوضع فوق «بردعة» بغل.
وعكس الحاصل الآن، فإن «العمارية» لم تكن عادة حضرية تمارس في المدن فحسب، بل كان أثرياء البوادي يشرفون بها بناتهم أيضا, وثمة اختلافات في أشكال العمارية وفي الطقوس المرافقة لها, ففي منطقة الغرب (التي تطلق في المغرب على منطقة الشمال الغربي)، كان الناس يضعون العمارية فوق ظهر الفرس التي تحمل العروس؛ لاعتقادهم في ان ذلك يجلب لزوجة المستقبل مولودا ذكر من حملها الأول.
أما في احواز طنجة، فكانت «العمارية» تصنع من قبل العريس، ومن اشجار الزيتون، بينما في فاس التي كانت موطن نخبة التجار والعلماء عبر مراحل تاريخ المغرب، فقد كان هودج العروس ينقل- حسب وسترمارك- إلى منزل العريس «اذا كان شريفا: أي يعود نسبة إلى آل البيت الشريف) من طرف الاشخاص الذين يمتهنون نقل الاموات فوق المحمل «النعوش».
ومن خلال دراسته المقارنة، يرى لاووست بأن سرير لالة منصورة هو «العمارية» مع فارق بسيط بينهما، يحدده الباحث في أن الأول كان يندرج ضمن حفل رقص تنكري شهير في ورغلة «بالجزائر»، وارتبط بمناسبة دينية, أما العمارية فهي موكب طقوسي ينظم في حفلات الزواج بالمغرب, ويخلص الباحث إلى استنتاج أن الحفلين معا هما من بقايا الطقوس التي كانت مرتبطة بحفل ديني أو سحري ديني بربري قديم، كان ينتهي بمأساة.

البربر
فقد كانت القبائل البربرية الوثنية في المغرب القديم تحتفي بزواج آلهتها، الذي لم يكن يدوم لأكثر من الوقت الكافي للحظة حب خاطفة؛ يرتبط خلالها عريس كان يجسد في المعتقدات القديمة التجدد، بعروس تمثل إلهة الخطوبة, ويتوج الاحتفال الطقوسي بتقديم الفتاة قربانا للنار بعد حملها في هودج من الأغصان, ويرجح لاووست أصل الأسطورة إلى إلهة من الأوثان البربرية القديمة.
إن ما حملنا على الاستطراد في مستفيض الحديث عن العمارية ومقارناتها بسرير لالة منصورة «المجهول لدينا ماضيا وحاضرا في المغرب»، وهو استدراج القارئ إلى عقد مقارنة أخرى بين طقوس العمارية كما تمارس اليوم في ليلة الزفاف، من دون أية دلالة واضحة عدا كونها ترمز إلى أن العروس فوق «رؤوس» الجميع,,, وأصول نشأتها الأولى التي تبددت مع الزمن.

والحقيقة أن التطورات التي لحقت شكل «الهودج»، مسَّت قيمته الرمزية ايضا, ومن الناس من بات اليوم يعتقد في أن رفع العروس فوق العمارية يجعلها في حماية من العين الشريرة، وفي منأى من اعتداءات الجان في مستقبل حياتها.

حفل الحناء
تعد طقوس الحناء جزءا أساسيا من الطقوس الاحتفالية التي ترافق الزفاف في المغرب, وتنال أهميتها البالغة من حيث انها تتجاوز حدود الفسيفساء التجميلية التي تزين- ظاهريا- أيدي وأرجل النساء، لتأخذ بعدا سحريا تضيع أصوله الأولى في ليل التاريخ.
وكما قال (فوندرهايدن)، فإن الحناء خلقت في حياة الناس جملة من الطقوس والتقاليد السحرية، تنتمي إلى ماض سحيق يأتينا عبرها محملا بالرموز والعلامات, واستمرار الحضور القوي للحناء في مغرب اليوم، داخل العوالم الحميمة للنساء، مرتبط عضويا باستمرار تداول القيم الرمزية التي تمزج الدين بالأسطورة، لتمنحها نوعا من القداسة، في الثقافة الشعبية.

حكاية الزواحف
من المعتقدات المغربية المرتبطة بالحناء والزفاف، اسطورة تروي أن السحلية الخضراء (وهي من الزواحف الجميلة المنظر وغير المؤذية)، كانت في الأصل امرأة, وأصل مسخها، أنها كانت شابة جميلة الخلقة لم يكن مضى على زواجها سوى وقت قصير، عندما ذهبت إلى الحمام البلدي للاغتسال، وحين عودتها مزينة اليدين والرجلين بالحناء، باغتت زوجها وهو يخونها مع شقيقتها.
لم تتحمل العروس الصدمة وهي لا تزال بعد في أيام زفافها الأولى، فتمنت أ يتم مسخها فتأخذ هيئة حيوان لا يشعر كي لا تحس بعد ذلك الآلام التي كانت تمزقها. وهذا ما حدث فعلا ومسخت في صورة سحلية خضراء، هكذا تقول الأسطورة.

وتذهب أسطورة أخرى إلى ان نيل رضا ملكة الجن (لآلة رقية بنت الملك الاحمر)، التي تحرس الحمامات العمومية التي ترتادها النسوة باستمرار من أجل الاغتسال، يقتضي من المرأة أن تضع الحناء على أطراف جسمها قبل أن تذهب للحمام, وتوقد قبل الدخول إلى قاعة الاغتسال البخور الطيب.
ومن العادات التي لا تزال متبعة في احتفالات الزفاف في بلادنا، نذكر عادة تقديم طبق وريقات الحناء المجففة وفوقه بيض الدجاج ضمن الهدايا التي تحمل للعروس, ويأخذ هذا النوع من الهدايا رغم قيمته المالية البسيطة، أهمية كبرى مع ذلك, فالحناء تطحن لتطلي العروس بها أطرافها من طرف سيدة «معلمة» خبيرة بالحناء؛ وتدعى «الحناية».
وفي الصباح الذي يلي ليلة الزفاف، تقوم العروس بسلق البيض لتأكله مع شريك حياتها القادمة, وفي اعتقادها أن بياض البيض فأل خير سيجعل حياتهما كلها بيضاء وخصوبة؛ هنيئة وخالية من المشاكل.
حنة مزوارة
ومن الطقوس الأخرى المرتبطة بالحناء والزفاف في المغرب، الحفل المسمى «حنة مزوارة», وجرت العادة بخصوصه ان تقوم اسرة العروس بجمع بعض الحناء من عند سبع نساء، وتخلط بالماء ليطلى بها جسم العروس قبل «دخولها»؛ أي قبل ليلة زفافها بيوم أو يومين, ويعتقد ان من شأن ذلك الطقس ان يزيل عن العروس كل عمل سحري قد يلجأ اليه خصومها أو أعداءها لمنع زواجها.
و«المزوارة» هو لقب يطلق على المرأة المتزوجة للمرة الأولى، وهي التي تكلف بالبدء بوضع الحناء على جسم العروس، تيمنا وبركة، ثم تتكلف «الحناية» بوضع الباقي.
وأثناء وضع الحناء للعروس في مجلس خاص، تغني النساء بعض الأهازيج الشعبية التي يحفظها للمناسبة ومنها:
«سيري ولا تخافي يا لآلة
تلقي السعد الوافي يا لآلة
سيري بالسلامة يا لآلة
تلقي بوعمامة يا لآلة,,,»
ويتضمن معنى الأهزوجة دعاء للعروس أن تكون سعيدة في حياتها، وأن يلقاها «شيخها بوعمامة»؛ أي حماها بالصدر الرحب والقبول.

وتتعدد مخاوف أهل العروس من أن تتعرض ابنتهم لمكروه من قبل الخصوم الحساد أو الأعداء, فقد يلجأ شخص رفضت العروس الزواج منه- أو أهله- إلى الانتقام منها ليلة عرسها، بتسليط عمل سحري عليها، بحيث يفسد عليها سعادتها,,, أو قد تلجأ فتاة عانس أعمى الحسد بصيرتها إلى نفس السلوك,,, ولذلك تكلف والدة العروس في السر امرأة أو مجموعة من النساء اللواتي تثق فيهن، من اجل مراقبة الحفل ومنع كل ما قد يحصل من الافعال المؤذية.
وفي بعض المناطق المغربية تعمد «الحناية»، قبل وضع الحناء، إلى كسر بيضة على رأس العروس أملاً في أن تكون المرأة مخصبة كثيرة النسل, وبعد أن تكون العروس في كامل زينتها، توقد الشموع وتطلق البخور الطيبة التي تبطل مفعول السحر الاسود، حسب المعتقد، ويبدأ حفل الحناء.
وتمنح أم العروس للحناية التي «تنقش» لابنتها الحناء «الحلاوة»؛ وهي عبارة عن قالب من السكر ونقود تقدمها اليها أيضا النساء المدعوات للحفل, ومع الحناية التي تكون منشغلة بنقش الحناء للعروس، تردد النسوة الزغاريد والأهزوجة التالية:
«سيري لدارك ويا لآلة
سيري لدارك تنبتي
ثمة ويا لآلة
سيري يا وريقة العرعار
سيري لدارك ما تشوفي عار»
وإذا شعرت والدة العروس بأن ثمة عملا من أعمال السحر الأسود موجه ضد ابنتها، فإنها تقوم بتبخيرها، بالدخان الذي يطلقه رمي العرعار والفاسخ والكبريت وشوك القنفذ وقطعة من درقة السلحفاة البرية في نار حامية، أو رمي حرباء حية فيها

سحر الارقام والرموز (د. مصطفى واعراب)

يعد السحر المكتوب أكثر ضروب السحر الرسمي أهمية لدى العامة، وتنبع أهميته البالغة من حيث هو - في نظر العامة - «سحر عالِم» ؛ بمعنى أنه يقوم على علوم مضبوطة القواعد تُــدرَّسُ، عكس ما هو عليه الأمر بالنسبة إلى السحر الشعبي، الذي تتناقل وصفاته بين عامة الناس عن طريق المشافهة.
وإذا كانت فعالية السحر الشعبي نسبية، اعتباراً لكونه يُــتَدَاوَلُ بشكل مفتوح بيـن العامة، فإن سحر الأحرف والأرقام يعد «مؤكد الفعالية»، بسبب توفره على شرطَيْ الغموض والسرية الضروريين لتمام العملية السحرية، و«نجاحها»,,

الكلمة
تمارس الكلمة العربية سحرها على الناس,فسواء كانت شفوية تتلى في شكل تعاويذ،ضمن طقوس سحرية أخرى، أو كانت مكتوبة على ورق خشن أو أي سند آخر،فإنها تكتسب قوتها من «الخاصية السحرية للغة العربية »، كما يرى المفكر الفرنسي الراحل جاك بيرك, فالعربية هي لغة القرآن الكريم، ولذلك نجد في أغلب الوصفات المكتوبة أو الشفوية آيات من كتاب اللــه وأسماء الله الحسنى،جنباً إلى جنب الأرقام والرموز السحرية الغامضة المعنى؛ لاعتقاد السحرة في أن اجتماعها كلها في نفس الوقت والمكان يُــحدِث الأثر المطلوب, ويستعين الفقيه الساحر بتلك العناصر التي تُــكتَــبُ أو تتلى لإنجاز رسوم وترديد عبارات مع الاستعانة ببعض العناصر السحرية الأخرى،من أجل خلق حدث سار أو تجنيب الزبون(ة) حدثاً مفجعاً أو حزيناً,.

وإذا كانت أهمية الأبجدية العربية تكمن في كونها تعتبر من وجهة نظر الساحر وسيطاً له مع القوى السماوية الدينية، فإن الأهمية التي تحتلها الرموز السحرية الغامضة، تنبع من كونها - من وجهة نظر الساحر - تعتبر وسيطاً سحرياً له مع القوى الخفية من ملوك الجان وخدامهم من عامة بني الجان.
أما الأرقام التي استهوت الولوعين بالحساب منذ القدم، فإن لبعضها خاصيات سحرية تبعث على الدهشة، وتدخل في «الحسابات» الضرورية لإعداد بعض الوصفات العلاجية أو الوقائية،كما سنرى بعد قليل,,
سحر الأرقـــام
تحظى بعض الأرقام لدى المغاربة بمكانة سحرية لا تقبل الجدال, وهي على الخصوص 5 و 7.
بالنسبة للرقم 5، سنرى أصل قيمته السحرية حين الحديث عن العين الشريرة, أما الرقم 7، فيبدو - بحسب موشون - أنه يستمد قوته الغامضة من كونه يشير إلى عدد قبائل الجن(عددها سبعة وفق بعض الأساطير المحلية), ولأن الجن هم أصل المعتقدات السحرية كلها لدى المغاربة،فإن العدد سبعة يحظى لديهم بقيمة سحرية فريدة من بين غيره من الأعداد، وسيتكرر كثيراً في العديد من الوصفات السحرية التي سنأتي على بسطها لاحقاً.
في بعض الحالات يكون العدد في حد ذاته حرزاً، كما هو حال العدد خمسة,فيكفي مثلاً، رسم العدد باليد أو النطق به، لإبطال أذى العين الشريرة, أما في حالات أخرى، فإن أهمية العدد وقوته السحرية تنبع من ضرورته البالغة في عملية «فك الخط »، التي تعني تشخيص حالة «المسحور(ة)» بعد تفكيك اسمه الشخصي واسمَي والديه إلى أرقام,,, ولتبسيط الأمر ،نأخذ حالة السحر العلاجي كمثال:
عندما يستعصي على مريض العلاج الطبي، يذهب به الاعتقاد إلى أنه وقع ضحية لعمل سحري شرير, فيلجأ إلى الفقيه الساحر، الذي يبدأ بسؤاله عن اسمه الشخصي واسم أمه واسم والده, يفكك الأسماء إلى حروف، ثم يحول الحروف إلى أعداد يقوم بجمعها، ويقسم الخارج على 3 إذا كان المريض رجلاً, أما إذا كانت امرأة، فإنه يقسمه على 7,.
وبعد حصة إدخال الدهشة الضرورية إلى نفس المريض، من خلال إجراء العملية أمامه بالريشة القصبية والحبر السحري(الصمخ)، يتناول الفقيه كتاباً من صنف الكتب الصفراء التي تبدو عتيقة وقد تطايرت أوراقه الداخلية وتآكلت جنباتها من كثرة الاستعمال, يفتحه، ثم يشرع في البحث في جدول طويل من الأعداد عن العدد الموافق للخارج المتحصل من العملية, ويتضمن ذلك الجدول السحري السري الذي يحفظه كل فقيه ساحر لديه مثل كنز نادر، لائحة طويلة من الأعداد ، كتب في مقابل كل عدد منها تفسير لحالة مريض، وأصل مرضه وعلاجه,,
سحر «الحرف»
يَعتبر السحرة أن لبعض الحروف الأبجدية العربية قيمة سحرية كبرى،تجعلها أساسية لأعمال السحر المكتوب, وقد قسم واضعو مصنفات السحر الرسمي، وأشهرهم البوني، قواعد جد معقدة لن ندخل كثيراً في تفاصيلها الجانبية, ويختصر البوني تلك الصعوبة البالغة في فهم «سحر الحروف»، وما يمنحها من قيمة سحرية كبرى،بالأبيات الشعرية التالية:
ففي الحروف علوم لست أبديها
حتى أجد طالباً يدري معانيـــها
حروفها برزت من غير واسطة
وكان السر منها في معانيـــها
والله والله أيمـــــــــاناً مؤكدة
لا يلحق الخوف يوماً قط قاريها
وهكذا تنقسم الأبجدية العربية إلى مجوعات أبجديات سحرية حقيقية، تقسم الحروف العربية إلى مجموعات،لكل مجموعة منها خاصياتها،بحسب التأويل الذي يعطى لها, فهناك الحروف المعجمة، والحروف غير المنقطة(التي لا تحمل نقطاً:كالميم والهاء,,,الخ)،ثم هناك مجموعة الحروف السبعة (لنلاحظ القيمة السحرية للعدد سبعة) التي تسمى «سوا قط الفاتحة», ويُـــقصَــد بها الحروف التي لم تتضمنها كلمات فاتحة الكتاب العزيز, ويقدم جدول دعوة الشمس الشهير ،(أنظر الجدول) العلاقات القائمة في دنيا السحرة بين تلك الحروف و«الخدام العُــلويين» (ملائكة) و«السُّـــفليين» (ملوك الجان) واليوم الذي يحكم فيه كل واحد منهم والكواكب المؤثرة,,,الخ, وبذلك يكشف العلاقات الخفية المتداخلة بين العناصر السحرية,.
وفي الصف الأول عمودي نجد «السواقط السبع»، وفي الصف الثاني أسماء الله الحسنى التي تقابلها والتي لاحظنا أنها تتكرر كثيراً في التعاويذ والرقى المكتوبة كما في الجداول السحرية, ويتضمن الصف الثالث من الجدول أيام الأسبوع السبعة(أيضاً سبعة) الموكول خلالها لكل واحد من «الملوك العلويين» (الصف السابع أفقي) وخدامهم السفليين(الصف السادس) الحكم على الجن والإنس ، ويمكن بالتالي توسلهم لتحقيق غرض كل بحسب «يومه»,,,أما الصف الرابع فيشير إلى الأجرام السيارة السبع ومقابلة تأثيرها السماوي بالعناصر السحرية الأخرى, وفي الصف الخامس نجد الطلاسم أو «الخواتم السبعة» التي يقول عنها البوني أنها تتضمن سوراً من التوراة والقرآن والإنجيل, وفي مؤلفه «منبع أصول الحكمة» يخصها بالعجيب والغريب من الأغراض.
وفي الصف الأخير عمودي نجد البخور المناسبة، والتي ينبغي أن ترافق كشرط لازم الطقوس السحرية الشفوية أو المكتوبة كي يتحقق المطلوب,فلكل «خام الحرف والبخور التي تناسبه خلال اليوم المحدد له,,,الخ,
وثمة علاقة قائمة بين الحروف السحرية والأعداد،حتى وإن لم يُـــشِــر إليها الجدول أعلاه,فخلال التمارين السحرية التي يقوم بها الفقهاء السحرة المتمرسون،يجري تفكيك الأسماء إلى حروف ــ على نحو ما رأينا ــ ثم تُــحَــوَّلُ الحروف إلى أعداد,كما تدخل التقابليات بين الأعداد والحروف في نسج تعقيد آخر سنرى بعض عناصره الكبرى؛ ويتعلق الأمر بـ
«الوفق»,.
الرمـــوز السحرية
ليست «الخواتم السبعة» ، الرموز غير العربية الوحيدة في ترسانة السحر الرسمي في المغرب,فثمة أبجديات أخرى ،هي في الغالب عبارة عن رموز غريبة المصدر والمعنى، بيد أن استعمالها شائع في وصفات السحر المكتوب، على نحو ما تؤكده النماذج المرفقة، والتي تم اختيارها بشكل اعتباطي وليس انتقائياً,,
ويقدم الجدول التالي الأبجدية السحرية المعروفة باسم «الحروف ذات العيون» أو «ذات النظارات»، والتي تدخل في إعداد «الجداول», وهي رموز يزعم السحرة أنها تمثل الحروف الأولى لأسماء بعض الأرواح المؤثرة في دنيا السحر ، ويُــتَــوَسَّــلُ إليها من أجل التدخل لتحقيق غرض من الأغراض(علاج مرض من الأمراض المستعصية،زوال العكس لتحقيق زواج أو نجاح في الأعمال،الخ,,)، ووسيلة التوسل ذاك،هي استعمال الرمز الذي يمثل الروحانية المتوسل إليها في «الجدول» أو «الحرز» السحري,.
وهناك أبجديات سحرية أخرى مثل «السبع خواتم»، السالفة الذكر، التي تتضمن «خاتم سليمان», وهي من تأثيرات السحر اليهودي؛ إذ المعروف في المغرب أن سحر اليهود(المغاربة) متفوق على غيره,,ثم هناك أبجدية أخرى أوردها الدكتور مصطفى أخميس، وهو طبيب جراح وباحث أنثربولوجي مغربي،استقاها من أوساط السحرة في منطقة سوس بجنوب المغرب أثناء عمله هناك.
أربعة ملوك
وهي رموز تخص أربعة من بين ملوك الجن السبعة،بواقع ثلاثة رموز مُـمَــيـِّــزَة لكل واحد منهم،كما في الجدول التالي: ملك الجن مرة وبرقان وشمهاروش وميمون، ولها رموزها الخاصة التي سنعرضها في صورة أو جدول خاص برموزها وحروفها، وإن جميع هذه الأحرف والأعداد والرموز، التي قدمناها بشكل مقتضب، تمثل بعضاً من أهم عناصر ترسانة السحر الرسمي, وتجد لها استعمالات شتى في وصفات قضاء أغراض السحر الأبيض(النافع وغير المؤذي) أو الأسود,,.

الفأل وقراءة الغيب (د. مصطفى واعراب)

رأينا فيما سبق ان اهم نوعين من السحر في انحاء العالم المتفرقة، حسب وجهة نظر وليام هاولز هما: السحر العلاجي وسحر التنبؤ بالغيب، ويرد عالم الاجتماع والانثروبولوجيا البريطاني ذلك الى كون المرض العضوي والشك هما اقصى اسباب القلق الاجتماعي والشخصي وطأة على البشر.

وبعد ان عرضنا للكثير من وصفات السحر العلاجي، على مدى الحلقات السابقة، سنتوقف فيما يلي عند اهم الطرق المستعملة لقراءة الغيب (بمعناه الواسع) باعتبارها ضربا من ضروب السحر، دون ان ننسى الحديث عن الفأل، الذي هو شكل من اشكال التنبؤ بالمستقبل.

الأسرار
طرق الغيب كثيرة ومتنوعة، والذي يلوذ بالسحرة يجد في جعبتهم دائما، اكثر من حل للمشكلة الواحدة، فلكي يكشف احدهم عن سر يؤرقه، يحضر الى بيته ساحرا، ويدعو عنده بنت الجيران الصغيرة، يكتب الساحر بعض العبارات السحرية على ذراعها وجبهتها ثم يوقد بعض البخور التي يلف دخانها الكثيف الصغيرة، وينتظر الوقت الكافي حتى تسقط الفتاة الصغيرة متصلبة الجسم، بعد ذلك يسألها عن الموضوع الذي من اجله قدم الى البيت: للكشف عن مصير شخص غائب، قراءة المستقبل، فضح النوايا الخبيثة لمن يتربص بهم، الخ، فتخبره الصغيرة بما اراد معرفته وهي غائبة عن الوعي.

ان الاطفال خلال المرحلة التي تسبق بلوغهم «لا يكذبون» فأقوالهم، حسب معتقداتنا الشعبية، صادقة كما هو صادق فألهم دائما وذلك نجد ان اغلب وصفات الكشف عن الاسرار المختلفة تعتمد بشكل رئيسي على مشاركتهم في الطقوس المسرحية التي يشركهم في لعبها الكبار.

وكان اليهود المغاربة عندما يريدون الكشف عن سر يبحثون عن فتاة صغيرة تكون عذراء وسنها يراوح بين 11 و13 سنة يحممونها ويلبسونها ملابس نظيفة، وفي الليل عندما تنام الطفلة يأخذون ابرة ويغسلونها سبع مرات ويغرزونها في ضفيرة شعر الصغيرة اليمنى ويحرقون قريبا من وجهها الجاوي وبعض البخور الاخرى، وعندها تنتابها حالة من الهيجان، فتبدأ في الكلام بصيغة الجمع معبرة باسم الارواح التي مستها، وتسأل الحاضرين عما يريدون معرفته فتجيبهم عنه، ان تعاون الاطفال مع السحرة من اجل الكشف عن خفايا الآخرين يعتبر شرطا اساسيا لنجاح العملية بحيث ان الاستعاضة عنهم بالكبار لا يبدو مجديا ومن المدهش ان الرحالة المغربي الحسن الوزان قد انتبه الى حقيقة ألاعيب السحرة الذين يستغلون سذاجة الاطفال، حين نقل في (وصف افريقيا) مشاهد من حلقاتهم في فاس القرن السادس عشر، حيث يقول في وصف العرافين انهم «يجعلون الماء في قدر لماع، ويرمون فيه قطرة زيت فيصير شفافا، ويزعمون انهم يرون فيه كما يرون في المراظة جماعة من الشياطين القادمين بعضهم خلف بعض كأنهم كتائب تعسكر وتضرب الخيام» ويضيف قائلا: «يضع هؤلاء العرافون احيانا القدر (قدر الماء) بين يدي الطفل، ويسألونه هل رأى الجني الفلاني او غيره، فيجيبهم الطفل الساذج بنعم، لكن لا يدعونه يتكلم وحده».

معرفة السارق
ولأن في وسع الساحر ان يقرأ الغيب من خلال تسخيره للإنس والجن، فإنه يكون مقصد من تعرض لسرقة خصوصا اذا كان المشكوك في كونه السارق ينتمي الى المحيط الاسري للمسروق ويرغب هذا الاخير بالتالي في استرجاع مسروقه بلا ضجة.

واغلب وصفات السحر التي يعملها الساحر بهذا الخصوص تتطلب مشاركة طفل او كفل ايضا، عدا عن تلك التي تعتمد على طقوس مكتوبة (طلاسم) وتبدأ لائحة الوصفات التي استطعنا تجميعها من مصادر متفرقة مكتوبة وشفوية بوصفة طريفة يقول فيها البوني: اذا اردت اظهار اسم السارق فخذ ورقة وشمعها وارمها في الماء واتل العزيمة، فتنط (تقفز) الورقة، فخذها تجد اسم السارق وتعريفه مكتوبين فيها (كذا).
اما الوصفات الشعبية فلا تقل غرابة، حيث تشير واحدة منها الى انه للكشف عن هوية السارق، يكفي ان تضع لمن تشك فيه، لسان ضفدع في خبز وتناوله اياه، وما ان يأكله حتى يسارع الاقرار بفعلته.
ويقول السيوطي انه لرؤية السارق، تأخذ بيضة دجاجة وتكتب عليها من أول سورة «الملك» الى حسير ثم تدهنها بالقطران وتعطيها لصبي ثم تقرأ سورة «يس» والصبي ينظر اليها فإنه ينظر (فيها) السارق.
ومن الوصفات الاخرى التي يزعم السحرة انها تنفع لمعرفة هوية السارق، ان تحضر طفلة بكرا (دليل الطهارة في المجتمعات العربية) وتأمرها ان تعجن فطيرا بلا ملح، وتخبزه وهي صائمة، ثم تعمل من اللقم على عدد المتهمين بالسرقة وتكتب على كل لقمة هذه الآيات: قال معاذ الله ان نأخذ الى: الظالمون ان الله لا يخفي عليه شيء في الارض ولا في السماء، واذ قتلتم نفسا الى تكتمون والسارق والسارقة فاقطعوا الى: نكالا من الله يتجرعه الى بميت ان لدينا انكالا الى أليما حتى اذا بلغت الحلقوم الى: تنظرون وتكتب كل هذه الآيات الطويلة في كل لقمة، وتطعم كل واحد من المتهمين لقمة، فمن كان بريئا اكل اللقمة وبلها، ومن كان سارقا لم يجد في فمه رقا لكي يمضغها به.

الفال
الفأل او الفال في اللغة الفصيحة هو كل قول او فعل يستبشر به او يتطير منهن ويحفل الفلكلور المغربي على غرار الفلكلور العالمي بالكثير من المعتقدات التفاؤلية او التشاؤمية ان الفأل هو ادراك سابق لما سيحصل للإنسان في اعقاب مصادفة (كلمة او حركة او لقاء سعيد او مشؤوم) وذلك بحسب تأويل المعتقدات السائدة.

ويعتبر الصباح اكثر فترات اليوم حرجا بهذا الخصوص حيث من شأنه اية مصادفة تحدث خلاله (سعيدة كانت او مشؤومة) أن تؤثر على باقي اليوم, فعندما يصادف الرجل اثناء مغادرة بيته في الصباح الباكر حيوانا او انسانا ذميم الخلقة، مثلا، فإن ذلك يعتبر فألاً مشؤوما ينذره بأن يومه لن يمر على خير وقد يدفع به حذره الى العودة الى فراش النوم ويقينه كامل في انه بذلك يتفادى مصيبة او مصائب كانت تنتظره لو اكمل مشوار يومه كما كان ينوي وثمة اشكال اخرى كثيرة من الفال، تعني في معتقد العامة تنبؤات سعيدة او مشؤومة، نكتفي منها بالامثلة التالية.
اذا تمرغ الكلب في رماد الكانون (الحفرة التي توقد فيها نار الحطب) فذلك يعني بالنسبة للفلاح ان المطر سيهطل، اما يحدق القط في صاحبه وهو يحك وبره، فمعنى ذلك ان الصاحب سيحصل على رزق وفير.
وكان المغاربة في الماضي عندما يذهبون الى الحروب يتفاءلون او يتطيرون من اي شيء يصادفهم على الطريق فإذا التقوا اسدا او خنزيرا بريا اعتبروا ذلك فألا حسنا، اما اذا صادفوا ارنبا بريا فإنهم يتشاءمون من ذلك، ويتوقفون عن المسير ويدقون اوتاد الخيام، الى ان يظهر ما يجعلهم يتفاءلون.
وتتعدد اساليب وطرق قراءة الطالع باختلاف العرافين والعرافات, ففي حضرة «الشواف» او الشوافة وهو الاسم المحلي لأهل التخصص يقع الزبائن في حيرة الاختيار بين ورق اللعب (الكارطة) او الرصاص المصهور (اللدون) او ضرب الخط الزناتي، او دعوة الارواح، او القراءة في السبحة (التسبيح) الى آخر اللائحة.
ونقدم في ما يلي اطلالة على بعض من اكثر طرق «الشوافة» تداولا,,.
الكارطة
تعتبر قراءة الطالع من خلال تفحص ورق اللعب (الكارطة) تخصصا نسائيا بامتياز تمارسه نسوة معروفات في منازلهن او في جوار بعض الاضرحة او الاسواق المتخصصة في ترويج مستلزمات السحر (كسوق جمعية بالدار البيضاء) ونظرا للمبالغ المالية الزهيدة التي تتلقاها قارئات الكارطة في مقابل خدماتهن (10 الى 20 درهماً) فإن الاقبال عليهن لا ينقطع, والملاحظ ان اسلوب عمل كل «شوافة» يختلف عن الاخرى، ولذلك سوف نكتفي بالتطرق هنا لطريقتين لاحظناهما عن قرب:
الحالة الأولى:
قامت الشوافة بخلط أوراق «الكارطة» بحركات سريعة من يديها، ومدتها للزبونة الجالس امامها في صمت، طالبة منها اختيار ورقة منها، دون ان تنظر الى شكلها، وكذلك فعلت الشابة، تطلعت الشوافة الى الورقة الممدودة اليها وبدأت تتفحص الرسم الملون المثبت عليها، ثم غيرت ملامح وجهها، فبدت حزينة وهي تخاطب زبونتها الشابة قائلة: سوف تنالين كل ما تمنيته في صغرك، لكن سوف يتسلط عليك مرض «صعيب» يا بنتي، وستموتين صغيرة؟ بدأت الزبونة تنتحب فأعادت الشوافة تكرار حركاتها وطلبت منها مجددا ان تختار ورقة اخرى، «لعل وعسى,,,» لكن اطلاعها على اختيار اليد المرتعدة للشابة جعلها لا تغير ملامح وجهها المتجهمة، واكتفت بأن اصافت قائلة: «الكارطة ما تكدبش» بمعنى انها تتشبث بكلامها الاول.
الثانية
خلطت الشوافة اوراق اللعب البالغة اربعين ورقة وخلطتها في حركة سريعة، ثم وزعتها على ثلاث مجموعات وضعتها مجددا ثم وضعتها على مجموعة ثانية من اوراق اللعب وقالت: «هذا تخمامي» ثم عاودت نفس الحركة وقالت وهي تضع يدها على المجموعة الاخيرة من الاوراق «هذا باش يأتيني الله» بمجرد انتهاء الزبونة من تسمية مجموعات الورق الثلاثين حسب اختيارها، تناولت كل مجموعة على حدة وشرعت توزع ورقاتها على الطاولة من اليمين الى اليسار, وبين الفينة والاخرى تتوقف عند ورقة معينة لتقرأ من خلالها ما يبدو انه معنى تشير اليه, وبعد ان انتهت من تشخيص حالة الزبونة من خلال قراءة «فالها» و«تخمامها» وتحديد اسباب ومصادر ما تعانيه، اتى دور اوراق المجموعة الثالثة التي كشفت لها من خلال تقليب اوراقها بعناية ما سوف «يأتيها به الله» حيث بشرتها بقرب قدوم عريس ليطلب يدها واعطتها حتى ملامحه العامة «ما طويل ما قصير» ما ابيض (البشرة) ما احمر,,, اي انه ليس لا طويل ولا قصيرها ولا ابيض البشرة ولا اسمر، الخ,,.
وعن السؤال المحرج: كيف تتوصلين الى رؤية ما لا يراه الآخرون، في مجرد اوراق لعب ملونة؟ اكتشفت «الشوافة» الأولى بتذكير السائل بأنها سبق ان اشترطت عليه عدم طرح اسئلة قبل ان تتقبل حضوره الثقيل على مضض, اما الشوافة الثانية فردت على السؤال بأن السر يكمن في موهبة ربانية، لا يعقل ولا يمكن لها ان تفصح عنها هكذا، لأي كان.
اللدون
مثل قراءة الطالع بورق اللعب، لا تبدو طريقة الرصاص المصهور قديمة جدا في المغرب، في مؤلفه الموسوعي عن السحر والدين في شمال افريقيا الذي مر على نشره زهاء قرن من الزمان، يتحدث ادموند دوتيه بصيغة الشك عن وجود عرافين يقرأون الطالع بطريقة «اللدون» في الجزائر (فقط) حيث يقول: «يوجد ايضا في الجزائر (العاصمة) فيما يبدو سحرة يتكهنون بالمستقبل من خلال تفحص صفحة الرصاص المذوب:
ومهما يكن مصدر هذه التقنية وتاريخ ظهورها بين عرافي وعرافات المغرب، فإنها اليوم من اوسع طرق قراءة الطالع انتشارا في بلادنا, وقد سبق لنا ان تطرقنا لها كتقنية سحرية تستعمل ايضا ضمن طقوس قطع التابعة في سيدي عبد الرحمن الجمار بالدار البيضاء.
ولقراءة الطالع، تقوم الشوافة بما يلي: تأخذ قطعة من الرصاص «الدون» تدورها حول رأس الزبون ثلاث مرات، ثم تلمس بها كتفه اليمنى واليسرى بعدها فالبطن جهة السرة قم القدمين وهي تغمغم اثناء ذلك كلاما لا يفهم منه الا اسم الله تعالى وبعض المقاطع من سور قرآنية، ثم تضع الرصاص في آنية معدنية فوق نار موقدة.
ولأن الرصاص لا يتطلب درجة حرارة عالية كي ينصهر فإن سرعان ما يذوب ويتحول الى سائل متحرك في الاناء اثناء ذلك تضع الشوافة سطلا به ماء بارد بين الرجلين المفتوحتين للزبون الواقف ثم تفرغ الرصاص المذاب في الماء فيتصاعد منه بخار مع جسمه, تنتظر الشوافة قليلا حتى تبرد قطعة «الدون» فتتناوله من السطل، لتقرأ في حفرها وندوبها معالم مستقبل الزبون، ويبدو ان ذكاء ودهاء الشوافة ومدى قدرتها على الاقناع، هي ما يمنحها الكلمات التي ينتظرها منها الزبائن، دائما.

الخط الزناتي
يعتبر (ضرب الرمل) او (خط الرمل) تقنية سحرية لاستقراء الغيب، ويحفظ اسرارها السحرة المحترفون, وتستمد اسمها من ممارسة قديمة كانت تقوم على رسم خطوط سحرية من خلال «ضرب الرمل» او التراب بأصبع من اصابع اليد، ثم تفحص الاثر الناتج عن الضرب ومقارنته بمجموعة من الآثار التي يتضمنها جدول سحري معلوم وبالطبع، فإن لكل اثر من تلك الآثار قراءة خاصة لما يخفيه الغيب لصاحب الاثر.
وقد عرف «خط الرمل» هذا تحت اسم اشتهر به كثيرا هو «الخط الزناتي» نسبة الى الشيخ محمد الزناتي الذي طوره ووضع له اسسا وقواعد «علمية» ضمنها مؤلفه الشهير: «كتاب الفصل في اصول علم الرمل» فتطورت الممارسة وانتقلت فيما بعد من ضرب الرمل على الارض الى «علم معقد» «يمارس بالمداد والورق ولا يفلح فيه إلا الحاذق من الفقهاء السحرة الذي يكون متمكنا من هز الخط: اي رفع الاثر وقراءته لطالب الاستشارة».

ويتضمن «علم الرمل» 16 شكلا من الاشكال التي يفترض ان يأخذها الرمل بعد «ضربه» وحتى اذا لم يأخذ احد تلك الاشكال ان ثمة قواعد معقدة تسمح للساحر بأن يعدل الاثر المحصل عليه حتى يأخذ واحدا من تلك الاشكال الستة عشرة.
ويعتبر الخط الزناتي اكثر اشكال قراءة الطالع مصداقية نظرا للهالة العلمية التي تحاط به في وسط العامة والحقيقة ان الشيخ الزناتي ومن جاء من شيوخ الحكمة قد بذلوا جهدا كبيرا في جعل خط الرمل شبيها بأبراج الكواكب والنجوم ففي مقابل اسماء الابراج الاثنى عشر اطلقوا على «اشكال الرمل من الاسماء على التوالي: الاحيان، القبض الداخل، القبض الخارج، الجماعة، الجودلة، العقلة، افنكيس، الحمرة، البياض، النصرة الداخلة، العتبة الخارجة، العتبة الداخلة، الطريق، الاجتماع، نقي الخد.
وقد ابدع الشيخ الادهمي في نظم دلالات الاشكال في ابيات شعرية، حتى يسهل حفظها فيما يبدو، ويقول مثلا في من طلع له في (هز الخط) الشكل التاسع (حسب ترتيب الاشكال في الجدول) وهو المسمى البياض وعلاماته هي ما يلي:
سوف تحظى بنيل كلا مرام
بعد قهر الاضداد والجساد
قد اتاك البياض ينبي بهذا
وعلى الله في الامور اعتمادي
وان كان موقف العامة المتشبث في الاعتقاد بصدق الخط الزناتي فإن الذي يبعث على الاستغراب مرة اخرى هو كون مفكر عبقري من حجم العلامة عبدالرحمن بن خلدون لم يخف في مقدمته الشهيرة اعتقاده في صدق هذه التنبؤات المستقبلية التي تعتمد على ضربات الحظ في الرمل.
الدم والقربان
يثير الدم في النفس البشرية مشاعر غامضة، تتأرجح بين الخوف والتقديس، فسهولة انسيابه، حرارته، لونه الاحمر القاني ورائحته المتميزة، جميعها خصائص تثير بعنف خيال الناس قليلي المعرفة ان الدم هو طابور بالنسبة للمغاربة اذ يحرمون تناوله في الاكل او الشراب ويحذرون ان يطأوا بقعة دم منتشرة على الارض بل انهم يتجنبون مجرد الاقتراب من اماكن تواجد الدم لاعتقادهم في ان الجن يتردد عليها.
وبسبب كل ذلك وغيره يحظى الدم في اعتقادهم بخصائص سحرية تجعل منه احد العناصر المهمة في وصفات السحر، سواء أكان الدم دم بشر او حيوان, فبالنسبة للسحر بالدم البشري يحفل التراث السحري بالكثير من الوصفات التي تستعمل في الغالب اما دم الشخص نفسه المستفيد من العملية السحرية (وصفات الحب) او دم الموتى او دم الحبيب او الغريم، وسنكتفي من كل ذلك بنموذج واحد شائع حيكت حوله الكثير من المعتقدات هو «دم المغدور».

دم المغدور
يعتبر دم كل شخص فارق الحياة في حادث قتل عنيف دما سحريا يستعمل في وصفات الحاق الاذى بالآخر وتتهم العجائز ـ بشكل خاص ـ باقتناص فرص الارتباك الذي يحصل بعد وقوع حوادث السير المميتة لأخذ عينات من الدم المتناثر على الاسفلت في قطعة ثوب او في اذيال الجلباب.
وحسب افادات بعض المصادر الشفوية فإن هذا الدم السحري، كفيل بإحداث اضطرابات صحية خطيرة للأطفال الرضع الذين لم تظهر اسنانهم بعد، كما يستعمل من قبل المرأة التي تريد الانتقام من زوجها، حيث يؤدي بالرجل الى فقدانه لقواه العقلية وقد سمعنا قولا ردده بائع اعشاب ينادي الزبائن في جوار ضريح ولي: «هنا دواء دم المغدور / ديري ليه دم المغدور / باش تحمقيه وتخليه ادور» وهو ما يعكس مدى اعتقاد العامة في القدرات العجيبة لهذا الدم اما بالنسبة للطفل الرضيع فإن ربات البيوت يحرصن على ابقاء اطفالهن الرضع بعيدا عن النساء اللواتي لا يثقن في نواياهن, وحسب ما هو شائع فإن مجرد دخول شخص يحمل وسط ملابسه دم المغدور يكون كافيا لإصابة الرضيع باضطرابات صحية قد ينجم عنها عدم التئام عظام جمجمته.
وان الشيء يحدث الاثر كما يحدث نقيضه وبحسب الظروف فإن دما آخر تمنحه معتقداتنا خصائص 3 سحرية مباركة يبطل المفعول المؤذي لدم المغدور وهو دم اضحية العيد ومن بين الوصفات المعروفة في هذا الصدد نذكر:
1ـ عندما يبلغ الرضيع اربعين يوما نقص خصلة من شعر قفاه، يضاف اليها قليل من الكبريت ودم اضحية العيد (المجفف) ثم تخفى في حجاب يعلق في عنق الطفل.
2ـ يؤخذ دم اضحية العيد مع الزعفران الحر والقرنفل والسانوج وتمزج هذه المواد مع الزيت وحليب الام ليدهن بها رأس الرضيع.
3ـ يمزج دم الاضحية مع (مريوت) فراسيون والروضة وزيت الزيتون ويدهن رأس الرضيع بهذا الخليط، ولا يقتصر استعمال دم اضحية العيد على الوقاية من الآثار السحرية المؤذية لدم المغدور على الرضع، بل ان المجتمعات المسلمة في دول المغرب العربي تستعمل دم الضحية طريا لعلاج بعض الامراض العارضة التي تصيب الكبار ايضا كما تقوم ربات البيوت بأخذكمية من ذلك الدم لتجفيفها والاحتفاظ بها للتبخر (لطرد الجن) كما يدق الدم المجفف ويخلط مع الحناء لعلاج بعض الامراض النسائية خصوصا منها تلك التي تصيب الثدي.4ـ والحقيقة ان دماء الحيوانات تستعمل على نطاق واسع في اعمال السحر، الداجنة منها او المتوحشة وتشمل لائحتها خليطا عجيبا من كل الاحجام والاصناف، يمتد من البقة الى الثور.

قرابين الدم
يعني القربان في اللغة ما يتقرب به الى القوى العلوية من ذبيحة وغيرها وقد تكون هذه القوى آلة او غيرها من القوى فوق الطبيعة جن، اولياء ارواح واذا كانت لكل قربان دلالته وقيمته الرمزية فإن اكثر انواع القرابين قيمة هي الذبائح التي تراق دماؤها خلال طقوس دينية او سحرية.

وتختلف طبيعة القرابين باختلاف المناسبات والجهة التي تقدم اليها والشائع في معتقداتنا ان الجن يفضل المواد الغذائية (فول، حليب، كسكس باللحم ومن دون ملح، الخ,,,) ومن الذبائح التي تحظى بالافضلية لديه، ذبائح الدجاج والماعز الاسود، وتقتضي طقوس تقديمها ان ينحر طائر الدجاج الابيض (او الاسود او الأحمر حسب المناطق والمناسبات) في الاماكن التي يعتقد في تواجد الدم بها خصوصا مجاري الوادي الحار ثم يترك دم الذبيحة يسيل وينثر بعد ذلك ريشها وامعاؤها كي «يلتهمها الجن» مع منع الكلاب من تلك الوليمة الغريبة.

وحسب بعض الاشارات التاريخية فإن بعض الانهار المغربية كانت تشهد اراقة دماء الذبائح بهدف التقرب والتودد الى الجن الذي يعتقد السكان في وجودهم في مياهها كما كانوا يريقون دماء الطيور في المغارات والآبار وغيرها من الاماكن المعتقد في وجود الجن فيها لكن القرابين المقدمة للأولياء المنتشرين بكثرة في المغرب تظل الاكثر انتشارا وعلانية, وحسب الملاحظة، يمكن تصنيف هذه القرابين الى صنفين رئيسيين، من جهة نجد القرابين العادية التي تتوافد مع الزوار بشكل يومي حسب اهمية ودرجة شهرة الولي.

وتتمثل في الشموع والعكيات المالية التي تقدم لدفين الضريح ، من خلال اقرب الناس اليه، اي المشرفين على ضريحه، ويستمد هذا النوع من القرابين ضرورته، وفق الاعراف القائمة، من كونه يعتبر وسيلة تواصل تسمح بربط وشائج علاقة روحية بين المريد وصاحب «المقام» إذ لا تجوز في عرف العامة زيارة الاولياء بأياد فارغة؟ وهناك من جهة ثانية، قرابين الدم التي تعتبر اكثر اهمية، نظرا لقيمتها الاقتصادية والرمزية «إراقة الدم» والتي تقدم للأولياء بشكل مناسباتي او سنوي, وهذه هي التي سنتوسع هنا في البحث في دلالاتها.

ان ظاهرة تقديم الذبائح للأولياء قديمة جدا في المغرب, وتجد أصولها في الحفلات الزراعية التي كان يقيمها أجدادنا تتويجا للمواسم الفلاحية، حيث كانت القبيلة تجتمع حول وليها، في احتفال سنوي «موسم» يخرجها من إطار الروتين اليومي وتشكل المناسبة فرصة لنحر الأضاحي على شرف الولي/ الاب الروحي للقبيلة، ومن لحومها تهيىء النسوة ولائم جماعية تؤجج حس الانتماء الجماعي الى القبيلة الواحدة.

لقد كانت للقربان حينها، وظائف اجتماعية وروحية لكن ضاعت الكثير من ملامح تلك الحياة الجماعية الأولى، و أصبحت القرابين التي تنحر اليوم على أعتاب الأولياء فردية, وبشكل عام، يمكن التمييز بين أربعة انواع رئيسية من قرابين الدم التي تقدم للأولياء: هناك اولا، القرابين التي تنحر من اجل التقرب الى ولي وهذه العادة الشائعة، لا علاقة للمستوى التعليمي او الاجتماعي بانتشارها، بدليل ان بعضاً من الاطر السامية في اسلاك السلطة الترابية اشتهروا بإتيانها علانية, فبمجرد تعيين عمال الاقاليم، يهب بعضهم الى زيارة الأولياء الاكثر في أقاليمهم «تحت أضواء الكاميرات او في زيارات خاصة».
يحملون إليهم هبات مالية مقدموها من الولي إبعاد الشر عنهم «التطهر من العكس، طلب الشفاء، صرع الجن,,,» ثم هناك قرابين الدم التي يطلب اصحابها من القوى المقدسة الخفية، إنجاح او صفقة «نجاح في الاعمال، تيسر الزواج، إلخ»
واخيرا، هناك القرابين المقدمة استيفاء لنذر سبق للمعنى ان قطعه على نفسه، ففي حالات معينة، يقطع الزائر «او الزائرة» على نفسه عهدا بأن يحمل الى الولي ذبيحة في حال ما إذا تحقق مراده, وحين يقضي الغرض، يصبح على كاهل صاحب النذر دين ينبغي عليه ان يؤديه، وإلا انقطعت عنه بركة الولي.

ان المطلوب من الولي، في الحالات كلها، في المقابل قربان الدم المقدم إليه، هو بركته: البركة التي تطرد الشر المسلط من الآخر، والبركة التي توفر الحماية من العين، والبركة التي تيسر سبيل النجاح، وتقضي الاغراض كلها وتضمن استمراريتها.

كيف يحصل الاتصال مع القوى العلوية، من خلال قربان الدم؟
يرى إدموند دوبيه، وهو أبرز الدارسين للظواهر السحرية في المجتمعات المغاربية، فإنه لكي يكون القربان مكتملا «اي مستوفيا لشروط القبول» يكفي المضحي وهو ينحر الاضحية ان يدعو التأثير الخلاصي للقوى فوق الطبيعية، كي يحل «التأثير» في لحم الاضحية التي سيتناولها فيما بعد، مع الاكل, ويضيف «دويته» ان ذلك يحصل عندما يتم نحر القربان في جوار الولي, ان سيلان الدم على الاعتاب المقدسة للولي هو شرط واجب لطرد التأثيرات الشريرة من المضحي، بواسطة الذبيحة، ويستنتج إدموند دويته انه لكي يتم طرد الشر بشكل فعال من طرف صاحب القربان، ولكي توضع في اتصال جيد مع العلوي، ينبغي ان يسيل الدم بغزارة.

وقد كانت تقام حول بعض الاضرحة الشهيرة مجازر حقيقية للحيوانات، خلال فترات «المواسم» السنوية وكانت الاسرة ترعى قربان «الولي» طيلة اشهر، او طيلة السنة، حتى السنة اذا حل الموعد السنوي المنتظر، حملته الى وليها لتسييل دمائه على جنباته المقدسة
وقد عثرنا في دراسة قديمة كتبها الباحث الفرنسي «لاوست» علي اشارة عامرة حول غزارة الدم الذي كان يفيض على جنبات احد الاضرحة الشهيرة في المغرب إذ حسب لاوست خلال الموسم السنوي لمولاي إبراهيم «80 كيلومتراً عن مراكش» الذي يقام بعد عيد المولد النبوي بايام، كانت تقام مجزرة حقيقية للديكة البيضاء «الدجاج البلدي، طبعا» الى درجة ان دماءها كانت تسيل غزيرة في عدران، على عتبة «الزاوية».

قربان النار
بالنسبة الى عالمي الاجتماع الفرنسيين اوبير وموس فان القربان هو «وسيلة للدخول في اتصال مع الالوهية، من خلال كائن حي يتم تدميره خلال الحفل ويكون هذا التدمير اما بالذبح كما رأينا، كما قد يكون بالاحراق، وقد عرفت الحضارات البرشية منذ القدم عادات تقديم القرابين البشرية والحيوانية لكننا لم نعثر على ما يفيد بوجود ظاهرة تقديم القرابين البشرية في المغرب خلال اي عصر، بينما كانت قرابين النار من الحيوانات شائعة على نحو علني وجماعي، خلال بعض المناسبات المغربية ولا نعلم ان كانت تمارس حتى اللحظة الراهنة في بعض المناطق ولعلنا نجد في الطقوس السحرية التي تتضمن التبخر ببعض الحيوانات الصغيرة بعد رميها حية في لهيب المجاهر، كالحرابي ـ حمع حرباء والعقارب وغيرها,,, والتي مازالت تمارس على نطاق واسع اشكالا متأخرة لكن فردية وخفية، لقرابين النار التي كانت في السابق جماعية وعلنية، وانقرضت من مجتمعنا.
لقد ارتبطت قرابين النار في بلادنا ببعض المناسبات التي يتم خلالها إشعال نيران المباهج، مثل عاشوراء والعنصرة ومن امثلة قرابين النار، التي ذكرها لاوست، في عاشوراء ان قبائل جباله في الشمال العربي كانت ترمي جثة قط متوحش «مش الغابة» في «شعالة» عاشوراء اما قبائل بني مكيلد «بالمغرب الشرقي» فكان افرادها الرحل يحرقون دجاجة بيضاء خلال نفس المناسبة ويقول «وسترمارك» انهم كانوا يحرقون ديكا ابيض في خيامهم وان ذلك الطقس، كان هو كل احتفالهم بالمناسبة الدينية اما في مدينة سلا، فإن الناس كانوا يحرقون طائر البو في نيران عاشوراء بينما في تزوالت «سوس» كانوا يرمون للنيران بعض الاسماك.
وفي تفسير هذه العادات الغريبة لم يكتب الكثير لكن حسب «وسترمارك» فان الدخان المنبعث من جثث الحيوانات يطهر ـ في اعتقاد الناس ـ من التأثيرات الشريرة، وينقل البركة، ولذلك يعتبرون قرابين النار مفيدة للزراعة ولقطعانهم, أما عالم الاجتماع الفنلندي «منهاردت» فيستنتج من دراسته للظاهرة ان لذلك الدخان خصائص سحرية.
ولعل من اغرب قرابين النار التي عرفها المغاربة، قربان الحلزون الذي كانت تقدمه بعض قبائل الاطلس الكبير لنيران عاشوراء فحسب «لاوست»، دائما كانت قبائل ايت إيسافن تبدأ احتفالاتها بالمناسبة الدينية بذبح بقرة على عتبة المسجد، ويحمل دمها ليراق في المكان المخصص لنصب الموقد المقدس «الشعالة» وفي اليوم التالي، تذهب الفتيات لجمع الحطب اللازم في الغابة، بينما ينصرف الفتيان من جهتهم ، لالتقاط الحلزون الذي سيحتفظون به الى غاية اليوم الاخير من احتفالاتهم.
وعندما تخبو النيران في الليلة الاخيرة، وتوشك ان تنطفىء يتقدم فتيان القبيلة نحوها، ليرمي فيها كل واحد منهم حفنة من الحلزون، وهم يرددون باللهجة المحلية : «مونات دلباس نون» اي انهم يحملون الحلزون كل شرور سنتهم القادمة، ليدمروها في النار، ويتخلصوا منها حتى عاشوراء الموالية.

العين الشريرة .. أقدم المعتقدات السحرية (د.مصطفى واعراب)

أحب أن أضيف فقط على ما جاء به الدكتور مصطفى واعراب حول يد فاطمة, أنه ربما تكون ترمز للالهة الخمس (أبناء العملاقين كرونوس لدى اليونان أو الجان الخمس لدى الامازيغ).. سنتطرق إلى ما يعنيه الرقم 5 و7 كأرقام ذات خصائص سحرية لاحقا.. إليكم بحث د. مصطفى واعراب.
العين الشريرة.. أقدم المعتقدات السحرية (د. مصطفى واعراب)
يندرج الاعتقاد في العين الشريرة ضمن أقدم المعتقدات السحرية التي تشكل إرثا فولكلوريا مشتركا لدى أمم وحضارات الأرض المتباعدة، فقد عرفته شعوب الغرب والشرق، من اليونانيين والرومانيين إلى الهنود والفراعنة والبابليين والقرطاجيين، وغيرهم

وحسب وسترمارك، فإن هذه الشعوب اعتقدت أيضا في قدرة اليد البشرية على الوقاية من أذى العين الشريرة, ولم يكن المغرب بمنأى عن تأثير تلك الحضارات، حيث تشير المعطيات الأثرية إلى أن رمز الكف الواقية كان معروفا ومتداولا لدى أسلافنا، بدليل أن نماذج من «يد فاطمة» وجدت ضمن اللقى الأثرية بموقع شالة الأثري بالعاصمة الرباط, ويؤكد ذلك أن التخوف من الطاقة السحرية المؤذية التي تطلقها العين الشريرة، والذي يستشعره المغاربة حتى اليوم من بعضهم البعض، له جذور ضاربة في القدم.

العين التي «تقتل»
ليس نادرا أن يصادف راكب الطريق أمامه رسم «عين» أو «كف» عند أسفل مؤخرة شاحنة أو عربة نقل، وقد كتب إلى جانبها عبارة «عين الحسود فيها عود», ويرسم البعض على أرباب الدور والدكاكين يدا بأصابع مجتمعة أو متفرقة، أو يعلق حدوة الحصان على الجدران، بينما تضع النسوة لبناتهن في سلسلة اليد أو العنق، التميمة المعروفة لدى شعوب المغرب العربي باسم «خميسة» والمصنوعة من معادن رخيصة أو نبيلة.
إن هذه التجليات اليومية التي تشير كلها إلى أساليب مختلفة للوقاية من العين الشريرة، إنما تكشف عن درجة اعتقاد الفرد المغربي في قدرة نظرات الآخر على الحاق الأذى بما يملك ويحب «أي إصابته بالعين».
و«العين» هي تلك الشحنة السحرية المدمرة التي تقذفها النظرات الحاسدة، حتى عن غير قصد, ولذلك يصنفها العلامة المغاربي ابن خلدون ضمن «التأثيرات النفسية» التي تصيب الإنسان, ويشرح في مقدمته الشهيرة طريقة الاصابة بالعين قائلا «إن تأثيرات نفس المعيان (أي ذي العين الشريرة) عندما يستحسن بعينه مدركا من الذوات والاحوال ويفرط في استحسانه، وينشأ عن ذلك الاستحسان حينئذ أنه يروم معه سلب ذلك الشيء عمن اتصف به فيؤثر فساده».

إن المعيان يبدي اعجابه، يلمس، يبين، وفي كلمة: يميز شيئا أو شخصا، ولو ذهنيا، وعلى الفور، تضعف صحة الشخص المعين ويموت أحيانا، أو يتعرض لحادثة سير.
أما الأشياء المعينة فإنها قد تتلف وتتفتت، إذا لم يقل الناظر اليها أو المتحدث عنها عبارة: «بسم الله».
فالعين إذن هي شريرة بقصد أو من دون قصد, ومع ذلك فإن تأثيرها المؤذي ينتج منه فقدان المعين لشيء جميل يتمتع به، وقد يصل الأمر إلى أن يفقد حياته بسبب «العين» في أعقاب مرض مستعص يصيبه أو حادثة قاتلة, والصدفة وحدها تحدد نوع الاصابة ومكانها وزمانها.
وفي اعتقاد المغاربة أن اشخاصا معينين «عينهم تفتت الحجر»، ولهم علامات ظاهرة تفضحهم, كأصحاب النظرات المحدقة، وذوي العيون الغائرة في مجرها، والنساء بشكل عام، والعجائز منهن بشكل خاص, ولذلك كانت الأعراف تقضي خلال المناسبات الاحتفالية، كالأعراس مثلا، أن يتم جمع العجائز لوحدهن مع الحرص على أن يتناولن الطعام ويبقين بعيدا عن العرسان.
الأنانية
وعموما، فإن الأشخاص الأنانيين والنمامين والغشاشين وأصحاب النظرة المائلة والذين ينظرون إلى الناس على وجوههم ملامح التكدر، كل أولئك أعينهم شريرة، وينبغي تفاديهم.
وتتجاوز المبالغة عند الحديث عن الأثر المدمر لنظرات الشخص المعيان، حدود المقبول، وان كانت تعكس في الحقيقة درجة الخوف من الاصابة بالعين، ومن أمثلة ذلك الحكاية التي سمعها (إدموند دوتيه) خلال زيارته إلى مدينة «الصويرة الكبيرة» (في الجنوب الغربي للمغرب)، في بدايات القرن الماضي,,, وتقول ان أحد الاشخاص المشهورين بحدة نظراتهم كان يتجول في الجزيرة التي توجد قبالة المدينة، فرأى صخرة ضخمة وصاح: «يا لها من صخرة كبيرة!»، فانفجرت الصخرة وانشطرت أمام الأنظار غير المصدقة للناس، إلى ثلاثة أجزاء.
والطريف أن ناقل الواقعة أخبر (دوتيه) بأنه لم يكن حاضرا لحظة وقوعها، لكنه شاهد الأجزاء الثلاثة للصخرة المنشطرة، في «جزيرة الصويرة».
إن ما يمكن أن نستنتجه من هذه الحكاية الطريفة، هو أن القوة السحرية للعين، وهي التي تندرج ضمن الأذى الذي يسميه عامة المغاربة «الباس» (بتسكين السين)، لا تمارس تأثيرها المدمر على البشر فحسب، وإنما على ما هو أصلب منه، وأكبر حجما.
لقد أثارت العين الشريرة نقاشا فقهيا طويلا، انصب حول السؤال: هل يعاقب المعيان، حين يثبت أن نظراته كانت «مسؤولة» عن إيذاء شخص أو شيء, فرأى ابن خلدون، من جانبه، أن ما ينجم عن نظرات الحسد» ليس مما يريده ويقصده (صاحبها) أو يتركه، وإنما هو مجبور في صدره عنه», وبالتالي فلا جرم على المعيان, ويستدل العلامة على حكمه بالقول القديم المأثور: «القاتل بالسحر أو بالكرامة يقتل والقاتل بالعين لا يقتل».
لكن في مقابل هذا التسامح الخلدوني، كان القضاء الفقهي في المغرب متشددا، ويقضي بمعاقبة كل من عرف عنه كونه صاحب «عين شريرة», وحتى ماض ليس بعيدا عنا كثيرا (نهاية القرن التاسع عشر)، كان في امكان القاضي أن يصدر حكما في حق من يقتنع بأنه معيان، يقضي بأن يوضع في فمه اللجام والشكيمة كما الدواب، ليساق بعد ذلك في دروب المدينة وأسواقها من طرف شخص يمسك بعنانه، وكان في اعتقاد القاضي والعامة أن ذلك الإذلال القاسي كفيل بتخليص المعيان من القوة المدمرة لنظراته.
يد فاطمة
«يد فاطمة» ليست تعبيرا محليا، بل هي ابتداع أوروبي أطلق قبل نحو قرن، على حجاب شهير نطلق عليه في تعبيرنا المغربي الدارج اسم «الخميسة» أو «الخمس», وهي عبارة عن كف متلاصقة الأصابع، تصنع من الذهب أو الفضة أو النحاس أو العاج أو غيرها من المواد المعدنية وتعلق على مكان بارز من الجسم (العنق في الغالب)، حتى تكون في مرمى بصر الآخرين، وتبطل مفعول كل عين شريرة.
وحسب ج, هربر، فإن اليهود المغاربة الذين كانوا يشتغلون في صياغة وتجارة المجوهرات، لعبوا دورا رئىسيا في ترويج «الخميسة»، فالاعتقاد في خصائصها السحرية مشترك بين المسلمين واليهود المغاربة، حتى اليوم، وقديم جدا، حيث وجدت بعض البقايا الأثرية الشبيهة بيد فاطمة ضمن المجوهرات التي عثر عليها، بموقع شالة بالرباط، وتعود إلى العهد الروماني.
ويعتبر هربر أن تاريخ التميمة المعروفة باسم «يد فاطمة» مليء بالمتناقضات، فالعين الشريرة مفردة، بينما أصابع اليد خمسة، ولا يمكن ادخال خمسة أصابع في عين واحدة, ومن هنا فثمة عدم توافق بين الحركة والغرض منها, وفي مقابل ذلك، يقدم الباحث اطروحته في الموضوع، مجملها أن المغاربة كانوا يشيرون إلى من يخشون «عينيه» بالعضو التناسلي المذكر قائلين: «,,, في عينك!», ونظرا لخلو العبارة من كل حشمة، فقد شبهوا العضو التناسلي بالاصبع الأوسط لليد، واتخذوا منه بديلا ثم تطور الأمر بعد ذلك إلى اتخاذ اليد كلها حجابا ضد العين، بدل الاصبع الذي يتوسطها!
أما ادموند دوتيه، فيرى ان «يد فاطمة» لها علاقة، من دون شك، بزوج قرن الحيوان من جهة، ومن جهة أخرى بحدوة (صفيحة) الحصان، التي هي طلسم آخر يستعمل بكثرة ذي العين الشريرة، ويبدو انها (حدوة الحصان) تجمع بسبب شكلها ووظيفتها والمادة التي تصنع منها، المميزات السحرية لرموز عدة: القرون، الهلال، اليد وكذا خصائص حدوة الحصان»، هذا الحيوان الأليف الذي كان مقدسا لدى البدائيين.
بما ان اصابع اليد الخمسة هي الحامي الذي يلجأ اليه للوقاية من العين، فتكفي تسميتها بمد اليد، أو يقول «خمسة في عينك» لكي يبطل مفعول العين الشريرة، وحسب دوتيه مرة أخرى، فإن كلمة «خمسة» لوحدها استحوذت على القدرة السحرية لليد, وتبعا لذلك اصبح يوم الخميس (خامس يوم في الاسبوع)، مناسبا في بلدان المغرب العربي كلها، لزيارة أضرحة الأولياء المشهورين في أوساط العامة بعلاج أعراض الاصابة بالعين.
الفقيه
ويحدد الفقيه المعالج نوعين من الاصابة بالعين الشريرة: حين يكون المعيان معروفا أو حين يكون مجهولا للمصاب بـ «العين» ويختلف العلاج حسب الحالة، ويكون صعبا حين يجهل المصاب هوية المعيان, وفي هذه الحالات الصعبة، يأخذ الفقيه قطعة كبيرة من حجر الشب (الشبة) يقرأ عليها بعض العبارات السحرية ويمررها حول المريض سبع مرات، ثم يرمي بها مع جمر متقد في إناء, ليتبول عليها المريض، وبانطفاء الجمر، تنطفئ العين الشريرة المجهولة.
أما حين يكون المعيان معروفا فإن العلاج يصبح في غاية اليسر، فاذا عرف المعيان يؤمر بالاغتسال ثم يؤخذ الماء الذي اغتسل فيه ويصب على المحسود من خلفه فيبرأ, ومن صفات علاج العين الشريرة التي يؤكد السيوطي أنها «صحيحة ومجربة» قوله: «اذا أتاك المعيان رجلا كان أو امرأة، تأخذ بيضة بعدما توقفه (الميعان)، نجعلها على رأسه وأكتافه وتمسح وانت تقول- قل هو الله احد- إلخ، وتقول ايضا: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، سبع مرات، وتعطيه البيضة ينفخ فيها وتقول «يا الله يا رب يا حفيظ يا مانع»، سبع مرات، وينفخ فيها ايضا ثم تكسرها في زلافة (طاسة) كحلاء فيها شيء من الماء، تخرج لك العين السوداء بإذن الله تعالى».
وكان للمغاربة اليهود طقوس يقاسمون اخوانهم المسلمين الاعتقاد في قدرتها على معالجة «العين»، نذكر منها الوصفة التالية: يأخذ الشخص المعيم حفنة من الحمص وكوب ماء ويذهب ليمسح عتبات: أبواب الملاح والبيعة (الكنسية اليهودية) والحمامات، بواسطة ثوب مبلل بذلك الماء، ثم يترك حبة حمص فوق كل عتبة، ويعصر المعين الثوب من مائه ليمسح جسده بالماء المحصل عليه يتخلص من أذى العين الشريرة.
وقد كانت هذه الطقوس تمارس من طرف النساء اللواتي اصابتهن «العين» خلال احدى زياراتهن والرجال الذين أصيبوا بها خارج بيوتهم, وبالنسبة للمسلمين، كانوا يغيرون فقط البيعة بالمسجد وباب الملاح بباب المدينة، ويكملون مفعول الطقوس ببعض الكتابات السحرية (الحروز) التي تتضمن بدون شك الرقية.

للوقاية من العين
تحفل المعتقدات السحرية في المغرب بكم هائل من اساليب الوقاية من أذى العين الشريرة- فهناك حيوانات لها القدرة على الحماية من «العين» كالسلحفاة البرية التي تدجن وتترك لتدور في البيت, والخنزير الوحشي الذي تعلق أنيابه في أعناق البشر والخيول, ثم هناك ايضا: العين اليسرى للثعلب أو الذئب والبوم، وغيرها من العناصر الحيوانية التي تستعمل للوقاية من نظرات الحسد.

ويعتقد المغاربة ان اللون الاسود يبطل سحر العين ولذلك يعقلون لاطفالهم «خميسة سوداء اللون على الجبين او في معصم اليد، بواسطة خيط احمر، كما يلفون في ثياب رضعهم «صرة» من ثوب اسود، بها قليل من الشب والفاسوخ والحرمل والقزبر حبوب، كما يضعون تحت اسرة نومهم سكينا او كيسا به ملح وشب وحرمل,,, ولانهم يعتقدون في وجود اشخاص عينهم شريرة «معيانين», واذا وجد احد الخائفين من العين، في مرمى عيني معيان بسبب الجوار في السكن، فإنه ينثر امام عتبة باب بيته الشب والحرمل، حتى يوقف تأثير نظرات المعيان المؤذية ويمنعها من الدخول.
واذا حضر المعيان إلى عرس، فإن أصحاب العرس ينتظرون انصرافه، بفارغ الصبر, حتى اذا غادر الحفل، جرى أحدهم إلى مرقد النار ليأخذ منه جمرة يلقيها في قدر ماء، قائلا: «الله يطفي عينين فلان، كيف ما طفأت هذه الجمرة».
وتحمل الفتاة الخائفة من «العين» في حمالة صدرها سبعة فصوص من الثوم، أو قليلا من الملح في حقيبة يدها, ويعلق الرجل «خميسة» صغيرة في سلسلة عنقه الذهبية، او يحمل مع مفاتيحه رصاصة نحاسية تم اطلاقها من بندقية، يوم الأربعاء الأخير من الشهر القمري.
وقد كان المغاربة في بعض المناطق يحملون- للوقاية من العين- عقربا حيا في وعاء من القصب، ويعلقونه على دورهم، لكن اكثر اساليب رد أذى النظرات المؤذية يظل هو الرقية التي ابتدع المعالجون طقوسا وطرائف عديدة لاستثمار خصائصها الوقائية، هي من الكثرة بحيث سنكتفي بالوقوف عند كثرهم انتشارا.
والرقية تقول: «بسم الله ارقيك والله يشفيك من كل داء يؤذيك، ومن كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك», وتستعمل بكثرة على شكل حجاب يعلق في العنق، أو تتلى خلال التبخر بالملح، كما يقولها الفقيه المعالج، وهو يضع يده اليمنى على رأس المصاب ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع مرات, أو «يحتويها» الماء المقروء عليه، الذي قرئت عليه الرقية، قبل ان يسكبه الفقيه على رأس المحسود من جهة الخلف,,.
الوشم للوقاية من أذى العين الشريرة
يعد الوشم واحدا من اقدم الممارسات المنتشرة في كل المناطق المغربية، وهو عبارة عن رسومات هندسية على بعض مناطق جسم المرأة، وبدرجة اقل من الرجل.
ومن اكثر تقنيات الوشم تداولا، نجد الوشم بالحناء على اليدين والقدمين، الذي يتبدد مع الزمن، والوشم «الجراحي» الذي يصبح جزءا من العضو المرسوم فوقه، ولا يمكن محوه منه إلا بالجراحة او باستعمال بعض المستحضرات الكيماوية.
والنوع الذي سنتحدث عنه هنا، هو النوع الثاني الذي يتم من خلال شق الجلد بابرة حادة لرسم أشكال هندسية معينة، تملأ الجروح بالكحل ومسحوق الفحم عصارة بعض النباتات, وعندما تشفى تلك الجروح، تترك مكانها رسما أخضر يميل إلى الزرقة تصعب ازالته من الجلد، يمثل شكلا هندسيا معينا.
لقد كان الوشم في المغرب حتى وقت قريب وسيلة لتحقيق بعض الاغراض الاجتماعية, نذكر من اهمها: علاج بعض الامراض المزمنة (كالروماتيزم)، او التعريف بأبناء وبنات القبيلة الواحدة من خلال وشم الشكل الذي يمثل هويتها على وجوههم او اذرعهم، فضلا عن ان الوشم يعد مصدر زينة، خصوصا لدى النساء الفقيرات.
بيد أن بعض علماء الانتربولوجيا والاجتماع اعتبروا ان الوشم (خصوصا الجبيني الذي يرسم عند ملتقى الحاجبين)، ليس مجرد «زينة للفقراء» وانما هو ايضا وبالأساس حرز للوقاية من العين الشريرة (كما يرى مثلا ادموندوتيه)، من حيث هو نمنة لعين ثالثة بين العينين (وهو رأي وسترمارك)، أو شكل محرف لأصابع اليد الخمسة.
وهذا النوع من الوشم لا يزال يمارس في المناطق الريفية بالمغرب لاعتقاد الناس انه يقي من العين الشريرة ويحمل حسب الشكل والمنطقة اسما مختلفا, ومنه نقدم هذه النماذج التي كانت الاكثر شيوعا.
هذا النموذج يطلق عليه المغاربة حسب اختلاف المناطق، اسماء: مركب ونوالة وغيرها، يرى فيه وسترمارك نمنة لعين مفتوحة, فالنقطة تمثل حدقة العين، بينما الشارة التي فوقها بمثابة الحاجب, فهي عين ثالثة بين العينين.
وقد كان هذا النوع من الوشم الجبيني بكثرة في وسط القبائل العربية والبربرية: دكالة، بني مطير، السراغنة، بني مكيلد، إشقيرن، اولاد حريز، أحمر، إلخ.
هذا النموذج الذي يحمل من الأسماء: جدول، حدادة مقص، وردة، حل وسد,,, يعتبر حرزا دائما في مواجهة العين الشريرة، يجلب اليه النظرات المؤذية فيبطل مفعولها.

زواج الجن من الانس (د. مصطفى واعراب)


كان في مدينة مراكش منزل قرر اصحابه تحويله الى حمام عمومي وهم يجهلون انه مسكون بالجان, وعندما ذهبت امرأة شابة متزوجة حديثا للاستحمام فيه، اختفت تحت ماء «البرمة» - اي الصهريج - الذي يتجمع فيه الماء الساخن المخصص للاستحمام الزبائن, وبعد المناداة عليها طفت على سطح ماء الصهريج وتكلمت قليلا ثم عادت للاختفاء مجددا، بمجرد ما حاول الناس الامساك بها.
وقد تم اغلاق هذا الحمام ، وترك لمالكيه الغيبيين!

إن هذه الحكاية التي سمعها الطبيب الفرنسي موشون في مراكش، خلال العقد الاول من القرن العشرين، لا تختلف في شيء من تفاصيلها المثيرة عما يتداوله حتى الساعة الراهنة في اوساط العامة، من غريب الحكايات عن افتتان كائنات الخفاء المذكرة والمؤنثة ببعض بني الانس, وهو افتتان قد يبلغ درجة الوقع فتتراوح نتائجه بين افتضاض بكارة فتاة وهي نائمة من طرف جني من «النواقم»، وتسليط مرض غامض عضال على أخرى لأجل الضغط عليها حتى تقبل بالزواج من الجني الذي «يهيم بها»، حبا، وتقبل بالرحيل للعيش معه حيث ارضه وعشيرته.

معتقدات مغربية
وإذا كان اعتقاد المغاربة في وجود الجن موغلا في القدم، كما رأينا، فإنه كان من الطبيعي ان يثمر ذلك الاعتقاد الذي ترسخ بمرور الزمن، الكثير من المعتقدات الخرافية حول مخلوقات الخفاء.
وقد سعى أسلافنا الى اضفاء طابع اكثر واقعية على الجن، حتى يكونوا قريبين الى تصور العامة، عملا بمنطق التفكير البدائي الذي يرفض بطبعه المجرد لصالح المحسوس, فمنحوهم شخوصا واشكالا اسطورية تجعل منهم كائنات مهجنة لها خصائص تكوينية مشتركة بين البشر والحيوان، وقدرات هائلة على التحول والحلول في الاجسام الحية والجامدة، وتحقيق الخوارق.

الاختلاط
إن الاختلاط القائم بين العالم المرئي وغير المرئي، يفرض التزام كل من بني الانس وبني الجن بقواعد الجوار التي تتضمن حقوق كل طرف, بعض الاحتياطيات الضرورية, لكن مثلما لا ينفع الاحتياط في امور الحب بين البشر فيقع الافتتان بين الناس رجالا ونساء، فقد يحدث ان يقع جني او جنية في هوى واحدة او واحد من بني البشر,,, وهنا المشاكل,,.
وفي تصور العامة، ان الزواج والارتباط العاطفي وقيام علاقة جنسية بين الجن والانس هي امور ممكنة الوقوع، ويستدلون على ذلك بالكثير من الحكايات لتأكيد صحة اقوالهم, ويمثل هذا الاعتقاد امتدادا لمعتقدات باقي الشعوب العربية حول موضوع «عشق الجان».
ولا يخلو الموضوع رغم غرابته الشديدة من طرفة ففي المغرب حيث ما زال البعض يعتقد ان العنة «العجز الجنسي» التي يشكو منها هي من عمل الجن المسلط بأعمال السحر، ينصح بعض الطلبة أولياء الفتيات الجميلات بأن يصنعوا لهن تمائم يحملنها باستمرار كي تقيهن من العين الشريرة ومن اي عملية اغتصاب قد يتعرضن فيها من طرف جني يستهويه جمالهن، فيفقدن بكارة الشرف.
ونعود الى الطبيب موشون - مرة اخرى - الذي ذكر حالة رجل من مراكش كان يعتقد ان جنيا لواطيا كان يسكنه كل ليلة (,,,) ويعلق الطبيب على ذلك بالقول ان الرجل المسكين انما كان مصابا بالبواسير، واكتشف الامر بعد عيادته له.
وعموما يمكن ايجاد ابرز معتقدات المغاربة

الإيجاز
حول العلاقة الحميمة بين الانس والجن فيما يلي :
- يمكن للجن ان يقع في عشق الانس تماما كما يعشق بنو الانسان بعضهم بعضا.
- الجن «النواقم» و«الواعرين» - اي الاشرار - يغتصبون بعض الفتيات اثناء نومهن.
- قد يتزوج الجني من بنات الانس كما قد تتزوج الجنية من بعض ذكور الانس ويتم الزواج بأن يسكن الاول الثاني - بمعنى يحل الجني في جسد الانسي .
- المصاب بالصرع قد يكون متزوجا من الجن «رغم انفه» وعندما يدخل المصروع في نوبة مرض الصرع فان ذلك علامة على شروع الجني في المباشرة الجنسية.
- زواج الجان من الانس لا يثمر في العادة اولادا، أو قد يثمر اولادا من الجن غير مرئيين.
- قد يتزوج الجني من امرأة رغما عنها فيقوم بالانتقام من كل من تقدم لخطبتها حيث يدبر له مصيبة.
- الزواج من الجان يمنح الانسان قدرات خارقة - كالقدرة على قراءة الغيب او علاج الامراض وغيرها.
واذا نحن صدقنا كل ما يتداول حول الموضوع فسنعلم بالضرورة ان من السحرة من يتخذ من بعض بني الجن زوجا له او زوجة, ومنهم من يظل بلا زواج من بني جنسه تلبية لرغبة زوج او زوجة من الجن، وثمة من السحرة من له زوجة واولاد من زواجه من كائنات الخفاء.
لكن المتصوف المغربي ابن الحاج وهو من أبرز مؤلفي مصنفات السحر، ينفي هذه الامكانية حيث يقول ان زواج الانسان من جنية يفقده القدرة على مجامعة بنات جنسه
.

الزواج والانتقام
تقدم خديجة نعموني في أطروحتها الجامعية حول بويا عمر، نموذجا لطقس «الصريع الظاهري» عن حالة فتاة عازبة في ربيعها الخامس والعشرين، تشتغل خياطة بالدار البيضاء، وتقول الباحثة ان الشرفاء الرحالين اخبرونها بأنها - مسكونة - من طرف الجني ميمون وزوجته عيشة, وسنكتفي من مشهد الصريع الطويل بالمقطع الذي يهمنا هنا وهو الذي يعترف خلاله الجني باعجابه بالفتاة, وتسجل الباحثة الانثربولوجية باهتمام التغيرات التي تطرأ على صوت الفتاة حين يتقمص صوت الجني.
- وبعد طلب التسليم يبدأ الجني اعترافاته «انا اسكنها بالجدول ولا أريد بها شرا, أنا فقط معجب بها وأريد أعمل معها، ولكنها لا تريدني, لقد اهديتها سلسلة من الذهب فرفضتها، وطلبت منها ان تقدم لي خبزا من دون ملح ورفضت ايضا,,».
- وترد الفتاة مستجيرة بأنها لا تريد الذهب من الجني، ولا الذهاب معه لانه سيسجنها هناك، ليفعل بها ما يريد وانه يطلب منها ان تشرب الدم,, الخ.
إن إهداء الجني او الجنية للانسان سلسلة من الذهب او حين يطلب منها خبزا من دون ملح، في معتقد المغاربة له معنى قاموس لغة الجن، ويفيد بأن الجني او الجنية يعرض على الانسي ان يمكنه من قدرات خارقة تجعله يتفوق على غيره من بني البشر.

وحسب المعتقدات الشائعة، فإن رفض عرض الجن ينتج عنه الحاق مرض بالرافض او الرافضة يكون عضالا.
ومن اهم اعراضه : حمى - شلل - صرع - نزيف - الام في العينين - تشنجات - الخ,, اما في حال الموافقة على طلب الجن، فإن الرجل او المرأة المطلوب للزواج ينبغي عليه ان يقتنص الفرصة ويطلب اي شيء مهما كان خارقا قبل الموافقة، والا ضاعت عليه الفرصة التي لا تعوض.

العشق
وعن عشق الجان وزواجه من بني الانس وما يلي ذلك من مظاهر النعمة او النقمة التي تظهر مفاجئة على بعضهم وسمعنا وقرأنا من الحكايات ما يتخطى عتبة الغرابة ليؤسس لأساطير حية.
أحدهم تحول في وقت وجيز من نادل في مقهى الى ساحر معالج مشهور، والسر كما افشى لبعض معارفه، انما يكمن في زواجه من جنية اشترطت عليه قبل سنوات قليلة الا يتزوج عليها من آدمية، وهو يعيش فعلا حياة عزوبة وثراء في احد المراكز الحضرية الصغرى باقليم الجديدة.
وفي رسالة نشرها ملحق من القلب - الذي تنشر فيه جريدة الاحداث المغربية مشاكل الشباب - قبل اشهر كتب شاب ليشتكي للقراء من تسلط جني عليه، وقال انه احال حياته العائلية الى جحيم منذ وقوعه - الجني - في هوى زوجة المشتكي.
ويحكي الشاب في مرارة واستسلام ان الجني المغتصب - يختلي - كل مساء بالزوجة في غرفة النوم ويهدده من خلف الستار بأن ينزل به أوخم العواقب ان هو لم يطلق زوجته كي يتمكن الجني من الزواج بها!!

ونكتفي بهذين النموذجين عن حكايات الوهم، لنتساءل : كيف تبدو الحياة الزوجية للبشر مع الجن في تصور العامة؟
يبدو ان الانسان المتزوج من الجان - رجلا كان او امرأة - ميالا الى العزلة، منغلقا على نفسه ويكلم نفسه دائما, وتؤول نوبات الصرع لدى البعض على أنها لحظات المجامعة الجنسية, كما يستدل بوقوع الرجل اثناء النوبة، على بطنه بينما تقع المرأة على ظــهرها فوق الارض عندما تنتابها نوبة صرع.
ولأن هاتين الوضعيتين هما اللتان يتخذهما كل من الرجل والمرأة خلال الجماع - المرأة تحت والرجل فوق - فليس أبسط من تأويل لحظات الصرع على أنها لحظات المجامعة الجنسية.
ولا ينتج عن الزواج من الجن اطفال او على الاقل لن يكونوا آدميين، اي لن يكونوا مرئيين، كما اسلفنا. وعندما يتوفى «الشريك» الجني يختلف مصير زوجه او زوجته، بحسب ما يعتقد, فبينما يكون مصير الآدمية المتزوجة من جني اللعنة الازلية والحياة في عوالم الجن السفلي، نجد مصير الارمل الذي يفقد زوجته الجنية يحظى بتعامل مختلف, فالجنية حين تموت تأخذ معها زوجها وابناءها الى حيث قبيلتها كي يحضروا مراسيم دفنها.
ومن حق اهلها أن يروا ابناءها متى شاءوا كما ترث العائلة من الجنية صندوقا يجد فيه الزوج الابنــــاء كل ما يكفي لعيــشهم على الارض.

الجان المؤدي / الجان الحامي (د. مصطفى واعراب)

في أحاديث العامة، يجري الحديث عادة عن الجنّ كمصدر شرّ وأذى, لكن في بعض الحالات يتم اللجوء الى مخلوقات الخفاء للاستعانة بــ «خدماتها» في تحقيق بعض الأغراض, فالجن يمكن - أن يكون مؤذياً أو حامياً ومساعداً - بحسب الظروف والحالات,,.

الجان أصـل الـمـصائـب كـلـهـا!!
يقول فقيه عشاب من مدينة الرباط: «ان الأذى الذي يلحق الانسانَ هو ناتج عن الجان، مسخر من لدن الفقيه أو النفاثات «العجائز»، فالجن يدق العظم، ويشرب الدم، وينهك الجسد، ويخرب الدور، ويهدم القصور، ويعمّر القبور, وهذا النوع من الجان يوجد بالقرب من عين البحر الأزرق، وعندما يسخره أحدهم لالحاق الأذى، فانه يسقي الضحية من هذا الماء، فلا يشفيه من أذاه «طالب» ولا طبيب الا اذا قضى الله أمره».

ان هذا النموذج من أحاديث الوهم والخرافة كاف لكشف الأساليب التضليلية والترهيبية المحملة بمغالطات تناقض أبسط حقائق العلوم الطبية والجغرافية وغيرها,, والكثير مما تحفل به مصنفات السحر الصفراء، يورد أحاديث غريبة عن مخلوقات سر وجودها يكمن في الحاق الأذى بالبشر، من دون أدنى سبب, ولا يتردد تجار الدجل في حشو رؤوس العامة بها، قصد ابتزازهم.
انواع الجان المتنقم
كيف ولماذا اذن، يعتدي الجان على الناس؟ وكيف يمكن للانسان أن يتفادى أذاهم؟
- بحسب الاعتقاد الشائع، فان اعتداء الجان يكون في واحدة من حالات ثلاث:
أن يكون الجني من صنف الجان «النواقم» أي الفكرة المتمردين، فيأتي اعتداؤه مجانيا على بني البشر، وبدون سبب واضح.
- أو قد يكون الجني «مسخرا» لالحاق الأذى بواسطة «جدول» يصنعه الفقيه الساحر بناء على طلب من طرف جهة ماّ.
ويتم دفنه (الجدول السحري) في ركن مجهول من مقبرة مهجورة (الروضة المنسية).

وبحسب ادعاء السحرة، فان هذا النوع من «الديار» (أي العمل السحري المؤذي) هو أخطر ما يمكن أن يلحق الانسان نظرا لصعوبة التعرف على مكان دفن الجدول، وبالتالي استخراجه منه وابطال مفعوله,

ثالث حالات الاعتداء، هي التي تأتي كرد فعل انتقامي من الجان على أذى لحقهم (عن قصد أو بغير قصد) من طرف انسان.
ويعتقد المغاربة أن أمراض الصرع وفقدان الذاكرة وانفصام الشخصية وشلل العصب الوجهي (اللقوة)، والثقاف، والتجرية (الحاق نزيف حاد بامرأة خلال فترة العادة الشهرية)، والتمريض (اصابة شخص بمرض)، و«التعريض» (أي افشال عمل أو مشروع يقوم به عدو أو غريم بأعمال السحر)، وغيرها من الأمراض كلها من أعمال الجان الشريرة.

وقد بلغ الاعتقاد في مسؤولية الجان عن كل ما يصيب البشر من الأمراض الى حد تسمية المغاربة لأمراض معينة بأسماء الجان، الذين يعتقدون في مسؤولية مخلوقات الخفاء عن اصابتهم بها.
ففي دراسة قديمة كتبها الباحث الفرنسي «لاوست» حول بعض «الأسماء» البربرية للغول والغولة»، عثرنا على اشارة عابرة مفادها أن كلمة «بوزلوم» التي يطلقها المغاربة ـ عادة ـ على أمراض الروماتيزم,,, وخصوصا منها النوع المعروف، كانت في الأصل تسمية أطلقتها بعض القبائل البربريةSCIATIQUE تحت اسم طبياًّ المغربية كبني مكيلد وزمور، على ما اعتقدت في أنه الجني الذي يصيب البشر بذلك المرض,
وتستعمل العامة للتحرز من أذى الجان أحجبة أو مواد واقية أخرى كالملح، «الذي لا يحبه الجان»، كما يعتقد, ويعلق أو يحمل في تلافيف الثياب، أو يوضع قليل منه تحت وسادة النوم, كما يستعمل أي شيء مصنوع من الحديد (لاعتقاد الناس أن الجان لا يحب الحديد، أو يخشاه!).
ولذلك نرى الناس يسارعون كلما سقط مصاب بالصرع في الطريق العام، الى وضع حاملة مفاتيح بين أصابع يده، اعتقادا منهم أن المصروع مصاب بمس من الجان، وأن كل ما هو مصنوع من الحديد يطرد الجان!
رؤية الجان وتسخيره!
في زعم السحرة أنه تمكن رؤية الجان تحت شروط خاصة. ويقول الفقهاء الذين يقومون بعمليات «صرع» الجان، انهم يرون صورة الجني على وجه المريض «المسكون به»، حينما يشددون الخناق عليه.
ومن أطراف ما قرأنا في الكتب الصفراء ما أورده السيوطي في كتاب (الرحمة )، وهو من أكثر كتب السحر رواجا بالمغرب، حيث يقدم من ضمن وصفاته الغريبة واحدة يقول انها تسمح برؤية الجان (كذا!).
واذ نذكرها هنا، فمن أجل الكشف عن أساليب الدجل والخرافة، ولا ننصح القارئ بتجريبها,فمن شأن ذلك أن يجعله يفقد بصره، ربما، بدل رؤية الجان!

يقول السيوطي: «,,,من أراد أن ينظر الجان ويعرف مكانهم، فليكتحل بمرارة سنور (قط) أسود ومرارة دجاجة سوداء، (لنلاحظ هنا مرة أخرى القيمة السحرية للّون الأسود) يخلطهم جميعا ويكتحل بهم (يضعه على عينيه كالكحل)، فانه يرى الجان ويخبروه بما يريد,,,».
وصفة قديمة
وهناك وصفة أخرى كانت تمارس بالمغرب، حسب ما ذكر «ادموند دوتيه»، وتتضمن طقوسا سحرية لا تقل غرابة عن السابقة, وبحسبها فانه من أجل «دعوة الجان» ينبغي القيام بوصفة سحرية تفصيلها كما يلي:
تم احضار الحناء والملح وسميد القمح من عند سبع نساء (نلاحظ مرة أخرى القدرة السحرية للرقم سبعة) ولدن لأول مرة، ولم يسبق لكل واحدة منهن الزواج سوى من زوج واحد, تخلط هذه العناصر جميعاً وتعطر بــ «الجاوي» الذي تم احراقه في «مهراز» (مدق) ويحمل الخليط المحصل عليه من العملية الى الحمام والى المجزرة وسوق الحبوب وبالقرب من عيون الماء والآبار وعند تقاطع الطرقات، والى كل الأماكن الأخرى التي يطرقها الجان.

ويرمي في كل مكان شيء من هذا الخليط، مع تلاوة دعاء خاص لاستحضار الجان ودعوته الى حضور موعد في مكان وزمان يتم تحديد هما له.
وفي المساء، يجلس الساحر (أو الساحرة) مع الزبون لانتظار حضور الجني المدعو, فيحل في أحد أركان المنزل عند الموعد ويظهر, ويمكن أن يَطلُب منه الداعي ما يشاء.
خـلـق الجان الـحـامـي
ومن العادات القديمة التي اشتهرت في المغرب والتي لا تزال تمارس على نحو واسع حتى اليوم؛ أن يقدم شخص قربانا عند بداية أو نهاية الأشغال لتشييد منزله أو بناية مقاولته.
ويؤكل لحم القربان، الذي يكون اما خروفاً أو دجاجاً بحسب الامكانيات المالية، من طرف صاحب البيت وعمال البناء، بعد طهيه.
ويُعتقد أن الجان تتغذى بدماء القربان التي سالت في المجاري, وبهذا المعنى يكون القربان وجبة يشترك في تناولها الانس والجن, وفي تقاليد المغاربة أن مشاركة أحد في تناول الطعام تعني خلق أواصر مودة وتقارب معه, ومنه نفهم ـ ربما ـ أن «قربان البناء» هذا انما يهدف الى خلق مودة بين صاحب البيت والجن الذي سيسكنه.
وقد ذهب الكثير من علماء الاثنوغرافيا الى أن هذا النوع من القرابين انما يروم خلق جني، من روح القربان التي أُزهقت بعد الذبح حتى يتكلف بحماية البيت المبني,فيصبح البناء - بحسب هذا التصور- «مسكونا» من طرف جني يحميه!
ومن العادات الأخرى الشائعة، أن يقدم الداخل الجديد على بيت بهدف الاقامة به، بعض الهدايا توددا للجن الذي يسكنه, وتندرج هذه الطقوس ضمن ما يعرف عندنا بـ «طلب التسليم» أي اظهار الخضوع للقوى الخفية التي «تسكن المكان» (بتسكين الميم والنون).
وتختلف قيمة ونوع القربان المقدم في هذه الحالة اختلافا كبيرا بحسب الوضع الاجتماعي للمقيم الجديد وبحسب المناطق, فقد يذبح كبشا أو دجاجا، ليريق دمه في المجاري أو يفرغ فيها كيس ملح صغير أو مواد غذائية سائلة أخرى، تفرغ في نفس المكان كالزيت أو الحليب وغيرها,,.

قبائل الجان أو جماعة الطابو (د. مصطفى واعراب)

يجب أن أحذر أعزائي القراء أنه بالرغم من أهمية الموضوع للباحثين, إلا أنه لا يوصى بقرائته لأصحاب القلوب الرقيقة أو ضعفي الايمان, فربما تخلق نوعا من الوسواس المصاحب برهبة أو رعب من لأماكن المظلمة!! (مع أني أوصي بهذا البحث -للدكتور مصطفى واعراب-, للمهتمين بفهم العلاقة بين عالم الاساطير القديمة وعالم الجن, فهناك الكثير من المعلومات التي تلاقت بأبحاثي عن الديانات القديمة في اليمن بالتحديد والشرق عموما, ولازلت كلما تعمقت أكثر أجد ما يعزز هذه الفرضية)..
قبائل الجان أو جماعة الطابو (د. مصطفى واعراب)
يمثل الاعتقاد في الجان اساس المعتقدات السحرية في المغرب على خلفية ان الجني يكون غالبا هو الرابط الخفي بين الساحر والمسحور وربما يتميز المغاربة عن غيرهم من باقي الشعوب العربية والاسلامية بما عرف لديهم من تشخيص بعض الكائنات الخفاء الشريرة او الحامية ومنحها صفات واسماء (كعيشة قنديشة مثلا).
ان «الجنون» (الجان، بالتعبير المغربي الدارج) اسم طابو عند المغاربة اي محرم النطق به علانية فذكر الجن بالاسم هو بمثابة مناداة عليهم قد ينتج عنها رد فعل انتقامي منها غير محدد العواقب ولذلك يتحدث المغاربة عن الجن بشكل ملتو وغير مباشر فيسمونهم «هدوك» اي اولئك او المسلمين او سيادنا او اللي ما عندهم سمية (اي: اولئك الذين لا اسم لهم) او موالين المكان اي: اصحاب المكان الخ.

قبائل الجان
الجان كائنات تستوطن عوالم الخفاء الممتدة في كل مكان من حولنا هم غير مرئيين بعيون البشر في الاحوال العادية لكن مع ذلك يمكن رؤيتهم ـ حسب المعتقد العامي ـ ليلا خلال الفترة المتراوحة بين الساعة الحادية عشرة ليلا والواحدة صباحا عدا ليلة الجمعة التي هي لحظات ابتهاج عام يستغلها الجن للتسكع في عالمنا حتى صباح السبت, ومن اجل الحلول في عالم المرئي يضطر الجان الى تقمص اشكال الحيوانات والحشرات بغاية التنكر: حمار، كلب، قط، صرصور، فأر ولذلك يحاذر المغاربة ان يقتلوا او يلحقوا الاذى ليلا بحيوان او حشرة خصوصا اذا كان كلبا او قطا اسود.

ان الحديث عن المعتقدات المغربية حول الجان قد شكل موضوعا مغربيا للبحث الانتربولوجي منذ مطلع القرن العشرين، وفي حدود علمنا يمثل مؤلف الفنلندي (وستر مارك) اول واهم ما كتب حول الموضوع ولعل صعوبة اختصار الحديث عن تلك المعتقدات تأتي من كونها تختلف الى حدود التباين من منطقة مغربية الى اخرى.
ا
ن الجان يتكلمون فتصلنا اصواتهم دون ان تدركهم ابصارنا وهم مع ذلك من كل الاحجام والاشكال: فيهم الجان الصفر والحمر والبيض والسود، كائنات مهجنة تجمع في الشكل غالبا ما بين رأس الكلب وجسم الانسان وقوائم الدجاج وهم يتوزعون على قبائل يدين افرادها بثلاث ديانات اذ فيهم المسلمون واليهود والنصارى ولبعضهم عين وحيدة في الجباه، بينما الآخرون عميان.
الطعام
بيد انهم على اختلافاتهم الخلقية والدينية تجمعهم خاصية واحدة على الاقل وان الجن جميعا لا يأكلون سوى الطعام «المسوس» (اي من دون ملح) فهم ايضا يأكلون ويشربون ويتناسلون مع افضلية في الاذواق لأكل ريش الدجاج وشرب الدم وعشق الآدميات.

والجان طبعا يموتون لكن بعد عمر طويل يمضي بالجني الى قرون عدة وقبائل الجان لا تتبع تقسيما واحدا فبينما يذهب بعض الفقهاء الى تقسيمهم على عدد يراوح ما بين 400 الى 420 قبيلة تذهب المعتقدات الشعبية الى تفضيل العدد سبعة ذي القيمة السحرية المعروفة او اربعة تارة اخرى وحسب التصنيف السباعي هناك:

أنواع الجن
الجان الصفر: ولهم رؤوس كلاب مستديرة الشكل واجسام بشر مع ارجل دجاج ويقتاتون من العظام.
الصنف الثاني: لهم رؤوس كلاب طويلة واجسام بشر وقوائم تشبه تلك التي عند الدجاج وهم مثل الصنف الاول غذاؤهم المفضل الهياكل العظمية.
القبيلة الثالثة: وتضم الجان الحمر الذين لهم عين وحيدة في الجبهة وجوههم آدمية لكن طويلة وغذاؤهم الوحيد هو ما تحويه معدة البقر.
الصنف الرابع: يشبهون البشر ما عدا ارجلهم التي تشبه ارجل الدجاج وهم عمي بلحى طويلة يلتهمون كل ما يجدونه غير مالح من طعام في مساكن البشر التي يزورونهم ليلا.
الصنف الخامس: هم صنف من الجان شديد الشبه بالانسان لكن له اقدام الدجاج وهم مسلمون لا يحبون سوى اكل الخرفان.
الصنف السادس: هم جنود يعيشون دائما قريبين من قائدهم طعامهم يشبه طعام البشر لكن من دون ملح.
القبيلة السابعة: تضم الجان الزنوج.

وفي مقابل التقسيم السباعي لأصناف قبائل الجان بحسب اللون والمزاج والهيئة ونمط التغذية المفضل ينحو التقسيم الرباعي الى التمييز بين الجان بحسب العناصر الاربعة للكون التي خلقوا منها وهكذا:
جنون الأرض:
وهم الجنون المستوطنون للأرض التي نتحرك فوقها بالمعنى الذي يفي ان لهم خاصية التفوق على غيرهم من المخلوقات ويستوطنون كل الاماكن من حولنا التي يبتعد عنها البشر المغارات والاشجار والجبال والفيافي والصحارى وباطن الارض.
ولذلك ينبغي على كل من ذهب لقطع الاشجار وتكسير حجارة الجبل او التنقيب عن الكنوز او رمي اشياء في اماكن فارغة ان يتخذ بعض الاحتياطات الوقائية كي يتجنب رد فعلهم العنيف ان هو ألحق بهم الأذى دون قصد.
احتياطات واجبة
ومن هذه الاحتياطات ما هو شفوي مثل ذكر اسم الجلالة او النطق بالبسملة عند القيام بأحد تلك الاعمال، او طقوسي لاسترضاء «الجان الارض» كتقديم قرابين تراوح اهميتها حسب اهمية العمل ما بين وجبة طعام بسيطة من دون ملح او ذبيحة.
الجنون الناريين (الجان الناري):
وهم الاقرب الى اصل الجن الذين ذكروا في القرآن الكريم انهم كائنات مخلوقة من نار.
جنون الماء (جن الماء)
يعيشون قرب الانهار والمستنقعات وهم الاكثر خطورة من بين كل انواع الجن الاخرى ويتواجدون في الآبار والعيون والغدران والبحار واشهر هؤلاء هي الجنية «عيشة قنديشة» التي سنعود للحديث عنها باستفاضة فيما يلي.
الجنون الهوائيين (الأرياح):
مواطنهم الهواء، وهم الذين يحركون الزوابع والعواصف «يسكنون» البشر (بالمعنى الدارج الذي يعني حلولهم في اجساد وارواح البشر) للانتقام منهم ولذلك عندما يتحدث المغاربة عن شخص «مجنون» ان «مسكون بالجن» يقولون عنه انه «مرياح» او «فيه الارياح».
وتذهب معتقدات اخرى الى ان لكل آدمي «قرينه» اي نسخة منه في عالم الجن يولد مع مولده ويموت لحظة وفاته لكن اكثر الاساطير المغربية غرابة في موضوع الجان تبقى هي تلك المرتبطة بالمحكمة الكبرى للجن (بويا عمر) التي سنعود للحديث عنها فيما بعد.
فحول الوالي بويا عمر تنتشر بعض الاضرحة والمقامات الصغيرة لأولياء الجان الذين تعتبر زيارتهم والتبرك بهم جزءا اساسيا من الزيارة الاستشفائية لبويا عمر، وتوغل اسطورة ولي الجن (سيدي الطيبي بن عبو) القريب ضريحه (بويا عمر) في الغرابة فتحكي عنه انه يحفظ «ارشيفاً» كاملاً من ملفات الجن حيث يضم كل ملف اسم قبيلته وسنه وديانته والمكانة التي يحتلها في العوالم الغيبية الخ.
وفي ذلك يبدو التشابه غريبا بين «ارشيف سيدي الطيبي بن عبو» «ارشيف دوائر الشرطة والاستخبارات لدى بني البشر».
مشاهير الجن:
يحفل التراث الفلولكلوري في المغرب بالكثير من الحكايا والمعتقدات المرتبطة ببعض مشاهير الجن الذين يحملون صفات شنيعة واسماء غريبة تثير الرعب في نفس من ينطق بها: شمهاروش، عيشة قنديشة، التابعة، الخ,,, والراجح ان تلك المعتقدات هن بقايا معتقدات قديمة ما تزال تزن بثقلها في اللاوعي الجماعي للمغاربة حتى اللحظة الراهنة، ونقدم فيما يلي تعريفاً لبعض مشاهير الجن، وسنستثني منهم «ملوك الجن السبعة» الذين سنعود للحديث عنهم بشكل مستقل.
عيشة قنديشةمن اكثر شخصيات الجان شعبية لدى المغاربة انها «عيشة مولات المرجة» (سيدة المستنقعات) كما تصفها الاغنية الشعبية الذائعة الصيت ولها من الألقاب «لالة عيشة» او«عيشة السودانية» او «عيشة الكناوية» يلجأ اليها المغاربة حتى لقبها الغريب والمخيف: «قنديشة» الذي يجر النطق به لعنة غامضة.
بالنسبة الى الانثربولوجي الفنلندي (وستر مارك) الذي درس اسطورتها بعمق يتعلق الامر باستمرار لمعتقدات تعبدية قديمة، ويربط بين هذه الجنية المهابة الجانب (عشتار) الهة الحب القديمة التي كانت مقدسة لدى شعوب البحر الابيض المتوسط من القرطاجيين والفينيقيين والكنعانيين، حيث الذين كانوا يقيمون على شرفها طقوسا للدعارة المقدسة، وربما ايضا تكون «عيشة قنديشة» هي ملكة السماء عند الساميين القدامى اعتقدوا قبلنا في انها تسكن العيون والانهار والبحار والمناطق الرطبة بشكل عام.
كيف يتمثل المغاربة هذه «الجنية المائة»؟
- تارة يتم تصويرها في شكل ساحرة عجوز شمطاء وحاسدة تقضي مطلق وقتها في حبك الألاعيب لتفريق الازواج وتارة اخرى تأخذ شبها قريبا من «بغلة الروضة» (بغلة المقبرة) فتبدو مثل امرأة فاتنة الجمال تخفي خلف ملابسها نهدين متدليين وقدمين تشبهان حوافز الماعز او الجمال او البغال (بحسب المناطق المغربية).
وكل من تقوده الصدفة في اماكن تواجدها تغريه فينقاد خلفها فاقد الادراك الى حيث مخبؤها من دون ان يستطيع المقاومة وهناك تلتهمه بلا رحمة، بعد ان يضاجعها لتطفئ نار جوعها الدائم للحم ودم البشر.
والطريف في تداول الاسطورة ان تأثيرها لا ينحصر في اوساط العامة فقد كتب عالم الاجتماع المغربي الراحل (بول باسكون) في (اساطير ومعتقدات من المغرب) يحكي كيف ان استاذا اوروبيا للفلسفة في احدى الجامعات المغربية كان يهيِّئ بحثا حول «عيشة قنديشة» قد وجد نفسه مضطرا الى حرق كل ما كتبه حولها وايقاف بحثه ثم مغادرة المغرب، بعدما تعرض لحوادث عدة غامضة ومتلاحقة.
التابعة
من اناث الجن الشريرات هي الاخرى وكما يدل اسمها فإنها حسب الاسطورة «تتبع» الناس بلعنة سوء الحظ (العكس) وفي الاصل هي جنية تزحف فوق الارض الى ان تصادف امرأة تحمل رضيعا على ظهرها فتتسلق قدميها ثم ساقيها حتى تصل الى الظهر فتلتهم الصغير بوحشية.
لكن السيوطي كتاب (الرحمة) يقدم عنها صورة مخالفة (نعود الى الحديث عنها عند الحديث عن امراض الرضع).
بغلة القبور
«بغلة الروضة» (الروضة: المقبرة) او «بغلة القبور» او «عذابة القبور» هي اسطورة قروية تستوطن خيال ساكني القرى المنعزلة خصوصا في اعالي الهضاب والجبال باللهجة البربرية يسمى هذا المخلوق الخرافي «تمغارت نسمدال» بمعنى «عروسة القبور» وهي في تصور العامة بغلة تخرج من المقبرة حين يجن الليل، لتبدأ ركضها المجنون الذي لن تنهيه الا مع تباشير الصباح الاولى.
وفي ظلام الليل تبدو مضيئة بفعل الشرر الهائل الذي يتطاير من عينيها وتحدث حركتها جلبة مرعبة تمزق صمت الليل الموحش فوقع حوافرها وصليل السلاسل الحديدية التي تحملها في عنقها يرعب كل من يلمحها او يصادفها في طريقه.
واذا حدث ان صادفت في تجوالها الليلي رجلا تحمله على ظهرها الى حيث مستقرها في المقبرة وهناك تحفر له قبرا لتدفنه حيا او تأكله والامر مرتبط برغبتها وشهيتها وحسب الاسطورة فإن «بغلة القبور» كانت في وقت سابق من حياتها امرأة ترملت (اصبحت ارملة) ولم تلتزم بتعاليم العرف الاجتماعي الذي يلزمها باحترام «حق الله» اي ان تلبس ثيابا بيضاء طيلة فترة العدة ولا تغادر بيت الزوجية ولا تعاشر رجلا آخر خلال ذلك.
وبسبب عدم التزامها «حق الله» انتقم منها الله فكان جزاؤها اللعنة الابدية التي حولتها الى جنية لها هيئة بغلة تنام النهار مع الموتى وتمضي الليل «تتعذب» وفي بعض المناطق كان الناس يعتقدون ان في امكان «بغلة القبور» ان تتنكر لتدخل البيوت في هيئة قريب او صديق، وتختطف احد افراد الاسرة الى مقبرتها.
جنيات شالة
في داخل انقاض قاعدة الوضوء القديمة في شالة التي تغمرها مياه عين عذبة يطلق عنها سكان عدوتي الرباط وسلا اسم «عين الجنة» حاليا تشكل حوض ماء تناسلت حوله الاساطير وربما ليس ثمة ما يثير فضول زوار قلعة شالة المنزوية عند مكان مشرف على نهر ابي رقراق في العاصمة الرباط، اكثر من اسماك الحنكليس (السمكة الافعى) التي تسبح في الحوض.
فالمشهد المألوف ان يرمي الناس في ذلك الحوض قطع نقود ونتف البيض المسلوق لإطعام تلك الاسماك الاليفة لكن الاسطورة تذهب الى ان تلك السمكات الافعوانية الشكل هي مجرد تمظهرات فقط للجان الذين استوطنوا ذلك الحوض منذ القدم وتحكمهم ملكة هي عبارة عن سمكة حنكليس من نوع خاص جدا، حيث تختلف عن غيرها من الحنكليس بضخامة جسمها ويتدلى من رأسها شعر طويل كما انها تضع في اذنيها حلقتين من ذهب.
هي لم تخرج من مخبئها الاسطوري الا نادرا ـ حسب المعتقد ـ وحدث ذلك اثناء الليالي المقمرة فقط، وليس ذلك، لذلك لم يرها احد كل ليلة حين يلف الظلام اطلال القلعة الرومانية القديمة التي تحولت الى مقبرة للأسرة الملكية المرينية في القرون الوسطى تدب الحياة في كائنات الخفاء فتخرج جحافل الجان من «حوض الجنيات» اسرابا كثيفة مثل النحل لتملأ الفضاء الرطب والمعتم المتعلق على اسراره الابدية.
وفي تلك القلعة التي ظلت فاتنة بغرابتها عبر العصور تقول الاسطورة عن ملكة الجنيات تحرس المنافذ التي تقود عبر قنوات مذهبة من حوض «عين الجزة» الى اعماق الارض السحيقة حيث توجد كنوز سليمان.